مسؤولية مراقب الحسابات

 مقال بعنوان: مسؤولية مراقب الحسابات

مسؤولية مراقب الحسابات

مقدمة :
يعتبر المجال الاقتصادي من أهم المجالات التي حظيت باهتمام المشرع المغربي في إطار الخريطة السياسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية هذه السياسة التي تهدف إلى تطوير قطاع الأعمال.
الامر الذي دفع بالمشرع الى تحديث المنظومة القانونية من خلال التحول من الإطار الفردي للمشروعات عن طريق المقاولات الفردية إلى مشروعات جماعية تمثلت أساس في الشركات التجارية. وما يعزز هذا الانتقال هو احداث المشرع للعديد من الهيئات و المساطر التي تهدف بالأساس الى اضفاء نوع من حماية لخلية الانتاج.
وتعتبر الشركات و خصوصا شركة المساهمة, من أهم اعمدة التقدم التجاري والصناعي وأقوى أداة لتحقيق المشروعات أو المقاولات الضخمة وانجع وسيلة للاستثمار وجمع الأرباح الهائلة ، الامر الذي يقتضي توفير جهاز للرقابة يسهر على مراجعة و تقدير و تنظيم محاسبات المنشأت التي لا يرتبط معها بعقد عمل .وعلى هذا الاساس بادر المشرع الى تنظيم مهنة مراقب الحسابات وفق القانون 15.89 المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة المحاسبية و انشاء هيئة الخبراء المحاسبية، إذ حدد هذا القانون الاطار العام لكيفية ممارسة مهنة مراقب الحسابات و كيفية ادائه لمهامه و ذلك وفق المادة الاولى .كما يقوم مراقب الحسابات بمراقبة وتتبع حسابات الشركة وفق الشروط والأهداف المنصوص عليها في قانوني الشركات رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، والذي عدل وتمم بمقتضى قانون 20.05 سنة 2008 وقانون رقم 5.96 المتعلق بباقي الشركات المعدل والمتمم بموجب القانون 21.05
فبالرجوع الى القوانين المنظمة للشركات و للقانون المتعلق بالمجموعات ذات النفع الاقتصادي ,يتضح ان تعيين مراقب الحسابات لا يكون الزاميا سوى في شركات المساهمة و في شركة التوصية بالأسهم وفي المجموعات ذات النفع الاقتصادي متى نص على ذلك العقد المنشئ لها أو اصدرت سندات للقرض, اما في باقي الشركات فيكون تعيين مراقب الحسابات اختياريا ، اللهم إلا إذا تجاوز رقم معاملاتها خمسون مليون درهم دون احتساب الضرائب اذ يصير التعيين اجباريا.
مهنة مراقب الحسابات من المهن التي تتطلب التدقيق و التحقق من صحة الموازنات و الحسابات ,كما انه يجب على مراقب الحسابات ممارسة مهامه بكل استقامة و نزاهة وفق المقتضيات المنظمة للمهنة و ذلك تحت طائلة اثارة مسؤوليته.
ففي حالة خرق هذه القوانين تتم إثارة مسؤولية مراقب الحسابات, و التي تتأرجح بين المسؤولية المدنية و الجنائية، حسب طبيعة الإخلال و الخرق الذي اقترفه مراقب الحسابات مع إمكانية إثارة مسؤوليته التأديبية .
و عليه الإشكال الذي يطرحه الموضوع يتمثل في كيفية تنظيم المشرع لمسؤولية مراقب الحسابات ؟ و الحالات التي تتم فيها إثارة مسؤوليته ؟ 
و لتسليط الضوء على هذه المقتضيات سنقسم الموضوع حسب التصميم التالي:

المبحث الأول : تعيين ووظائف مراقب الحسابات 
المبحث الثاني: المسؤولية المدنية والجنائية لمراقب الحسابات 


المبحث الأول: تعيين ووظائف مراقب الحسابات 

المطلب الأول: شروط تعيين مراقبي الحسابات

أوجب القانون أن يعين في كل شركة مساهمة مراقب أو عدة مراقبين للحسابات يعهد إليهم بمراقبة وتتبع حسابات الشركة ، و لتعيين مراقبي الحسابات عدة شروط وهي:
يعين مراقبي الحسابات سواء كانوا أشخاص طبعيين أو معنويين من بين المقيدين في جدول هيأة الخبراء المحاسبين حيث جاء في المادة: 160 " أنه لا يحق لأي كان مزاولة مهام مراقب الحسابات مالم يكن مقيدا في جدول هيأة الخبراء المحاسبين.
ويضمن هذا الشرط توفر الخبرة و الكفاءة التي تصب في مصلحة الشركة و المساهمين و الأغيار و تحمي هيأة الخبراء المحاسبين ذاتها من الدخلاء الذين يسيئون إلى المهنة و الحرفة و إلى الاقتصاد و التنمية و إلى الشركة نفسها .، فلا رقابة إلا لم تكن عالمة و واعية ومستقلة و مسؤولة ويعد القيد في الجدول أهم الضمانات التي تقوم إلى جانب الجمعية العامة العادية 
ويتعين أن لا يكون مراقب الحسابات إلى جانب ذلك محكوما عليه من أجل جريمة جنائية كالنصب و الاحتيال و الغدر و خيانة الامانة و السرقة و غيرها أو محكوما عليه بالتفالس أو بسقوط الاهلية التجارية التي تحظر عليه الإدارة أو التسيير أو المراقبة .
إصافة إلى هذه الشروط نصت المادة 161 من القانون رقم 17 .95 المتمم و المغير بالقانون رقم 20.05 الصادر سنة 2008 ، أنه لا يمكن تعيين الأشخاص الأتي ذكرهم كمراقبي للحسابات 
1- المؤسسون و أصحاب الحصص العينية والمستفيدين من امتيازات خاصة و كذا المتصرفين و أعضاء مجلس الرقابة أو مجلس الإدارة الجماعية بالشركة أو الشركات التابعة
2-  أزواج الأشخاص المشار إليهم أعلاه ومن بين أصولهم وفروعهم إلى الدرجة الثانية بإدخال الغاية .
3-  الذين يزاولون لفائدة الأشخاص المشار إليهم في البند أعلاه أو لفائدة الشركة او الشركات التابعة لها وظائف قد تمس باستقلالهم أو يتقاضون أجرا من إحداها عن وظائف غير تلك المنصوص عليها في القانون. 
شركات الخبرة في المحاسبة التي يكون أحد الشركاء فيها في وضع من الأوضاع المشار إليها في البنود السابقة و كذا الشريك المحاسب، الشريك في شركة للخبراء المحاسبين حيث تكون هذه الأخيرة في وضع من هذه الأوضاع.
لا يمكن أن يعين كمراقبي حسابات لنفس الشركة خبيران أو عدة خبراء محاسبين ينتمون بأي صفة كانت إلى نفس شركة الخبراء المحاسبين أو نفس المكتب.
كما أنه لا يمكن لمراقبي الحسابات أن يعينوا أعضاء في هيأت الإدارة و التسيير للشركات التي يراقبونها ، إلا بعد 5 سنوات من انتهاء مهمتهم ، ولا في أي شركة أخرى تملك الشركة التي يراقبونها 10 بالمائة أو أكثر من رأسمالها.

المطلب الثاني: وظائف مراقبي الحسابات في شركة المساهمة 

منذ ميلاد القانون التجاري إلى حين دخول قانون 95-17حيز التنفيذ فإن دور مراقبي الحسابات لم يتوقف عن التطور فهو إلى جانب الأجهزة الأخر من قبيل مجلس الإداري ،ويظل هذا الأخير هو أدرى من غيره شؤون الشركة بنظر لدوره المهم الذي يطلع به ، مما جعل جانب من الفقه في مقدمتهم أستاذنا احمد شكري السباعي ينعته بضمير الأخلاقي والقانوني للمقاولة .
ويقوم مراقب الحسابات بثلاث وظائف، منها ما يتعلق بتدقيق في حساب الشركة وأخرى بالإعلام المساهمين بالإضافة إلي كشف عن كل صعوبات التي تعترض الشركة وإبلاغ عنها.

الفقرة الأولى: تدقيق الحسابات 
بناء على إحكام مقتضيات قانون 9.88 فيمكن تحديد مهام مراقب الحسابات داخل شركة المساهمة في تدقيق في الحسابات السنوية لشركة منتظم ومدقق .
وعليه فإن تدخل في الشؤون المالية لشركة يعتبر بمثابة ضمانة للمساهمين والأغيار، وعلى هذا الأخير أن يقدم معلومة بشكل دقيق دون أن يكون تصريحه كاذبة .وإذا ما كانت كذلك فقد يخضع هذا الأخير إلى عقوبة تكتسي طابع جنائي وهذا ما نص عليه المشرع المغربي من خلال المادة 405 من قانون 95-17 بقوله "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 10.000الى 100.000 درهم كل من قبل أو مارس أو احتفظ عن قصد بمهام مراقب الحسابات على الرغم من حالات التنافي القانونية ،سواء باسمه الخاص أو بصفته شريكا في شركة لمراقبة الحسابات..." 
ولعل الغاية هو استمرار الشركة ولأجل ذلك أعطى القانون لمراقبي الحسابات بصفة دائمة مهمة التحقق من القيم والدفاتر والوثائق التي تخص حسابات الشركة، ومراقبتها في مدى مطابقتها للقواعد المعمول بها .
وبذلك فإن دور مراقب الحسابات في شركة المساهمة مهمة لكشف عن حدود مصداقية الحسابات السنوية ورصد الوضعية الحقيقية لشركة وهو بذلك ضمان لدائنين وراعي لحقوقهم.

الفقرة الثانية: وظيفة الإعلام 
لم يعد مراقب الحسابات يلعب تلك الدور التقليدي المتمثل في التدقيق في الحسابات، بل تجاوز هذا الأمر إلى وظيفة أخرى من قبيل الإعلام حيث يلتزم مراقب الحسابات بأن يحيط مجلس الإدارة الجماعي أو مجلس الرقابة بكل الوقائع والمعلومات التي يكون قد اطلع عليها إثناء مزاولته لمهامه .
كما إن هذا الأخير يطلع المساهمين بكل المعلومات اللازمة التي من شئنها صيانة حقوقهم داخل شركة المساهمة وذلك بواسطة التقارير العامة أو الخاص .
فيما يخصص التقارير العامة حيث يحق لكل مساهم في شركة المساهمة ابتداء من تاريخ الدعوة لجمعية العادية أو غير العادية، خلال أجل 15 يوما الاطلاع في مقر الرئيسي لشركة على تقارير مراقب أو مراقبي الحسابات .
أما عن التقارير الخاص من قبيل الاتفاقيات المبرمة بين الشركة أو احد المتصرفين أو مع المدير العام أو مع عضو من أعضاء مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الرقابة أو ما إذا تعلق الأمر بأسهم ذات أولية في الأرباح دون حق التصويت، والتي تدخل ضمن أسهم الأفضلية التي نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة 263 من قانون 95-17 .
والى جانب دور مراقب الحسابات فإن هذا الأخير لا يقف عند هذا الحد بل يقوم بدور أخر، والذي يتمثل في وظيفة التبليغ عن الأعمال الخطير وهذا ما سنعالجه من خلال الفقرة الثالثة .

الفقرة الثالثة: وظيفة التبليغ عن الأفعال الخطيرة
يلزم مراقب أو مراقبو الحسابات بإحاطة مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الرقابة كلما تطلب الأمر ذلك بكل الأفعال التي بلغت إلى علمهم أتناء مزاولتهم لمهامهم تحث طائلة المسؤولية الجنائية ،وذلك بناء على مقتضيات المادة 169من قانون 95-17المعدل بقانون 20.05.
ومن أدوار التي يطلع بها مراقب الحسابات هو ما نصت عليه المادة 546من مدونة التجارة جاء فيها "يبلغ مراقب الحسابات ،أن وجد،أو أي شريك في الشركة لرئيس المقاولة الوقائع التي من شئنها الإخلال باستمرارية استغلالها ..."وحسب أستاذنا احمد شكري السباعي أن هذه الأسباب أو الواقع ليست من نوع واحد فقد تكون ذات طابع مالي كتقهقر السيولة والأموال المتداولة ،أو ترتبط بالاستغلال والمناخ الاقتصاد كارتفاع المصاريف ، أو سوء الإدارة والتدبير ....."وهذا الدور قد يكشفه مراقب الحسابات وهو ملزم علي التبليغ عنه ،قصد اتخاذ الإجراءات الضرورية وخصوص إن تعين هذا الأخير أمر إلزامي في شركة المساهمة .

المبحث الثاني : المسؤولية المدنية والجنائية لمراقب الحسابات

المطلب الأول: المسؤولية المدنية لمراقب الحسابات

تتنوع مسؤولية مراقب الحسابات بين المسؤولية المدنية والتي يترتب عليها التعويض عن الأضرار التي تلحق الشركة والأغيار وكذلك المسؤولية الجنائية في حالة إرتكاب أفعال معاقب عليها جنائيا .
تختلف طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتق مراقب الحسابات باختلاف الأطراف المتضررة حيث يمكن أن تكون الشركة (الفقرة الأولى) أو الأغيار (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: مسؤولية مراقب الحسابات تجاه الشركة
قبل الحديث عن مسؤولية مراقب الحسابات تجاه الشركة ينبغي البحث عن طبيعة العلاقة التي تربط مراقب الحسابات مع الشركة، وبالرجوع إلى المادة الأولى من قانون رقم 15.89 المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة المحاسبية تنص على أن مراقب الحسابات الذي يتولى مهمة مراقبة وضبط حسابات الشركة لا يرتبط معها بعقد عمل". وبالتالي يثور التساؤل حول طبيعة العلاقة بين مراقب الحسابات والشركة ؟
إن مراقب الحسابات يرتبط مع الشركة بمقتضى وكالة بأجر، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار مسؤولية المراقب تجاه الشركة مسؤولية عقدية.
وانطلاقا من المادة 180 من قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 05-20 سنة 2008 حاول المشرع المغربي تحديد مسؤولية مراقب الحسابات تجاه الشركة عن الضرر الناتج عن الخطأ والإهمال المرتكب من طرفه، خلال مزاولته لمهامه، حيث يكون مسؤولا قبل الشركة عن تعويض الضرر الذي يلحقها بسبب الأخطاء التي تقع منه في تنفيذ عمله، وإذا كان للشركة أكثر من مراقب واشتركوا في الخطأ كانوا مسؤولين بالتضامن نحو الشركة.
وفي هذا السياق يرى جانب من الفقه الجزائري أن مندوبي الحسابات يشكلون هيئة قائمة بذاتها في الجهاز التنظيمي لشركة المساهمة يقوم بمراقبة أعمال الشركة فإذا ترتب عن أدائها لمهمة الرقابة أخطاء ترتبت عنها أضرار تحملت هذه الهيأة مسؤوليتها المدنية طبقا للقواعد العامة.
ويسير القانون اللبناني في نفس السياق حيث تنص المادة 229 من قانون شركات المساهمة اللبناني على مسؤولية مدقق الحسابات تجاه شركة المساهمة العامة عن تعويض الضرر الذي يلحقه بسبب الأخطاء التي قد يرتكبها أثناء قيامه بعمله.
من خلال ما تم التطرق إليه يمكن القول بأن مراقب الحسابات ملزم بتعويض الأضرار التي تسبب فيها بأخطائه تجاه الشركة، لذلك فهو ملزم ببذل عناية الرجل العادي. نظرا لكون خطئه ذو طابع مهني واجب الإثبات. 
وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها على أنه يلزم إقامة الدليل على خطأ أو تقصير مراقب الحسابات فهو خطأ مهني واجب الإثبات.وهو نفس التوجه الذي تبناه الأستاذ لحسن بيهي حيث يرى أن التزام مراقب الحسابات هو التزام ببذل عناية. 
وتقوم مسؤولية مراقب الحسابات مثلا في حال رفضه تحرير تقريره، متسببا في ذلك في حرمان الجمعية العامة من الانعقاد.
من جهة أخرى فإن مراقب الحسابات يتحمل مسؤولية تجاه الغير سواء كان هذا الغير شخصا طبيعيا أو معنويا، فما هي طبيعة هذه المسؤولية ؟

الفقرة الثانية: مسؤولية مراقب الحسابات تجاه الغير
تتحدد مسؤولية مراقب الحسابات تجاه الغير خارج إطار العلاقة العقدية التي تربطه مع الشركة بمعنى أن هذا الغير يشمل أي شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا غير الشركة التي يؤدي المراقب مهامه في إطارها.
وإذا كانت طبيعة المسؤولية التي يضطلع بها المراقب في علاقته مع الشركة هي مسؤولية عقدية نظرا لوجود عقد يربطه مع هذه الشركة فإن طبيعة المسؤولية التي تربط المراقب مع الغير هي مسؤولية تقصيرية تخضع في مبادئها وشروط قيامها للمبادئ العامة للمسؤولية المدنية، بحيث يشترط لقيامها ثلاث عناصر وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
بحيث يجب أن يصدر خطأ عن مراقب الحسابات تجاه الغير أثناء ممارسته لمهامه وهو المبدأ الذي جاء به قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة في المادة 180 التي نصت على أن "مراقب الحسابات يسأل تجاه الشركة والأغيار عن الضرر الناتج عن الخطأ أو الإهمال المرتكب من طرفه خلال مزاولته لمهامه".
وبالرجوع إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية نجد أن الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب تركه من غير قصد".
وانطلاقا من هذا التعريف يمكن القول أن أي فعل مخالف لسلوك الرجل العادي قام به مراقب الحسابات يسأل عنه".
إلا أن الإشكال الذي يثور هنا يتعلق بحالة اشتراك عدة محاسبين في الخطأ.
في هذه الحالة يعتبر المراقبون مسؤولين مسؤولية تضامنية وتبقى للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد مقدار مسؤولية كل واحد منهم.
إضافة إلى الخطأ ينبغي أن يحدث هذا الأخير ضررا للغير، ويشترط أن يكون محققا وليس محتمل الوقوع.
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية تجاه الغير وجود خطأ وضرر بل ينبغي إضافة إلى ذلك وجود علاقة سببية تربط بين الخطأ والضرر وتكون علاقة مباشرة، بمعنى أن الخطأ الذي قام به مراقب الحسابات هو الذي تسبب في الضرر الذي أصاب الغير.
ويعتبر مراقب الحسابات مسؤولا تجاه الغير في حال قيامه مثلا بالتصديق على قوائم مالية خاطئة أو غير مطابقة للوضعية المالية للشركة وقام هذا الغير بالتعاقد مع الشركة على أساس التقرير الذي صادق عليه مراقب الحسابات، فتعرض لضرر، فإن مسؤولية مراقب الحسابات تقوم إذا أثبت الغير وجود علاقة السببية بين الخطأ والضرر الذي تعرض له في إطار مسؤولية مدنية، وذلك وفق إجراءات معينة.

المطلب الثاني : المسؤولية الجنائية لمراقب الحسابات

تنعقد المسؤولية الجنائية لمراقب الحسابات سواء عند قيامه بأفعال مجرمة بنصوص جنائية باعتبارها من الجرائم العامة العادية أو بسبب قيامه بأعمال منافية للأعراف التجارية.
وخلافا لما هو الأمر عليه في المسؤولية المدنية والتأديبية، فإن مسؤولية مراقب الحسابات الجنائية لا تقوم إلا إذا كانت تصرفاته مجرمة طبقا لمبدأ الشرعية.
وعليه فإن الجرائم التي يقترفها مراقب الحسابات نوعان: جرائم تتعلق بمخالفة القواعد التي تضمن لمراقب الحسابات كفاءته واستقلاليته، وللتأكيد على أهمية دور مراقب الحسابات داخل هيكل الشركة فإن المشرع أقرن هذه الجرائم وربطها بجزاءات ومؤيدات تضمن احترامها.

الفقرة الأولى: أنواع الجرائم المرتكبة من طرف مراقب الحسابات
- الجرائم ذات الصلة بمخالفة الوظيفة الرقابية :
إن التشريع المغربي وعلى غرار نظيره الفرنسي قد جرم مجموعة من الأفعال والتصرفات التي يرتكبها مراقب الحسابات إخلالا بواجباته الرقابية، وتتجسد هذه الجرائم في تقديم أو تأكيد معلومات كاذبة حول وضع الشركة، وكذا عدم الإعلام بالأفعال الجرمية، إضافة إلى إفشاء أسرار المهنة وسنتناول بالشرح كل نقطة على حدى.
-تقديم أو تأكيد معلومات كاذبة حول وضعية الشركة:
أشار المشرع المغربي إلى هذا النوع من الجرائم في المادة 405 من قانون شركات المساهمة 95-17، والتي تقابلها المادة 457 من التشريع الفرنسي وتقع إذا قدم أو أكد مراقب الحسابات عن قصد باسمه الخاص أو بصفته شريكا في شركة لمراقبة الحسابات معلومات كاذبة بشأن وضع الشركة، وما يلاحظ على المادة 405 أنها جاءت عامة فإن الجريمة تقع أيا كان الشكل الذي اتخذه النشاط الإجرامي، فقد تخطى المعلومات الكاذبة كتابيا أو شفويا أو عن طريق إعلان منشور.
وقد ثار جدل فقهي في فرنسا حول طبيعة هذه المعلومات فذهب اتجاه إلى أن عبارة معلومات تضم المعلومات المالية والمحاسبة فقط، بينما ذهب اتجاه ثان إلى التوسع في عبارة المعلومات ويرى بأن الرأي السابق يضيق من نطاق التجريم الذي يتعارض مع عمومية ومهام مراقبي الحسابات التي تتعدى الرقابة على أموال الشركة.
أما القضاء الفرنسي فقد أقر التفسير الواسع لنص التجريم، وبالتالي فإن المعلومات المقصودة بالتجريم تشمل جميع المعلومات التي قد يطلع عليها مراقب الحسابات أثناء قيامه بمهامه. وهو نفس التوجه الذي أكده كل منNicole Seret, Paulette bauvert. 
عدم الإعلام بالأفعال الجرمية :
نص المشرع المغربي على هذا النوع من الجرائم التي يرتكبها مراقب الحسابات أثناء قيامه بعمله في المادة 405 من قانون 95-17 السالف الذكر بقوله:"...عدم إعلامه لأجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير بكل الأفعال التي بلغت إلى علمه أثناء مزاولته لمهامه وبدا له أنها تكتسي صبغة جرمية".
غير أن مشروع قانون الشركات لسنة 1989 في المادة 167 منه كان أكثر تشددا عندما ألزم مراقب الحسابات بضرورة إشعار وكيل الملك بالأفعال ذات الصفة الجرمية، إلا أنه تم إلغاء المقتضى في القوانين الجديدة للشركات الشيء الذي أضعف قوة المراقبة، أما الفقه الفرنسي فيلزم مراقب الحسابات في هذا الشأن بإبلاغ وكيل الجمهورية بكل الأفعال التي تكتسي الطباع الجرمي.
- جريمة إفشاء أسرار المهنة:
يحتل مراقب الحسابات داخل الشركة مركزا حساسا يجعل منه جهازا يكون على علم بجميع أسرار هذه الشركة، لذلك قام المشرع المغربي بتقييد هذا المراقب بالالتزام بالسر المهني تحت طائلة الجزاء.
ونظرا لأهمية دور مراقب الحسابات وخطورته في نفس الوقت فقد أقر المشرع المغربي تطبيق أحكام المادة 446 من القانون الجنائي على مراقب الحسابات التي تتكلف بجرائم إفشاء السر المهني، وقد حدد المشرع ذاته في المادة 177 طبيعة الأعمال الملزمين بكتمانها وهي كل الوقائع والأعمال والمعلومات التي يطلعون عليها بحكم ممارستهم لمهامهم. ولهذا فإن السر المشمول بالحماية الجنائية لا يقتصر فقط على ما أفضي به صراحة إلى مراقب الحسابات، بل يشمل أيضا كل ما توصل إليه أثناء مزاولة مهامه.
- الجرائم المتعلقة بمخالفة قواعد الاستقلال والكفاءة:
من أجل ضمان مراقبة وتتبع وتدقيق فعال يؤدي غايته في الرقابة على حسابات الشركة، لابد من أن يتمتع من يباشر هذه المهمة بالاستقلال والحياد في مواجهة من تباشر عليه هذه الرقابة من جهة، والتوفر على المؤهلات والخبرة اللازمة لممارسة هذه الوظيفة.
- مخالفة قواعد الحياد والاستقلال:
لقد أشار المشرع المغربي إلى هذه المخالفات في المادة 161 و162 من قانون 95-17 المغير بقانون 05-20 سنة 2008، وهي ما يمكن التعبير عنها بصفة عامة بحالات التنافي، وفي هذا الإطار حرص المشرع على عدم الجمع بين وظيفة مراقب الحسابات وأي وظيفة أخرى من شأنها أن تؤدي إلى التشكيك في استقلاله وحياده في أدائه لدوره الرقابي.
بل الأكثر من ذلك وضمانا للاستقلال والحياد منع المشرع تعيين بعض الأشخاص كمراقبين للحسابات، لأن الوظائف التي يزاولونها، أو الروابط العائلية القائمة تتنافى مع مهمة مراقب الحسابات في إحدى الشركات كما هو مشار إليه في البنود 1،2،3،4 من المادة 161 من قانون 95-17 المشار إليه أعلاه.
وإذا طرأ أحد دواعي التنافي أعلاه خلال مزاولة مراقب الحسابات لمهامه يتعين عليه أن يكف عن الممارسة فورا، وإخبار مجلس الإدارة أو الرقابة داخل أجل أقصاه 15 يوما بعد حدوث حالات التنافي. 
- مخالفة القواعد التي تضمن كفاءة مراقب الحسابات:
نصت المادة 160 من قانون شركات المساهمة على هذا النوع من المخالفات والتي مفادها أنه لا يمكن مزاولة مهمة مراقب الحسابات ما لم يكن مقيدا في جدول هيئة الخبراء المحاسبين.
وفي حالة العكس إذا قام شخص بممارسة هذا المهمة في الشركات دون أن يكون مسجلا في جدول الهيئة التي تؤكد انتماءه إليها، فإنه سيكون قد خالف مقتضيات المادة السابقة وكذا المادة 3 من القانون المتعلق بتنظيم مهنة الخبرة المحاسبية وبالتالي يعتبر مرتكبا لجريمة ويتعرض للجزاء المنصوص عليه في المادة 101 من القانون السالف الذكر.
إضافة لما سبق هناك مخالفة أخرى تتعلق بانتحال صفة مراقب الحسابات أو الإساءة إليها حيث تتحقق هذه الجريمة بمجرد ادعاء الشخص صفة مراقب حسابات خلافا للحقيقة أو استخدامه صفة معينة من شأنها أن تثير الخلط واللبس في أذهان الناس، والهدف من تجريم هذه الأفعال هو حماية مهنة مراقبة الحسابات وضمان الثقة في القائمين بها.
وتعزيزا لهذه الحماية يعاقب القانون الجنائي على هذه الأفعال طبقا لمقتضيات الفصل 381 منه، الذي أحالت عليه المادة100 من قانون 89-15 المتعلق بالخبرة المحاسبية. ولذلك حتى نضمن احترام قواعد الكفاءة في ميدان مراقبة الحسابات يجب اختيار مراقب الحسابات من بين المراقبين المقيدين في جدول هيئة الخبراء المحاسبين الذي تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة، إضافة التقيد بأحكام هذه المهنة دون تحايل أو تدليس.

الفقرة الثانية: الجزاءات الجنائية
لقد حاول المشرع المغربي التصدي بالعقاب والزجر لكل مراقب حاول خرق القواعد التي تحكم مهمة مراقبة الحسابات في الشركات وفق الشروط والأهداف المسطرة في قانوني الشركات المتعلقين بشركات المساهمة وباقي الشركات من خلال إقرار مجموعة من الجزاءات الجنائية التي تبقى في غالبيتها موجهة لحماية الشركات واحترام النظام العام الاقتصادي، وبطبيعة الحال تفرقت هذه العقوبة بين العقوبات السالبة للحرية أو العقوبات الحبسية، والغرامات المالية، حيث تتراوح العقوبات الحبسية في حدها الأقصى من 6 أشهر إلى سنتين، كما تتراوح الغرامات المالية ما بين 10.000 و100.000 درهم كحد أقصى.
وتتم متابعة مراقب الحسابات من طرف النيابة العامة أو من طرف ضحية هذه الأفعال وفي هذه الحالة هي الشركة المراقبة، ويكون الاختصاص للغرفة الجنحية، أو المحكمة الابتدائية، وتخضع هذه الدعوى لتقادم الجنحي بمرور 5 سنوات من تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي، وهذا ما يؤكد النهج الذي سار عليه المشرع من خلال إصلاحات 2008 من خلال التقليص من العقوبات الحبسية والرفع من الغرامات المالية لضبط وتنظيم الرقابة في الشركات وخلق جو ملائم للتطور الاقتصادي.

خاتمة : 
يلعب مراقب الحسابات دورا محوريا في الشركات التجارية . ويستمد دوره من طبيعة المهام الموكولة له. فهو العين التي لا تنام في الشركات ويسهر على كل كبيرة وصغيرة وعليه فالمشرع نص على مجموعة من الجزاءات المدنية والجنائية ضده في حالة تجاوزه الحدود.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -