إعداد القرار الإداري

مقال بعنوان: إعداد القرار الإداري

إعداد القرار الإداري

مقدمة: 

تعتبر القرارات الإدارية تلك الصادرة عن السلطة الإدارية حيث أن الإدارة تكون ملزمة أثناء اتخاذ تلك القرارات بمراعاة ضوابط معينة، وهذه الضوابط هي ما سمي بإجراءات إعداد القرار الإداري، والتي تتميز بتشعبها وتداخلها حيث تتألف من جميع الإجراءات والشكليات الواجب على صاحب القرار إتباعها.
حيث أن المسطرة التي يمر منها إعداد القرار الإداري تسمى المسطرة الإدارية غير التنازعية، حيث ليكون القرار الإداري قرارا صحيحا ضرورة من المرور من المراحل التحضيرية والتي تتجلى في المبادرة، ثم الاستشارة، بعدها تأتي المرحلة الأساسية، والتي تتمحور حول الإصدار ثم التوقيع، وبعد تطرقنا لهذه المعطيات، والتي عدم احترامها يطرح إشكاليات سواء على مستوى الإدارة، وهذا يدفعنا إلى طرح التساؤل، فما هي هذه المسطرة التي على أساسها يقوم إعداد القرار الإداري؟
هذا يدفعنا إلى تناول الموضوع عبر النقط الرئيسية:


المبحث الأول: المسطرة التحضيرية لإعداد القرار الإداري
المطلب الأول: المبادرة والاقتراح
المطلب الثاني: الاستشارة
المبحث الثاني: المراحل الأساسية لإعداد القرار الإداري
المطلب الأول: الإصدار
المطلب الثاني: التوقيع


المبحث الأول: المراحل التحضيرية لأعداد القرار الإداري

المطلب الأول: المبادرة (الاقتراح)

الفقرة الأولى: المبادرة الآمرة

تعد المبادرة هي تلك المرحلة الأولى التي يبدأ بها مسلسل القرار الإداري، باعتبارها تشكل مرحلة إعدادية له، تتموقع ضمن الحلقات الأولية للسلسلة المسطرية المؤذية إليه[1]، وبالتالي فهي لا تقتصر على مجال القانون الإداري فحسب، بل توجد في كافة فروع القانون العام منها والخاص[2] فتحليل سلطة الاقتراح أو المبادرة يعتبر بدون شك من صميم انشغالات العلون الإدارية، بحيث نجد في مجموعة من الحالات أن جهاز الاقتراح هو الجهاز الذي يمتلك سلطة الأمر، بينما ينحصر دور صاحب القرار الرسمي في المصادقة على الاقتراحات المقدمة.
ومن خلال ما سبق يعتبر الاقتراح أو المبادرة تصرفا أصليا في مقابل القرار فهو يتميز عن باقي السلوكات المكتوبة أو الشفوية المطلوبة أو التلقائية والتي ليست لها أية أثار قانونية كالمعلومات المقدمة للإدارة والملاحظات بكافة أنواعها[3].بل أنه في بعض الأحيان يسير في اتجاه المسطرة الاستشارية (الآراء التحقيق...). وإيجازا يمكن القول أن الاقتراح ذلك التصرف الذي من خلاله يقترح جهاز يصدر أو يوجه قرارا يجب أن يتخذ من قبل جهاز آخر، بحيث أنه يأخذ شكلا معينا قد يكون إما شفويا أو كتابيا، وأيضا موضوعا محددا، كما أن لمفهوم الاقتراح العديد من التقسيمات اختلف الباحثون في تمييزها، إلا أننا سنقتصر على تقسيم معين، وهو التقسيم الذي اعتمدته الأستاذة ماريفون إيكار ثيرون M.E Theron والذي يتحدد في مفهومين أساسيين: أولهما مفهوم المبادرة الآمرة من جهة ومفهوم المبادرة الغير الآمرة من جهة ثانية.
نكون بصدد مبادرة إلزامية أو آمرة حين يتوجب على صاحب اختصاص الإصدار أن يصدر القرار، ليس على أساس وجود اقتراح أو مبادرة بشأنه فحسب، وإنما أيضا أن يكون موضوع القرار مطابقا كل التطابق مع موضوع المبادرة، ومن هنا فإن تدخل الجهاز المقترح ينتج عنه تقييد السلطة التقريرية لصاحب القرار حيث أنها تكتسب قوتها القانونية من كون أن جهاز القرار لا يمكنه تجاهلها أو تجنبها، كتعيين الملك للوزير الأول مثلا، وتعيين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من هذا الأخير[4].
أما في ميدان القانون الإداري فالمجال الأكثر تجسيدا للاقتراح الأمر (الإلزامي، الإجباري) هو: اقتراح لجنة الامتحانات في المباريات، ففي كل الحالات التي يكون فيها التعيين في الوظيفة العمومية متوقفا على اقتراحات لجنة المباريات حرية تقدير السلطة المختصة بالتعيين تصبح مقلصة، والسلطة التقريرية مقسمة، هذا الاقتراح هو إلزامي من جهة وإجباري من جهة أخرى، باعتبار أن اقتراح اللجنة يعد شرطا ضروريا للتعيين، وهو بهذا يقيد بشكل كبير سلطة التعيين.
من خلال هذا كله يتجلى لنا أن السلطة التقريرية التي يتمتع بها الجهاز صاحب سلطة الإصدار تفقد أهميتها على اعتبار أن هذا الجهاز لا يملك سلطة إطلاق المسلسل المؤدي إلى اتخاذ القرار، ولا حتى تحديد محتواه وموضوعه.
وهكذا إذا ارتأت سلطة الإصدار التحرك فإنها تجبر على احترام الإطار المحدد من قبل جهاز الاقتراح، فلا يمكنها تحت طائلة إلغاء قراراتها حذف مسطرة الاقتراح أو تجاوز مضمونه، وكثيرة هي القرارات التي نجدها تؤكد على ذلك.
وانطلاقا مما سبق فإن الاختصاص الانفرادي ينقسم إلى مرحلتين: مرحلة إعداد الاقتراح، ومرحلة إصدار القرار المطابق لهذا الاقتراح. إن هذا المسلسل الكرونولوجي والإلزام القاعدي يثير مجموعة من الإشكالات القانونية.
وإذا كان من المؤكد أن الأمر يتعلق بقرار مشترك فإن الإشكال لا يحيل على هذا المستوى.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا القرار المشترك يجسد ممارسة اختصاصين متنافسين: اختصاص جهاز الاقتراح، واختصاص سلطة الإصدار، أو أنه تقاسم لاختصاص واحد هو اختصاص هذه الأخيرة، القضية تبدو لنا معقدة، خصوصا أمام موقف الاجتهاد القضائي لمجلس الدولة في بعض قراراته.
في 10 يوليوز 1972 يعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن اللجنة المركزية لإعادة تصنيف الموظفين والأعوان الفرنسيين بإدارات والمرافق العامة بالمغرب لا تملك فقط إصدار آراء، ولكن فرض اقتراحات على الإدارة التي تقوم فقط بإبلاغها للمعنيين بهذا الموقف حصر مجلس الدولة سلطة الجهاز صاحب سلطة الإصدار في الإبلاغ، كما لو أن اللجنة المركزية الأنفة الذكر تحوز صلاحية إصدار قرارات ينقصها فقط الإبلاغ، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه حين يقرر مجلس الدولة قبول الطعون الموجهة إلى بعض الاقتراحات (خصوصا في مجال العقوبات Sonctions) أمام قاضي تجاوز السلطة.
حسب هذا المنحى التحليلي لمجلس الدولة، نجد أنفسنا أمام قرارين قابلين للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة (أي طعنين منفصلين ومستقلين عن بعضهما البعض وليس قرارا مشتركا)، وهكذا يمكننا أن نخلص إلى أن القرار لكي يصبح نهائيا أو فعليا في حالة المبادرة الآمرة يستوجب التقاء إرادتين: إرادة صاحب الاقتراح وإرادة الموقع على القرار.

الفقرة الثانية: المبادرة غير الآمرة:

يعتبر هوستيو المبادرة الآمرة نموذجا من الاقتراحات التي تدخل ضمن إطار شكليات القرار الانفرادي[5] كما يعد الاقتراح الاستشاري عنده أنه يتميز بعنصرين، فهو إما أن يكون إلزاميا أو اختياريا بحسب الحالات ولكن بالرغم من ذلك يظل دائما غير إجباري.
وفي دراسة تعد أكثر تفصيلا يدرج موديرن الاقتراحات -المعلومات و الاقتراحات- التوصيات"[6] ضمن خانة المبادرات التي لا تقييد الاختصاص التقريري لصاحب القرار.
وهكذا فالاقتراحات يجب أن تحلل كاقتراحات إخبارية فقط مصاغة لفائدة السلطة التي ستتخذ القرار لاحقا، ولا تكتسي أهمية إلا من حيث نص القانون عليها، كما أن قيمتها القانونية محدودة جدا، مثال ذلك ما ينص عليه الفصل 66 من ظهير تنظيم العمالات والأقاليم ومجالسه، والذي يقضي بأن يوجه المجلس إلى الوزراء المختصين تحت إشراف العامل ووزير الداخلية مطالبات تتعلق بالمواضيع التي تدخل في اختصاصه وكذا رأيه عن حالة وحاجيات مختلف المصالح العمومية في العمالة والإقليم، ويجوز له على الخصوص إبداء رأيه حول استعمال واستثمار الأراضي الجماعية وكذا حول ارتياد المراعي[7].
كما ينص الفصل الثامن من الظهير بمثابة قانون والمتعلق باختصاصات العامل أنه يجوز لهذا الأخير اقتراح جميع التدابير التي يرى في اتخاذها فائدة لتحقيق الاستثمارات الداخلة في اختصاص الوزارة المقصودة[8].
وبغض النظر عن هذه الاقتراحات الواردة في نصوص القوانين يمكن الإدارة التماس اقتراح مختلف الأجهزة، دون أن يعيب ذلك قراراتها، فالاقتراحات الصادرة بطريقة غير شكلية، أو بصفة تلقائية لا يجب أن تحد من حرية الاختيار تحرك السلطة الإدارية، كما أن القاضي الإداري لا يتردد في حالة العكس من استخراج العيب المسطري أو وجود خطأ في القانون[9].
وبصفة عامة ما يميز هذا النوع من الاقتراحات هو خلوها من أي إلزام مسطري أو قاعدي غير أن هذا لا يمنع القاضي الإداري من مراقبة الآلية التي صاغت الاقتراح، ويعاقب بالنتيجة عيوب الشكل الجوهري (المراقبة هنا شكلية محضة).
وانطلاقا مما سبق يمكن القول بأن المبادرة غير الآمرة لا تترجم تقاسما للاختصار أو منح جهاز الاقتراح اختصاصا فعليا، فالذي تم توجيه الاقتراح إليه يظل محتفظا بالحرية التامة في إتباعه أو لا، وفي مقابل ذلك لا ينبغي أن ننكر أن المبادرة غير الآمرة سواء أكانت اختيارية أو إلزامية تكشف عن دلالة مزدوجة بخصوص الاختصاص التقريري بحيث تعترف لصاحبها بنوع من الاستقلالية النسبية في تقييم مدى الوقت الموجب مراعاته في اتخاذ القرار فضلا عن أنها تؤكد له خصوصيته وحقه في النظر في القرار الذي يهمه دون أن تترك له مع ذلك ممارسة الاختصاص التقريري ،هذا من جهة. ومن جهة أخرى فهي ضمان لحسن الإدارة بحيث تحد من تحكميتها في إصدار القواعد الانفرادية.[10]

المطلب الثاني: الاستشارة

الاستشارة يمكن تعريفها كرأي موجه لتوضيح الاختيار أو الرؤية لصاحب القرار ويذهب ويبر Y.Weeber إلى أن الوظيفة الاستشارية "تجسد التغيير القانوني للآراء الصادرة بصفة فردية أو جماعية لصالح سلطة إدارية التي تعتبر وحدها المؤهلة لاتخاذ القرار"[11]، كما أنه وفي إطار السيطرة الاستشارية يجب التمييز بين ثلاث أنواع من الآراء والتي تندرج أهميتها وقيمتها القانونية على النحو التالي:

الفقرة الأولى: الآراء الاختيارية والآراء الإلزامية

وهي شكلية قبلية يمكن أن بها صاحب القرار قانونا دون أن يكون ملزما بذلك، كما يمكن لصاحب القرار اللجوء إلى الاستشارة دون الحاجة إلى وجود نص، إذن ومن خلال ما سبق فإن الآراء الاختيارية تقضي أية إلزامية بالنسبة للسلطة التي تطلبها وبالنتيجة فإن الرأي الاختياري لا يفرض في حالة تطبيق مبدأ توازي الأشكال، غير أن هذا لا يمنع الإدارة في حالة التماسها لاستشارة غير ملزمة لها من معاينة قواعد الشكل أو المسطرة غير المطبقة، وذلك تحت طائلة الإلغاء.
تختلف الاستشارة الإلزامية عن الاستشارة الاختيارية، نظرا لأن صاحب القرار ملزم قبل إصدار قراره بالتماسها وتستند هذه الإلزامية على وجود نص دستوري تشريعي أو تنظيمي، كما أن القانون الأساسي للوظيفة العمومية بالمغرب ينص على استشارة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء فيما يتعلق بترسيم الموظفين وترقيتهم وإصدار العقوبات في شأنهم (باستثناء الإنذار والتقويم).
خلاصة القول أن الاستشارة الإلزامية هي التي يفرضها نص معين مع ترك الحرية للسلطة الإدارية في القرار النهائي، ومن هنا فإلزامية طلب الرأي لا تعدو أن تكون إذا شكلية أساسية أو جوهرية تحت طائلة الإلغاء لعيب في المسطرة.

الفقرة الثانية: الرأي المطابق:

في هذه الحالة تكتسي الاستشارة إلزاما مزدوجا، إلزامية طلب الرأي ثم إلزامية إتباعه، وما يميز الرأي المطابق هو إقراره من قبل النصوص، كما أن مخالفته هي من صميم النظام العام والتي يمكن أن يثيرها القاضي تلقائيا غير تجب الإشارة إلى كون الإدارة غير ملزمة بالتحرك الإيجابي والتماثل
ظهير رقم 088-58-1 بتاريخ 24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية والتماثل بالتالي مع الرأي المطابق بل يمكنها عدم اتخاذ أو إذا اقتضى الحال طلب رأي آخر إلا أنه في كل الأحوال إذا ما أرادت اتخاذ القرار فينبغي لهذا الأخير أن يطابق الرأي الممنوح من قبل الجهاز الاستشارة.

المبحث الثاني: المراحل الأساسية لإعداد القرار الإداري:

المطلب الأول: الإصدار إعلان عن الإدارة

إن الإصدار يتطابق مع الإعلان عن الإرادة القانونية، أي إرادة خلقت التواعد كما يرى الفقيه ويكي، ومن تم اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن مرحلة الإصدار مرحلة مهمة يجب الرجوع إليها لاعتبار أن شخصا معينا يملك الاختصاص الانفرادي أو لا؟
لكن الإشكال الحقيقي يكمن في مشاركة عدة أشخاص في إصدار قرار انفرادي، وبالتالي تتحدد الإشكالية في تحديد المشاركين في عملية الإصدار.
فبالرغم من أنه قرار انفرادي إلا أن هده الانفرادية تحمل إرادة مجموعة من المشاركين في اتخاذ القرار.
وقد ظهر بهذا الخصوص اتجاهين: اتجاه تقليدي واتجاه حديث:
1- الاتجاه التقليدي:
نجد في هذا التيار بعض الكتاب الألمان والإطاليين "موريس هورية M.Houriou وبيزان G.Brzin .
فبالنسبة لبعض الكتاب الألمان والإيطاليين فقد اجمعوا على أن تصنيف التصرفات القانونية يكون بناء عدد الإرادات الصادرة، فعن طريق الجمع بين هذه الإرادات في إرادة واحدة نكون أمام نوع متميز من القرارات وهو القرار المركب.
وقد اعتمد في طرحهم هذا على المعيار الكمي، أي أنه عن طريق مزج الإرادات الفردية يمكن الوصول إلى إرادة جديدة ووحيدة، لكن طريقة المزج في اتخاذ القرار اختلف تفسيرها فالفقيه فيراري يرى أن الإرادات المشاركة قد تتعارض، وفي بعض الأحيان تعرقل الواحدة منها الأخرى أو العكس يتطابق بعضها البعض ولكن الأكيد أنه لا يمكن أن تمتز أبدا.
أما موريس هوريو وبيزان فالإشكال بالنسبة لهما يتعلق بمعرفة ما إذا كان هذان النوعين من الإرادة يمتزجان ويختلطان ليعطيا إرادة جديدة أو على العكس هناك استقلال بين هاتين الإرادتين، فيشكلان بالتالي تصرفين قانونيين لا يرتبطان إلا بواقع أن قرار الوصاية ليس إلا شرطا تعليقيا لفعالية قرار السلطة الخاضع للوصاية.
فيرى هوريو أن المصادقة أو الترخيص ليسا جزءا لا يتجزأ من القرار،بل هما شكلية خارجية تتدخل لكي ترفع الحاجز أمام الامتياز التنفيذي أي أن القرار هو من عمل السلطة اللامركزية وسلطة الوصاية لا تعطيه إلا القوة التنفيذية.
أما فيراري فيؤكد أن قرار السلطة اللامركزية وقرار سلطة الوصاية هما قراران متميزان ومستقلان إلا أن هذا لا يمنع وجود علاقة قوية بينهما لأن القرار الثاني شرط معلق للأول.
2- الاتجاه الحديث نظرية الإرادة الحرة والمحددة.
يعتبر الفقيه شارل إيزنمار زعيم هذا الاتجاه بامتياز، حيث انطلق من مجموعة من الأسئلة لطرح نظرية الإرادة الحرة والمحددة من هذه الأسئلة: من هو المشارك في عملية اتخاذ القرار الذي يعتبر صانعا للقواعد؟ ومن هو الصانع الحقيقي الذي له علاقة وطيدة بوضع القواعد وإصدارها؟.
فبالنسبة لإيزنمار يجب نزع صفة صانع القواعد عن المشاركين في العملية، الذين بم يقوموا بدور ذهني أو تقريري.
فهو على عكس الاتجاه التقليدي يعتبر الرضا والمعارضة هما فرعان لا يفترقان وينبعان من نفس القدرة فسلطة القبول أو الرفض للترخيص وكذلك الإلغاء كلها تمظهرات للقدرة على الرضا.
ففي بعض الحالات جهاز الترخيص أو المصادقة يمكنه أن يقرر بكل حرية لأجل إعطاء ترخيصه أو مصادقته أما في حالات أخرى فالجهاز يقرر بناء على عنصر يرتبط بالشرعية، أي السلامة القانونية للقرار وبالتالي لا يمكن رفض الترخيص إلا إذا كان القرار غير شرعي.
ومن هنا فكل الذين يتدخلون في إحداث القواعد بشكل حقيقي لهم مشاركة تقديرية سواء عبر تقديم الرضا أو عدمه، فالأشخاص الذين يصدرون إرادة حرة ومحددة لوجود القاعدة يتم اعتبارهم كمشاركين في القرار.

المطلب الثاني: التوقيع والتوقيع بالعطف:

1- التوقيع
يمكن تعريف التوقيع مع هوستيو بأنه الاسم العائلي لسلطة إدارية مكتوب بخط اليد تحت نص القرار، له هدف تحديد مصدره وتأكيد محتواه، وبالتوقيع على القرار يوافق صاحبه مبدئيا على المحتوى الذي يتضمنه ويتحمل مسؤوليته.
التوقيع كإجراء يرتبط فقط بالقرار المكتوب[12] حيث يفرض الاجتهاد القضائي إلزامية التوقيع بالنسبة للقرارات الصادرة عن فرد واحد، أما القرارات الجماعية أن في تعدد أصحاب القرار فإن الاجتهادات متباينة فيما إذا كان القرار أصليا أو تصحيحيا، حيث في الأول فإذا كانت النصوص المطبقة تفرض توقيع مختلف المشاركين فإن المشرع الفرنسي يقر إلى الاحترام الصارم لهذه الإلزامية، مثلا قانون 7 أكتوبر 1946 في المادة 125 منه يفرض توقيع وزير المالية خصوصا بالنسبة للقرارات الوزارية المتعلقة بمعالجة التعويضات للموظفين وأعوان الدولة.
وبالنظر إلى ذلك فإن التوقيع لا يعتبر شكلية بسيطة، ولكن تعبيرا عن رضا المشارك، أما بالنسبة للقرار التصحيحي، فيجب أن يحمل توقيعات مختلف المشاركين في القرار الأصلي سواء أكان التعيير يتم بزيادة مادية أو إضافية، ففي الحالة الأولى مجلس الدولة يراقب ما إذا كانت الزيادة تحمل توقيع الأطراف المشاركين في النص الأول CE12 ferrier 1958 Sieur Solomon أما في الحالة الثانية أي كتابة قرار جديد فإن النص الأصلي لا يمكنه تغيير المقتضيات السابقة بشكل صحيح قد يبدو الأمر أن الإشكال يتعلق بتطبيق مبدأ توازي الأشكال[13].
2- التوقيع بالعطف:
طبقا للفصل 63 من الدستور المغربي الفقرة 2 "تحمل القرارات التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها"
كما أن التوقيع بالعطف منصوص عليه في الدستور الفرنسي المادة 19 و12 سواء من قبل الوزير الأول أو وزير معين في أسفل قرارها صدر عن رئيس الجمهورية أو الوزير الأول، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فيجب اعتبار التوقيع بالعطف كامتياز وزاري أو يمكن أن يكون محلا لأي تقويض لكن السؤال المطروح هو: هل يمكن اعتبار التوقيع بالعطف كتعبير عن الاختصاص أو كاحترام بأنه إجراء شكلي؟
إن غالبية الفقه والقضاء الإداري ينظر للتوقيع بالعطف كشرط للشرعية الشكلية، غير أن هناك جانب مهم من الفقه يعتبر هذا الإجراء متعلقا بالسلطة القاعدية الانفرادية، ومن هنا يعتبر جيز JEZE أن التوقيع بالعطف هو قاعدة اختصاص Une règle compétence فحسب دستور الجمهورية الثالثة يجب أن توقع قرارات رئيس الجمهورية بالعطف من طرف الوزير، ليستنتج أن اختصاص الرئيس ليس اختصاصا أحاديا Unipersonnel وإنما هو اختصاص جماعي Collégial حيث يرى Colegial وDRAGO وَAUBY أن التوقيع بالعطف هو من الشكليات ولا يعتد بهما لكن في حالة عدم حدوث التوقيع والتوقيع بالعطف فهنا نكون أمام عيب في الاختصاص في نظر هؤلاء الفقهاء حيث أن التوقيع بالعطف يترجم اتفاقا ورفضه يترجه عدم اتفاق، حيث اعتبر مجلس الدولة الفرنسي غياب التوقيع بالعطف عيبا عدم الاختصاص[14].

_______________________________________
الهوامش:
[1] Frank moderne. Proposition et décision, recherche sur l'élaboration de l'acte unilatéral dans la jurisprudence administrateur contemporere……….
[2] Pene hostion procédure et formes de l'acte unilatéral en droit paris lodi 1976.P33.
[3] F. Modern art precite p.597.
[4] الفصل 24 الفقرة1 من الدستور المغربي لسنة 1996.
[5] R.Hotion . Op cit p:35.
[6] F. Moderne Op cit p: 600
[7] ظهير رقم 273-63-1 بتاريخ 12 شتنبر 1963 بشأن تنظيم العمالات والأقاليم ومجالسها.
[8] الظهير بمثابة قانون رقم 168-75-1 بتاريخ 15 فبراير 1977.
[9] F. modern .Op cit.p: 602.
[10] M II therm Op.cit p69.
[11] R. Hostion. Op. Cit p:26.
[12] محمد الأعرج، المساطر الإدارية غير القضائية REMALD، ع 47 ص: 1 ، 2003.
[13] محمد الصديق تنوتي، المشاركة في إعداد وإصدار القرار الإداري.
[14] محمد الصديق تنوتي، المشاركة في إعداد وإصدار القرار الإداري
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -