مفهوم القرار الإداري

مقال بعنوان: مفهوم القرار الإداري
مفهوم القرار الإداري
مقدمة 

يعد القرار الإداري أهم مظهر من مظاهر نشاط وامتيازات السلطة التي تتمتع بها الإدارة وتستمدها من القانون العام، إذ بواسطته تستطيع الإدارة بإرادتها المنفردة على خلاف القواعد العامة في القانون الخاص على إنشاء حقوق أو فرض التزامات، والسبب في ذلك أن الإدارة تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة التي يجب تفصيلها على المصلحة الخاصة، وهنا تكمن أهمية القرارات الإدارية التي تستخدمها الإدارة لممارسة نشاطها وتحقيق أهدافها.
والجدير بالملاحظة هو أنه لم يقدم أي تعريف لمفهوم القرار الإداري لا في النصوص القانونية المغربية سواء تلك المتعلقة بالمادة الإدارية أو غيرها فقد تمت الإشارة فقط بالنسبة لظهير 27/09/1957 في فصله الأول وكدا الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية على النص أن " المجلس الأعلى يعهد إليه بالبث في طلبات إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية" وعلى هدا الأساس حاول كل من الفقه والقضاء على تحديد عناصر القرار الإداري أي تلك الشروط التي يجب أن تتوفر في التصرف الإداري حتى يعتبر قرارا إداريا وبالتالي يخضع للرقابة القضائية ويكون محلا لطعن بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة، وبذلك يمكن طرح التساؤل التالي ما هي هذه المعايير التي اعتمد عليها كل من الفقه والقضاء لتعريف القرار الإداري وتحديد معالمه؟ للإجابة عن هذه الإشكالية سنتولى دراسة هذا الموضوع من خلال التصميم التالي :
المبحث الأول : العنصر العضوي " صدور القرار عن سلطة إدارية" المطلب الأول :مفهوم السلطة الإدارية المطلب الثاني :تمييز القرار الإداري عن باقي التصرفات القانونية الأخرى
المبحث الثاني : العنصر الإجرائي والوظيفي: صدور القرار عن إرادة منفردة وضبطية المطلب الأول : العنصر الإجرائي) صدور القرار الإداري عن إرادة منفردة) المطلب الثاني : العنصر الوظيفي :( ترتيب القرار الإداري لأثار القانونية )

المبحث الأول: العنصر العضوي-صدور القرار الاداري عن سلطة إدارية 

حتى نكون أمام قرار إداري يجب أن يكون صادرا عن سلطة إدارية، اعتبارا إلى كون هذا يعد امتيازا لصالح الإدارة لا يتمتع بها من حيث المبدأ الأشخاص الخواص، كما أنه كقاعدة عامة لا يصدر عن السلطة التشريعية أو السلطة القضائية أو السلطة الحكومية بوصفها هاته (1) وبالتالي يمكن اعتبار هذه التصرفات خروج حقيقي من دائرة القرارات الإدارية والتي يتم استبعادها بطبيعة الحال عن رقابة القضاء الإداري. 
وتجدر الإشارة إلى أنه إدا كانت القرارات الإدارية تصدر عن السلطة التنفيذية باعتبارها هي القائمة على النشاط الإداري، فإن هناك سلطات أخرى تصدر أعمالا قد تختلط بتلك القرارات، حيث نجد غالبا تداخل بين سلطات الدولة المختلفة تطبيقا لمبدأ الفصل النسبي بحيث تتداخل الاختصاصات بين السلطات أحيانا بما يحقق الصالح العام (2). 
ومن هنا ضرورة تقديم تعريف لمفهوم السلطة الإدارية باعتبارها هي التي تقوم بإصدار القرارات الإدارية (المطلب الأول) ومن تم التمييز بين القرار الإداري وباقي التصرفات الأخرى (المطلب الثاني)

المطلب الأول: مفهوم السلطة الإدارية

بالنسبة لتعريف السلطة الإدارية في المجال القانوني فإن أول ملاحظة بهذا الخصوص وهو غياب تعريف محدد لها فأول ما يلفت الانتباه في هذا الموضوع هو غياب تعريف قانوني لمفهوم السلطة الإدارية في نصوص القانون العام المغربي (3) بالإضافة أيضا للنصوص التشريعية والتنظيمية فلا يوجد تعريف للسلطة الإدارية .هذا بالنسبة للقانون المغربي. 



أما بالنسبة للقانون الفرنسي فإنه لم يعرف أي نص تشريعي أو تنظيمي مفهوم السلطة الإدارية (4) . كما أن القضاء أيضا لم يحدد تعريف لمفهوم السلطة الإدارية.
ويكتفي القول أن القرار يمكن الطعن فيه بالإلغاء لأنه صادر عن سلطة إدارية أو لا يمكن الطعن فيه بالإلغاء لأنه غير صادر عن سلطة إدارية. وأمام هذا الوضع يمكن القول أن مفهوم السلطة الإدارية يدور حول ثلاث عناصر أساسية: التمثيل الشرعي، الوظيفة الإدارية، السلطة الرئاسية. 


 التمثيل الشرعي

والمقصود بالتمثيل الشرعي باعتباره من بين العناصر الأساسية التي يرتكز عليه مفهوم السلطة الإدارية، هو أنه باعتبار الإدارة شخص معنوي عام لا يمكن لها أن تمارس وظائفها القانونية إلا بواسطة أشخاص طبيعيين ينوبون عنها في القيام بهذه الوظائف، ففي مجال القانون الإداري لا يمكن للإدارة كشخص معنوي عام أن تباشر مهامها إلا بواسطة أشخاص طبيعيين يؤدون وظائفها باسمها ولحسابها (5) إضافة إلى ذلك يجب أن يكون هذا التمثيل شرعيا وقانونيا، أي أن يكون الأشخاص الطبيعيين الذين ينوبون عن الإدارة في القيام بمهامها مؤهلين من الناحية القانونية حتى يتسنى لهم التصرف بإسم وحساب الإدارة.
فبالاعتماد على التمثيل الشرعي يمكن إعطاء تعريف للسلطة الإدارية بأنها كل شخص طبيعي سواء كان هذا الأخير شخصا واحدا أو مجموعة من الأشخاص منظمين في شكل هيئة آو مجلس أو لجنة يباشر تصرفات قانونية بصفته ممثلا شرعيا للإدارة كشخص معنوي عام . (6) 


 ممارسة الوظيفة الإدارية

تعتبر الوظيفة الإدارية هي أساس السلطة الإدارية، باعتبار أن السلطة الإدارية هي التي تمارس الوظيفة الإدارية وتهدف من خلالها إلى تحقيق المصلحة العامة، وقد منح المشرع امتيازات للسلطة الإدارية حتى تتمكن من أداء وظائفها والتي تتمثل في القرار الإداري، وهنا تظهر أهمية القرار الإداري فهو يعد أهم الوسائل في يد السلطات الإدارية.

في المقابل يمكن في بعض الحالات أن تصدر القرارات عن أشخاص خاصة، بالنسبة للقضاء الفرنسي لا يضفي الطبيعة الإدارية على هذه القرارات إلا إذا كانت تسير مرفقا عاما إداريا(7) ، أما بالنسبة للقضاء المغربي فهو يساير القضاء الفرنسي بالطبيعة الإدارية للقرارات الصادرة عن بعض الأشخاص الخاصة كما هو الحال بالنسبة للحكم الصادر في 31 أكتوبر 1991 المتعلق بقرار الجامعة المغربية لكرة القدم، فقد اعتبر القضاء المغربي هذا القرار على أنه قرار إداري يقبل الطعن بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة مادام أن هذا القرار يهدف إلى تسيير مرفق عام ويرتكز على تحقيق المصلحة العامة، غير أن ما يلاحظ هو أن الفرقة الإدارية لم تشير على مهمة المرفق العام الذي تسهر عليه الجامعة المذكور، غير أن موقف المحكمة الإدارية بوجدة كان أكثر وضوحا بهذا الخصوص، في حكم لها بتاريخ 06/03/2002 والذي اعتبر الجامعة الملكية لليكبي مكلفة بتسيير مرفق رياضي مستعملة في ذلك وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة من أجل تحقيق المصلحة العامة. وبذلك يمكن القول أن أشخاص القانون الخاص عندما يمارسون الوظيفة الإدارية فإنهم يتحولون إلى سلطات إدارية بحكم التمثيل الواقعي وليس بحكم التمثيل الشرعي، ومن خلال هذا فالقضاء يأخذ بالمعيار الموضوعي لتحديد القرارات الإدارية في مقابل تخليه عن المعيار العضوي. 


 السلطة الرئاسية

يمكن اعتبار السلطة الرئاسية أساس النظام الإداري المغربي باعتبارها العنصر الحاضر في جميع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية وفي نظام اللامركزية أيضا لكنها غائبة في علاقات الإدارة المركزية بالإدارة اللامركزية (8) ويمكن القول أن السلطة الرئاسية ضرورية لازمة في جميع المؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة لكي تؤدي وظائفها على أحسن وجه،ومن هنا يتضح أن كل من السلطة الرئاسية والسلطة الإدارية تجمعهما علاقة وثيقة جدا، بحيث أن السلطة الإدارية تباشر نشاطها باستعمال السلطة الرئاسية، كما أن العلاقات بين مختلف الأجهزة والموظفين يتم تنظيمها عن طريق السلطة الرئاسية أو ما يعرف بنظام التسلسل الإداري.
لقد أعطى الفقه مفهوم لسلطة الرئاسية على أنها سلطة رئيس التسلسلي على العون الأدنى درجة تلزمه الامتثال المستمر وتسمح له بفرض إرادته عليه ولهدا يمكن تأكيد أن السلطة الرئاسية تشكل عنصرا مهما وأساسيا في تعريف السلطة الإدارية، وعلى هدا الأساس يمكن تعريف السلطة الإدارية على أنها كل ممثل شرعي لشخص معنوي عام يمارس وظيفة إدارية وما تقتضيه من امتيازات السلطة العمومية وتحديدا امتياز القرار الإداري وترتبط أجهزته بعلاقات السلطة التسلسلية (9) . 

المطلب الثاني: تمييز القرار الإداري عن باقي التصرفات القانونية الأخرى

 الأعمال التشريعية أو القوانين

لا يمكن اعتبار القوانين قرارات إدارية،لأنها لا تصدر عن سلطة إدارية، وإنما تصدر عن السلطة التشريعية والبرلمان، وتتمثل أهمية التفرقة بين القرار الإداري والعمل التشريعي في أن القرارات الإدارية تخضع لنظام قانوني مغاير للنظام الذي تخضع له الأعمال التشريعية فالأفعال الإدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضا وعلى ذلك لا يجوز الطعن بالإلغاء ضد العمل التشريعي لأن المنازعة هناك تعتبر منازعة إدارية، فالقوانين تخضع لرقابة قضائية من نوع خاص وهي ما تسمى بالرقابة الدستورية، و يباشرها القضاء الدستوري (10) .
غير أن هناك بعض التصرفات ليست واضحة بما يكفي لتحديد طبيعتها أي أنها ذات طبيعة إدارية أم تشريعية، يتعلق الأمر بمراسيم القوانين، فهذه التصرفات تدخل أصلا في اختصاص البرلمان، والتي تتخذها الحكومة هي قرارات إدارية تنظيمية إلى أن يصادق عليها البرلمان فبدلك تتغير طبيعتها وتصبح قوانين عادية لا تخضع لأحكام القانون الإداري وللرقابة القضائية الإدارية (11) إضافة إلى دلك لا تعد القرارات المتخذة من طرف الهيئات التابعة للبرلمان قرارات إدارية، على نحو القرارات التي تتخذها اللجان البرلمانية.
لكن الجدير بالذكر هو أن أعمال السلطة التشريعية لا تصدر كلها في صورة قوانين بل إلى جانب القوانين هناك الأعمال البرلمانية، حيث يمكن اعتبار القرارات التي تصدر عن إدارة مجلس النواب أو عن رئيسه خصوصا تلك المتعلقة بتعيين موظفي البرلمان وترقيتهم ومنحهم لحوافز وتأديبهم قرارات إدارية، وبالتالي فهذه الأعمال تكون موضوع دعوى الإلغاء لأنها تعتبر قرارات إدارية صادرة عن سلطة إدارية، وبالتالي إذا كانت غير مشروعة أمكن لأصحاب المصلحة طلب إلغائها (12) . 


 الأعمال القضائية

بالنسبة للأعمال القضائية فلا يمكن اعتبارها قرارات إدارية، وبالتالي تستبعد من نطاق رقابة القضاء الإداري ولدعوى التجاوز في استعمال السلطة، لأنها لا تكتسب الصفة الإدارية، باعتبار أنها لا تصدر عن سلطة إدارية.
فالقضاء يشترك مع الإدارة في سعيهما الحثيث نحو تطبيق القانون وتنفيذه على الحالات الفردية، فهما ينقلان حكم القانون من العمومية والتجريد على الخصوصية والواقعية وذلك بتطبيقه على الحالات الفردية. ومع هذا التقارب سعى الفقه والقضاء إلى إيجاد معيار للتمييز العمل القضائي والعمل الإداري لخطورة النتائج المترتبة على خلط بينهما (13) غير أنه من الصعب التمييز بين القرار الإداري والحكم القضائي نظرا للتداخل القائم بينهما، حيث نجد أن القضاء الإداري اعتمد المعيار الشكلي في البداية لتمييز القرارات الإدارية عن الأحكام القضائية ، وظهر ذلك جليا من خلال حكم في قضية السيدة إسرائيل ضد وزارة الصحة العمومية الصادر في لأمان 1961 ، إضافة إلى مجموعة من أحكام الفرقة الإدارية حيث اعترفت لبعض قرارات الهيئات بالطبقة القضائية خاصة فيما يخص قرارات التأديب، وذلك بالاعتماد على مجموعة من العناصر المتمثلة في المسطرة المتبعة ، تكوين المجلس، طبيعة التصرفات، طبيعة المنازعات...( .
غير أن هدا المعيار ذات محدودية واضحة خصوصا بالنسبة للأجهزة المختلطة، أي ذات الصنفين الإداري والقضائي كالهيئات مثلا، الشيء الذي أدى إلى نهج المعيار الموضوعي فقد قضت المحكمة الإدارية بوجدة في حكم لها يخص هيئة الصيادلة باعتبارها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية بالرغم من أنها قرارات صادرة عن مجالس يترأسها قضاة بحكم قوانينها التنظيمية، فهي بذلك قرارات إدارية بطبيعتها قابلة للطعن فيها أمام الجهات القضائية المختصة (14) 


 أعمال السيادة أو أعمال الحكومة

بالإضافة إلى القرارات التشريعية والقرارات القضائية نجد أن هناك طائفة من القرارات الإدارية اصطلح على تسميتها بأعمال الحكومة أو بأعمال السيادة تعتبر خروجا حقيقيا على مبدأ المشروعية وبالتالي تخرج من رقابة القضاء الإداري لأنها لا تعتبر قرارات إدارية صادرة عن سلطات إدارية، ولقد أقر القضاء الإداري المغربي بأعمال السيادة. وبالتالي أخرجها من نطاق .....(15) وهذه الطائفة من التصرفات تضع إشكاليات كثيرة على مستوى تحديدها لأنها تمارس من طرف جهاز واحد والمتمثل في السلطة التنفيذية لكن بإسمين مختلفين: حكومة وإدارة. وكان للفقه دور فعال في تميز الإدارة عن الحكومة من خلال معيارين: معيار عضوي وأخر موضوعي، بالنسبة للمعيار العضوي فقد قام الفقه بتقسيم السلطة التنفيذية إلى أجهزة التوجيه والمراقبة هنا تتصرف السلطة التنفيذية ( كحكومة) وإلى أجهزة الإعداد أو التصور والتنفيذ هنا هذه الأجهزة تمثل (الإدارة)، لكن هذا التقسيم وردت عليه عيوب لهذا تم الاتجاه نحو المعيار الموضوعي والذي يأخذ بعين الاعتبار التصرف ذاته الذي تصدره السلطة التنفيذية، وبهذا فيعتبر عملا حكوميا العمل الذي تتخذه السلطة التنفيذية أداة لوظيفتها التنفيذية وعملا إداريا العمل الذي تباشر به وظيفتها الإدارية(16)، غير أن هذا المعيار كذلك كان له قصور واضح بهذا الخصوص، لدا فقد سلم الفقه الأمر إلى القضاء الذي يرجع له الفصل في تقرير ما إذا كان العمل حكوميا أم لأن وقد اقتصر الفقه على حصر وتجميع أحكام القضاء في هذا المجال فوضع قائمة تتضمن على ما يدرج في أعمال السيادة.
فالقائمة الأولى تتعلق بالشؤون الداخلية كالأعمال التي تنظم علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، بينما تضم القائمة الثانية الأعمال المتعلقة بالشؤون الخارجية مثل ذلك إنشاء علاقات دبلوماسية أو قطعها. 


القرارات الملكية
لقد صرح المجلس الأعلى مند البداية بعدم خضوع القرارات الملكية للطعن بالإلغاء، حيث قضى بعدم إختصاصه بالنظر في الطعون الموجهة ضد الظهائر والمراسيم الملكية إبتداء من حكم عبد الحميد الروندة وانتهاء بحكم أوفقير مصطفى (17) والجدير بالملاحظة هو أن المجلس الأعلى كان يجد حرجا في تبرير موقفه والمتمثل في عدم إختصاصه بالنظر في الطعون الموجهة ضد القرارات والمراسيم الملكية ودلك دون أن يعطي تفسيرا منطقيا لأحكامه، لكن من خلال القرار الصادر بتاريخ 20 مارس 1970 في قضية الشركة الفلاحية لمزرعة عبد العزيز.(18)، حيث حاول من خلال هذا الحكم إعطاء تبرير لعدم إختصاصه بالنظر في القرارات الملكية وذلك بالاستناد على مجموعة من الأسباب وبذلك قضى المجلس بعدم إختصاصه بالنظر في الطلب المقدم من الشركة الفلاحية: 

المبحث الثاني: العنصر الإجرائي والوظيفي لصدور القرار الإداري 

القرار الإداري لا يتكون إلا بإرادة السلطة الإدارية وحدها، فإن كان جوهر التصرف القانوني- الذي يمثله القرار الإداري يتمثل في انصراف الإدارة وإرادتها إلى ترتيب أثر قانوني معين يكون هو محل هذا القرار فإن الأثر القانوني لن يكون مميزا لقرار إداري إلا إذا كان مرد ترتيبه إلى الإدارة المنفرد الملزمة للسلطة المختصة بإصداره. 

المطلب الأول: العنصر الإجرائي (صدورالقرار الإداري عن إرادة منفردة)

يجب أن يصدر القرار الإداري من جانب الإدارة وحدها. وهو ما يميز القرار الإداري عن العقد الإداري الذي يصدر باتفاق إرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص(19) وبهذا يمكن اعتبار عنصر الانفرادية هو السمة التي يتميز القرار الإداري عن العقد الإداري، لأن القرار الإداري لا يمكن أن يكون تصرفا انفراديا، وفي حالة ما إذا تخلف هذا العنصر فلا يمكن اعتباره قرارا إداريا. 
أما عن الانفراد في تحديد هذه الارادة. فلا يشترط لتوفره أن يصدر القرار عن فرد واحد فقطن فليست العبرة في ذلك بعدد أعضاء السلطة الإدارية اللذين يصدرون القرار، وإنما العبرة بالارادة التي يمثلونها.فقد يشترك في إصدار القرار أكثر من فرد يتعلق عملهم بمراحل تكوين وإصدار القرار المختلفة ومع ذلك فإن القرار يعتبر صادرا بالرادة المنفرة طالما أن هؤلاء الأفراد يمثلون رغم تعددهم جهة إدارية واحدة(20)، وبذلك يمكن اعتبار أن الانفرادية في القرار الإداري تتجسد في وحدة الإدارة المعبر عنها، 
ولا يهم أن تكون هذه الارادات تعبيرا عن إرادة شخص أو مجموعة من الأشخاص لأنها سوف تفرز في الأخير إرادة جماعية واحدة.(21) فبالرغم من صدور القرار عن عدة أشخاص فإنه في الأخير يبقى تصرفا إنفراديا لأنه بذلك يعبر عن إرادة جماعية واحدة.بالإضافة إلى أنه إذا كانت وحدة الارادة هي المؤشر العادي للطبيعة الانفرادية للتصرف، فإن العنصر المهم هو أن التصرف الانفرادي يتضمن دوما طرفا واحدا، أو يعبر في نهاية المطاف عن مصلحة لطرف واحد، وبذلك فالعبرة بالتصرف الانفرادي بأنه تصرف يفرض على المخاطب به بشكل مستقل عن موافقته وإرادته وتبعا لذلك فإن محتوى التصرف الانفرادي يشمل الأثر القانوني وذلك بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قائم، لهذا يرتبط عنصر الانفرادية بالضبطية. 

المطلب الثاني: العنصر الوظيفي :(ترتيب القرار الإداري لأثار قانونية)


 لكي يكون القرار إداريا يجب أن يرتب أثار قانونية ودلك بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز معين.و المركز القانوني هو مجموعة من الحقوق والواجبات، قد يكون عاما فيكون واحدا بالنسبة لكل من تماثلت ظروفهم ، كما هو الشأن بالنسبة للموظف في القانون العام.
وما دام القرار الإداري تصرف قانوني ، فانه يخرج من نطاقه كافة الأعمال التي لا تترتب بذاتها أثرا قانونيا كالأعمال التحضيرية آو التمهيدية السابقة على إصدار القرار وأعمال الإدارية المادية ، إضافة لكافة أعمالها التنفيذية سواء تعلق التنفيذ بقرارات إدارية ، أو أن صب على قوانين وأحكام قضائية.(22).
معنى أن القرار الإداري هو قرار ضبطي، هو أنه يتضمن ضوابط أي أوامر ونواهي أو حسب العبارة الشائعة أنه ينشئ حقوقا ويرتب التزامات (23) ، وبذلك يجب أن يترتب عن القرار الإداري أثر قانوني والمتمثل في إنشاء حالة قانونية معينة أو تعديله أو إلغاء حالة قانونية قائمة، وبهذا يمكن اعتبار الأثر القانوني من أهم أركان القرار الإداري والمميز الفاصل عن أعمال الإدارة المادية، ولذا فإنه إذا كان المشرع المغربي لم يضع تعريفا شاملا للقرار الإداري قد حرص في القوانين المتعاقبة على إبراز هذا العنصر لتحديد القرارات الإدارية التي يختص القضاء الإداري بنظر المنازعات المتعلقة بها، معبرا عنه بعبارة " القرارات الإدارية النهائية".
فالمقصود بالقرارات الإدارية النهائية تلك التي تصدر من الجهة المختصة بصفة نهائية دون الحاجة إلى تصديق سلطة أعلى. أي تتعدى مرحلة الاقتراح والتحضير إلى مرحلة إنتاج الأثر، ومن خلال هذا يمكن استنتاج أن الأعمال التحضيرية السابقة على إصدار القرار الإداري، كالأمر بضم التحقيقات التي سبق إجراءها إلى ملف المتهم بجريمة تأديبية، ولا يعد قرارا إداريا لأنه لا يؤثر على الوضع القانوني للمتهم، الذي احتفظ بحقه في إقامة الدعوى عند صدور القرار النهائي، إضافة إلى ذلك الأعمال المتعلقة بالتنظيم الداخلي لسير العمل وداخل الإدارات لا تعبر كذلك من قبيل القرارات الإدارية وبالتالي لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة، طالما أنها فقط من قبيل الإجراءات المتعلقة بالتنظيم الداخلي لسير العمل داخل الإدارة كإجراء توزيع العاملين في الإدارة على نحو معين.(24)
هذا بالإضافة إلى المنشورات أو الدوريات الداخلية التي تصدرها الإدارة لتسيير مصالحها. فلا تعتبر قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء طالما أنها مجرد توجهات تذكر بالقواعد التنظيمية أو التشريعية، وليس لها أي تأثير قانوني على وضعية الطاعن.(26)
ومضمون الأثر القانوني هو الذي يشكل عنصر كأحد عناصر مشروعية القرار الإداري، وللإدارة في اختيار محل قراراتها سلطة تقديرية. وذلك ما لم يقيدها القانون بمحل معين.أي بترتيب أثر قانوني معين، لقرارها كما هو الشأن مثلا في الترقية بالأقدمية حال توافر المدة القانونية المقررة لذلك.

الخاتمة: 


ختاما يمكن القول أن القرار الإداري يرتكز على عناصر ثلاثة وهي : السلطة الإدارية و الإرادة المنفرة والأثر القانوني، وبالاعتماد على هذه العناصر يمكن إعطاء تعريف لمفهوم القرار الإداري " بأنه كل تصرف صادر عن سلطة إدارية أو شخص خاص يدير مرفقا عاما بإرادة منفرة.

______________________________________________________________________________

الهوامش:

1- المكي السراجي ، نجاة حلدون " معيار القرار الإداري " منشورات المجلة المغربية للإدارة والتنمية عدد 71 .
2- محمد الأعرج " القانون الإداري الجزء الأول" منشورات المجلة المغربية للإدارة والتنمية عدد 2010 – 66
3- المكي السراجي ، مرجع سابق ص 49
4- المكي السراجي مرجع سابق ص 50
5- المكي السراجي مرجع سابق ص 51
6- نفس المرجع
7- المكي السراجي ص 53
8- المكي السراجي ص 55
9- المكي السراجي مرجع سابق ص 56
10- سليمان الطموي، القضاء الإداري دار الفكر العربي 1963، ص 565 .
11- المكي السراجي، مرجع سابق ص 42
12- ثورية لعيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة، دراسة مقارنة، طبقة 2005 ص 141 .
13- سعيد نكاوى
15 ثورية لعيوني،مرجع سابق ص 143..
16- المكي السراجي مرجع سابق ص 46.
17- ثورية لعيوني، مرجع سابق ص 143.
18- قضاء المجلس الأعلى قرار رقم 15 صفحة 77، ثورية لعيوني، مرجع سابق ص 144.
19- محمد الأعرج، مرجع سابق ص 200.
20- سعيد نكاوي، مرجع سابق ص 118.
21- محمد الأعرج، مرجع سابق ص 202.
22- المكي السراجي، مرجع سابق ص 57.
23- محمد الأعرج، مرجع سابق ، ص 201.
24- مليكة الصروخ "القانون الإداري دراسة مقارنة،طبعة 2007 425.
26- قرار عدد 57 الصادر بتاريخ 20/1/1967 محمد بن عبد الله الوجدي ضد باشا مدينة مكناس- مجموعة قرارات المجلس الأعلى – ا2 –ص : 108، ثورية لعوني/ مرجع سابق، ص 146.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -