المسؤولية الإدارية بدون خطأ

مقال بعنوان: المسؤولية الإدارية بدون خطأ أو بناء على المخاطر

المسؤولية الإدارية بدون خطأ


مقدمة : 
المسؤولية الإدارية بدون خطأ كما تدل عليه تسميتها ، تقوم في غياب ركن الخطأ فبعدما كانت المسؤولية الإدارية لا تقوم إلا في حالة ارتكاب خطأ ينسب للإدارة وهو ما يعرف بالمسؤولية على أساس الخطأ أصبحت المسؤولية الإدارية تقوم أيضا حتى في حالة عدم ارتكاب أي خطأ من جانب الإدارة ، وهو ما يرتب مسؤوليتها في تعويض الأفراد للضرر الذي الحق بهم.
ولقد عرفها مفوض الدولة سولزان مسؤولية الدولة بالخطأ منها إنما هي تصحيح ادخله القضاء على ما يتسم به القانون العام من طابع اللامساواة ، وهي تستوي عند نقطة التوازن بين مبدأ تغليب المصلحة العامة التي تضطلع الإدارة بتطبيقه في جميع الحالات التي يصطدم فيها بالمصالح الخاصة و بين مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة وهو يتطلب التعويض عن كل ضرر منسوب إلى نشاط عام عندما يتجاوز الحدود اللازمة لظروف الحياة في المجتمع".
فالمشرع المغربي لا يشترط لقيام المسؤولية وجود خطأ فإذا ما حصل ضرر للمدعين أمكنه المطالبة بالتعويض في ضوء المسؤولية على أساس المخاطر، إن مساءلة الدولة حتى في حالة انعدام الخطأ.
فالمسؤولية الإدارية بدون خطأ تتحقق بتوفر الضرر، العلاقة السببية.
فيحق للمدعي أن يثبت وجود علاقة سببية بين نشاط الإدارة والضرر الذي أصابه.
استنادا لما سبق يمكن طرح الإشكال التالي : ما هي أسس المسؤولية الإدارية بدون خطأ؟ وما هي تطبيقاتها ؟
وانطلاقا من هذه الإشكالية ارتأينا أن نقسم الموضوع على الشكل التالي :

المبحث الأول : أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ. 
المطلب الأول: مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. 
المطلب الثاني: نظرية المخاطر. 
المبحث الثاني : حالات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر . 
المطلب الأول : الحالات الواردة في النصوص التشريعية. 
المطلب الثاني : الحالات التي افرزها الاجتهاد القضائي. 

المبحث الأول : أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ

عمل الفقه و القضاء الفرنسيين في إقرار مسؤولية الإدارة عن نشاطها دون خطأ أو بناء على المخاطر، على إيجاد أساس قيام هذا النوع من المسؤولية والتي تشكل استثناء من نظام المسؤولية المعروفة في القانون الإداري والمستمد أساسا من قواعد القانون الخاص، أي تحميل المسؤولية بناء على ارتكاب الخطأ وقد تأرجح هذا الأساس بين فكرتين مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة (المطلب الأول) وفكرة نظرية المخاطر (المطلب الثاني). 

المطلب الأول: مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة

إذا كان الأصل الذي ضل سائدا ردحا من الزمان هو مبدأ مسؤولية الدولة أو عدم مسؤولية السلطة العامة عن أعمالها قد بدأ في الاندثار في فرنسا منذ نهاية القرن 19، وفي انجلترا حتى سنة 1948 و أمريكا سنة 1949، فإن الأخذ بمسؤولية الدولة لم يكن متصورا في بادئ الأمر ما لم ترتكب السلطة العامة خطأ بالمعني الدقيق يبرر قيام مسؤوليتها ذلك، إن عهد لا مسؤولية الدولة بصفة مطلقة لا تكمن الانتقال منه إلى عهد قيام المسؤولية إلا إذا كان ذلك رهينا بخطأ الإدارة وهكذا اعتبر الخطأ أساسا لقيام مسؤولية الإدارة ولو لم يكن متصورا إلى وقت قريب ،إن انتشار المسؤولية دون خطأ إذا انطلق الاجتهاد القضائي الفرنسي وأساسا مجلس الدولة الفرنسي الذي ارسي قواعد ومبادئ المسؤولية الإدارية عن طريق مجموعة من القرارات التي شكلت منعطفا قويا في تطور قواعد المسؤولية الإدارية، من مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة لتبرير قيام مسؤولية الإدارة عن الضرر دون أن تكون قد ارتكبت خطأ على أساس المخاطر ويفيد هذا المبدأ أن الضرر الناجم عن نشاط الإدارة لا يجب أن تتقل كاهل فرد بذاته وقع ضحية هذا الضرر، 
ما دام النفع العائد إلى الجماعة بسبب هذا الضرر من قبيل العبء العام الذي يتساوى فيه جميع الأفراد في المجتمع الواحد إذ لا معنى مطلقا لان تخص الدولة فردا بذاته أو مجموعة أفراد بذواتهم ليتحملوا وحدهم تبعات المنافع العامة التي تؤديها الإدارة للجماعة بأسرها[1]. 
لهذا فمن الضروري أن تعامل الإدارة المواطنين على قدم المساواة وبالتالي تكون ملزمة بتقديم تعويضات مادية من الإجراءات التي رأت الإدارة ضرورة اتخاذها من أجل تحقيق المصلحة العامة التي هي ملك عمومي يشارك في إيجاد مختلف فئات المواطنين وبالتالي يكون هؤلاء مدعوين للمساهمة على قدم المساواة أمام الأعباء العامة التي تفرض مثلا نزع الملكية أو اتخاذ إجراءات ضرورية ضد بعض الأشخاص دون الغير[2]. 
على هذا الأساس تبلورت فكرة المساواة أمام الأعباء العامة لقيام مسؤولية الإدارة عن نشاطها الذي يسبب أضرار للغير وذلك في الحالة التي يكون نشاطها الموجب للمسؤولية مشروعا ويهدف إلى تحقيق المصلحة العامة. 
زد على ذلك مبدأ التكافل الاجتماعي ، إذ أكد الدستور المغربي في فصله 39 على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده توزيعها وفق الإجراءات المنصوص. كما نص الفصل 40 على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية و بشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد. 
ويجمع الفقه على إعطاء مبدأ التضامن الاجتماعي والمساواة في تحمل التكاليف العمومية مكانة هامة في ميدان المسؤولية الإدارية. 

المطلب الثاني : نظرية المخاطر

أقر الفقه والقضاء أيضا في مجال إقرار مسؤولية الإدارة عن نشاطها دون ارتكابها لأي خطأ ، نظرية المخاطر كأساس تبرير تحمل الإدارة للتعويض عن الضرر الذي تتسبب فيه للغير 
فقد أدى إزدياد نشاط الإدارة إلى إزدياد المخاطر التي يتعرض لها الأفراد بسبب هذا النشاط فكان لابد من إيجاد نوع من التأمين ضد هذه المخاطر يتمثل في تعويض المضرورين بسبب نشاطها ولو لم ترتكب أي خطأ[3]. 
والمقصود بنظرية المخاطر هو أنه من أنشأ مخاطر ينتفع فيها فعليه تحمل تبعة الأضرار الناتجة عنها ففي بادئ الأمر طبق القضاء الإداري (مجلس الدولة الفرنسي) هذه النظرية في مجال الأشغال العمومية تم امتد مجال تطبيقها بداية من القرن 20 إلى مسؤولية الإدارة عن بعض الأنشطة والأشياء الخطرة والتي تشكل مخاطر غير عادية.[4]

المبحث الثاني : حالات المسؤولية الإدارية بدون خطأ

نظرا لأهمية ومسؤولية الإدارة في القانون الإداري، فإنه إلى جانب المسؤولية الإدارية التي تقوم على أساس وجود خطأ توجد المسؤولية الإدارية بناء على المخاطر، أو بمقتضى النصوص الأخيرة يتم تقرير التعويض عن أضرار ناتجة عن تصرف إداري مشروع[5]. 
وباستعراضنا للحالات التطبيقية للمسؤولية الإدارية بدون خطأ في المغرب يمكن أن نميز بين الحالات إلي أقرتها بعض النصوص التشريعية وبين الحالات التي أضافتها الاجتهادات القضائية. 

المطلب الأول : الحالات الواردة في النصوص التشريعية 

لقد قنن المشرع المغربي عددا من حالات المسؤولية بناء على المخاطر في مجموعة من النصوص التشريعية نعرض إليها كما يلي:

الفقرة الأولى: الأضرار الحاصلة للمتعاونين مع الإدارة 

ويقصد بالمتعاونين مع الإدارة في هذا المجال ، الموظفون العموميون والعسكريون والمتعاونون مع الإدارة مجانا.
فمن الخطوات الحميدة في القانون المغربي أن المشرع قد ألزم الدولة تأمين وتعويض موظفيها ، وهكذا تعتبر الإدارة مسئولة عن الأضرار الحاصلة بين مختلف فئات المتعاونين معها، والذين يعملون باسمها أو يقومون بالأنشطة المعهودة إليها.[6]
فبالنسبة للموظفين العموميين نص الفصل 19 من ظهير 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي و.ع على أنه يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع التي قد يتعرضون لها بمناسبة القيام بمهامهم، وقد تعوض إذا اقتضى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل عن الضرر الناتج عن ذلك في كل الأحوال التي يضبطها التشريع الخاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة، حيث أن الدولة هي التي تقوم مقام المصاب في الحقوق والدعوى ضد المتسبب في الضرر.
كما صدر في نفس السياق قانون فاتح غشت 1958 ليقرر نظاما للتأمين والمعاشات للموظفين و المدنيين و العسكريين العاملين في القوات المسلحة الملكية والذي حل محله.القانون المطبق حاليا بتاريخ 30/10/1977. و يستفيد المتعاونون مع الإدارة من مقتضيات القانون الخاص بالتعاقد المدني للحصول على تعاونهم مع الإدارة ، أما المتعاونون مع الإدارة بالمجان كالأشخاص المتطوعون للقيام بحملات النظافة فيطبق عليهم ظهير 31 مارس 1961 [7].

الفقرة الثانية : الأضرار الناتجة عن الاضطرابات والقلاقل الاجتماعي 

تعتبر الإدارة مسؤولة عن النظام العام بمدلولاته المتنوعة في الحفاظ على الأمن العام و الصحة العامة ، و ذلك في نطاق قيمها بمهامها المعروفة في الشرطة الإدارية أو الضبط الإداري ، و بالتالي تكون مسئولة عن اتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على النظام العادي، وقد حددت ما من شأنه أن يخل بالنظام و يؤدي إلى وقوع أحداث تؤدي إلى قلاقل واضطرابات تنتج عنها أضرار ليس فقط للمتعاونين مع الإدارة، و لكن أيضا لعامة المواطنين و هنا تكون الدولة مسؤولة عن تعويض هذه الأضرار بناء على المخاطر[8].
و لقد نظم المشرع هذا التعويض منذ عهد الحماية بظهير 30/09/1953 قبل أن يتم إلغاؤه بمرسوم ملكي بتاريخ 24/10/1966.
كما أنه و على إثر أحداث الصخيرات في 10 يوليوز 1971 ، و أحداث الطائرة الملكية في 15 غشت 1972 ، ووقوع ضحايا نتيجة هذه الأحداث صدر ظهيران بتاريخ 2 يناير 1974 ، يتعلق الأمر بالنظام الخاص بالمعاشات المخولة لذوي حقوق الضحايا حوادث 10 يوليوز 1972، و 16 غشت ، و يتعلق الظهير الثاني بالنظام الخاص بمنح معاشات لذوي الحقوق المأجورين عن ضحايا حودث 10 يوليوز 1971 و 16 غشت 1972.

الفقرة الثالثة : الأضرار التي تصيب التلاميذ و الطلبة بالتعليم العمومي و الأطفال بالمخيمات العمومية

لقد أدخل المشرع الأضرار التي تصيب الطلبة و التلاميذ في نطاق مسؤولية الإدارة بناء على المخاطر، و ذلك بنصوص صريحة ، حيث قرر الفصل الأول من الظهير 16 أكتوبر 1942 المتعلق بالتعويض عن الحوادث التي يتعرض لها تلاميذ المدارس العمومية مسؤولية الدولة دون إثبات خطأ عن تلك الحوادث ، و لقد أدخلت تعديلات على هذا الظهير الأصلي ليمتد التعويض و بالتالي في مسؤولية الإدارة عن الأضرار الحاصلة لأطفال المخيمات التي تشرف عليها الإدارة ، سواء في نطاق وزارة التربية الوطنية أو الشبيبة و الرياضة .[9] إذ جاء التعديل الأخير لهذا الظهير بتعديل بمثابة قانون بتاريخ 19 شتنبر 1977 ليستفيد أيضا من التعويض و بالتالي تمديد المسؤولية الإدارية بناء على المخاطر إلى طلبة الجامعات.
الفقرة الرابعة : الأضرار الحاصلة من الأحكام التي تمت مراجعتها
إن الدولة وكقاعدة عامة غير مسؤولية عن أنشطتها القضائية، إلا أن الحكم ببراءة من سبق إدانته ، يرتب مسؤولية الدولة، ويحدث ذلك عندما يطلب مراجعة الحكم الأول بعد التماس إعادة النظر فيه.
فقد نصت المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية على أنه يمكن استنادا إلى المقرر الجديد المترتب عنه براءة المحكوم عليه ، بناء على طلبه الحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة.[10]
وتنظم مسطرة المراجعة المواد من 565 إلى 574 من قانون المسطرة الجنائية، والمهم فيها أن الدولة تتحمل مسؤولية تقديم التعويضات المادية للمتضرر من الحكم الأول، فمسؤولية الدولة هنا ليست على أساس الخطأ وإنما على أساس المخاطر، وفي هذا الصدد صدر حكم عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتعويض قدره 15000.00 درهم لأحد الأفراد بعد صدور حكم المراجعة لصالحه ، إذ أن المعني بالأمر صدر في حقه حكم بالسجن المؤبد عن جريمة قتل وتم إداعه السجن قرابة 10 سنوات تم ظهر بعد ذلك الجاني الحقيقي، فتم إلغاء الحكم السابق بواسطة المراجعة.
فكان محقا في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقته بسبب إدانته وبقائه رهن الإعتقال طيلة المدة السابقة.
وفي الأخير هناك الأضرار المترتبة عن المس بحق الملكية.
إن حق نزع الملكية ثابت للدولة والجماعات الترابية، والأشخاص المعنوية الأخرى حسب مقتضيات الفصل 3 من ظهير 1982، والتي يتعين عليها - أي الهيئات العامة - تبرير المصلحة العامة ، وفي ما تقوم به الإدارة من إجراءات لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، فإن المشرع لم يهضم حق الأفراد، إذ ألزم نازع الملكية بتعويض عادل يحدد أولا بالتراضي وفي حالة التعذر تقوم بذلك السلطة المختصة بإتباع القواعد المنظمة لتهدير التعويض.[11]

المطلب الثاني : الحالات التي افرزها الاجتهاد القضائي

لقد أصبح مجال نظرية المسؤولية الإدارية بدون خطأ يتسع ليشمل العديد من جوانب النشاط الإداري، وفي مقابل ذلك فان القضاء الإداري قد عرف تطورا مهما حاول من خلاله توسيع مجال المسؤولية بدون خطأ وبناءا على ذلك فإننا سنحلل هذه التطبيقات القضائية لنظام المسؤولية بدون خطأ.[12]

الفقرة الأولى : مسؤولية الإدارة عن الأشغال العامة

وتتمثل الأشغال العامة في القيام ببعض الأشغال لحساب شخص معنوي عام وذلك قصد تحقيق مصلحة، لكن قد يحدث أن تصاب أموال أفراد أو أملاكهم الخاصة من جراء الأشغال العامة بأضرار غير عادية في هذه الحالة إن القضاء يقرر مسؤولية الإدارة بغير خطأ[13].
وفي هذه الحالة يمكن التمييز بين الأضرار الدائمة للأشغال العامة والأضرار العرضية للأشغال العامة.
فالأولى تحدث عن إنجاز أشغال عامة أو عن وجود منشآت عامة بصفة مستمرة كتشييد طريق أو سدا ومخطط حديدي دائم ... ففي هذه الحالة يستحق المتضررون سواء كانوا منتفعين أو غير منتفعين من تلك الأشغال تعويضا يؤديه الشخص العمومي المسئول عن تلك الأشغال [14].
أما الثانية فهي الأضرار التي تحدث بصفة فجائية لإنجاز الأشغال العمومية فهي عرضية لا تحدث عادة عن إنجاز تلك الأشغال.

الفقرة الثانية :الأضرار الناتجة عن إستعمال الأشياء الخطيرة

إجمالا لا يكون الشيء خطيرا إذا كان مترتبا عن إستعمال شيء خطير ، بمعنى أن الخطر هنا يعتبر غير عادي عكس الأشغال العامة التي يعتبر فيها الضرر عاديا ، ومنه يتعين ضمان الأمن للمواطنين مقابل الصفة الخطيرة لاستعمال الأشياء التي تضاعف أخطار الحادثة[15]. 

الفقرة الثالثة: الأضرار الناتجة عن استعمال الأسلحة والمتفجرات

محاولة منها للقبض على المنحرفين استعملت الإدارة وبالتحديد من طرف قوات الشرطة والدرك الملكي أسلحة ، هذه الأخيرة تكون دقتها في بعض الأحيان نسبية ، وقد قيد المشرع في الغالب إستعمال السلاح .
أما القضاء المغربي فيميز بين الحالة التي يكون السلاح فيها موجها إلى المتضرر ، والحالة التي يكون فيها السلاح موجها إلى الغير ، حيث يحكم المسؤولية في الحالة الأولى بناءا على الخطأ وفي الحالة الثانية على أساس المخاطر [16].
ومن أمثلة الاجتهاد القضائي في هذا المجال.
قرار محكمة الاستئناف بالرباط في قضية العربي بن علي السوسي الذي أكد مسؤولية الدولة بناءا على المخاطر في تعويض شخص جرح من قبل شرطي أثناء مطاردته لسارق [17] .
بالإضافة إلى حكم صادر عن إدارية اكادير في قضية مغرك أمينة ضد الدولة المغربية تتلخص وقائع القضية في أن الضحية بينما كانت تعمل على تنظيف ( حوش) بجوار منزلها لقيت حتفها إثر إنفجار عبوة ناسفة تتواجد ضمن ركام المهملات . وعللت المحكمة حكمها بأن العبوة المتفجرة والتي تسببت في وفاة الضحية من النوع المحظور على الأشخاص مما يفيد أنها في ملكية الدولة [18].
لقد تبنى المشرع الفرنسي هذا النوع من المسؤولية منذ سنة 1925 بمقتضى قانون 3-5-1921 وذلك بالنسبة للأضرار التي تنال الأفراد ونتيجة انفجار المفرقعات وانتشار الغازات الصادرة من المصانع الحكومية أو المصانع الخاصة التي تعمل لحساب وزارة الدفاع الوطني.

الفقرة الرابعة: الأضرار الناتجة عن إستعمال الأدوات الطبية والجراحية

أقر القضاء المغربي منذ نهاية الحماية المسؤولية للدولة من جراء إستعمال الأدوية الخطيرة بناء على المخاطر.
وهكذا فقد حاول حكم Pasquis إقامت المسؤولية على أساس المخاطر حينما صرحت محكمة الاستئناف بالرباط أنه " إذا كان هناك خطر جسيم في تقديم علاج ولو لم تكن له صبغة جدية صرفة وجب أن يتحمل المريض وحده هذا الخطر"، بحيث يتعين على الإدارة في هذه الحالة تعويض المتضرر إنطلاقا من الأضرار المحتملة التي تنطوي على مخاطر العلاج
وفي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير التي رفضت تحميل الدولة مسؤولية الأضرار الحاصلة بالمدعي لأنه ليس هناك ما يثبت مسؤوليتها رغم تأكيدها على أن " المرفق الصحي العمومي أعد لتوفير الظروف الملائمة للعلاج و استقبال المرضى وتوفير الخدمات الطبية النوعية و الكفاءات المهنية المطلوبة حسب كل حالة، لتوفير العلاج والعناية الطبية اللازمة ، وكل إهمال وتقصير في هذا الجانب تتحمل تبعاته الدولة باعتبارها المسؤولة أساسا على صحة المواطن "
يتضح من الحيثيات أعلاه أن المحكمة لم تشر إلى الطبيب كطرف يجب تحميله المسؤولية سواء المدينة منها آو الجنائية متجنبة الخوض في مشاكل قد لا ندري حلها.

الفقرة الخامسة: الأضرار الناتجة عن مخاطر الجوار. 

ففي هذا النوع من الأضرار تلتزم الدولة بتعويض جيرانها عن الأضرار التي تلحق بهم إذا تجاوزت القدر المألوف أو المعتاد لأضرار الجوار العادية[19].
ومقتضى هذه الفكرة أنه قد تلحق بالمواطنين أضرار ناتجة عن بعض المنشآت أو الأماكن الخطيرة غير العادية ، وذلك نظرا لقرب هذه الأماكن من المناطق السكانية[20].
ومن الأحكام المهمة التي أصدرتها المحاكم المغربية في هذا الشأن قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 21/01/1928 في قضية مدافع الوداية[21] وقد تعرض هذا الحكم لانتقادات، خاصة من طرف الفقيه"دولوبادير" الذي نفى أعمال السيادة وأعمال السلطة العامة بعملية " طلق المدافع" واعتبر أن الأمر لا يخرج عن الحالات المدرجة في سوء تسيير المرفق، ويحلل ذلك بأن الطريقة التقنية المتبعة في ضرب المدافع هي التي تودي إلى كسر نوافذ البيوت المجاورة لها، لهذا يرى أن المسؤولية هنا تقوم على خطأ لا على المخاطر.[22]
ومن الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بمراكش [23]، حيث اعترفت المحكمة للمدعي بتعويض ترميما للضرر اللاحق به من جراء تلف محصوله ألفلاحي ... بسبب فيضان ماء قناة أهمل المكتب الوطني للماء الصالح للشرب صيانتها.

الفقرة السادسة : الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية

تتمتع الأحكام بحجية الشيء المقضي، ويجب على الجميع الامتثال لها . لذلك لا يكفي صدور الأحكام وأنها لابد من تنفيذها ، وتتحمل الدولة مسؤولية تنفيذ الأحكام من قبل الأفراد والجماعات حتى لا تبقى بدون أثر[24].
لكن قد يحصل أن تتخطى الإدارة لأسباب معينة عن هذا التنفيذ، الشيء الذي قد يترتب عنه أن يضل الحكم بدون أثر ولا يستطيع منه تحقيق آثاره الإيجابية ، وبالتالي يقع الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام تحمل الأعباء العامة[25] من الأحكام الشهيرة في هذا الخصوص قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية Guites الذي تتلخص وقائعه في أن محكمة تونسية أصدرت حكما يقضي باستحقاق السيد كويناس لملكية إحدى الأراضي وبإخلاء بعض الفلاحين التونسيين الذين كانوا يستقرون فوقها، غير أن الحكومة الفرنسية آنذاك كانت ترفض إستعمال القوة العمومية لإخلاء هؤلاء الفلاحين خشية قيام اضطرابات نتيجة ردود فعلهم .
وعندما إلتجأ إلى مجلس الدولة الفرنسي قضى هذا الأخير بأحقية الإدارة في تأجيل تنفيذ الحكم وبأحقية السيد كويتاس في الحصول على تعويضات عن عدم إفراغ الفلاحين.[26]
____________________________________
الهوامش :

[1]- سميرة بالحمامية ، المسؤولية الإدارية بين أحكام التشريع وقرارات القضاء المغربي ، رسالة لنيل المستر المتخصص في المهن القضائية 2008 ص : 47.
[2]- عبد القادر بايتة تطبيقات القضاء الإداري بالمغرب، دار توبقال للنشر، ص : 132.
[3]- جورجي شفيق ساري مسؤولية الدولة عن إعمال سلطاتها قضاء التعويض، دراسة مقارنة، الطبعة السادسة 2002، ص : 277.  
[4]- زبار نوال المسؤولية الإدارية مذكرة التخرج المدرسة العليا للقضاء جزائي. 2004-2005 ، ص : 64.
[5]- الطنجي الشرقاوي أمينة، تطبيقات المسؤولية الإدارية على أساس الخاطر موقعها من الفقه والقضاء، مقال بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 50، ص : 71.
[6]- حسن صحيب : القضاء الإداري المغربي،منشورات المجلة المغربية بالإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة ص.
[6]- ظهير شريف رقم 242-60-1 ج ، سنة 1961ص: 927
[8]- عبد القادر باينة ، مرجع سابق.
[9]- الطنجي الشرقاوي أمينة، مرجع سابق، ص: 73
[10]- احمد اجعون، محاضرات في القضاء الإداري المغربي ، مطبعة وراقة سجلماسة طبعة 2009-2010، ص : 148 ، 158.[12]- حسن صحيب ، مرجع سابق ص : 87.
[13]- ثورية العيوني ، مرجع سابق ص : 220.
[14]-اجعون احمد ، مرجع سابق ص : 156.
[15]- رافع (عبد الوهاب ) و النسولي مقاضات الشخص المعنوي العام . م س . ص : 247.
[16]- حسن صحيب ، مرجع سابق .
[17]- قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 10/05/1961.
[18]- المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 15/04/1999 تحت رقم 85.99 ملف 81.96 غ . م.
[19]- روسي وآخرون، القانون الإداري المغربي. ص : 592.
[20]- ثورية ألعيوني ، مرجع سابق. ص: 223.
[21]- حكم محكمة الاستئناف الرباط بتاريخ 21/1/1928. كدافع الاوداية - مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط. ص : 330.
[22]- حسن صحيب، مرجع سابق. ص : 103.
[23]-حكم رقم 79 ملف 99.30 .....، عبد القادر والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب.
[24]- اجعون، مرجع سابق. ص: 162.
[25]- حسن صحيب، مرجع سابق . ص : 104.
[26]- قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 30/11/1923.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -