أنظمة التقاعد في المغرب

 عرض بعنوان: أنظمة التقاعد في المغرب PDF

أنظمة التقاعد في المغرب PDF

مقدمة :
إن طبيعة الحياة تفرض على الإنسان أن يعيش منذ ميلاده محاطا بكم هائل من المخاطر الاجتماعية، والتي تهدد أمنه واستقراره الاقتصادي والاجتماعي، مما حذا به للتفكير في محاولة حماية نفسه وأهله من هذه المخاطر، وذلك عبر مختلف الطرق والوسائل التي تطورت بتطور المجتمع.
وتعتبرأنظمة الحماية الاجتماعية في الوقت الحاضر من اهم النظم الحديثة التي تعالج الآثار الناجمة عن هذه المخاطر التي قد يتعرض لها الانسان خلال حياته العملية، سواء من حيث الأخطار التي تكون مؤكدة الحدوث كالوفاة والشيخوخة، أوالأخطار الغيرمحققة 1 الوقوع كخطر العجز أو المرض أو البطالة.
بل الأكثر من ذلك غدت هذه الأنظمة أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتجدر الإشارة إلى أن تغطية مختلف المخاطر التي قد يتعرض لها الفرد في حياته تأخذ عدة أشكال، ففيما تعتمد بعض الدول طريقة النظام الواحد الذي قد تندرج في إطاره جميع المخاطر المراد تغطيتها، وهو نظام الضمان الاجتماعي بمفهومه الواسع تعتمد دول أخرى 2 أنظمة متعددة للاحتياط الاجتماعي يختص كل منها بتغطية مخاطر معينة.
ومن أبرز أنظمة الاحتياط الاجتماعي نذكر، أنظمة التقاعد، هذه الأخيرة لا يقتصر دورها فقط على تأمين الأجراء والمستخدمين ضد مخاطر الشيخوخة، بل تمتد لتغطية مخاطر أخرى، هي عادة تلك التي تتطلب تعويضات طويلة الأمد كالزمانة والوفاة.
فالتقاعد يمثل حماية اجتماعية للمنخرط بعد توقف الدخل، ويعد بمثابة ولادة متجددة للمتقاعد يتحرر فيها من قيود الضوابط والإملاءات والتعليمات لينطلق في استغلال خبرته التي راكمها واقتسام تجاربه مع الناشطين لدعم قدراتهم وتنمية مهاراتهم.
ففي وقتنا الراهن، وعلى الصعيدين الوطني والدولي، يعتبر المتقاعدون ثروة بشرية هامةتسعى المجتمعات المتقدمة إلى استثمار خبراتهم وتجاربهم وتجعل منهم فاعلين في التنميةالاقتصادية والاجتماعية، لذلك أصبح حري بالسلطات العمومية أن تسن سياسات عمومية 3 تهدف إلى الارتقاء بوضعية هذه الفئة.
ويجب التنبيه إلى أن نظام التقاعد بصورته الحالية لم يكن وليد اليوم، بل تعود إرهاصاته لعدة قرون إثر الصراع التقليدي بين المشغل والعامل الراغب في ضمان مورد بعد انقضاء 4 فترة نشاطه.
ففي أوائل القرن السابع عشر ميلادي أقدمت إنجلترا في عهد الملكة إليزبيث سنة 1601 إلى وضع قانون يهدف إلى حماية الفقراء، وقد عرف هذا القانون "بقانون الفقراء5poor law"، وفي بداية الأربعينيات قامت بوضع قانون بيفردج كأول نظام للضمان الاجتماعي الذي أسس لمدرسة لها فلسفتها الخاصة في مجال الحماية الاجتماعية.
أما في فرنسا فقد تم وضع أول قانون يتعلق بمنح تعويضات عن الزمانة والشيخوخة والوفاة سنة 1885، بعد ذلك تم إصدار مجموعة من القوانين عملت على توفير الحماية لبعض الفئات، وذلك عن طريق جمعيات تعاضدية ليتم بعدها إحداث مؤسسة التأمين ضد حوادث الشغل التي تخلف العجز الصحي الدائم في الصناعة والزراعة ولمساندة أرامل المؤمن لهم.
أما فيما يخص المجتمع الإسلامي فقد عرف نظام الضمان الاجتماعي منذ نشأته بفعل تكريس المنظومة الإسلامية للتكافل الاجتماعي بين الأفراد، حيث جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،" مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وهذا ما أدى إلى خلق مؤسسات كانت غايتها ضمان حاجيات الاقتصادية والاجتماعية للفرد كمؤسسة الوقف والنذر والزكاة، ومؤسسة بيت مال المسلمين ،والديوان الخاص بالعطاء، وتقديم المعاشات للمستحقين، والذي أنشأه عمر بن الخطاب رضيالله عنه، وفق قوائم دون أسماؤهم بها، بل كانت المعاشات تصرف حتى للذميين -الغيرمسلمين القاطنين في الدولة الإسلامية- ، كما يروى عن الخليفة عمر بن عبد العزيز أنه كتب لأحد ولاته قائلا: " أنظر من قبلك أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجره له من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فإنه قد بلغني أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مر بشيخ من أهل الذمة يسأل أبواب الناس فقال؛ ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك 6 الجزية في شبابك وضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه ".
أما بخصوص المغرب، فإنه لم يعرف نظام التقاعد إلا سنة 1917، ويعزى ذلك إلى أنماط العيش التي كانت سائدة فيه طيلة القرون السابقة، والتي كانت تتميز اقتصاديا واجتماعيا بتركيز نشاط السكان في تعاطي الزراعة والحرف التقليدية مع هيمنة التقاليد والعادات على 7 علاقات الشغل.
فقد تم إنشاء صندوق الاحتياط المغربي الذي يستفيد منه الأجانب العاملين بإدارة الحماية دون غيرهم وذلك بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 6 مارس 1917، بعده تم إحداث أول نظام للمعاشات المدنية بمقتضى ظهير 1930، والذي كان يطبق على جميع الموظفين 8 المدنيين العاملين بالإدارة المغربية حيث يعمل هذا النظام على تكوين رصيد يدفع مرة واحدة لصالح المتقاعدين يتكون من الاقتطاعات التي تمت على أجورهم طيلة الفترة التي كانوا يشتغلون فيها، وكذا مساهمات الهيئة المشغلة، تضاف إليها قواعد استثمارها بدل صرف معاشات ذات طابع عمري، ليصدر في 2 مارس 1930 ظهير شريف تم بموجبه إحداث الصندوق الوطني للتقاعد الذي عهد إليه مهمة تسيير اقتطاعات من أجل التقاعد ،وبالنسبة للمساهمات التي تتحملها الهيئة المشغلة سواء الدولة أو الجماعات المحلية، وهي ملزمة بالوفاء بها تجاه المتقاعدين والمتمثل في صرف معاش على شكل إيراد عمري ليليه بعد ذلك صدور ظهير 1931 الذي أحدث نظام المعاشات المدنية لفائدة الموظفين المغاربة مشابه لنظام تقاعد الموظفين الفرنسيين، وفي 12 ماي 1956 صدر ظهير شريف ألغىالأنظمة السابقة وأحدث لأول مرة نظاما موحدا من حيث الحقوق والواجبات بين موظفي 9 الإدارة سواء أكانوا مغاربة أو أجانب، واستمر العمل بهذا النظام إلى غاية دجنبر 1991.
أما فيما يخص المعاشات العسكرية فقد تم إحداث أول نظام للقوات الملكية المسلحة سنة 1958، والذي كان يستهدف فئة الضباط فقط، ثم بعده أحدث نظام آخر خاص بفئة الضباط والجنود سنة 1963، ثم لفائدة الحرس الملكي سنة 1970، وقد عمل المشرع على إدماج أنظمة المعاشات العسكرية في نظام موحد وذلك بموجب ظهير 1991، ثم اتسع فيما بعد ليشمل أفراد القوات المساعدة سنة 1979، وعرف هذان القانونان إصلاحين متواليين سنة 1990و 1997.
أما بخصوص نظام تقاعد الأجراء في القطاع الخاص فقد تم تأسيس الصندوق المهني المغربي للتقاعد سنة 1947 من طرف أرباب العمل بغرض تسيير نظام تقاعد لفائدة أجراء القطاع الخاص والذي عرف بدوره إصلاحا سنة 2003 مكنه من اعتماد تقنية الرسملة في تمويله بعدما كان يعتمد التوزيع والرسملة معا، كما صدرت عدة نصوص تهدف تنظيم حماية للمأجورين إذ صدر ظهير 1957 الذي غير ظهير 1942 المؤسس لصندوق الإعانة الاجتماعية، وفي سنة 1959 تم إحداث نظام الضمان الاجتماعي الذي تضمن مجموعة من التعويضات ،(تعويضات يومية عن الأمراض والحوادث غير المهنية، تعويضات يومية عن الأمومة، إعانات عائلية، معاشات عن الزمانة والشيخوخة).
ومن أجل توسيع مجال تطبيقه على بعض الفئات التي لم يشملها، تم إدخال تعديلات عليه سنة 1972 ثم ظهير 8 أبريل 1981 الذي أدخل العمال الفلاحيين في النظام، وكذا ظهير 1993 الذي مدد الضمان إلى العمال المأجورين في مجال الصناعة التقليدية.
وقد عرفت أنظمة التقاعد ببلادنا تطورات مهمة منذ الاستقلال إلى الآن كما ظهرت أنظمة جديدة منها ما هو إجباري ومنها ما هو تكميلي اختياري سواء في القطاع العام أو الخاص ،وبذلك يمكن القول أن منظومة التقاعد بالمغرب تتكون من الأنظمة التالية: الصندوق المغربيللتقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ،الصندوق المهني المغربي، وهذه الأنظمة هي التي سنقتصر عليها في عرضنا، مع الإشارة إلى وجود أنظمة أخرى كبعض الصناديق الداخلية الخاص ،"نظام خاص بمستخدمي المكتب الوطني للماء والكهرباء، نظام آخر خاص ببنك المغرب، ومن هذا المنطلق فأنظمة التقاعد بالمغرب ميزتها الأساس الشتات والتعدد.
وموضوع أنظمة التقاعد يجد أهميته على مستوى العديد من النواحي التي جعلته موضوعا جديرا بالاهتمام والبحث.
فعلى المستوى النظري: تتجسد أهمية الموضوع في العديد من الأوجه التي تظهر الطابع المتميز الذي ينفرد به قطاع التقاعد بالمغرب سواء القطاع العام أو الخاص.
وعلى المستوى العملي: تتجسد في الخصوصية التي يتمتع بها قطاع التقاعد بالمغرب.
أما من الناحية الاجتماعية: فتتمثل في مدى قدرة أنظمة التقاعد في تحقيق حماية اجتماعية ترتكز على مبدأ التضامن وتقديم خدمات لفائدة المتقاعدين ردا لجميل قدمته هذه الفئة في فترة نشاطها.
من الناحية الاقتصادية: تنحصر في كون التقاعد يوفر اطمئنان للمتدخلين عن الفترة ما بعد نهاية مشوارهم المهني الأم الذي يساهم في تحسين قدرتهم ومردوديتهم الإنتاجية وعلى استمرار علاقات الشغل.
وانطلاقا مما سبق تبرز لنا إشكالية مفادها:
ما مدى فعالية أنظمة التقاعد بالمغرب في ظل الإكراهات التي تواجهها، وما هي سبل الإصلاح الممكنة ؟
وكمحاولة للإجابة على هذه الإشكالية نقترح التصميم التالي:

المبحث الأول: الإطار العام لمنظومة التقاعد بالمغرب
المبحث الثاني: مظاهر أزمة أنظمة التقاعد بالمغرب وسبل الإصلاح

---------------------------
لائحة المراجع :

- دليل المنخرط، الصندوق المغربي للتقاعد، يونيو 1994
- الحسن المرضي، النظرية العامة لأنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية، سلسلة شرفات، العدد 86، مطبعة بني أزناس سلا، ماي 2017.
- سعيد جفري، تدبير المالية العمومية بالمغرب، مطبعة أومكران، الطبعة الأولى،2009
- محمد بن حساين، شرح قانون الشغل المغربي، طبعة جديدة ومنقحة، بدون ذكر سنة الطبعة
- عبد الكريم غالي، في القانون الاجتماعي "على ضوء مدونة الشغل وأنظمة الحماية الاجتماعية، وفي ظل المستجدات التشريعية والتكنولوجية الحديثة، الطبعة الرابعة 2010
- مليكة الصروخ، النظام القانوني للموظف العمومي المغربي، ط0، إسم المطبعة غير وارد، الرباط1994
- إدريسي قاسمي/خالد منير، التقاعد، سلسلة التكوين الاداري، توزيع دار الاعتصام ،الدار البيضاء 1996،
- علي عمي، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ـ موارده خدماته ـ مدفوعاته ـ إشكالية إصلاح مرتقب، الطبعة 3، دون الاشارة إلى دار النشر ،1997.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -