مقال بعنوان: التواصل العمومي

التواصل العمومي


مقدمة: 

يكتسي التواصل بشكل عام والتواصل العمومي بوجه خاص مكانة مركزية وأساسية في مسار التنمية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويشكل حجر الزاوية في مسلسل الانتقال الديمقراطي وتعزيز البناء المؤسساتي .
والتواصل العمومي حراك لا ينفصل عن التواصل السياسي والمؤسساتي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
إذن فإن التواصل العمومي يعتبر ذا أهمية بمكان في حلقة التواصل كون التواصل العمومي عمل تفاعلي وعملية ضرورية وملازمة للعمل العمومي في كل مضامينه وتجلياته ومن واجب الفاعلين في العمل العمومي السعي والحرص على إعتماد التواصل مع المترفقين للمرافق العام والشأن عبر فتح قنوات الإخبار والتواصل والإنصات للمتلقين والمستهدفين بالعمل العمومي.
والتواصل العمومي خيط رابط وأسلوب ناظم للعلاقة مابين القائمين على العمل العمومي ومجموع الأشخاص المتلقين للعمل العمومي عن طريق آلية التواص العمومي ويعتبر التواصل العمومي كدالك ألية التواصل المعلومة وتكريسا لحقهم في الوصول إليها.
من خلال اعتماد آليات التواصل العمومي من خلال تنويع الأدوات التواصلية لتمرير الخطابات والمشاريع لشرح وتوضيح الرهانات القائمة وبسط وتقديم الحلول الناجعة.
ويقوم التواصل العمومي على تكريس مبدأ الإنتقال من منطق التكتم وسرية العمل الإداري إلى منطق المكاشفة والشفافية والإنفتاح بقدر الذي يشرك الكل في العمل العمومي وسياسات العامة للبلاد.
ويقتضي التواصل العمومي مع المترفقين إعتماد اللغة تواصلية مصداقية وناجعة تصل إلى العقول بوقع إجابي.
والبناء التواصلي نتاج تمرة مجهود وعمل مبرمج ومنتظم مع أوسع فئات المجتمع.
ولتواصل عمومي عدة أوجه ومستويات فهو في الغالب تواصل بين الإدارات العمومية وعموم الموطنين وفي المستوى الثاني قد يكون التواصل العمومي فيما بين إدارات ومؤسسات الدولة.
والمغرب عازم على دخول حلقة التواصل عمومية مبني على تعميم أليات التواصل العمومي من خلال مشروع الحكومة الإلكترونية الذي بدأ يتجسد على أرض الواقع من خلال تبني كافة القطاعات الوزارية لموقع إلكترونية من شأنها تقديم المعلومات الضرورية لعموم المترفقين، غير أن التواصل العمومي قد تعتريه مجموع من العوامل تعمل كمعيقات للتواصل العمومي.
مما ينتج عنه ضعف ونقص في العملية الإتصال ما بين المرسل والمرسل إليه.
وما يلاحظ أيضا على المستوى الواقعي والعملي من ضعف في التواصل العمومي وغياب مقاربة شمولية لإستقبال وإعلام المواطنين الذين أصبح من حقهم طبقا لمقتضيات الدستور المغربي في نسخته الحالية وبالضبط في الفصل 27 منه الذي يؤكد على حق المواطنين في الحصول على المعلومات من إدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة.
كما أن تطبيقات المقاربة التشاركية تقتضي العمل على إعداد تواصل عمومي فعال من شأنه الرقي بالدور المجتمع ككل في كافة الميادين.
فما هي إذن طرق ومعايير التواصل العمومي؟ وماهي أهم المعيقات التي تحول دون تحقيق تواصل عمومي فعال؟ 



المبحث الأول:مفهوم وأليات التواصل العمومي. 

إذا كانت الإدارة في حاجة إلى قناة ملائمة لإيصال نوع معين للمعلومات أو المعطيات سواء كانت إقتصادية أو إجتماعية فلا بد لها من جهاز يسهر على تحقيق التواصل العمومي.
لنتسأل عن مفهوم التواصل والأليات التي يعتمد عليها التواصل العمومي. 


المطلب الأول:مفهوم التواصل العمومي 

يسعى التواصل العمومي إلى التعريف بالسياسات العامة للدولة تجاه الموطنين، فهو مجموعة من
الأنشطة التى تقوم بها الإدارة من أجل تقديم معلومة مرتبطة بتسيير مرفق عام.
والتوصل العمومي حسب الفقه هوعبارة عن مجموعة من الرسائل الصادرة من السلطات العمومية والمرافق العمومية بهدف تنوير الرأي العام وتحسين أداء النشاط العمومي .
يفترض فيه الوضوح في ايعال المعلومة للمتلقي أو المرسل اليه 


المطلب الثاني: آليات التواصل العمومي 

رغم تعدد آليات التواصل العمومي لكنها تهذف بكافة أشكالها الى تحقيق تواصل حقيقي فعال مناطه ايصال المعلومة الى المرسل اليه.
وسنتعرض في هذا المطلب الى أهم الاليات التواصل العمومي واللأكثرها شيوعا وخاصة:
الاشهار
الاعلان 


الفقرة الاولى :الاشهار 

يعد الاشهار احدى أهم اليات تحقيق التواصل عمومي فعال بين كافة تكوينات المجتمع وسنتاول الاشهار كاالية في تحيق التواصل العمومي من خلال استحضار مقال الكاتب الامريكي نعوم تشو مسكي المعنون"بحدود الفكر الممكن التفكير فيه"
الذي يوضح من خلاله اثر الطاغي لوسائل الاعلام الامريكية (كثرة القنوات الامريكية)
وخضوع هذه الوسائل لسيطرة طبقة معينة.لم تعد تقوم هذه الوسائل بترويج لحادث معين بل اصبحت معه تحدد مستوى سقف التفكير الذي يمكن ان يفكر فيه فالذي يملك المعلومة هو من يتحكم وبالتالي عن طريق هذه الالية يوضح نعوم تشو مسكي كيف تستطيع الدولة تمويه المواطن العادي .وتستطيع ممارسة سياستها دون رقابة السلطة الرابعة والمجتمع المدني
هذا دور سلبي للاشهارفي تحقيق التواصل العمومي.
يجمع المؤرخون على ان اقدم تعبير اشهاري وجدت اثاره وهو لوحة حجرية بمنطقة الهلال الخصيب والتي تعود لثلاث آلاف سنة قبل الميلاد.
وبظهور بوادر المجتمع المدينة .تطورت اساليب وأنماط التواصل التي كان من بينها الاشهار الذي هو عملية اتصال جماهيرى من اجل تحقيق اهداف ثم تسطيرها مسبقا ويرى بعض الفقه ان الاشهار علم قائم بذاته له مناهجه والياته.
بينما يرى جانب اخر يتزعمه مايرو والذي لايرى ان الاشهار علما ولكنه اقناع وبالتالي فهو فن.
فلإشهار إذن عملية تواصلية تستهدف التأثير في الجمهور لاستهلاك المادة المعروضة عليه ويمكن ان يستجيب للجمهور فحوى الرسالة هو ان يقوم بردة الفعل ومعناه انه ثم بالفعل استقبال الرسالة وانه صدر رد معين يختلف باختلاف الاشخاص ومدى ثاتيرهم بالمضمون او الشكل الاشهاري .
ويتأسس الخطاب الاشهاري على جملة من العناصر المترابطة فيما بينها وتتمثل
المرسل==> الرسالة ==> المرسل اليه وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية الموطن الحقيقي بامتياز للاشهار العصري تنظيرا وممارسة. 


الفقرة الثانية: الاعلان 

هو عبارة عن مراسلة او ثيقة ادارية تهذف الى اخبار مجموعة غير محدودة من المرسل اليهم وهذه المجموعة يهمها موضوع الرسالة وبالتالي تتطلع الى استقبال الرسالة وتلقيها وتجدر الاشارة الا ان الاعلان اداة تواصلية تستخدمها الادارة لتمرير او ايصال الرسائل على مستوى التواصل الاداري الداخلي عندما يتعلق المر بالاعلام الموظفين والعاملين بالادارة بموضوع يتعلق بوضعيتهم وكذلك على مستوي التواصل الاداري الخارجي عندما يتعلق بتبليغ او اخبار اشخاص لا ينتمون الى الادارة ويتطلب الاعلان موضوع معد سلفا من اجل ايصاله الى المتلقي قصد تحقيق مشاركة العموم من اجا انجاح موضوع الاعلان ومن امثلة الاعلان
-الاخبار عن اجراء امتحان او مبارات
-تنظيم ندوة ثقافية
-ابرام صفقة او طلبات العروض
ويشكل الاعلان الوسيلة المهمة لتواصل شبه عمومي وقلنا شبه عمومي لانه يخاطب فئة من العموم مثلا "تعلن منسقة القضاء الاداري الى علم كافة الطلبة القضاء الاداري انه تقرر اجراء ندوة علمية حول موضوع"مؤسسة الوسيط الواقع والأفاق".

المبحث الثاني: معيقات التواصل العمومي. 
للتواصل عمومي عدة أوجه ومستويات فهو في الغالب تواصل بين الإدارات العمومية وعموم الموطنين وفي المستوى الثاني قد يكون التواصل العمومي فيما بين إدارات ومؤسسات الدولة.


المطلب الاول:المعيقات القانونية للتواصل العمومي 
المعلومات, معطى كانت أم صوتا أم صورة أم كلها مجتمعة, هي مادة عملية الاتصال والتواصل وصلبها أيضا, سواء بين الأفراد والجماعات فيما بين بعضهم البعض, أو بينهم وبين المستويات (العمومية فيما يخصنا) المنتجة للمعلومات, المخزنة لها بهذه الصيغة أو تلك.
ولما كانت كذلك, فإن بلوغها والنفاذ إليها يفترض عمليا ومن الناحية التقنية, ليس فقط ضمان ذات البلوغ عبر توفير البنى التحتية الأساسية لذلك, بل وأيضا توفيرها كمضامين, وكمحتويات مهيكلة يسهل استقراؤها, والتعامل معها, واستغلالها بنهاية المطاف لهذا الغرض أو ذاك
من هنا, فمن التجاوز حقا الحديث عن تواصل عمومي, إذا لم يتوفر الحد الأدنى من البنية التحتية إياها التي تضمن البلوغ, والحد الأدنى أيضا من البيانات المنظمة والمهيكلة بطرق معيارية وبمقاييس محددة...ناهيك عن التأطير القانوني الذي من المفروض أن ينصص على كل ذلك دونما لبس أو إبهام أو تلميح.
إن مسألة التواصل العمومي بالمغرب عصية على الاستنبات, ليس فقط باستمرار سيادة ثقافة السرية والتعتيم, ولكن أيضا بسبب التردد في استصدار قانون يضمن الحق في المعلومات, ومن خلاله وعبره الحق في الإعلام والاتصال.
فالعوائق القانونية, التي كانت سائدة في البدايات الأولى للاستقلال, لا تزال قائمة ومشددة, وما طالها من "إصلاحات" مس بعض عناصر الشكل, في حين أبقى على لب الجوهر كما هو. فنظام الوظيفة العمومية مثلا (والقانون الجنائي وقانون الإرهاب أيضا) لا يزال يمنع على الموظفين تسريب المعطيات والمعلومات, التي يطلعون عليها أثناء مزاولة وظيفتهم (مراسلات, مراسيم, لوائح تنظيمية داخليه مقررات اجتماعات, وغيرها), ولا يرفع هذا المنع جزئيا على وثيقة أو معلومة, إلا بإذن من الوزير الذي يعمل الموظف تحت إشرافه.
وهو ما يسري أيضا (بمنطوق القانون الجنائي) على العاملين بالقطاع الخاص, سيما العاملين بالأنشطة ذات "الطبيعة الحساسة", أو لها ارتباط بالأمن العام للدولة أو بقطاعات السيادة أو بما سواها.

من جانب ثاني فإن كل ما يتعلق بمعلومات مؤسسة الجيش (العسكرية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الصناعية) مقننة من لدن القانون الجنائي, الذي لا يجيز بلوغ بياناته ومعطياته إلا "لذوي الصفة". صحيح أن معظم دول العالم تعتمد إجراءات تحفظ سرية المعلومات العسكرية, أو المتأتية من الجهات المرتبطة بها, ضمانا "لأمن وطني أو قومي مشروع", لكن القانون (بالبلدان الديموقراطية تحديدا) يحدد مجال ذلك بدقة, ويصنف المعلومات التي تطاولها السرية دون لبس. وهو ما ليس معتمدا بالمغرب, اللهم إلا بصيغ مضببة, قابلة للكثير من التأويل.
لا يقتصر الأمر هنا على المعلومات الموجودة لدى المؤسسة العسكرية, بل يتعداه إلى معلومات العديد من المرافق الوزارية كالداخلية, والخارجية, والعديد من المصالح التابعة لرأس الدولة مباشرة.
من ناحية ثالثة, فإن العديد من النصوص القانونية والإجرائية تمنع النفاذ إلى المعلومات المصنفة "ذات الطبيعة الخاصة", أي المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد والجماعات, لدرجة قد يتعذر معها على المرء الاطلاع على سجله, بغرض التتميم, أو إصلاح خطأ, أو التأكد من عدم تقادم البيانات المسجلة باسمه.
هذه العوائق القانونية الثلاثة هي التي لا تزال, في تصورنا, حجرة عثرة بوجه أي مبادرة للنفاذ إلى المعلومات, أو صياغة مشروع متكامل لتجاوزها (العوائق أقصد), سيما لو كانت مشتتة بين مجموعة لوائح وتشريعات, يتعذر على المرء معها معرفة القاعدة من الاستثناء.
إلا أن ثمة ثلاث حالات "مضيئة", من الإنصاف التوقف عندها هنا, على اعتبار تكريسها ولو ضمنيا, لبعض عناصر التواصل العمومي العصي على الاستنبات بالمغرب:
الأولى وتتعلق بحالة هيئة الإنصاف والمصالحة, التي أنشئت بالعام 2004, بغرض حصر واستقصاء وجرد الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان, والتجاوزات التي طاولت هذه الأخيرة في العقود الثلاثة اللاحقة على الاستقلال. وقد كان لها أن تبحث في حالات عديدة ومتشعبة, إما عبر شهادات الأحياء أو الأرشيفات المتوفرة, أو مباشرة من أفواه من كانوا عرضة لهذه الخروقات, ولا يزلوا على قيد الحياة.
وعلى الرغم من كونها استبعدت جملة وتفصيلا الجانب القضائي من العملية, فإنها (سيما عبر العديد من اللقاءات والندوات والموائد المستديرة) قد استطاعت أن تسهم في نوع من التواصل مع الضحايا, أو مع أبنائهم بطريقة تلقائية وعفوية, على الرغم من أن تقريرها النهائي لم يفصح جهارة, عن طبيعة العوائق التي لقيتها الهيئة في بحثها عن المعطيات والبيانات, حتى بتلميحها إلى الجهات التي امتنعت عن فتح أرشيفها لها أو سمحت بلقاء من يقومون عليها

الحالة الثانية, وتتعلق بلجن التحقيق البرلمانية التي أقامتها المؤسسة التشريعية, لاستقصاء بعض حالات الفساد الكبرى, التي طاولت تسيير بعض المؤسسات العمومية في السنين الأخيرة وعلى الرغم من الطبيعة الاستثنائية لهذه اللجن (بالقياس إلى الوظيفة التشريعية للبرلمان), فإنها اسهمت, بتلازم والبث المباشر للأسئلة الشفوية, في انسياب مهم للمعلومات, وأسهمت أيضا, وإلى حد ما, في رفع جزء من الستار عن طرق وآليات اشتغال بعض أجهزة الدولة, سيما ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين.
والسر في ذلك متأت من كون القانون يعطي هذه اللجن, حق "الاطلاع على الوثائق العمومية, أو الخاصة التي لها علاقة بموضوع التحقيق", ويعطي رئيس اللجنة صلاحية مكاتبة الجهات التي تحتكم على هذه الوثائق لغرض توفيرها...أو استدعاءها للاستماع إليها في كل ما من شأنه أن يساعد في التحقيقات.
إلا أن ذات الحق, الذي يعطي الانطباع بمرونة المسألة, يصطدم بالقيد الذي يفرضه القانون (القانون التنظيمي للعام 1995) على بلوغ المعلومات المتعلقة ب"الأمن الوطني والأمن الداخلي والخارجي للدولة, وعلاقات المغرب مع البلد الأجنبي", ويرهن ذلك بموافقة الوزير الأول.
وعلى الرغم من نجاح بعض اللجن (أنشئ منها حوالي أربع لجن من 25 سنة), فإن معظمها لم يوفق في تحديد المسؤوليات بدقة, أو اصطدم بلوبيات المصالح الكبرى, أو لا زال يراود مكانه بحثا عن المعلومات, أو تم تحويله جملة وتفصيلا لمصالح وزارة العدل, عندما تبين أن بعضا من المتورطين كانوا أو لا يزالوا بأعلى هرم السلطة.
وبكل الأحوال, فإن عمل اللجن يبقى محدود النتائج والتبعات, كون هذه الأخيرة غير مجبرة على نشر تقاريرها, ليطلع عليها الرأي العام. بهذه النقطة أيضا, يبدو التواصل العمومي معطوبا في أساسه, مرهونا في أبجدياته, وغير قادر على التمأسس.
أما الحالة الثالثة فتتعلق بميدان بلوغ المعلومات فيما يتعلق بالصفقات العمومية, على اعتبار أن هذه الأخيرة غالبا ما يشار إليها بالأصبع من لدن الفاعلين الاقتصاديين, كونها تعدم الشفافية, والوضوح, والمرونة اللازمة.

صحيح أن بعض الإصلاحات قد تم اعتمادها (سيما منذ وصول حكومة "التوافق" للسلطة) من قبيل إجبار الإدارات العمومية على نشر برامج عملها بالصحافة بنهاية كل سنة مالية, وإخبار المتنافسين عن تواريخ وطبيعة العروض. إلا أن ثقل الرقابة المالية, وانتشار ظاهرة الرشوة والمحسوبية والزبونية, تحول دون تجسيد مبدأ الشفافية والمساواة بين المتبارين والذي دفع به القانون بهذه الزاوية
بالمقابل, فإن طلبات العروض غير الممنوحة لسبب من الأسباب, غالبا ما لا تجد الإدارة نفسها مجبرة على تسويغها أو تبرير السر في ذلك, دونما (مثلا) أن تكلف الإدارة نفسها حتى عناء إرشاد المتظلم عن الجهة التي بإمكانه رفع التظلم
بالارتكاز على ما سبق (وعلى ما سبق فقط), يبدو أن عناصر التواصل العمومي بالمغرب هي أبعد من أن تتجذر, أو تتكرس بأرض الواقع. والسبب في ذلك لا يكمن فقط في المعوقات المتعددة التي اشرنا إلى بعض منها فيما سبق, ولكن أيضا إلى تعذر مشاريع "إصلاح وعصرنة الإدارة" التي لطالما وعدت بها الحكومات المتعاقبة.

المطلب الثاني: المعيقات المؤسساتية للتواصل العمومي 
لا تقتصر معوقات التواصل العمومي بالمغرب على الإكراهات القانونية, التي لا تزال تعيق سريان وانسياب المعلومات بين الجهات العمومية المنتجة والمخزنة لها وبين المواطنين, بل وتتعدى ذلك إلى الجانب المؤسساتي الذي يدفع ظاهريا بالإصلاح, في حين أنه يبطن النظرة الضيقة ويحتكم إلى هاجس الأمن:
فالهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري مثلا أنشئت بغرض تنظيم وتدبير المجال السمعي والبصري بعدما تم إلغاء الاحتكار, وتحرير السوق المحيل على هذا المجال. لكن وظيفتها الاستشارية (لدى الملك ولدى الحكومة والبرلمان) وتركيبتها المتواضعة, والمرجعية الثاوية خلف خلقها (الفصل 19 من الدستورالقديم الذي يعطي الملك سلطات مطلقة ماديا ومعنوية), كل ذلك يجعلها مبتورة الوظيفة, مرتهنة القرار, وعديمة الاستقلالية بالقياس إلى الجهاز التنفيذي
هي بالتالي, تنفذ سياسة الدولة بالقطاع السمعي/البصري, وليس لها الصلاحية في استحداث سياسة لإصلاح القطاع إياه, تساوقا مع يتموج به الإعلام بالعالم.
وهي, فضلا عن ذلك, تشتغل بتكتم شديد, ولا تنشر تقاريرها, ولا يستطيع المرء بالتالي محاسبتها كونها ليس فقط مرتبطة بالبلاط, ولكن أيضا لأن لا عهدة سياسية بعنقها تجبرها على المحاسبة أو كشف الحساب
وقانون إصلاح المشهد السمعي/البصري, الذي صيغ بغرض فتح السوق على الاستثمار في هذا المجال, مبني في تصوره وخلفياته, على الجانب الأدواتي الصرف, ولا يشير بالمرة, إلى رهانات وتحديات المضامين والمحتويات, بدليل فتحه في المجال للعديد من الأقنية, دونما أن يستتبع ذلك طفرة على مستوى المضامين المبثوثة
ليس ثمة بهذا القانون, بصيغه المختلفة, إلا إشارة محتشمة إلى إشكالية التواصل, وإلى الحق في البلوغ والنفاذ إلى المعلومات, في حين نلحظ تشديدا في جوانب الخطوط الحمر, التي من شأنها تجريم الاقتراب من العديد من المحذورات, مجرد الاقتراب.
وقانون الصحافة (بما فيه مشروع القانون الحالي) لم يستطع التجاوز على القوانين السابقة, بل لا يزال يعيد إنتاج العقوبات السالبة لحرية الصحفيين, والغرامات التي تتعدى حاجز المعقول, وفرضها على منبر لهذا الاعتبار أو ذاك, هو دفع له إلى الإفلاس بامتياز.
هذه المعوقات المؤسساتية (بصيغة "الإصلاحات") هي التي تعيد إنتاج المنظومة السابقة, التي لم تتجرأ على صياغة قانون واضح, ودقيق يحدد مبدأ الحق في البلوغ والنفاذ إلى المعلومات, ويؤطر مجالها, ويحدد بدقة الجوانب السرية التي من المفروض التوافق حولها.

خاتمة:


بناء على ماسبق يبدو انه ثمة مايعتد به للحديث عن التواصل العمومي حقيقي والسبب في ذلك يكمن في الاساس في غياب الماقومات البموضوعية التي تبني لذات التواصل
مما يجعل المعلومات حكرا على الادارة العمومية التي مازالت تعتبر المعلومات من مجال سيدتها مادامت غير مجبرة على اقتسامها مع عموم المرتفقين رغم وجود نصوص قانونية سواء الدستور وقانون الصحافة
لهذمه الاعتبارات تبقى علاقة الاطراف التواصل العمومي علاقة موسمية ولها بعد اخباري من قبيل حملات التحسيس بمخاطر الطريق وبضرورة الاقتراع سواء الانتخابي او الدستوري .
وايمانا باهمية التواصل ارتئينا في ختام هذا البحث ضرورة طرح مجموع من التوصيات التي من شانها تحقيق تواصل عمومي حقيقي:
-ضرورة اصدار قانون تنظيمي لحق المعلومة يجرم كل احتكار للمعلومة بكافة اشكالها
-السعي الى التفعيل الحقيقي للحكومة الالكترونية وعيا منا باهمية الشبكة العنكبوتية في العصر الحاضر والسير بمنهج الدولة المتقدمة في هذا المضمار
-الدفع باستقلال الاعلام وتمكينه من اليات فعالة قصد تحقيق تواصل عمومي حر ومسقل
-الانتقال من التواصل العمومي الى تواصل شعبي


______________________________________________________________________________


لائحة المراجع: 

-MDACHRI. ALAOUI DRISS. ENTRE ACTE LA PUBLICITE AU MAROC LE DEUX RINE
- الوالي محمد الاشهار افيون الشعوب علامات العدد27.2007 .
مداخلة بالندوة الدولية "التواصل العمومي: المقاربات, التطورات والرهانات"
معهدالصحافة وعلوم الإعلام, مؤسسة كونراد أدي تونس, 12-13 أبريل20
www.elyahyaoui.org 











تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -