الحجز كألية لتنفيذ الأحكام ضد الأشخاص المعنوية العامة

مقال بعنوان: الحجز والحجز لدى الغير كألية لمواجهة الإدارة والمؤسسات العمومية الممتنعة عن تنفيذ الأحكام

 مقال بعنوان: الحجز والحجز لدى الغير كألية لمواجهة الإدارة والمؤسسات العمومية الممتنعة عن تنفيذ الأحكام PDF

مقدمة
إذا كانت الأحكام القضائية الصادرة ضد الأفراد الحائزة لقوة الشيء المقضي به يتضمن في مواجهتهم إمكانية استخدام طرق التنفيذ الجبرية المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية كالحجز التحفظي والحجز التنفيذي وحجز ما للمدين لدى الغير والحجز العقاري، فان هاته الوسائل القانونية لا تجد لها تطبيقا الا في حالات خاصة حينها يكون الأمر يتعلق بمؤسسة عمومية ولما كانت المرافق العامة تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للصالح العام إلى أموالها العامة فقد كان من المتفق عليه أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء خدماته بصورة مضطردة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بها تحقيقا للنفع العام لذلك وتطبيقا لمبدأ عدم تعطل المرفق العام وعرقلته لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز، لكن يقابل هذا الحضر مبدأ ضرورة تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به احتراما لمبدأ المشروعية وسيادة القانون.

المبحث الأول: موقف الفقه والقضاء من نظرية الحجز على الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة:
المطلب الأول: وجهة نظر الفقه المغربي والمقارن في الحجز على أموال الدولة
المطلب الأول: موقف القضاء من الحجز على أموال الشخص المعنوي العام
المبحث الثاني: المسطرة المعتمدة في الحجز والحجز لدى الغير على ممتلكات الشخص المعنوي العام. 
المطلب الأول: مسطرة الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي 
المطلب الثاني: مسطرة الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي 

المبحث الأول: موقف الفقه والقضاء من نظرية الحجز على الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة: 

المطلب الأول: وجهة نظر الفقه المغربي والمقارن في الحجز على أموال الدولة

لما كانت المرافق العمومية تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للنفع العام إلى كل أموالها التي تعتبر الوسائل المادية التي تسعين بها على ممارسة نشاطها سواء العامة أو الخاصة فقد كان من المتفق عليه فقها وقضاء أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء وظيفته بصورة مضطردة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بخدماته تحقيقا للمصلحة العامة التي تذوب فيها كل مصلحة شخصية وتطبيقا لمبدأ عدم تعطيل المرفق العام لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز وقد قنن القانون المصري هذا الاتجاه بالقانون رقم 583 لسنة 1955 ونص على أنه: " لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذية أخرى على المنشآت والأثاث والأدوات المخصصة لإدارة المرافق العامة".
ونص المرسوم بقانون الفرنسي المؤرخ في 22/11/1790 في مادته الثامنة على أن : " أموال الدولة لا تشكل ضمانا للدائنين". ونصت المادة 9 من القانون الفرنسي المؤرخ في : 22 غشت 1791 على أنه : " يحضر كل أنواع الحجز عامة على أموال الدولة".
إذا كان هذا هو موقف بعض القانون المقارن من نظرية الحجز على الأموال العامة للدولة، فما هو موقف بعض الفقه من ذلك؟
لقد لاحظ والين ــ أن التنفيذ بالحجز والبيع على أموال الدومين الخاص يتعارض مع المصلحة العامة بقوله بما معناه فلكي نرض دائن فسوف تدفع له من عائد الضرائب ونقض على مصدر دائم للموارد العامة نكون بذلك قد قطعنا أحد فروع الشجرة لنحصل على مجرد ثمرة ويرى ذ السنهوري ــ في كتابه الوسيط الجزء الثامن من الباب المتعلق بهذا الموضوع بما معناه أنه إذا كانت حماية المال العام للانتفاع تفتضي منع انتزاع المال العام منها جبرا عن طريق الحجز عله لأن الحجز ينقلب إلى بيع جبري.
ويرى الأستاذ فتحي ــ في كتابه : [1]خلاف ذلك لقوله:" لكن عدم جواز الحجز قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام. فإذا كانت هناك بعض الأموال المخصصة لإدارة المرفق ولا يتعارض الحجز عليها مع سير المرفق هاته يمكن الحجز عليها".
وفي رده على يسار الدولة الذي يؤدي إلى حضر طرق التنفيذ الجبري ضدها يقول بما معناه أن الاحتجاج ليسار الدولة يرد عليه بأن التنفيذ الجبري لا يفترض إعسار المدين بل مجرد عدم الوفاء، فيسار المدين لا يحول دون التنفيذ ضده. ومن جهة أخرى فقواعد الحسابات الحكومية لا يمكن أن تكون حائلا دون اتخاذ الإجراءات القانونية لمجراها الطبيعي كما لا ينبغي أن يكون من شأنها التضحية بحقوق الغير في مواجهة الإدارة.
هذا هو موقف الفقه بين مؤيد ومعارض لنظرية الحجز على الأموال العامة للدولة فما هو موقف القضاء المغربي من هاته النظرية وخصوصا منها مسألة الحجز لدى الغير كوسيلة إجبارية للتنفيذ على المال العام للدولة والمؤسسات العمومية.

المطلب الأول: موقف القضاء من الحجز على أموال الأشخاص المعنوية العامة

إذا كان الحجز لدى الغير يعتبر من أهم الإجراءات التحفظية والتنفيذية المنصوص عليها بالباب الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلق بقواعد التنفيذ الجبري للأحكام الإلزامية لما يترتب عليه من غل يد المدين في التصرف في أمواله واستيفاءها جبرا منه بعد استنفاذ مسطرة التصديق على الحجز فإنه باستقراء العمل القضائي قبل دخول قانون المحاكم الإدارية حيز التنفيذ نجده لم يجرؤ على إيقاع الحجز على أموال الدولة والمؤسسات العمومية لملاءمة ذمتها ولأداء ديونها وفق قواعد المحاسبة وكانت طلبات إيقاع الحجز في مواجهة أشخاص القانون العام ترد دائما بعلة أنه لا يجوز الحجز على أموال المؤسسات العمومية لملاءمة ذمتها ولكونها لا يخشى عليها من العسر ــ ولم يسر عكس هذا الاتجاه القديم الذي كان يقول بعد جواز الحجز على أموال المرافق العامة لملاءة ذمتها حسبما نعلم من خلال الأحكام المنشورة والمطلع عليها سوى اتجاه القضاء الإستعجالي بالمحكمة الابتدائية بالرباط حسب الأمرين الاستعجالين الصادرين عن رئيسها الأمر الأول جاء فيه ما يلي ــ "لا يوجد أي نص يستثني الدولة من التنفيذ بل أن مبدأ المشروعية الذي يعتبر من أقدس المبادئ التي أقرها الدستور المغربي تجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون.....تبقى ملزمة بتنفيذ القرارات والأحكام الصادرة ضدها وإلا لما كان لمبدأ المشروعية أي معنى إذا كانت الدولة مستثناة من تنفيذ الأحكام " وقد جاء في الأمر الثاني ما يلي ــ" حيث إنه إذا كان العمل القضائي والفقه قد دأبا على السير في عدم الحجز على الأموال العامة وذلك حفاظا على السير العادي للمرافق العمومية وانطلاقا من أن المفروض في المؤسسات العمومية الإسراع في تنفيذ الأحكام والرضوخ لها تجسيدا المشروعية الذي ي يكرس سمو القانون بما يقتضيه من مساواة بين الأشخاص العاديين وأشخاص القانون العام.فإن هذا المبدأ أي عدم قابلية الأموال العمومية للحجز لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه وذلك كلما كان هنالك امتناع عن التنفيذ بدون أي مبرر هذا الامتناع الذي لا يمكن أن يفسر إلا بالتعسف في استعمال هاته الإمكانية وبالتالي وفي غياب كل نص قانوني فلا مانع من الحجز على هذه الأموال وبيعها لستيفاء حق المحكوم عليه إثبات لمشروعية وفعالية السلطة القضائية التي تتمثل في تنفيذ الأحكام ".
ويعتبر هذا الأمر ومثيله أعلاه مكسبا قضائيا وتطورا إيجابيا لمواجهة ظاهرة امتناع المؤسسات العمومية عن التنفيذ وقد أقر هذا الأمر الجريء قاعدتين أساسيتين أولهما أنه وبصحيح لا يوجد أي نص قانوني يمنع الحجز على أموال المؤسسات العمومية وثانيهما أنه لايمكن الاحتجاج على رد الحجز بالمبررات التقليدية المتمثلة في ملاءمة الذمة والحفاظ على السير العادي للمرفق وكون الإدارة رجل شريف يفي بالتزاماته في أسرع وقت ويرضخ لقوة الشيء المقضي به طالما أن الأمر يتعلق بامتناع غير مبرر عن التنفيذ لأنه ينطوي على التعسف في استعمال هاته الإمكانية ويخل بمصداقية تلك المبررات التقليدية.
وقد شكل هذا الأمر قاعدة ومرجعا في استصدار حجوزات ضد الإدارة سواء قبل دخول قانون المحاكم الإدارية حيز التطبيق أو بعده .هذا وإذا كان العمل القضائي السالف الذكر قد لقي استحسان لما ينطوي عليه من جرأة وشجاعة وقد تخطى بذلك الحاجز التقليدي الذي يتمثل في مبدأ عدم قابلية أموال الشخص المعنوي العام للمبررات السالفة الذكر من ملاءة ذمة وسير المرفق بانتظام وافتراض خضوعه وبإسراع لقوة الشيء المقضي به فإنه يصطدم دائما لموقف محكمة النقض الذي لم يجرؤ على إيقاع الحجز عل أموال الشخص المعنوي العام لافتراض ملاءة ذمته.
وإذا كان القضاء المغربي يعترف بمبدأ عدم قابلية الأموال العمومية للحجز حفاظا على السير العادي للمرافق العمومية فإن ذلك لم يمنع بعض المحاكم الإدارية من إعمال مسطرة الحجز على أموال المؤسسات العمومية الموجودة بين يدي الغير وهكذا ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط إلى إيقاع الحجز على أموال الوكالة الوطنية لمحاربة السكن الغير اللائق الموجود بحسابها لدى الخزينة العامة لتنفيذ حكم إدارية مكناس عدد 5 / 96 في إطار إنابة قضائية القاضي بتعويضات عن نزع الملكية وبعد إجراءات تبليغ محضر الحجز إلى الأطراف المعنية بالحجز المذكور وإنجاز مسطرة المصادقة على الحجز أصدرت المحكمة من حساب أمراــ يقضي بالمصادقة على الحجز لدى الغير ويأمر المحجوز بين يديه بإيداع الرصيد المتوفر لديه المحجوز عليه بكتابة الضبط لتوزيعه عن طريق المحاصة.

المبحث الثاني: المسطرة المعتمدة في الحجز على ممتلكات الأشخاص المعنوية العامة. 

المطلب الأول: مسطرة الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي 

في حالة توفر المعني بالأمر على سند تنفيذي بفتح ملف الحجز لدى الغير مباشرة لدى كتابة الضبط دونما حاجة إلى استصدار أمر قضائي وبعد تبليغ محضر الحجز لكل من المحجوز لديه والمحجوز عليه يستدعي الرئيس الأطراف لحضور جلسة الاتفاق الودي تلقائيا داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ التبليغ بمحضر الحجز فإذا حصل اتفاق بين الأطراف يحرر محضر بذلك ويأمر رئيس المحكمة المحجوز لديه بإيداع المبلغ المحجوز بصندوق المحكمة ليسلم بواسطة عون تنفيذ المحكمة إلى المستفيد أما إذا لم يحصل اتفاق تطبق مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 494 من ق م م باستدعاء الأطراف لجلسة أخرى للاستماع إليهم في مواجهة بعضهم البعض فإذا لم يحضر الأطراف ولم يقع الاتفاق فإن رئيس المحكمة بصفته هاته يتحول من قاض الصلح إلى قاض المصادقة دونما حاجة إلى تقديم دعوى المصادقة على الحجز.

المطلب الثاني: مسطرة الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي 

وهي تقريبا نفس مسطر الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي مع بعض المفارقات إذ أنه بمجرد استصدار الأمر القضائي بالحجز لدى الغير واستيفاء تبليغات محاضر الحجز المنصوص عليها بالفصل 492 من ق م م بفتح ملف الاتفاق الودي من طرف كتابة الضبط ويستدعي الرئيس الأطراف تلقائيا إلى جلسة الاتفاق الودي مع التنصيص على الجزاء المترتب في مواجهة المحجوز لديه إن لم يدل بالتصريح الإيجابي داخل الأجل القانوني وإذا وقع الاتفاق يحرر محضر بذلك ويأمر رئيس المحكمة المحجوز لديه بإيداع المبلغ المحجوز بصندوق المحكمة الذي يسلم بعد ذلك من طرف كتابة الضبط للمستفيد وإذا لم يتم الاتفاق سجل محضر عدم الاتفاق مع إحالة الأطراف على سلوك المسطرة اللازمة للمصادقة على الحجز لدى الغير.
والملاحظ أن المفارقات الموجودة بين مسطرة الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي ومثيلتها بناء على أمر قضائي. هي أن الأولى تتم بشكل تلقائي دونما حاجة إلى استصدار أمر قضائي ويتحول خلالها قاضي الصلح الذي هو عمليا رئيس المحكمة خلال مسطرة الاتفاق الودي في حالة عدم اتفاق الأطراف إلى قاضي المصادقة على الحجز دونما حاجة إلى تقديم دعوى المصادقة على الحجز بينما تكون الحالة معاكسة بمسطرة الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي. إذ تفتح مسطرة الحجز هنا بناء على أمر قضائي وفي حالة تسجيل عدم اتفاق الأطراف يحال المعني بالأمر على المسطرة اللازمة وهي تقديم طلب المصادقة على الحجز بمعنى أن طلب المصادقة يجب أن يقدم من طرف الحاجز طبقا لقواعد المسطرة المدنية ولا ينظر فيه بشكل تلقائي من طرف رئيس المحكمة كما هو الأمر في الحالة الأولى.
هذا وإذا كانت الفقرة الثالثة من الفصل 494 من ق م م تنص على جزاء الحكم على المحجوز لديه الذي لم يحضر أو لم يقدم تصريحه داخل الأجل القانوني بأداء الاقتطاعات التي لم تقع والمصاريف فإن تقديمه للتصريح الإيجابي ولو بعدم حضوره يغني عن ترتيب الجزاء المذكور كما أن العمل القضائي بمختلف المحاكم الإدارية قد تباين مرفقه حول الجزاء المقرر أعلاه بينما يذهب البعض إلى تحميل المحجوز لديه جميع الاقتطاعات التي لم تقع أي مبلغ الدين المعني بالحجز فضلا عن المصاريف يذهب الآخر إلى ضرورة تحميل المحجوز لديه فقط المبالغ المالية الموجودة بحوزته التي لم يصرح بها فضلا عن المصاريف.
هاته مجموعة من الإشكاليات حول مسطرة الحجز لدى الغير كان لابد من إثارتها بمناسبة معالجة إشكال الحجز لدى الغير في مواجهة أشخاص القانون العام باعتبار أن الأمر يتعلق بقضاء موحد، الذي يعني حتما وحدة المسطرة ووحدة التنفيذ.
__________________________________________
هوامش:
[1] - كتاب بعنوان " التنفيذ" ص 208. 

تعليقات