الجريدة الرسمية عدد 7003 مكرر

الجريدة الرسمية عدد 7003 مكرر الصادرة بتاريخ فاتح ذو الحجة 1442 (12 يوليوز 2021) PDF

الجريدة الرسمية عدد 7003 مكرر الصادرة بتاريخ فاتح ذو الحجة 1442 (12 يوليوز 2021) PDF

تقرير سنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمملكة المغربية لسنة 2020 أثناء فترة «كوفيد 19 »

التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمملكة المغربية لسنة 2020
كوفيد 19: وضعية استثنائية وتمرين حقوقي جيد

كلمة الرئيسة
كانت سنة 2020 سنة مأساوية بكل المقاييس، سواء من حيث عدد الوفيات التي سجلتها أو من حيث حجم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية أو من حيث عمق المآسي الإنسانية التي خلفتها. ليس من باب المبالغة في شيء القول إننا عشنا سلسلة أحداث ستبقى محفورة في الذاكرة البشرية إلى الأبد.

في المغرب، أبرز فيروس كورونا المستجد، الذي نتعايش معه منذ أكثر من سنة الآن، حس المواطنة والتضامن الوطني والمسؤولية المشتركة لدى المغاربة، بشكل جعل بعض من كانوا يعتقدون أن هذه القيم قد ضاعت مع فوضى التوسع الحضري يفاجؤون بأداء دولة ذات موارد محدودة وقدرات ليست بالوافرة، تواجه، يومًا بعد يوم، وضعا مهولا ومؤلما بفضل براعة مواطنيها وكرم شعبها وصبر نسائها ورجالها. وفي هذا السياق، ومن خلال هذه الصفحات، أحيي بشكل خاص جميع العاملين في الصفوف الأمامية، على شجاعتهم وتضحياتهم وتشبتهم بأداء واجبهم، الذي أبانوا عنه طيلة شهور طويلة.

لقد سلطت الجائحة، والحجر الصحي الذي جاء في سياق احتواء انتشار فيروس كورونا، الضوء، إن كانت هناك حاجة لذلك، على النقص الكبير المسجل على مستوى قطاع الصحة في المغرب، شأنه في ذلك شأن قطاع التعليم والبحث العلمي. وإن كان لابد من استخلاص درس من سياقات كوفيد 19 ، فسيكون بدون شك الحاجة الملحة لإصلاح المنظومة الصحية لبناء منظومة شاملة مجانية الولوج ومتاحة للجميع ومؤسسات تعليمية قادرة على احتضان عناصر التفوق الوطنية في سباق الابتكار والتكنولوجيا، وهذا ورش ليس من باب المبالغة القول إن سيادة المملكة تعتمد عليه.

تعكس المشاريع الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة، التي أطلقها المغرب منذ بداية الجائحة، رؤية جديدة للدولة في هذا المجال. فقد كانت الدولة المغربية، أثناء الجائحة، قادرة على تحمل دور جديد وتوسيع مجال عملها فيه، و الاعتماد الكامل على الأنظمة الرقمية. سجل تفاعل الدولة مع الجائحة الانتقال أيضا من الدولة المنظمة (l’Etat Régulateur) إلى الدولة الراعية والاجتماعية ( l’Etat Social )، وهو ما نشهده الآن.

لقد كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان بدوره مطالبا بالتأقلم بشكل سريع مع سياقات الجائحة. ففي الوقت الذي استطاع فيه المجلس، بالفعل، الاضطلاع بأدواره الكاملة على مستوى الرصد والتتبع وحماية حقوق الإنسان في المغرب، حلت سياقات الجائحة وحالة الطوارئ لتقلب طرق اشتغال المؤسسة، في سياق لم يسبق قط لمؤسسة من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الاشتغال في ظله؛ مما دفع المجلس إلى إعادة تنظيم طريقة اشتغاله بالكامل، على الصعيدين الجهوي والوطني.

و مع ظهور الأعراض الأولى للأزمة، التي خيمت على سنة 2020 ، قام المجلس بإحداث فريق عمل خاص لرصد حالة حقوق الإنسان خلال فترة كوفيد 19 ، من ضمن مهامه السهر على الوقاية من الانتهاكات وحماية الضحايا والنهوض بحقوق الإنسان. وشهدت أجندة عمل المجلس، خلال السنة التي يشملها التقرير، زخما سنويا غير مسبوق بصعوباته وتحدياته، لا سيما بسبب حدة المعيقات التي واجهها أعضاء المجلس في عملهم الميداني، الذي يشكل أحد أسس المهام التي يضطلعون بها. غير أن تأثير هذه الصعوبات والمعيقات الجسدية واللوجستيكية على عمل المجلس لم يخيم طويلا، حيث استطاعت المؤسسة التعامل بسرعة مع الوضع والاضطلاع بمهامها بأمانة، والتي اعتبرتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من بين الممارسات الفضلى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان عبر العالم في تدبير الجائحة، وهو سيستشفه القراء من التقرير الذي بين أيديهم.

يضعنا هذا التقرير، الذي يتناول وضع حقوق الإنسان في المغرب خلال السنة الأولى من جائحة كوفيد 19 ، أمام أسئلة متعددة، بعضها غير مسبوق، حيث تلخصت صعوبة ممارسة حقوق الإنسان والتمتع بها خلال السنة التي يشملها التقرير في التشبث بتطبيق معايير حقوق الإنسان ومبادئها في ظل وضع استثنائي غير معروف التجليات والملامح. وهو ما يدفعنا إلى القول إن مكافحة كوفيد ومقاومة انعكاساته أعطتنا زخمًا جديدًا على مستوى ممارسة حقوق الإنسان وفتحت أمامنا آفاقًا جديدة.

لقد أضحت تقنيات الاتصال الجديدة إحدى أسس الحياة المجتمعية، سواء في الإدارة أو المقاولة أو المدرسة أو الحياة الخاصة للمغاربة، لتصبح منصات التواصل الاجتماعي الحاضن الأساسي لحرية التعبير لدى المواطنات والمواطنين المغاربة، مع كل المخاطر والأخطار التي يمكن أن تتولد عن بعض استعمالاتها وجميع العواقب المرتبطة بانعكاس هذا الواقع على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في بلدنا.

و على سبيل المثال، أدت هذه الرقمنة المتسارعة إلى ثورة حقيقية في المجال القضائي، مع انطلاق المحاكمات عن بعد، ونحن لا نتحدث هنا عن مجرد تحميل نموذج أو وثيقة إدارية أو التقدم بشكاية عبر الإنترنت، بل عن عملية تسائلنا في صميم دولة الحق والقانون. فكيف ستكون آثار هذا التحول في ممارسة السلطة القضائية على المحاكمة العادلة وعلى المجتمع بشكل عام؟ و ما هي المزايا والإشكاليات الناجمة عن هذه الثورة، التي كانت محكومة بمنطق الاستعجال والضرورة، دون توفر إطار تشريعي أو قانون خاص؟ و كيف يمكن التوفيق بين عملية تحديث وتطور كبيرين مرتبطين بسير المحاكمات وبين مدونة مسطرة جنائية، يعود تاريخهما إلى ستينيات القرن الماضي؟ و ما هي المكانة الجديدة لهيئات العدالة في ظل عدالة مرقمنة؟

كل هذا يطرح أسئلة وإشكاليات حقيقية حول كيفية الخروج من الأزمة، خاصة أن الأمر يتعلق بتدابير متخذة بشكل طارئ وبدافع الضرورة، في ظل سياق غير معروف ومتقلب. كما أن طرق الاشتغال وصنع القرار جرى وضعها في سياق حالة الطوارئ، خارج الإطار والمساطر المعتادة. فالجميع اليوم يطرح الأسئلة نفسها: كيف سيبدو عالم الغد؟ و هل ستكون العودة إلى الحياة السابقة ممكنة أم أن الفيروس غير حياتنا إلى الأبد؟ و هل الحجر حدث عابر أم أنه، كما أظهر التسابق على التلقيح، بداية مرحلة انغلاق الدول على نفسها وتراجع التعاون والتبادلات، الناتج عن فراغ تحاول المؤسسات الدولية ملأه قدر المستطاع؟

أمام كل هذه الأسئلة والإشكاليات، يبقى شيء واحد أكيد ومؤكد، ويتمثل في نهاية براديغمات ونماذج الأمس: خاصة بعد أن استرجعت الدولة مكانتها الكاملة في مجال ممارسة الحقوق. لقد أبرزت الجائحة مسلمة أساسية، مفادها أن الحق في التعليم والحق في الصحة ليسا فقط حقين من الحقوق الأساسية لجميع النساء والرجال، بل إنهما ركيزتان أساسيتان لكل اقتصاد، يطمح لأن يكون أداؤه فعالاً ومقاوما للصدمات والأزمات ( résiliente )، كما انتبه صندوق النقد الدولي مؤخرا لذلك وضروريتان لكل ديمقراطية تكرس تكافؤ الفرص.
وبذلك يكون بروز الدولة الراعية والاجتماعية ( l’Etat Social ) ليس فقط سلاحًا ضروريًا في معركة صعبة حول المساواة التي تلوح في الأفق، بل هو خطوة أولى نحو بناء صرح يدافع عن الحقوق والحريات ويحمي مصالح المواطنات والمواطنين.
سنحتفظ في صلب ذاكرتنا، الوطنية والإنسانية، كل ما يخلد ذكرى آلاف المغربيات والمغاربة الذين فقدناهم بسبب جائحة كوفيد 19 .


آمنة بوعياش
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -