الجرائم الماسة بالكرامة الإنسانية

 عرض بعنوان: الجرائم الماسة بالكرامة الإنسانية "جريمة التمييز" PDF

الجرائم الماسة بالكرامة الإنسانية "جريمة التمييز" PDF

مقدمة :
يعد موضوع الجرائم الدولية من أهم الموضوعات التي تشغل بال الحكومات والمتخصصين كونها تؤثر على مصالح المجتمع الدولي والداخلي وتمس القيم الإنسانية العليا، ومن أخطر هذه الجرائم التمييز الذي يعد أبشع جريمة ترتكب في حق الإنسان بصفة عامة وبتطور البشرية وتنامي الاتجاه نحو احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بصفة عامة أصبحت جريمة التمييز أمرا محضورا، وقبل ذلك نجد أن القرآن الكريم قد ذكر أن الاختلاف البشري من آيات الله سبحانه وتعالى ففي قوله تعالى " ومن آياته خلق السموات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين".

 كما نجد أن القانون الدولي عندما نشأ، اهتم أساسا بتنظيم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية، ولكن يبقى الإنسان المادة الأساسية للبناء القانوني بفرعية الداخلى والدولي معا، إذ تقتضي حماية الصفة الإنسانية حماية حقوقه الأساسية، ومن أهمها حقه في الحياة وفي سلامته وفي حريته وفي عرضه وشرفه، وحمايته من كل أشكال التمييز كليا أو جزئيا، والحط من قيمته، وعليه فقد اهتم القانون الدولي بضمان تمتع أفراد الجنس البشري بحياة كريمة ومنتظمة مبنية على الأمن والسلم وحماية القيم الجوهرية المشتركة بين الأمم وكان الاهتمام في بدايته يتم من خلال الدول أي بطريقة غير مباشرة ثم تحول بعد ذلك وتدرج إلى الاهتمام المباشر بالفرد وهو ما كشف عنه الفقه والعرف الدولي، ثم المواثيق والاتفاقيات الدولية إلى أن تطور الأمر وأصبح الإنسان أحد أشخاص القانون الدولي العام على قدم المساواة مع الدول والمنظمات الدولية فقد جرم القانون الدولي التمييز بصفة تدريجية في المواثيق الدولية العامة كما توصل إلى تجريمه من خلال وثائق متخصصة كما أوجد آليات للرقابة من اقتراف هذه الجريمة ولكن بالرغم من تطور القانون الدولي واهتمامه بالفرد، لم يصل بعد إلى درجة الاحترام المطلق لحقوق الإنسان في جميع الدول. فقد تعددت الاعتداءات واتخذت صبغة دولية تتحاوز إقليم الدولة الواحدة.

وقد عرفت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع شكال التمييز في مادتها الأولى "على أن التمييز كل تفرقة أو استعباد أو تقييد او تفضيل على أساس العرق أو الأصل أو الدين أو الجنس أو المعتقد أو الإعاقة أو التوجه أو الرأي أو القومية أو الطبقة الاجتماعية أو الجنسية أو الملكية أو الموليد أو اللون أو أي سبب أخر من شأنه إضعاف أو منع التمتع على قدم المساواة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو أي مجال من مجالات الحياة العامة، كما عرفه قانون العقوبات الفرنسي أيضا أنه "يعتبر تمييزا بين الأشخاص بسبب النشأة أو النوع أو الوضع الاجتماعي للأسرة أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الأخلاق أو الآراء السياسية أو النشاط النقابي أو الأصل أو الأمة أو السلالة أو الدين".

ونجد أيضا أن المشرع المغربي قد عرف التمييز في الفصل 431.1 من القانون الجنائي المغربي بأنه: " تكون تمييزا كل تفرقة بين الأشخاص الطبيعية بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحة أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي او المفترض لعرق أو لأمة أو لسلاسة أو لدين معين

تكون أيضا تمييزا كل تفرقة بين الأشخاص المعنوية بسبب أصل أعضائها أو بعض أعضائها أو جنسهم أو وضعيتهم العائلية أو حالتهم الصحية أو إعاقتهم أو آرائهم السياسية أو أنشطتهم النقابية أو بسبب انتمائهم أو عدم انتمائهم الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلاسة أو لدين معين وقد عرفت السياسية الجنائية لزجر افعال التمييز تطورا تاريخيا مهما بحيث أنه ظهرت المؤشرات الأولى لهذه السياسة في التشريعات الغربية ومن بينها التشريع الفرنسي بصدور قانون l يوليوز 1972 المتعلق بمكافحة التمييز العنصري.

وارتباطا بالمواثيق والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب في هذا الصدد نجد المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز المنعقد بدريان سنة 2001 علاوة على اتفاقية القضاء على جمع أشكال التمييز العنصري وفي هذا الشأن فقد جرم القانون المتمم لمجموعة القانون الجنائي الصادر بتاريخ 11 نونبر 2003 التمييز في الفصل 431.1 مكرر.

ومن خلال ما سبق يتضح لنا مدى أهمية هذه الدراسة المنصبة حول جريمة التمييز باعتبارها من بين الجرائم المستحدثة والماسة بالأشخاص وذلك يعود إلى عدة اعتبارات منها ما هو ديني أو سياسي أو عرقي.. والتي تكون موجهة ضده الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من هذا المنطلق جاءت القوانين لعل من أهمها القانون الجنائي لحماية حقوق الأفراد الأساسية عن طريق تجريم وملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم غير أن هذه الحملة تختلف من دولة إلى اخرى على أساس درجة التقدم الحضاري للمجتمع وظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لكن ورغم ما حظيت به هذه الجريمة من أهمية سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، فهي تطرح عدة إشكاليات لعل من أهمها يتمثل في مدى نجاح المشرع الجنائي المغربي في نهج سياسة جنائية فعالة لمكافحة جريمة التمييز من خلال النصوص المنظمة لها على مستوى القانون الجنائي والإجراءات المسطرية المتبعة في ذلك ؟

للإجابة عن الإشكال المطروح والمتمثل في ابراز توجهات المشرع الجنائي المغربي في نهج سياسة جنائية فعالة لمكافحة جريمة التمييز من خلال تجريمها والمعاقبة عليا سنتبع التصميم التالي:

المبحث الأول: توجهات المشرع المغربي على مستوى سياسة التجريم 
المطلب الأول: على مستوى الركن المادي 
المطلب الثاني: على مستوى الركن معنوي 

المبحث الثاني: توجهات المشرع المغربي على مستوى اجراءات المتابعة والسياسة العقابية 
المطلب الأول: على مستوى إجراءات المتابعة 
المطلب الثاني: على مستوى العقوبات 

من خلال استقراء مقتضيات القانون الجنائي نجد على أن المشرع قد عمل على تعداد الأفعال التي تعد تمييزا من خلال الفصل 431.1 مكرر وبذلك يتضح على أن المشرع قد حدد العناصر المادية والمعنوية التي تتحقق بها هذه الجريمة لأنه لا يمكن قيام أية جريمة الا إذا كانت منظمة بموجب نص قانوني يحدد الأفعال التي تتحقق بها وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال التركيز على الأفعال المادية والمعنوية التي يتحقق بها التمييز وذلك في المبحث الأول.

---------------------------
المصدر :
- دة.سعاد التيالي، محاضرة في القانون الجنائي الخاص تحت عنوان - الجرائم الماسة بالكرامة الإنسانية "جريمة التمييز"، السداسية الرابعة - الفوج الأول، جامعة محمد بن عبد الله بفاش، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية - فاس - ظهر المهراز.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -