مقال بعنوان: مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف
أمثلة من القضاء الإداري الفرنسي
كما أصدر في نوفمبر 1875 قرارا آخر فيما يعرف بقضية باريزيه، جاء فيه: " من حيث أنه ثابت من إجراءات الطعن أن المدير، إذ أمر بإغلاق مصنع ثقاب السيد باريزيه بمقتضى سلطات الضبط التي يستمدها من القوانين و اللوائح الخاصة بالمنشات الخطرة و المقلقة للراحة و الضارة بالصحة، لم يستهدف المصالح التي تستهدف تلك القوانين و اللوائح تحقيقها؛ و إنما تصرف تنفيذا لتعليمات صادرة من وزير المالية عقب قانون 2 أغسطس 1872' في إطار مصلحة مرفق مالى للدولة، فيكون بذلك قد استعمل سلطات الضبط الثابتة له بالنسبة إلى المنشات الخطرة أو المقلقة للراحة أو غير الصحية من أجل هدف آخر غير ذلك الذي عهدت به إليه تحقيقه، فيكون السيد باريزيه على حق في طلب الغاء القرار المطعون فيه... (2)
و ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرارا آخر أصدره أحد العمد مفاده عدم خلع الملابس على الشواطئ إلا في وحدة خلع الملابس، و ذلك لأن العمدة و إن كان يملك اتخاذ الإجراءات التي من شأنها المحافظة على الآداب العامة، فإن قراره كان يهدف في الواقع إلى تحقيق مصالح مالية لبلدية المدينة التي تستفيد من وحدة خلع الملابس (3) و في نفس الاتجاه أيضا، قرر مجلس الدولة الفرنسي في حق أحد المجالس البلدية بأنه استعمل وسيلة نزع الملكية استعمالا منحرفا يهدف أساسا إلى تحقيق الربح للقرية، وذلك حينما حاولت هذه الأخيرة أن تنشئ حيا نموذجيا تقيمه على الأرض الفضاء المجاورة للمباني القديمة، و نزعت تبعا لذلك ملكية مساحات كبيرة من الأراضي، فقسمتها و عرضتها للبيع. (4)
وصرح مجلس الدولة الفرنسي كذلك في حكم صادر بتاريخ 25 أبريل 1947 قائلا: " وحيث إنه قد ثبت أن استيلاء الإدارة على كمية الجبن التي يملكها السيد جيوفان بناء على قرار المدير العام للتموين في مقاطعة سافوا، إنما كان يقصد به فى الحقيقة توقيع عقوبة على السيد جيوفان لاتهامه بتصدير كمية من الجبن بوسائل غير مشروعة... و بناء على ذلك فإن الإدارة تكون قد استعملت سلطة الاستيلاء في غير ما أعدت له." (5)
و من أمثلة القرارات التي ألغيت لصدورها بقصد تحقيق نفع شخصي لرجل الإدارة نذكر القرار الذي أصدره أحد العمد في فرنسا بتحريم الرقص في المراقص العامة خلال فترات معينة بحجة أن الرقص يصرف الشباب عن العمل، قبل أن يتضح لمجلس الدولة الفرنسي أن العمدة إنما أصدر هذا القرار في واقع الأمر ليس لحماية الشباب و تحقيق المصلحة العامة كما يدعي بل فقط لحماية المقهى الذي كان يملكه من منافسة هذه المراقص التي تجذب الشباب إليها. (6)
أمثلة من القضاء الاداري المصري
كما قضت بعدم مشروعية قرار ضبط بإغلاق سوق خاصة يوم الاثنين من كل أسبوع، ليحقق رواج سوق مجلس قروي الواسطي الذي أصابه الركود، حيث خرج قرار الضبط بذلك عن الهدف المخصص لإصداره و المستفاد من طبيعة الاختصاص، و هو تحقيق النظام العام بعناصره الثلاث من سكينة أو صحة عامة أو أمن عام." (7)
كما أصدرت المحكمة الإدارية العليا بموجب الطعن رقم 3470، لسنة 31، قضائية في جلسة 1988/2/7 قرارا بالإلغاء مما جاء فيه: «إذا لم تبتغ الإدارة بنقل العامل الصالح العام و انحرفت عن هذه الغاية و اتخذت النقل سبيلا إلى التنكيل بالعامل و إنزال العقاب به تكون قد أساءت استعمال سلطتها مما يصم القرار الصادر منها بعدم المشروعية.» (3)
و ذهبت في قرار اخر بالطعن رقم 2227،لسنة 33& بجلسة ,411992/5/9 القول: «النقل من الأمور التي تترخص فيها جهة الإدارة مادام لا يترتب عليه تفويت فرصة على العامل للترقية بالأقدمية أو كان يتضمن نقله إلى وظيفة من درجة أقل من تلك التي يشغلها أو كان مشوبا بإساءة استعمال السلطة أو متضمنا جزاء تأديبيا مقنعا - العبرة فيما إذا كانت قرارات النقل تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة و أنها تنطوي على جزاء تأديبي مقنع إنما تكون بما قصدت إليه الإدارة حقيقة من اتخاذها قرارها لا بما وصفت به هذا القرار من وصف مخالف للحقيقة...» (9)
وقد أكدت أيضا بموجب الطعن رقم 3928 لسنة 38، ق بجلسة ,>1994/2/26 مايلي:؛ «النقل بنوعيه المكاني و النوعي هو سلطة خولها المشرع للجهة الإدارية تجريه وفقا لسلطتها التقديرية حسبما يمليه عليها صالح العمل و مقتضياته - يجب أن يكون القرار الصادر بالنقل متضمنا تحديد الوظيفة المنقول إليها و المدرجة بهيكل الوظائف المعتمدة لهذه الجهة - أساس ذلك أن قانون العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه قائم على أساس موضوعى فى الوظيفة العامة جوهره الاعتداد باشتراطات شغل الوظيفة طبقا لبطاقة وصفها - إذا خالف قرار النقل تلك القاعدة الموضوعية فصدر بنقل العامل دون تحديد الوظيفة المنقول إليها فإنه يقع باطلا لمخالفته القانون - مثال ذلك نقل العامل بذات درجته المالية دون تحديد مسمى الوظيفة المنقول إليها.» (10)
كما قررت أيضا بموجب الطعن رقم 606، لسنة 39é بجلسة 1995/4/22، بأنه: «يعتبر النقل من الأمور التي تترخص فيها الإدارة بسلطتها التقديرية بلا معقب عليها طالما استهدفت وجه الصالح العام - مواكبة قرار النقل لجزاء تأديبي لا ينم بذاته عن انطواء القرار على عقوبة مقنعة بحسبان أن الواقعات المشكلة للذنب الإداري قد تستوي سندا صحيحا للنقل و باعثا مشروعا على إجرائه حرصا على حسن سير العمل و انتظامه - النقل إلى جهة تزخر بالعمالة الزائدة و افصاحها عن عدم حاجتها إليه و عدم وجود درجات خالية للنقل إليها و الادعاء دون دليل بأن المنقول تعدى بالضرب على زميل له و حاول إثارة العمال و نقله بعد أن زال عنه وصف عضوية اللجنة النقابية ينهض شاهد صدق على إساءة استعمال السلطة و يصم القرار بمخالفة القانون.» (11)
أمثلة من القضاء الإداري المغربي
«و حيث إنه بالرجوع إلى القرار المتضمن نقل الطاعن من مديرية الجمارك لميناء الدار البيضاء و كذا ما تضمنته المذكرة الجوابية للجهة المطلوبة في الطعن يتبين أن هذه الجهة لم تحدد بدقة وجه المصلحة التي اقتضت نقل الطاعن إلى الجهة المذكورة، و إنما اكتفت بإيراد مجموعة من الأهداف التي ترمي إليها سياسة الحركة الوطنية السنوية التي تجريها الإدارة؛ والمتمثلة في الرفع من كفاءة الأعوان و توسيع مداركهم المهنية و مدهم بالوسائل المعرفية اللازمة لتمكينهم من التواصل مع المحيط الاقتصادي المتجدد، وتحسين خدمة المرفق بإعادة توزيع الكفاءات، و تخليق المرفق العام، و تجاوز عدم التركيز و التوزيع غير المتكافئ للموارد البشرية، و لم تبين أي هدف تخاطب به وضعية الطاعن، مما تكون معه المصلحة المعتمدة غير محددة، علما أن المديرية التي تم نقل الطاعن إليها و المتمثلة في المديرية الجهوية لجهة طنجة تطوان الحسيمة، وفق ما هو ثابت من وقائع مقال الدعوى التي لم تكن محل منازعة من المطلوبة في الطعن، قد شهدت تنقيل مجموعة من الموظفين بما ينفي فرضية التوزيع غير المتكافئ للموظفين، بما يقضى إلى عدم إثبات وجود خصاص في الموارد البشرية بالجهة التي تم التنقيل إليها، الأمر الذي يكون معه تنقيل الطاعن قد حاد عن قاعدة تخصيص الأهداف المستمدة من نص الفصل 64 المذكور، هذا من جهة.
و من جهة ثانية، فإن البين من وثائق الملف أن الطاعن قد تم استفساره من طرف مديرية الجمارك لميناء الدار البيضاء بتاريخ 14 نونبر 2019، بشأن تسليمه لبعض عينات البضائع المنتقاة لبعض زملائه، و هو الاستفسار الذي أعقبه توجيه ملاحظات صارمة إلى الطاعن استنادا إلى البحث المنجز من قسم التدقيق و التفتيش المضمنة نتائجه بالتقرير عدد EQ'/56 بتاريخ 26 يوليوز 2018، كما هو بين من القرار 5OO/937/2O/ADll/D بتاريخ 10 مارس 2020، الذي موضوعه "التسيير الإداري للموظفين، سيرة الأعوان: التأديب"، و أن تنقيل الطاعن جاء لاحقا بزمن يسير - يراعي في تقدير هذا الزمن الفترة الزمنية التي اقتضاها الحجر الصحي الكلي - عن توجيه هذه الملاحظات الصارمة في إطار مسطرة التأديب؛ بما يجعله متأثرا بهذه الملاحظات تأثيرا يلبسه طابع العقاب، و يبعده عن مرامي المصلحة العامة.
و لعل الحكمة من حصر المراسيم و القرارات التنظيمية بيد الوزير، تكمن فيما قد تحدثه من تغييرات جذرية في دواليب الإدارة مثل إحداث مراكز أو مديريات جديدة، مثلما تم تأكيده في الفصل 28 من مدونة الجمارك الذي قال؛ ««تنشا مكاتب و مراكز الجمرك بقرار للوزير المكلف بالمالية تحدد فيه كذلك اختصاصاتها.» و هي تغييرات لا شك تقتضي دراسة معمقة و تفكيرا جيدا في النتائج بما يخدم الصالح العام، الأمر الذي قد يستعصي على مدير الموارد البشرية تداركه في نازلة الحال بما أقدم عليه من جرأة في سن حركية انتقالية غير معلومة العواقب، قد تخلف آثارا عكسية لعل أقلها تقديرا هو طمس الشعور بالإنتماء لإدارة الجمارك و إذكاء الرغبة في مغادرتها نحو وجهه إدارية أخرى بعد أن كانت مثالا يحتدى به في التسير الإداري.
كما أن اعتبار الحركية الانتقالية قرارا تنظيميا يباشره الوزير وحده، من شأنه أن يقطع الطريق على ممارسات الفساد المفتوحة التي قد تحدث أثناء إعداد لوائح الموظفين مقابل تمكين هؤلاء من بلوغ وجهات و مناطق مفضلة، فتضيع المصلحة العامة وفقا لما تقدم و يغدو منهج محاربة الفساد على المستوى الجهوي وسيلة لتكريسه على المستوى المركزي. و بالعودة إلى حيثيات الحكم المشار إليه أعلاه في شقيه المتعلقين بالعقاب المبطن فى قرار النقل و كذا مخالفته تخصيص الأهداف، فإننا سنتولى مناقشة كل حيثية على حدة بناء على ما جاء في مذكرات الخصوم وفق ما يلي:
أولا: في القرار التأديبي المبطن
- توجيه استنكار بالبريد الالكتروني للجهة المشرفة على التكوين يستنكر من خلاله الطاعن عرض خريطة المملكة مبتورة من صحرائها، و هي الجهة التابعة لمدير الموارد البشرية المسؤول عن التنقيل، حيث تقوم إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة كغيرها من الإدارات باعتماد سياسة التكوين من أجل الرفع من كفاءة أعوانها و أطرها، سواء كان تكوينا حضوريا مقررا في معهد التكوين الجمركي، أو كان تكوينا محليا داخل مقر المديرية الجهوية، أو كان تكوينا مبرمجا في شكل دروس نظرية عن بعد تشرف عليها مديرية الموارد البشرية و تخصص للراغبين في تنمية مداركهم عبر بوابة الأنترانيت الخاصة بالإدارة بعد إتاحة التسجيل فيها لمن يهمه الأمر، و هو ما جعل الطاعن يثير استنكاره حول المساس بأحد التوابث المقدسة للمملكة المشهر بها من خلال هذه الوسيلة الأخيرة في موضوع يحمل عنوان اتفاقية إسطنبول مثلما أكده في عريضة دفوعه.
ثم ألم يكن حريا - على هامش ما سبق أعلاه- أن يتم اعتبار الخريطة المقسمة خطأ جسيما يستوجب مساءلة مديرية الموارد البشرية من طرف الوزير المعني خاصة في ظل ما تشهده القضية الوطنية من تطورات وصلت حد استدعاء سفراء الدول المعادية قصد التشاور، أم أن الأمر ينطوي على سلطة مطلقة تختص بها هذه المديرية في التقدير بلا معقب عليها.
- توجيه رسالة بالبريد الالكتروني إلى السلطة الرئاسية ممثلة في مدير الموارد البشرية يطالب من خلالها الطاعن بضرورة أداء اليمين تحت طائلة بطلان المحاضر التي سينجزها مستقبلا و إخلاء لمسؤوليته عن المحاضر التي سبق له أن أنجزها، حيث ينص الفصل 33 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة على مايلي: «- 1يحمل أعوان الإدارة المدعوون لتحرير المحاضر وكالة عمل ينبغي لهم أن يدلوا بها كلما طلبت منهم - 2يجب عليهم أداء اليمين طبق الكيفيات و الشروط المنصوص عليها في التنظيم المتعلق بيمين الأعوان محرري المحاضر.» و معلوم أن مراسلة الطاعن لمديرية الموارد البشرية عبر رؤسائه بطريق التدرج الإداري يحذرهم من بطلان المحاضر نتيجة تخلف شرط أداء اليمين، إنما ينم عن ضعف مديرية الموارد البشرية في التدبير و يكشف عن عيوبها في التسيير، مما يكون معه الطابع الانتقامي مرتكزا على أساس، و لا يعد إبداء الرأي أو توجيه ملاحظات من الموظف إلى السلطة الرئاسية تنكيلا بالرؤساء أو تبخيسا لهم طالما التزمت حدود اللباقة و الاحترام، حيث تقول المحكمة الإدارية العليا بمصر في هذا الأمر في القضية رقم 480، لسنة 10 القضائية لجلسة 15 ماي 1965: «لا تثريب على الموظف في إبداء رأيه صراحة أمام رئيسه ما دام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ و وقار حتى ولو كان رأيه مخالفا لرأي رئيسه.»؛
- توجيه استفسار إلى الطاعن مباشرة بعد كشفه خروقات خطيرة لمكتب المنازعات بمديرية جمارك ميناء الدار البيضاء، تستوجب مساءلة الرؤساء الذين تعاقبوا على المصلحة المشرفة على هذا المكتب منذ 15 سنة خلت، و تلفيقه تهمة تبديد عينات البضائع، و هو الاستفسار الذي ولد شعورا لدى المحكمة بصدوره كإجراء تأديبي مبطن متخذ تحت ذريعة المصلحة العامة. ذلك أن طبيعة التفتيش الجمركي لا تسمح بالحسم حالا على أرضية الميدان في مصير البضاعة التي تتعدد أشكالها، مما يلزم الاحتفاظ بجزء منها للدلالة على مواد صنعها بالقدر الذي يتيح تصنيفها التصنيف الصحيح ضمن النظام المنسق للتعريفة الجمركية، و تحديد قيمتها كأساس لا غنى عنه لتصفية المكوس و الرسوم. و معلوم أن عينات البضائع هذه لا يجري اقتطاعها إلا في حدود المعقول و وفق الكميات المستوردة، أما البضائع من الآلات و الأجهزة فلا يستقيم الاحتفاظ بعينات منها لتوفرها من جهة أولى على دليل يسمح بتحديد مواصفاتها المتطلبة قانونا، و مراعاة لكلفة بعض القطع أو العينات من جهة ثانية.
- إجبار الطاعن على إخلاء المسكن المملوك للجمعية الجمركية بالدار البيضاء و الذي تشرف على تسييره مديرية الموارد البشرية بإدارة الجمارك، وحرمانه من سكن مماثل بمدينة طنجة التي تم نقله إليها، رغم أن الفصل 64 من قانون الوظيفة العمومية قد نص على مراعاة الحالة الاجتماعية للموظف عند نقله لدواعي المصلحة العامة.
- استثناء الطاعن من وجهة النقل إلى مديرية القنيطرة رغم توفره على سكن بمدينة المهدية ممول من قرض للجمعية الجمركية، مثلما أكد في معرض دفوعه، الأمر الذي يشير من جانبه إلى قصور البعد الإجتماعى في التدبير التوقعى للإدارة، حيث لا يسع للإدارة أن تحتج بعدم علمها بسكن الطاعن بمدينة المهدية ما دامت الموافقة على منح قرض السكن من أموال الجمعية الجمركية تتم لزوما بمعرفة مديرية الموارد البشرية، و بالتالي فإن عدم العلم هذا على صحة افتراضه، يضع مديرية الموارد البشرية في موضع حرج قد يكشف عن عدم إلمامها بشؤون موظفيها.
كما أن منطق الأمور من جهة ثانية يقضي من وراء تخصيص قرض السكن، إلى تكريس الاستقرار الأسري، حيث لا يعقل اقتناء سكن ممول من طرف الجمعية الجمركية بترخيص من مديرية الموارد البشرية، على أن يظل مغلقا غير مسكون طوال سنوات بفعل حركية انتقالية تكون مقررة كل أربع أو خمس سنوات، قد يهرم الموظف من خلالها و لا يدرك غاية الانتفاع بمسكنه ذاك قيد حياته.
ثم إن الغاية من الحركية الانتقالية من جهة ثالثة، إنما جعلت لتكسير هيمنة المسؤول الإداري على محيطه بفعل تعميره فى منصبه مدة من السنوات تكون كفيلة بنشوء عادات مخلة بالتسيير الإداري و مدعاة إلى تكريس الفساد، فيكون تنقيل المسؤول الواحد أهون عند صرف النفقة العمومية من تتقيل المئات من المرؤوسين، وذلك حتى لا تضعف خزينة الدولة و تضيع المهنية في تدبير الشأن اليومي بما يضمن للمرفق العام استمراريته.
- حرمان الطاعن من العلاوة المقررة في مصلحة التدقيق و التفتيش التي كان يشتغل بها في مديرية جمارك الدار البيضاء الميناء من غير تعليل قبل أن يتم نقله إلى مصلحة أقل درجة بمديرية جمارك ميناء طنجة المتوسط، حيث إن تقرير النفقة العمومية يخضع كما هو معلوم لضوابط من بينها صحة التصفية التي تهدف إلى التحقق من حقيقة الدين، حتى إذا تقرر إلغاء هذا الدين لسبب من الأسباب وجب حينئذ على الجهة المعنية تعليل ذلك، و إلا عد قرارا تأديبيا في باطنه، تحكمه أهواء شخصية تأتي بدافع الانتقام، فتعمي بصيرة من أصدره عن جادة الصواب و تهوي به تبعا لذلك بعيدا عن مرامي المصلحة العامة التي اقتضاها الشارع و وضع لها أسس لا يزيغ عنها إلا هالك.
ثانيا؛ في مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف
كما أن نقل الخبرات من مديرية إلى أخرى لا ينهض هدفا في مواجهة الطاعن، لأن مثل هذا الإجراء الموجب للنقل لابد و أن يصحبه امتيازات مادية، حيث أن مجرد نقل الخدمات من منطقة إلى أخرى يستوجب منح تعويضات بدل التنقل، فكيف بإطار تترجى منه الإدارة تمرير خبرته و مع هذا تحرمه من مستحقاته في العلاوة و السكن كما سبقت الإشارة إليه. يضاف إلى ذلك ما قد يحدثه هذا الإجراء من إفراغ للكفاءات بالمديريات الأصلية، أو ما قد يشكله هذا الإجراء من عدول عن اكتساب الخبرات مخافة توقيع النقل الإجباري.
ثم إن الادعاء بتخليص المرفق العام من بعض الممارسات اللاأخلاقية لا يستقيم في حق الطاعن الذي عرض على أنظار المحكمة ضمن مذكرته إمكانية التحري عن استقامته، حيث إن السعي وراء هذا المطلب إنما ينبغي للإدارة الجمركية أن تحتكم فيه إلى هيئة المجلس الأعلى للحسابات الذي يفرض على كافة الموظفين تصريحا إجباريا بممتلكاتهم، و بالتالي يكون تعطيل مثل هذا الإجراء كحاجة في نفس يعقوب، لما قد يكشف عنه من فساد على المستوى المركزي نفسه، و بالتالى تكون فرضية النقل من أجل التخليق و محاربة الفساد غير مرتكزة على أساس للاعتبارات التالية، وهي:
خاتمة :
ختاما نقول على ضوء كل ما تقدم أن الحركية الانتقالية التي تم سنها من طرف مديرية الموارد البشرية بإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، ليست في حقيقتها سوى قرارا تنظيميا جاء على شاكلة القرارات الفردية لعدم ارتكازها على أساس قانوني إلا ما كان من قانون الوظيفة العمومية في فصله 64 الذي راعى الجانب الاجتماعي لموظفي الدولة المعترف لهم فى ظل هذا القانون بمجموعة من الحقوق كالحق النقابي و حق الإنتماء الحزبي. و لما كانت القرارات التنظيمية حكرا على الوزير المعني لا يجوز تفويضها، فقد كان من الأولى إلغاء قرار مدير الموارد البشرية القاضى بالنقل التلقائي، تفاديا للآثار السلبية التي تقع على الوضعيات الفردية للموظفين في كل مرة يتم فيها إصدار قرارات بالنقل قد تساهم في تدفق النزاعات المتفرعة عن قرار هذه الحركية الانتقالية. (12)
كما أن حجة "الموظف موجود إزاء الإدارة في وضيعة نظامية" ليست كما يتبادر إلى ذهن القارئ من واجب الخضوع و الاستسلام لإرادة الإدارة في منحى الجوانب الاجتماعية للموظف، وإنما هي فقط حالة الموظف الإدارية التي يقول في تعريفها قطاع إصلاح الإدارة في موقعه التابع لوزارة المالية حول دليل المفاهيم: «يستخدم مصطلح "الوضعية النظامية" في مرجع التدبير المندمج لموظفي الدولة (GIPE) للتعبير عن الوضعية الإدارية للموظف: مرسم، متمرن، مؤقت، مياوم، متعاقد، إلخ ...
و لقد فطنت إدارة الجمارك إلى خطأ تصرفها من غير سند قانوني، فعملت على وضع قانون أساسي يجيز لها سن حركة إنتقالية لموظفيها بدون معقب لأحد على قراراتها إلا ما كان منها من انحراف في استعمال سلطتها إزاء ذلك، فيحق للقضاء الإداري أن يحد من سوء تصرفها دون أن يعني هذا مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات مثلما أكدته محكمة القضاء الإداري في مصر بقولها: "إن مبدأ الفصل بين السلطات لا يعني استئثار كل سلطة بالوظيفة المخولة لها حتى و لو نص القانون على خلاف ذلك" (13) كما أن الإدارة تكون ملزمة في ممارستها لسلطتها التقديرية بأن تحترم جميع أوجه المشروعية، فيجب أن يكون قرارها موافقا للقانون بمعناه الواسع و أيا كان مصدره، بما في ذلك القواعد القضائية التي ينشئها القضاء الإداري مما يضيق من نطاق سلطتها التقديرية تلك في اتجاه تقييدها، بل إن رقابة القضاء الإداري تتجاوز مراقبة المشروعية إلى مراقبة الملاءمة عند استخدام الإدارة لسلطتها التقديرية.(14)
بل إن القاضي الإداري أصبح بإمكانه إثبات عيب الانحراف من ظروف خارجة عن النزاع المعروض أمامه، و هذا يمثل قمة ما توصلت إليه الرقابة القضائية على مشروعية القرار الإداري للتأكد من خلوه من عيب الانحراف.