تنظيم الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي

 عرض بعنوان: تنظيم الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي PDF

تنظيم الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي PDF

مقدمة :
تعترض حياة الإنسان منذ ولادته إلى حين وفاته مجموعة من المخاطر التي تهدد بالفقر والحاجة كالمرض والحوادث والعجز والبطالة والشيخوخة وغيرها من المخاطر التي تحول دون قدرته على الكسب أو تؤدي إلى التقليل من هذه القدرة1.
ونظرا لكون الإنسان بطبعه يخاف من الغد ، ويرغب دائما أن يكون في منأى من الحاجة ، فقد دفع هذا الخوف وهذه الرغبة الإنسان منذ القديم إلى البحث عن الوسائل الكفيلة لدرء تلك المخاطر.
وقد تدرجت هذه الوسائل التي توصل إليها الإنسان عبر عدة مراحل تبين من خلال التطبيق عدم كفايتها لحماية جميع الناس من جميع المخاطر ، إلى أن تم ظهور في نهاية المطاف نظاما متكاملا يهدف إلى تحقيق الحماية الاجتماعية للأفراد يطلق عليه (الضمان الاجتماعي)2.
وإذا كانت هذه هي الغاية المثلى التي يسعى هذا الضمان إلى تحقيقها ، فإنه لابد لأجل الوصول إلى ذلك من نظام يضع القواعد التي تساعد على تحقيق هذا الهدف. ولذلك سعت الدول لأجل تمتيع ساكنتها بهذه الحماية إلى وضع نظام للضمان الاجتماعي يحدد الأشخاص المستفيدين ، والمنافع الممنوحة ، وشروط الاستفادة منها.
وبالرجوع إلى الشريعة الإسلامية نجدها قد عرفت نظام الضمان الاجتماعي وذلك بخلاف ما عاشته المجتمعات البدائية، أو الجاهلية، بحيث عرفت البشرية نظام الضمان الاجتماعي منذ العهود الأولى للمجتمع الإسلامي وذلك لأن الشريعة الإسلامية قد جعلت التكافل أو التضامن الاجتماعي شرطا أساسيا لقيام المجتمع وازدهاره ثقافيا واقتصاديا، ومن المؤسسات التي كانت تضمن للفرد حاجاته الاقتصادية والاجتماعية مؤسسة الوقف، والنذر والزكاة ،ومؤسسة بيت المال، وأكثر من ذلك فإن الشريعة الإسلامية تربط بين عدة أحكام ما بين العبادات والإحسان للغير ومساعدته على قضاء حاجاته وحمايته3.
ومن الأحكام التي تبين ذلك قوله عز وجل في القرآن الكريم: "وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا، وما تقدموه لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، هو خير وأعظم أجرا"4. كما قال تعالى "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبدر تبديرا"5.
أما في العصر الحديث وعلى مستوى لقوانين الوضعية، تجدر الإشارة إلى أن قانون الضمان الاجتماعي يعد من بين القوانين الأساسية التي عرفتها المجتمعات المعاصرة وذلك منذ الحرب العالمية الثانية إلى الآن وذلك لعدة أسباب أهمها، الوظائف المتعددة التي يؤديها قانون الضمان الاجتماعي سواء على المستوى الاجتماعي باعتباره أداة لتحقيق الأمن الاقتصادي للعديد من الأسر والعائلات المحتاجة أو ذات الدخل المحدود6.
ولقد استعملت عبارة الضمان الاجتماعي لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية إثر أزمة الخميس الأسود لسنة 1929، كما أنه في مطلع الأربعينات من القرن الماضي قامت العديد من الدول الأوربية بوضع قوانين للضمان الاجتماعي7.
ولا يتم توظيف قانون الضمان الاجتماعي في الميدان الاجتماعي والاقتصادي فحسب ،وإنما توظيف هذا القانون كذلك حتى في الميدان السياسي8وذلك لأن تطوير نظام الضمان الاجتماعي لا يضفي مصداقية أكبر على مؤسسات الدولة ونظامها الاقتصادي فقط، وإنما يعمل كذلك في الحفاظ على السلم الاجتماعي، ولهذه الأسباب كلها فقد اعتبر البعض بحق أن التطور الهام الذي عرفه نظام الضمان الاجتماعي يعد من بين الخصائص الرئيسية التي تتميز بها المجتمعات المعاصرة، ويظل هذا الحكم صحيحا إلى حد بعيد إذ نحن علمنا أن هنالك العديد من الدول قد لجأت إلى عدة تجارب أو إلى عدة وسائل لتأمين الحاجات الاجتماعية الأساسية اللازمة للأفراد الذين يعتمدون في عيشهم على الدخل المهني أو على الأجر وذلك في الحالات التي ينقطع فيها هذا الدخل مثلا، ولكن كل الوسائل التي تم اللجوء إليها من طرف العديد من الدول في الوقت الحاضر لم تؤد كل الوظائف التي يؤديها نظام أو قانون الضمان الاجتماعي، وهذا فقد أقدمت إنجلترا على وضع قانون خاص بالفقراء "Poorlaws" وذلك في سنة 1601 لحماية الفقراء ورعايتهم، وفي سنة 1797 لجأت إنجلترا مرة أخرى إلى إنشاء ملاجئ خاصة لإسكان الفقراء" Poor Houses". وفي سنة 1795 صدر قانون في ألمانيا كذلك يلزم الفلاحين الأغنياء بمساعدة الفقراء الذين يشتغلون عندهم9.
وفي القرن التاسع عشر وضعت فرنسا بعض القوانين لتوفير الحماية الاجتماعية لبعض الفئات وذلك بواسطة الجمعيات التعاضدية أو جمعيات التعاون المتبادل" Les Meutuelles". وهذا هو ما دفع بالدولة في فرنسا إلى إلغاء تأسيس النقابات أو التجمعات وذلك سنة 1864 وفي سنة 1868 تم إحداث مؤسسات للتأمين وذلك في لفائدة الفقراء والعمال، كما تم إحداث صندوق للتأمين ضد حوادث الشغل التي تخلف العجز الصحي الدائم في الصناعة والزراعة ولمساعدة أرامل المؤمن عليهم. وبعده قانون أخر يتعلق بالتأمين على حوادث الشغل والأمراض المهنية في سنة 1898، ولكن تأثير مشروع بيفردج فقد أقدمت فرنسا على وضع الأسس الأولى لقانون الضمان الاجتماعي لجل الفئات الاجتماعية الفرنسية وفي سنة 1946 كذلك تم وضع الإطار القانوني للتنسيق ما بين نظام التعاضد ونظام الضمان الاجتماعي وذلك على المستوى الإداري. وقد جاء المشروع الفرنسي للضمان الاجتماعي لسنة 1945 أن الضمان الاجتماعي هو الضمان المقدم لكل فرد ليكون قادرا في جميع الأحوال على تأمين وسائل العيش له ولعائلته وذلك بصورة لائقة ومحترمة10.
أما عن نشأة قانون الضمان الاجتماعي بالمغرب فقد تميزت بثلاث مراحل تاريخية ،مرحلة ما قبل الحماية ومرحلة الحماية ثم في عهد الاستقلال.
مرحلة ما قبل الحماية: في هذه المرحلة لم يعرف المغرب نظام للضمان الاجتماعي ،وذلك لكون المجتمع آنذاك كان مجتمعا فلاحيا لم يكن يعرف الأخطار الصناعية والتجارية ،ولم تطبق في تلك الفترة إلا قواعد الفقه الإسلامي، حيث كان التضامن الإسلامي هو الذي يقوم بهذه المهمة11.
مرحلة الحماية : في هذه المرحلة قامت سلطات الحماية الفرنسية بتأسيس صندوق المساعدة أو الرعاية الاجتماعية بمقتضى الظهير المؤرخ في 24 أبريل 1942، والذي كان يقدم بعض المنح العائلية وبعض المساعدات العينية في حالة الولادة، وقد وقع تغييره بمقتضى الظهير الصادر في 25 دجنبر 1957 والمتمم بالمرسوم التطبيقي في نفس التاريخ، ويعتبر هذا الصندوق مصدرا أو أصلا لنظام الضمان الاجتماعي الصادر بتاريخ 31 دجنبر 1959. ومن بين النصوص التي تتعلق بالحماية الاجتماعية والتي صدرت في فترة الحماية الفرنسية نذكر على سبيل المثال فقط :
-الظهير الشريف الصادر في 6 مارس 1917 المتعلق بإحداث صندوق الاحتياط المغربي.
-الظهير الشريف الصادر في فاتح مارس 1930 المتعلق بنظام المعاشات المدنية.
-الظهير الشريف الصادر في 2 مارس 1930 المتعلق بإحداث الصندوق المغربي للتقاعد
-الظهير الشريف الصادر في 25 يونيو 1927 المتعلق بحوادث الشغل
-الظهير الشريف الصادر في 31 ماي 1943 المتعلق بتمديد ظهير 1927 الخاص بحوادث الشغل إلى مخاطر الأمراض المهنية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الفرنسية حصرت تطبيق جل القوانين الاجتماعية التي وضعتها على العمال الفرنسيين والأجانب على الخصوص، ولذلك فإن العمال المغاربة لم يستفيدوا من تلك القوانين الاجتماعية12.
في عهد الاستقلال : وإثر تكوين أول حكومة في هذه الفترة، صدر ظهير 25 دجنبر 1957 الذي غير ظهير 1942، المؤسس لصندوق الإعانة الاجتماعية وفي سنة 1959 صدر ظهير رقم 1.59.148 الذي أحدث لأول مرة نظام الضمان الاجتماعي، ونظرا لكون هذا النظام لم يأت بضمان عام لجميع العمال فقد أدخل عليه تعديلات بمقتضى ظهير 27 يوليو 131972، ثم ظهير 8 أبريل 1981 الذي أدخل العمال الفلاحين في النظام، وكذا ظهير 1993 الذي مدد النظام إلى العمال المأجورين في مجال الصناعة التقليدية.
وبالرغم من مرور زمن طويل على ظهور فكرة الضمان الاجتماعي، فإن الباحث في هذا الموضوع لا يعثر على تعريف متفق عليه لهذا النظام، كما أن التعاريف التي وضعت اختلفت في تحديد مضمون الضمان الاجتماعي، غير أنها تلتقي في إبراز المخاطر التي يتولى هذا النظام تغطيتها.
فقد عرفه الأستاذ عبد اللطيف حمدان 14بأنه "نظام عيش الفرد في حده الأدنى المعقول عن طريق تأمين العمل وحماية قدرته عليه وتعويضه عن دخله المفقود في حالة انقطاعه عنه لأسباب خارجة عن إرادته، وتغطية النفقات الاستثنائية التي تترتب عن المرض أو الإصابة أو العجز أو الوفاة، وكذلك نفقات الأمومة والأعباء العائلية."
ويعرفه الأستاذ عبد الله بودهرين 15بأنه "نظام يضمن للفرد مستوى لائق من العيش وحماية اجتماعية خاصة ضد الأخطار الاجتماعية والمهنية."
وتجدرالإشارة إلى أن المشرع المغربي يتحدث في قانون الضمان الاجتماعي المطبق بواسطة 27 يوليو 1972 على الضمان الاجتماعي كنظام وذلك في عدة فصول من ظهير 1972 وهكذا فقد جاء في الفصل الأول من هذا الظهير "تجري المقتضيات الآتية من الأن فصاعدا على نظام الضمان الاجتماعي المحدث بالظهير الشريف رقم 1-59-148 بتاريخ 30 جمادى الثانية 1372 (31 دجنبر 1959)، ومن هنا يمكن القول بأن الضمان الاجتماعي لا يعتبر قانونا فحسب وإنما هو نظام كذلك"
وتتجلى الأهمية النظرية لموضوع نظام الضمان الاجتماعي في تحديد التنظيم الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي الجهة أو المؤسسة التي تسهر على تسيير هذا النظام والتي تتمثل بالنسبة للمغرب في مؤسسة عمومية تمارس اختصاصاتها تحت وصاية وزارة التشغيل، حيث سنعمد إلى تسليط الضوء على التنظيم الإداري لهذه المؤسسة وكذا التنظيم المالي وطبيعة المهام التي تختص بمزاولتها هذه المؤسسة.
أما من الناحية العملية للموضوع فنشير إلى أنه واجهتنا مجموعة من الصعوبات ونحن بصدد تحضير هذا العرض، وتتمثل أساسا في ندرة المراجع والمؤلفات الخاصة بموضوع النظام القانوني للضمان الاجتماعي.
ومن خلال كل ما تقدم فإننا نتساءل عن ماهية التنظيم الإداري والمالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكذا المهام المنوطة بهذا الجهاز ؟
للإجابة على هذه الإشكالية اعتمدنا التصميم الأتي:

المبحث الأول: التنظيم الإداري والمالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
المبحث الثاني :الرقابة على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

---------------------------
لائحة المراجع :

كتب:
• الحاج الكوري، قانون الضمان الاجتماعي، دراسة تحليلة مقارنة، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2001.
• الحاج الكوري، دور الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في التنمية الوطنية ،الجزء الأول، مطبعة دار السلام، الرباط، طبعة 2005.
• محمد بنحساين، القانون الاجتماعي المغربي، الجزء الثاني، الحماية الاجتماعية ،مطبعة طوب بريس، الرباط، طبعة 2017.
• عبد الكريم غالي، في القانون الاجتماعي المغربي، دار القلم للنشر و التوزيع ،الرباط، الطبعة الرابعة 2010.
• حسين عبد اللطيف حمدان، الضمان الاجتماعي فلسفة و تطبيق، الدار الجامعية للنشر، طبعة 1976.

الأطروحات و الرسائل:
• آمال جلال، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، رسالة لنيل دبلوم الدرااسات العليا في القانون الخاص، كلية الحقووق، الرباط ،1972.
• هشام بحراوي، الرقابة على الصندوق المغربي للتقاعد و الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية الحقوق السويسي، الرباط ،2014-2015.
• عبد الله الحميدي، إشكالية تمويل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية الحقوق السويسي، الرباط ،2011-2012.
• إيمان محجلي، أزمة الضمان الاجتماعي في ظل أوضاع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، رسالة لنيل دبلوم الماستر ، 2008-2009.
• هودى لمخلخل، إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية الحقوق السويسي، الرباط ، 2011-2012.

مقالات:
• هودى لمخلخل، إصلاح النظام القانوني للضمان الاجتماعي المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 133، مارس- أبريل 2017.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -