أسباب اكتساب الملكية في القانون المغربي

عرض بعنوان: أسباب اكتساب الملكية في القانون المغربي ( الاستيلاء و الالتصاق ) PDF

عرض بعنوان: أسباب اكتساب الملكية في القانون المغربي ( الاستيلاء و الالتصاق ) PDF

مقدمة:
تعتبر الحقوق العينية من الحقوق التي أولاها المشرع عناية فائقة لارتباطها الوثيق بحقوق وحريات الأفراد، ومن ضمنها الملكية التي تعتبر من الحقوق الأكثر حماية من طرف المشرع لكونها الأساس الذي تستقر بموجبه حياة الأفراد وينبني عليه تطور المجتمع.
إن الملكية بصفتها حقا من الحقوق العينية الأصلية بكونها : "السلطة المباشرة للشخص على الشيء وتخول صاحبه دون غيره بصورة مطلقة استعمال هذا الشيء واستغلاله والتصرف فيه وذلك في حدود النظام والقانون ودون تعسف".
لكن هذه الملكية لا تثبت اعتباطيا للشخص وإنما يجب أن تستند إلى مصدر أو سبب لاكتسابها لذا حاول الفقهاء كل من وجهة نظره إبراز هذه الأسباب ووضعها تحت الحصر وإن كانوا قد اتفقوا على حصرها إلا أنهم اختلفوا في ترتيبها.
والأسباب التي تؤدي إلى اكتساب الملكية وتجعل الشخص مالكا للشيء إما أن ترجع إلى التصرف القانوني أو إلى الواقعة.[1]
وإجمالا يمكن اكتساب حق الملكية بطريق الالتصاق والاستيلاء ، وعن طريق الشفعة والعقد والتقادم المكسب والإرث والوصية والنزع الجبري للملكية والحكم القضائي.[2]
وهناك جانب آخر من الفقه يعتبر الحيازة سببا من أسباب الملكية .
وقد اهتمت مدونة الحقوق العينية أسباب كسب الملكية وذلك في الكتاب الثاني من هذه المدونة .
سنتطرق في موضوعنا فقط إلى الاستيلاء و الالتصاق كأسباب لاكتساب الملكية. فما هوالاستيلاء وما هو الالتصاق وماهي الأحكام الخاصة بكل واحد منهما؟
لذلك سنقسم الموضوع إلى مبحثين:

المبحث الأول : الاستيلاء
المطلب الأول : الاستيلاء على منقول
الفقرة الأولى : شروط الاستيلاء
الفقرة الثالثة : أحكام الكنز
المطلب الثاني : إحياء أراضي الموات والحريم
الفقرة الأولى: إحياء أراضي الموات
الفقرة الثانية : إحياء أراضي الحريم
المبحث الثاني : الالتصاق
المطلب الأول : الالتصاق بفعل الطبيعة
الفقرة الأولى : طهي السيل
الفقرة الثانية : مجرى النهر واتخاذ مجرى جديد
الفقرة الثالثة : حكم الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات والبرك والأراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا
الفقرة الرابعة : حكم الجزر المكونة بشكل طبيعي داخل المياه : الإقليمية أو داخل البحيرات او في مجاري الأنهار
المطلب الثاني : الالتصاق بفعل الإنسان
الفقرة الأولى : قيام شخص ببذر أرض الغير
الفقرة الثانية : بناء وغرس المالك في أرضه بمواد مملوكة للغير
الفقرة الثالثة : البناء أو الغرس في أرض الغير بمواد مملوكة للباني أو الغارس
الفقرة الرابعة: حالة البناء أو الغرس في أرض الغير بمواد مملوكة للغير 

المبحث الأول : اكتساب الملكية بالاستيلاء 

الاستيلاء كسبب لكسب الملكية، يفترض أن الشيء الذي تكسب ملكيته ليس له مالك وقت الاستيلاء وعلى ذلك لا يرد الاستيلاء إلا على الأشياء ، فلا يرد على الأموال إذ وقت الاستيلاء كان الشيء لا مالك له ، فهو شيء لا مال ويصبح مالا بالاستيلاء.[3]
ويندر أن توجد أشياء لا مالك لها في المجتمعات المتحضرة، أما في المجتمعات البدائية التي لم تستغل مواردها الاقتصادية وفي المجتمعات الجديدة الناشئة ، وفي البلاد الصحراوية فكثير من أشيائها يكون لا مالك له، ومن ثم يرد عليه الاستيلاء وإذا كان الشيء الذي لا مالك له نادرا في المجتمعات المتحضرة فهو في العقار أندر منه في المنقول.
ذلك أن العقار تقبل الناس على تملكه، فلا يكاد يبقى عقار لا مالك له، وإذا بقيت أراضا غير مزروعة في الصحراء أو في الجبل لا مالك لها فيغلب أن يتدخل المشرع ويعتبرها ملكا للدولة ، كما فعل المشرع المصري عندما نص في المادة 874/1 من القانون المدني على ان الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة.[4]
و كما نص المشرع المغربي في المادة 222 من مدونة الحقوق العينية : "الاراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة ، ولا يجوز وضع اليد عليها الا باذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون ".
لذلك يجب التمييز في الاستيلاء بين المنقول والعقار.
المطلب الأول : الاستيلاء على منقول
بعد الاستيلاء[5] سببا لكسب ملكية الأشياء التي لا مالك لها عن طريق وضع اليد عليها بنية تملكها.[6]
والاستيلاء بهذا المعنى يتكون من عنصرين عنصر مادي يتجسد في الحيازة أي وضع اليد، وعنصر معنوي وهو وجود نية التملك.
ولما كان من غير المستساغ الاعتداد بالاستيلاء كسبب لاكتساب العقار، فإن المنقول يبقى تبعا لذلك المجال المعتد به لاكتساب الملكية عن طريق واقعة الاستيلاء هذا على اعتبار أن المنقولات هي من تكون في الغالب بلا مالك يتملكها ويتصرف فيها.[7]
ويتضح مما سبق أن الاستيلاء لا يتحقق من مجرد حيازة المنقول المباح انطلاقا من وضع اليد فحسب بل يلزم ضرورة توافر نية تملك ذلك المنقول لكن السؤال المطروح يتعلق بمفهوم وشروط المنقولات التي لا مالك لها بهذا الخصوص، وهذا ما سنعالجه فيما يلي:

الفقرة الأولى : شروط الاستيلاء 

يشترط في الاستيلاء الشروط الآتية :
1- أن يرد الاستيلاء على شيء منقول لا مالك له ، والأشياء التي لا مالك لها تصنف إلى الأنواع التالية :
أ‌. الأشياء المهملة او المتروكة ويراد بها تلك التي كانت في الأصل مملوكة ثم وقع التخلي عنها ومن ثم تصير وتصبح غير مملوكة لأحد.[8]
ومن صور هذه الحالة الأشياء القديمة أو البالية، كمن يترك سيارته التي أصابها حادث في الطريق العام لاستحالة إصلاحها وبنية التخلي عن ملكيتها ، فهي تصبح منقولا مباحا ولا يعد سارقا من يستولي على بعض قطع منها لأنه يصبح مالكا بالاستيلاء لهذه الأشياء.[9]
أما بخصوص الأشياء المسروقة أو الضائعة فلا تدخل في نطاق هذه الحالة إلا بعد مرور ثلاث سنوات كاملة (الفصل 456 مكرر من ق.ل.ع)
ب‌. الأشياء المباحة أو الخالية وهي تلك التي ليست في الأصل ملكا لأحد كالطيور في الجو والأسماك في البحار والأنهار والحيوانات غير الأليفة ما دامت طليقة.[10]
ويقصد بهذه الأشياء على العموم الأشياء المنتفع بها من قبل العامة باعتبار الأصل فيها أنها تخرج عن التعامل بحكم طبيعتها ولا يستأثر بها أحد لوحده إذ من يستأثر بقدر منها يمتلكه بإحرازه.[11] ومن أمثلة هذه الأشياء كما سبق قوله الحيوانات غير الأليفة طالما هي حرة، وهو ما سارت عليه بعض التشريعات العربية.[12]
2- أن يكون المنقول شيئا ماديا، على أساس أن الأشياء المادية وحدها من يجوز تملكها عن طريق الاستيلاء أما الأشياء المعنوية فلا يمكن تملكها بهذه الكيفية
ولفهم هذه الصورة نفترض مثلا أن فنانا قام بنحث تمثال أو رسم لوحة ثم بعد ذلك قام بإتلاف ما أنتجه عن بقاياه قاصدا سد الطريق أمام الغير للانتفاع بهذا الشيء، فإن مستولي ومحرز هذه البقايا المادية يتملكها بالاستيلاء باعتبارها بدون مالك ، ولكنه لا يكتسب الحق الأدبي الذي يقع على الإنتاج الفني لكونه لصيقا بشخص صاحبه.[13]

الفقرة الثانية : أحكام الكنز 

الكنز هو الشيء المنقول المدفون أو المخبأ الذي لا يقدر احد إثبات ملكيته ، والذي يعود عن طريق الاستيلاء لمالك الأرض أو البناء الذي عثر عليه فيه.[14]
وقد أكدت المادة 18 من القانون رقم 39.08 هذا التعريف بالتنصيص على أن "الكنز الذي يعثر عليه في عقار معين يكون ملكا لصاحبه وعليه الخمس للدولة".
فالواضح أنه لاعتبار الشيء كنزا وفق ما ذكر ، يقتضي ضرورة توافر عدة أحكام كما يلي :
1- أن يكون محل الكنز منقولا لم يثبت ملكيته لأحد وعليه فالمباني والأعمدة ونحوها من العقارات المدفونة لا تعد كنوزا.
2- أن لا يكون هذا المنقول مما يكون ذا قيمة تاريخية، وإلا اعتبر من الآثار ويسري عليها حكمها كما يشترط ان يكون من المناجم الطبيعية وإلا عد من المناجم وطبق عليه آنذاك أحكامها "أي هذه المناجم".[15]
3- أن يكون المنقول مدفونا أو مخبوءا، فإذا كان ظاهرا طبق عليه أحكام اللقطة.[16] ولا فرق أن يكون الدفن قديما أو حديثا .
إن استجماع الكنز للشروط المبنية أعلاه تكون عندئذ ملكيته لصاحبه شريطة استفادة الدولة من الخمس (5/1) حسب المادة 18 من القانون (39.08) .[17]
تجدر الإشارة أخيرا أن جزاء كتمان الكنز أو كتمان النصيب العائد للدولة يعاقب عليه في القانون الأردني بالحبس من ستة أشهر وبغرامة تصل لخمسين دينار.[18]

المطلب الثاني : إحياء أراضي الموات والحريم 

لم تكن إحياء الأراضي الموات والحريم منظمة من قبل بمقتضى نصوص قانونية إلا أنه حضي هذا السبب بعناية كبيرة من طرف فقهاء مختلف المذاهب الفقهية، وهم يكاد يتفقون على أن الأرض الموات هي الأرض التي لا مالك لها ولا عمارة فيها ولا ينتفع بها في الزراعة ولا بناء استنادا إلى قوله تعالى " والله أنزل من السماء ماء ، فأحيا به الأرض بعد موتها".[19] وإحياء أراضي الموات هي قيام الشخص بإعمال تؤدي إلى جعل الأرض غير المملوكة والتي لا يمكن الانتفاع بها على حالتها، صالحة للاستغلال.
ولقد تبنى المشرع المغربي موضوع إحياء أراضي الموات والحريم واعتبرها سببا مكسبا للملكية حيث عالجها في الباب الأول من القسم الأول المتعلق بأسباب كسب الملكية العقارية من مدونة حقوق العينية حي خصص لها المواد 222 إلى 226 من نفس المدونة وعليه سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين:

الفقرة الأولى : إحياء أراضي الموات 

قبل التطرق لأحكام إحياء أراضي الموات لابد من معرفة المقصود بأراضي الموات ولماذا سميت بهذا الاسم.

أولا : تعريف أراضي الموات ومشروعيتها
أ‌. تعريف الأرض الموات
هي الأراضي التي لم يكن لها مالك من قبل ولا تصلح للزراعة والتي أصبحت بدخول م.ح.ع حيز التنفيذ ملكا للدولة .[20]
وبذلك لا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة (المادة 222 من مدونة الحقوق العينية ).
وعرفها ابن الحاجب بكونها "الأرض المنفكة عن الاختصاص بنفع ".[21]
وإحياء الأراضي الموات هو مصطلح فقهي، يطلق على قيام الشخص بأعمال تؤدي إلى جعل الأراضي غير المزروعة وغير المملوكة والتي لا يمكن الانتفاع بها على حالتها الاستغلال.
وهذا يعني الأرض التي لا تصلح تسمى أرضا ميتة أو هواتا و إحياؤها يكون يجعلها صالحا للانتفاع بها ، وذلك مثل المستنقعات التي يتعذر استغلالها بسبب المياه التي تغيرها. ومثل الصحارى التي لا تتأتى زراعتها، ولا سكنى فيها لشدة جفافها، ومثل الارض المغطاة بالغابة لكن ان جفف المستنقع واصلح او جلبت المياه إلى الصحراء أو نقيت الأرض من الغابة فيصبح ذلك صالحا للاستغلال والسكنى والفلاحة وغير ذلك فإن ذلك يعتبر إحياء الموات .[22]
أما المشرع المغربي لم يعرف أراضي الموات تعريفا محددا ولكنه حدد مجموعة من الأفعال والتصرفات التي تتم بها عملية الإحياء وتجعلها صالحة للاستغلال وذلك في المادة 222 من مدونة الحقوق العينية وعموما يمكن تعريف الأرض الموات بأنها الأرض التي لا مالك لها ولا سبيل إلى الانتفاع بها إما لكون المياه قد غمرتها ويكون إحيائها بإزالة تلك المياه وحفرها عنها أو يكون سبب موتها الجفاف وانقطاع الماء عليها فيكون إحيائها بشق الجداول لإيصال الماء إليها أو حفر الآبار بها، وإما كون سبب مواتها عدم استوائها ، او توجد الأتربة والرمال والأحجار والنبات الضارة بها ، فيكون إحياؤها بتسويتها وإزالة هذه المضار عنها وبذلك يتم إستصلاحها وتصبح صالحة الاستغلال في الزراعة أو البناء وغيرها.[23]
وسميت بهذا الاسم لعدم الانتفاع بها كالميت لا ينتفع به.
ب‌. مشروعية إحياء أراضي الموات
لقد ثبت مشروعية إحياء أراضي الموات بالكتاب والسنة والإجماع.
1- في القرآن الكريم
وردت الأرض الموات في القرآن الكريم في عدة آيات كقوله تعالى : "والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون "[24]
وقوله تعالى أيضا " لئن سألتهم من أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها لبقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون"[25]
2- أما في السنة النبوية
وردت أحاديث كثيرة في هذا الموضوع فيها ما روى عن سعيد بن زيد أن النبي (ص) قال " من أحيا أرضا ميتة فهي له ".[26]
ما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت قال (ص) " من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها ".[27]
3- الإجماع
لقد اتفق فقهاء الإسلام على جواز إحياء أراضي الموات،[28]
ويرى الفقهاء أن كل من وضع يده على أرض ميتة مملوكة لأحد وقام بإحيائها وتحويلها إلى ارض صالحة للاستغلال، تصبح مملوكة له ملكية تامة .
ولذلك استنادا للحديث الشريف " من أحيا ميتة فهي له " ويرى المالكية أنه يمكن لكل شخص أن يقوم بإحياء الأراضي الموات ولا يحتاج في ذلك إلى الموات على إذن أو رخصة من الدولة إلا بالنسبة للأراضي القريبة من العمران حيث لا يجوز إحياؤها إلا بعد الحصول على الإذن بذلك لأن السماح بإحياء تلك الأراضي من غير الحصول على رخصة بذلك يدفع الناس إلى التسابق إليها والتنافس في الحصول عليها وذلك يؤدي إلى مشاحنات ومنازعات حول الأراضي الموات.[29]
لكن نظرا لما قد ينشأ من منازعات ومشاحنات حول هذا التحفيظ وحسما لذلك قرر المشرع في المادة 222 من مدونة الحقوق العينية، تعميم تملك الدولة للأراضي الموات كلها بدون تخصيص ولا تقييد واعتبار هذه الأراضي الموات التي لا مالك لها هي ملك خاص للدولة ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون وقد اعتبر المشرع إحياء الأرض الموات سبا مكسب للملكية وذلك بصريح المادة 222 من م ح ع.
ويرى الفقهاء أن وضع اليد على الأراضي الموات يتم عبر مرحلتين التحجير والإحياء ولكل واحد منهما إجراءاتها الخاصة. 

ثانيا: التحجير 
يقصد بالتحجير وضع العلامات ، ويتم إحياء الأرض الموات بتحجيرها ، وذلك بوضع الأحجار حول الأرض التي يراد إحياؤها، كعلامات تدل على سبقية وضع اليد عليها ، ولا يقتصر التحجير على ذلك بل يتعداه ليشمل كل تصرف يدل على وضع اليد.[30]
وتحجير الأرض الموات لا يثبت ملكيتها لصاحبه، بل يجعله أولى بإحيائها من غيره، وينتظر مدة ثلاث سنوات، فإن أحياها خلال هذه المدة ملكها وإلا أخذت منه وأعطيت لغيره.[31]
وعليه ينتهي ويسقط حقه المكتسب بالتحجير ، وهذا الحق ينتهي بأحد الأمور التالية :
- مضي مدة ثلا سنوات فإذا لم يقم خلالها المحجر بعمل جاد بإحياء الأرض وهي مدة الورادة بالحدي النبوي "... وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين"
- عدم القدرة على الإحياء : فإن اتضح عدم قدرة المحجر على الإحياء اما لفقره او لعجزه عن تهيئة أسبابها اللازمة ، فلا اثر التحجير لغيره إحياؤها.[32]

ثالثا: شروط الإحياء 
يمكن إجمال شروط إحياء الأرض الموات بصفة عامة في مايلي :
1- أن تكون أرض الموات غير مملوكة للأحد: وهذا ما يستفاد من المادة 222 م.ح.ع حيث نص على "الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة ، ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا لقانون"
وعليه فإذا كانت الأرض قد سبق وضع اليد عليها شرعا لا يصلح لأحد إحياؤها حتى ولو كانت اليد ضعيفة كالتحجير.
2- ألا تكون أرض الموات مرتفقا لأهل البلد كمرعي وطرق وشوارع وحدائق ومقابر ومسايل المياه فلا يصح إحياء ذلك لتعلقها بالنفع العام .
3- ألا تكون حريما للعامر.
إضافة إلى الشروط أعلاه اشترط المشرع المغربي شروط من أجل إحياء الأراضي الموات وهي :
4- أن تتم بإذن صريح من السلطة، فأراضي الموات في وقتنا الحاضر في مجملها ملكا للدولة ، ولتصرف فيها بأحيائها لابد من الحصول على إذن صريح من السلطات المختصة .
5- أن يكون إحياء أرض الموات بجعلها صالحة للاستغلال وذلك بزراعتها أو غرس أشجار بها أو إقامة منشأة عليها أو تفجير ماء بها أو صرفه عنها.[33]

رابعا : الآثار المترتبة على الأحياء 
بعد أن تتم عملية الإحياء بكل مقوماته وشروطها يصبح من حق الشخص الذي أحيا الأرض حق استغلالها.
وعليه فالسؤال الذي يطرح هذا ما هو الحق المكتسب بموجب عملية الإحياء ؟ فهل يترتب عن الإحياء اكتساب الشخص ملكية تامة أم ملكية ناقصة ؟
طبقا للمادة 222 الذي ينص على الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون".
والمادة 223 من ح ع من احيا أرضا من الأراضي الموات بإذن من السلطة المختصة فله حق استغلالها.
باستقراء هذه المواد يتضح أنه يترتب على عملية الإحياء اكتساب المحيي للأرض حق استغلال الأرض الموات التي تتم إحياؤها ، وعليه فإن الملكية التي تنقل إلى محي الأرض هي الملكية الناقصة وليس الملكية التامة، إذ أن هذا الإحياء يخول لصاحبه حق الاستغلال فقط الذي هو عنصر من عناصر حق الملكية الثلاث (الاستعمال، الاستغلال، التصرف) وحق الملكية يعد أوسع الحقوق العينية نطاقا بل هو أم الحقوق ومنه تتفرغ باقي الحقوق الأخرى ، وعليه فإن عملية الإحياء يترتب عليها مجرد حق الانتفاع بها دون التصرف الاستعمال ، إضافة إلى ذلك أن المشرع اعتبرها ملكا للدولة.
فالسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو بالرغم من أن المشرع المغربي نظم إحياء أراضي الموات ضمن الكتاب الثاني من م ح.ع المتعلق بأسباب كسب الملكية العقارية، فإنه لم يعتبرها من بين آليات انتقال الملكية العقارية فهي في الأصل حسب التشريع المغربي ملكا للدولة ويعود لها وحدها حق التصرف فيها، ولاستغلالها من طرف الخواص لا بد من استصدار إذن السلطة المختصة. 

الفقرة الثانية : إحياء أراضي الحريم 

الحريم في اللغة : هو ما حرم فلا ينتهك ولم يمس
وفي الاصطلاح : يقصد بالحريم مساحة محيطة بالدار أو البئر أو البلدة، وقد تطرق المشرع المغربي للحريم من خلال المادة 226 من مدونة الحقوق العينية حيث نص على " يختص اهل البلدة أو مالك الدار أو درب البئر أو الشجر بالحريم ويمنع الغير من استغلاله أو أحداث أي شيء فيه، وكل ما يضر بهذا الحريم يزال".
يحدد الحريم على النحو التالي :
- حريم الجماعة أو البلدة مداخلها ومخارجها المؤدية إلى هذه الجماعة أو البلدة .
- حريم الدار ما يرتفق به أهلها في إقامتهم بها، وتشترك الدور المجتمعة في حريم واحد وينتفع به أهل كل دار بما لا يضر بغيرهم من الجيران.
- حريم البئر او الثقب أو أي مورد من موارد المياه السطحية أو الجوفية هو ما يسع واردها ويكون إحداث شيء فيه ضارا هاو بمائة.
- حريم الشجرة ما تحتاج إليه في سقيها ومد جذورها وفروعها مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في المواد المتعلقة بقيود الجوار.
وعليه فالأراضي المملوكة لشخص إذا أهملها صاحبه حتى صارت ميتة فلا يعتبر إحياؤها من طرف الغير بسبب لملكيتها.[34]
بل تبقى مملوكة لصاحبها القديم وكذلك الأمر بالنسبة للحريم التابع للأراضي المملوكة فلا يعتبر إحياؤها سببا لملكيتها، وإنما تبقى في ملكية مالك الدار وأهل البلدة أو رب البئر كما فصلت في ذلك المدونة.[35]

المبحث الثاني : اكتساب الملكية بالالتصاق 

يعد الالتصاق سبب من أسباب كسب الملكية عالجه المشرع المغربي في الفصل الثاني القسم الأول المتعلق بأسباب كسب الملكية والالتصاق في مفهومه الواسع يعني اتصال أو اندماج شيئين معا يكون على الغالب أحدهما تبعيا والآخر أصليا سواء نتج عن ذلك إحداث أو نقل ملكية جديدة أو لم ينتج.[36] كما عرفه السنهوري " الالتصاق هو اندماج أو اتحاد شيئين متميزين أحدهما عن الآخر ، و مملوكين لمالكين مختلفين".[37]
وعليه يمكن تعريف الالتصاق بأنه اتحاد شيئين ببعضهما البعض مملوكين لشخصين مختلفين على نحو يتعذر الفصل بينهما دون تلف سواء كان ذلك بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان، مما يترتب عليه إلحاق ملكية الشيء التعي بالشيء الأصلي.
ولقول بوجود الالتصاق لا بد من توفر الشروط التالية :[38]
1- أن يوجد شيئان مختلفان بحيث يمكن التمييز بينهما بمعنى عدم تولد أحد الشيئين المتلصقين عن الآخر وأن يكون أحدهما أكثر أهمية من الآخر بحيث يمكن اعتبار أحدهما أصلا والآخر تابعا.
2- أن يتخذ الشيئان اتحادا ماديا بحيث يصعب الفصل بينهما دون تلف
3- أن يكون الشيئان مملوكين لمالكين مختلفين، أما إذا كان مملوكين لنفس المالك فلا يمكن تطبيق قواعد الالتصاق .
4- ألا يوجد اتفاق بين مالك الشيئين على الالتصاق فاندماج بين الشيئين يتم دون رضا أحد المالكين أو كلاهما، فإذا وجد اتفاق سابق على الاندماج طبقت أحكامه دون أحكام الالتصاق .
وميز المشرع المغربي الالتصاق بالعقار بين نوعين من الالتصاق وهما: الالتصاق بفعل الطبيعة (المطلب الأول) والالتصاق بفعل الإنسان (المطلب الثاني ).
وسيتم الحديث عن أنواع الالتصاق والأحكام الخاص بكل واحد منهما وفق المحاور المبينة أعلاه.

المطلب الأول : الالتصاق بفعل الطبيعة 

الالتصاق الطبيعي هو : ما يحدث بدون عمل الإنسان وإنما بفعل الطبيعة[39] ويتحقق هذا الالتصاق نتيجة تراكم الطمى الذي يجلبه النهر أو نتيجة تغير مجرى النهر أو نتيجة انحسار المياه عن الأراضي.
ولقد تطرق المشرع إلى حالات التصاق الطبيعي في المواد من 227 إلأى 230 من مدونة الحقوق العينية وهي كالآتي:

الفقرة الأولى : طمي السيل 

أشارت إلى هذه الحالة المادة 227 من م ح ع " الطم الذي يأتي به السيل إلى أرض يملكها الغير يصبح ملكا لصاحب هذه الأرض "
والطمي هو الطين الذي يجلبه السيل إلى اليابسة بطريقة تدريجية ودون أن يلفت النظر فيكون بطميه أراضي جديدة تجاوز أراضي مملوكة لأشخاص اخرين.[40]
وعليه فالطمي الذي يجلبه إلى الأرض الذي يملكها الغير يصبح جزءا منها ويكون ملكا لصاحبها بطريقة الالتصاق.

الفقرة الثانية : تغيير مجرى النهر واتخاذ مجرى جديد 

تطرقت إلى هذه الحالتين المادة 228 من م ح ع "إذا وقع تغيير في مجرى النهر أو اتخذ النهر مجرى جديدا فإنه تسري في شأنهما الأحكام المنصوص عليها في المادتين 3 و 4 من قانون 10.95 المتعلق بنظام المياه".
وبالرجوع إلى المادتين المذكورتين من القانون 10.95 المتعلق بالماء يلاحظ أن المشرع أشار إلى ما يلي :
إذا حصل تغيير في مسيل مجرى مائي لأسباب طبيعة ، تنتقل حدود الضفاف الحرة تبعا للعرض المحدد في المادة 2 من القانون رقم 10.95 المذكور سابقا مع الميسل الجديد.
في حالة تراجع المياه، تضم إلى الملك العام المائي المنطقة الموجودة بين الحدود القديمة و الحدود الجديدة للضفاف الحرة، دون تعويض للمالك الذي ستكون له فقط إمكانية إزالة المنشآت والإنشاءات المشيدة من قبله، وكذا جني المحصول القائم وفي حالة تقدم المياه تسلم المنطقة المذكورة مجانا للمالك المجاور إذا ثبت ملكية لها من أن تغطيها المياه وشريطة المنطقة احترام الارتفاقات الناتجة أو التي قد تنتج عن العرف او عن القوانين والأنظمة .
يضم إلى الملك العام المائي مع الضفاف الحرة التي يحتويها المسيل الجديد الذي يشقه المجرى المائي بشكل طبيعي أو بدون تدخل الإنسان.
وإذا لم تهجر المياه كلية المسيل القديم، فليس لمالكي العقارات التي يخترقها المسيل الجديد الحق في أي تعويض.
وعلى العكس إذا تركت المياه كليا المسيل القديم يكون للمالك الحق في التعويضات.

الفقرة الثالثة : حكم الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة. 

تنص المادة 229 "الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات والبرك والأراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا والمستنقعات تبقى على حالها ملكا عاما للدولة، كما أن الأراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا تظل على ملكية أصحابها".
تتكلم المادة موضوع الشرح، على حكم الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات والبرك، وعن حكم الأراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا.
ففي الحالة الأولى : يقضي قانون المياه بأن الأراضي التي تتكون من طمي النهر والأراضي التي تنكشف عنها مياه البحر، هي من أملاك الدولة فيجوز للدولة التصرف فيها، كما أن الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كمياه البحيرات والبرك والمستنقعات ، تبقى على حالها ملكا عاما للدولة، أي أن ملاك الأراضي المجاورة لمجاري هذه المياه الراكدة والبحيرات والبرك المنحسرة، لا يملكون ما تنكشف عنه من أراضي ، فالأرض التي تنكشف هذه المجاري هي إذن من أملاك الدولة الخاصة، كالأراضي التي ينكشف عنها البحر.
وفي الحالة الثانية : يكون حكم الأراضي التي تغمرها المياه الراكدة، مثل البحيرات والبرك والمستنقعات بصفة مؤقتة ، ثم ترجع إلى حالتها الأولى، أي قبل أن تغمرها المياه ففي هذه الحالة تظل تلك الأراضي على ملكية أصحابها ، كما جاء في المادة موضوع الشرح ، والتي تقضي بأن ملاك الأراضي المجاورة لمجاري هذه المياه الراكدة لا يملكون ما تنكشف عنه أراضي ، فالأراضي التي تنكشف عنها هذه المجاري هي إذن من أملاك الدولة العامة ، كالأراضي التي ينكشف عنها البحر.
كذلك إذا غمرت مجاري هذه المياه الراكدة الأراضي المجاورة بصفة مؤقتة، فإن ملاك هذه الأراضي لا يفقدون ملكيتها، ويستطيعون العودة إلى حيازتها إذا انحسرت عنها المياه.[41]

الفقرة الرابعة : حكم الجزر المكونة بشكل طبيعي داخل المياه الإقليمية أو داخل البحيرات او في مجاري الأنهار 

المادة 230 من م ع " الجزر التي قد تتكون بصورة طبيعية داخل المياه الإقليمية أو داخل البحيرات أو في مجاري الانهار تكون ملكا عاما للدولة "
المباه الإقليمية أو داخل البحيرات أو في مجاري الأنهار، تقدم لنا أن الأرض التي تتكون من طمي يجلبه النهر بطريقة تدريجية غير محسوسة تكون ملكا للملاك المجاورين، بحيث يجب إذن أن يتراكم الطمي على ضفة النهر وبجانب الأرض المجاورة مندرجا في خلال مدد طويلة متعاقبة وعلى وجه غير محسوس.
كما أشرنا إلى أن النهر في أوقات فيضانه الشديد، قد يحول جزءا من الأرض عن مكانه إلى مكان آخر، في نفس الضفة أو في الضفة المقابلة وقد ينكشف النهر عن أرض كانت جزءا من مجراه ، ويغمر أرضا أخرى فتحول مجرى له، وقد يكون الطمي في وسط مجراه ويغمر ارضا اخرى فتتحول مجرى له وقد يكون الطمى يحبطها من جميع الجهات، وقد تتكون هذه الجزر عن طريق تحويل النهر أرضا من مكانها والقذف بها في وسط المجرى ، فتعلو على منسوب المياه وتصبح جزرا في مجرى النهر ، وهذه العمليات جميعا – تحويل الأرض من مكانها والانكشاف عنها وتكوين الجزر تتضمن ظهور أرض جديدة في مكان لم تكن فيه.
وعليه فالأرض التي تتكون وتتحول من مكانها والانكشاف عنها، وتكوين الجزر بعد التحويل و الانكشاف، والتي تتكون بصورة طبيعية لا يد إنسان في ذلك ويبرر داخل المياه الإقليمية بالنسبة للمياه البحر وشواطئه، أو الجزر التي تتكون داخل البحيرات أو تظهر في مجاري الأنهار، تكون ملكا عاما للدولة، وهذا هو المنصوص عليه في المادة موضوع الشرح.

المطلب الثاني : الالتصاق بفعل الإنسان 

جاء في المادة 231 "إن مار الأرض الطبيعية أو الصناعية والثمارالمدنية ونتاج الحيوان هي المالك بطريق الالتصاق".
لقد حددت مدونة الحقوق العينية حكم الثمار الطبيعية أو الصناعة أو المدنية ونتاج الحيوان على أنها تعود للمالك بطريق الالتصاق، وهذا الأخير هو الذي يتم بفعل الإنسان وذلك كأن يقوم الشخص ببذر حقل غيره، أو يقوم ببناء أو غرس أرضه بمواد مملوكة للغير ، وكأن يبني أو يغرس أرضا مملوكة لغيره سواء بمواد يملكها هو أو غيره وقد نظمت المدونة حالات الالتصاق الصناعي في فرضيات متعددة من المواد 231 إلى 238 كالآتي:

الفقرة الأولى : قيام شخص ببذر أرض الغير 

تعرض المشرع لهذه الحالة ضمن المادة 232 من مدونة الحقوق العينية وميز فيها بين الزراع سيئ النية والزارع حسن النية حيث جاء فيها " إذا زرع شخص أرضا مملوكة للغير بسوء نية، فإن أخذها مالكها قبل فوات وقت الزراعة فهو مخير بين المطالبة بقلع الزرع مع التعويض إذا كان له ما يبرره، وبين تملك الزرع مع دفع نفقاته إلى الزراع ومنقوصا منها أجرة القلع ، وإن أخذها بعد فوات وقت الزراعة فله الحق في أجرة المثل مع التعويض إن كان له ما يبرره.
أما إذا زرع شخص أرض غيره بحسن نية كمن استأجر أرضا من غير مالكها، فإن استحق المالك أرضه قبل فوات وقت الزراعة فللزراع أجرة المثل، وإن استحق المالك أرضه بعد فوات وقت الزراعة فليس له إلا الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من المتسبب فيه".
ومن مستجدات مدونة الحقوق العينية في هذا الصدد التكريس التشريعي لصاحب الأرض في المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء ، إذ لا شك أن تقدير التعويض في هذه الحالة يكون على أساس ما لحق بالمتضرر من خسارة وما فاته من كسب، وعلى المحكمة أن تبرز ما اعتمدته في تقدير التعويض حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها بشأن حقيقة الضرر الذي لحق بالمدعي .[42]
الفقرة الثانية : بناء وغرس المالك في أرضه بمواد مملوكة للغير
المبدأ حسب مدونة الحقوق العينية أن كل البناءات و الأغراس الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها ما لم تقم بينه على خلاف ذلك،[43] حيث جاء في المادة 235 من مدونة الحقوق العينية " كل البناءات و الأغراس والمنشآت الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها وعلى نفقته وتعتبر ملكا له ما لم تقم بينة على خلاف ذلك".
لكن إذا ما أقام المالك بناءات أو أغراس ومنشآت بمواد ليست له يجب عليه أداء القيمة التي كانت لتلك المواد وقت استعمالها وذلك بغض النظر عما يمكن أن يطالب به من تعويضات وليس لصاحب المواد الحق بعدما أدخل عليها تغييرا طبقا لنص المادة 236 من مدونة الحقوق العينية .
وبالتالي فمدونة الحقوق العينية أسست لفرضية تملك الغرس أو البناء من قبل صاحب العقار إذا ما تبدلت معالم المواد المستعملة كما في الأعمدة الرخامية التي اسند إليها السقف وكما في الخشب الذي صنعت منه النوافذ والأبواب الملصق بها البناء ومثل الاسمنت والرمل التي شيدت بها الجدران لكن هذا التملك يكون مقابل أداء قيمة المواد لصاحبها وتعويضه عن الضرر عند الاقتضاء كان يثبت أن قيمة تلك المواد قد ارتفعت عما كانت عليه يوم استيلاء مالك الأرض عليها .[44]
وبمفهوم المخالفة إذا ما كانت المواد المستعملة يمكن نزعها مثل المرايا المعلقة بالجدران والرفوف المتحركة والأقفال فيجب لصاحبها أن يستردها وإذا تطلب نزع المواد من البناء مصاريف فيمكن إلزام صاحب البناء أو بالأرض بأدائها.[45]

الفقرة الثالثة : البناء أو الغرس في أرض الغير بمواد مملوكة للباني أو الغارس 

نصت على هذه الحالة المادة 237 من مدون الحقوق العينية بقولها : إذا قام أحد بإحداث أغراس أو بناءات أو منشآت عن سوء نية وبدون علم مالك العقار فلهذا الأخير الحق إما في الاحتفاظ بها مع أداء قيمة المواد وإما إلزام محدثها بإزالتها على نفقته مع إرجاع حالة الأرض إلى ما كانت عليه قبل إحداث الأغراس أو البناء أو المنشآت.
أما إذا أحدثت الأغراس أو البناءات أو المنشآت من طرف شخص انتزعت منه الأرض في دعوى استحقاق ولم يحكم عليه برد ثمار نظرا لحسن نيته فإن العقار لا يمكنه أن يطالب بإزالة المنشآت أو الأغراس او البناءات المذكورة، غير أنه يمكن له الخيار بين أن يؤدي قيمة المواد مع أجرة اليد العاملة أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن المشرع سمح لمالك العقار بالاحتفاظ بالبناء أو الغرس أو المنشآت المقامة على أرضه من طرف الغاصب سيء النية مقابل أداء قيمتها فإن الحكم بها مقيد حسب القضاء المغربي بمطالبة الغاصب سيء النية ، حيث قضت محكمة النقض بنقض قرار استئنافية مراكش التي بنت قراراها على ضرورة أداء قيمة المواد دون أن يطالب بها الغاصب.[46]
أما إذا اختار المالك إرجاع الحالة إلى سابق عهدها فإن ذلك يبقى معلقا على إمكانية نفاذ هذا الاختيار، مما يعني أنه لو كان أمرا مستحيلا كما إذا تصرف المالك في أرضه ببيعها وما عليها من منشآت أدى للغارس أو الباني السيئ النية قيمة البناء أو الغرس.[47]
هذا على خلاف الباني أو الغارس حسن النية بحيث لا يمكن مطالبته بأي حال من الأحوال بهدم البناء وإعادة الأمور إلى حالتها وهي القاعدة التي كرسها القضاء المغربي في العديد من قراراته من ذلك ما قضت به محكمة النقض في إحدى قرارتها مما جاء فيها : " الباني في ملك الغير في عقار محفظ عن حسن نية لا يطال بهدم البناء و إزالة الأغراس و غيرها مما يكون قد أحدثه في ملك الغير.."[48]

الفقرة الرابعة : حالة البناء أو الغرس في أرض الغير بمواد مملوكة للغير 

لم تتعرض مدون الحقوق العينية لهذه الحالة ، ولكن من خلال ما تناوله الفقه على ضوء ظهير 19 رجب 1333 يمكن التمييز بين بعض الحالات:

أولا : علاقة الباني أو الغارس مع صاحب المواد 
لا يمكن هنا لصاحب المواد استرداد مواده لأنها اندمجت بعقار بطبيعته وفقدت ذاتيتها ، ويحق له مطالبة الباني بتعويض يوازي قيمتها وإذا أصيبت بضرر فيمكن مقاضاة الباني طبقا لقاعدة الإثراء بلا سبب ويكون له توقيع حجز تحفظي على ما يترتب في ذمة المالك إزاء الباني أو الغارس من تعويض .
أما إذا أحدثت الأغراس أو البناءات أو المنشآت من طرف شخص انتزعت منه الأرض في دعوى استحقاق ولم يحكم عليه برد ثمارها نظرا لحسن نيته فإن مالك العقار لا يمكنه أن يطالب بإزالة المنشآت أو الأغراس أو البناءات المذكورة غير أنه يمكن له الخيار بين أن يؤدي قيمة المواد مع أجرة اليد العاملة أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك، هذه الحالة ميز فيها المشرع بين الباني أو الغارس سيء النية الذي يعلم أن الأرض مملوكة لغيره وبين ما إذا كان حسن النية يعتقد أن له الحق في إقامة المنشآت :
1- الباني أو الغارس سيئ النية :
وهو الذي لا يستند في وضع يده على الأرض التي أقام عليها بناء أو غرس فيها أشجارا إلى أي سبب ناقل للملكية كما في حالة النصب،[49] فإنه يكون لمالك الأرض الخيار بين أمرين :
- إما الاحتفاظ بتلك المنشآت مقابل أداء قيمة المواد إلى الباني أو الغارس سيء النية.
- أو يلزم الباني أو الغارس بإزالتها على نفقته وإرجاع الأرض إلى ما كانت عليه.
2- الباني أو الغارس حسن النية
معنى حسن النية هنا أن يعتقد الباني أو الغارس أنه له الحق في إقامة المنشآت وليس معناه حتما أنه يملك الأرض.[50]

ثانيا: علاقة الباني أو الغارس مع صاحب الأرض 
هذه الحالة تتلاقى مع الحالة الواردة في المادة 232 من مدونة الحقوق العينية بحيث نميز بين الباني والغارس سيء النية والباني أو الغارس حسن النية ، فإذا كان سيء النية فإنه يمكن إجباره على هدم البناء أو قلع الأغراس ما لم يفضل المالك إبقاءها ودفع قيمة تلك المواد إما إذا كان حسن النية فإنه لا يجبر على نزع الأبنية ويدفع به المالك قيمة المواد و أجرة العمل أو قيمة ما زاد في ثمن الأرض بسببها.
طبقا لما سبق ذكره فإن الالتصاق سواء كان بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان يؤدي إلى كسب الملكية العقارية. 

خاتمة : 
لقد تم التطرق أعلاه الى موضوع طرق انتقال الملكية العقارية سواءا كانت تامة (الالتصاق)أو ناقصة (احياء اراضي الموات المتمثلة في حق الاستغلال) على ضوء مستجدات جاء بها القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
وعليه فأول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا المجال أن المشرع المغربي عمل على تنظبم و جمع الاحكام المتعلقة باسباب كسب الملكية العقارية في قانون 39.08 مستمدا احكامه من قواعد الفقه المالكي و الاجتهاد القضائي و هده خطوة مهمة تحسب للتشريع المغربي التي ادت الى القضاء على اهم مشكل كان يعاني منه العقار المغربي و المتمثل في ازدواجية القوانين التي كان يخضع لها اد كان العقار المحفظ يخضع لظهير 2 يونيو 1915 بينما كان يخضع العقار الغير المحفظ و الذي في طور التحفيظ الى ظهير 19 رجب 1313 و الراجح المشهور و ما جرى به العمل في الفقه المالكي كما ان تنظيم طرق انتقال الملكية العقارية سيحسم العديد من الاشكالات المطروحة في هذا المجال و من شانه ان يضمن اسقرار المعاملات بين الافراد و المجتمع و ما لذلك من انعكاس ايجابي على التنمية الاقتصادية
واذا كانت مدونة الحقوق العينية من خلال تنظيمها لأسباب كسب الملكية العقارية استطاعت إلى حد ما سد العديد من الثغرات التي كانت ورادة في ظهير 19 رجب و ظهير 2 يونيو 1915 كتنظيمها مثلا لعقد الشفعة و أسباب الالتصاق وشروطه وتنصيصها على إحياء أراضي الموات والحريم وشروطها وتنظيم عقد الهبة والحيازة إلخ.
إلا أن ذلك لا يخلو من ثغرات وعيوب كأي تشريع وعليه يمكن تسجيل بعض الملاحظات مثل :
إن المشرع المغربي أحال بموجب المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية على قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد فيه نص فيها ثم إن لم يوجد يرجع إلى الراجح المشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي ، وما يعاب على هذه المادة أن هناك بعض المواضيع لم ينظمها المشرع في ق.ل .ع وكان من الأولى أن تتم الإحالة فيها على قواعد الفقه المالكي بدلا من ق.ل.ع مثل إحياء أراضي الموات والحريم.
_______________________________________________
هوامش:
[1]- محي الدين اسماعيل علم الدين، الحقوق العينية ، دار الجيل للطباعة ص 3.
[2]- مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، ص 401
[3]-محمد علي عرفة 2 فقرة 8 ص 11
[4]- السنهوري ص 12 أساب كسب الملكية الجزء 9
[5]- يطلق على الاستيلاء في القانون المدني الأردني تسمية ، إحراز المباحات
[6]- ومن هذا المنطلق لا يمكن الاعتداد بالاستيلاء كسب لملكية العقار ومرد ذلك أن العقار لا يمكن أن يكون من غير مالك، بل حتى الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة تماشيا مع المادة 222 من القانون 39.08 التي يقابلها الفصل 23 من مجلة الحقوق العينية التونسية
[7]- في هذا الإطار تنص المادة 1077 من القانون المدني الفرنسي على مايلي : " المنقول يصبح بغير مالك إذا ما تخلى عنه مالكه بقصد التخلي عن ملكيته".
[8]- ويشترط ألا يكون التخلي مصحوبا بالرغبة في عدم تملك الغير للشيء بالاستيلاء، أنظر محمد وحيد الدين ، ص 17
[9]- محمد وحيد الدين سوار، مؤجع سابق، ص 16- 17
[10]- مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص 305
[11]- محمد وحيد الدين سوار، مرجع سابق، ص 15
[12]- المادة 1077 من القانون المدني الأردني
[13]- مأمون الكزبري، م.س، وأيضا محمد وحيد الدين سوار، م.س ، ص 17
[14] - مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص 170
[15]- مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص 171
[16]- محمد وحيد الدين سوار، م س ، ص 23
[17]- نفس النصيب المقرر للدولة كذلك في التشريع التونسي استنادا للفصل 25 من مجلة الحقوق العينية والمادة 1078 من القانون المدني الأردني
[18]- المادة 424 من القانون المدني الأردني
[19]- الآية 65 سورة النحل .
[20]- محمادي المعشاوي المختصر في التشريع مدون الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء طبعة 2013
[21]- أبو عبد الله محمد الله الانصري، شرح حدود بن عرفة ، ص 408
[22]- عبد الكريم شهبون الكافي في شرح مدون الحقوق العينية الجديدة وفق القانون 39.08 ص 44
[23]- فاطمة الزهراء علاوي، إحياء الأراضي الموات على ضوء القواعد الفقهية والقانون الجديد لمدونة الحقوق العينية ، ص 32
[24]- الاية 56 سورة النحل
[25]- الآية 63 سورة العنكبوت
[26]- أخرجه الألباني "صحيح الجامع" رقم الحديث 5975 للمكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثالثة 1408
[27] - أخرجه الغمام أحمد في سنده
[28]- نصيرة رشين، آليات اكتساب الملكية العقارية من خلال مدونة الحقوق العينية ، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر القانون المدني والأعمال.
[29]- - محمد ابن محجوز ص 310 - 311
[30]- فاطمة الزهراء علاوي، مجع ساببق، ص 35
[31]- محمد مصطفى شلبي، المخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر سنة 198 ص 384
[32]- فاطمة الزهراء العلاوي، مرجع سابق، ص 35
[33]- فاطمة الزهراء العلاوي، مرجع سابق، ص 38.
[34]- محمد بن محجوز م س ، ص 309
[35]- ادريس الفاخوري ، ، مرجع سابق، ص 97
[36]- محمد قاسم ، مرجع سابق، ص 219
[37]- عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 243
[38]- محمد المحبوبي، مرجع سابق، ص 88، وكذلك محمد حسن قاسم ، مرجع سابق، ص 219 و 220
[39]- عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 234
[40]- نصيرة برشين، مرجع سابق، ص 106
[41]- السنهوري، مرجع سابق، ص 252
[42] قرار رقم 2749 بتاريخ 20/11/1985 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 39 ص 102 وما بعدها
[43]- المادة 235 من مدونة الحقوق العينية ، نفس الشيء تبناه القانون المدني المصري في المادة 922 التي تنص على ما يلي: كل ما على الأرض او تحتها من بناء أو أغراس أو منشئات أخرى يعتبر من عمل صاحب أرض أقام على نفقته ويكون مملوكا له ويجوز مع ذلك أن يقام الدليل على أن أجنبيا قد أقام هذه المنشآت على نفقته كما يجوز أن يقام الدليل على أن مالك الأرض قد خول ملكية منشآت كانت من قبل او خوله في إقامة المنشآت أو تملكها".
[44]- ادريس الفاخوري ، م س ص 101
[45]- مأمون الكزبري، م س ، ص 160
[46]- قرار عدد 1230 بتاريخ 22/03/2011 نشرة قرارات محكمة النقض الغرفة المدنية 2012 ص 119
[47]- قرار محكمة النقض عدد 651 بتاريخ 12/03/1993 ملف مدني عدد 2169 مجلة المحامي عدد 19 و 20 و 2001 ص 238 وما بعدها
[48]- قرار 564 بتاريخ 22/02/2006 ملف مدني عدد 3599/4 مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 67 ، 2004 ص 89 وما بعدها
[49]- مأمون الكزبري ، مرجع سابق، ص 163
[50]- ادريس الفاخوري، مرجع سابق، ص 103

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -