رسالة بعنوان: منازعات تحصيل الديون العمومية و إشكالاتها القانونية و القضائية PDF
مقدمة :
إن بقاء الدولة واستمرارها يقتضي توفرها على موارد بشرية ومالية لتسيير شؤون ودواليب الحكم فيها، وإنجاز المشاريع التي تعود بالنفع على أفراد مجتمعها واستمرار تلاحمهم وتماسكهم، وهو يتطلب إيجاد موارد ضريبية للقيام بذلك وتحديد مسطرة لتحصيل هذه الموارد أ، وإعادة توزيعها على مواطنين وفقا لمبدأ العدالة في توزيع الخيرات ".
وتستمد الضرائب التي تعتبر أهم المصادر التي تعتمد عليها الدول الديمقراطية لتمويل ميزانيتها وتنفيذ سياستها الاقتصادية والاجتماعية، أسس مشروعيتها من مجموعة من القناعات والمبادئ القانونية والسياسية والدينية والاجتماعية التى تجعل المواطن ينخرط بكيفية تلقائية وعن طواعية في أداء الضرائب أو الرسوم وغيرها من الديون العمومية على أساس أنها واجب وطني 5.
لأنظمة قانونية معينة أثناء كل مرحلة من وتنشأ الالتزامات الضريبية وتخضع المراحل التالية:
مرحلة تحديد وعائها، أي تعيين أسس فرضها واحتسابها أو مراجعتها عند الاقتضاء.
مرحلة تقدير وتحديد مبلغ الدين الضريبى بتصفيته.
مرحلة انقضاء الالتزام، وتدعى مرحلة التحصيل.
وتعتبر مرحلة التحصيل الهدف الرئيسي من تطبيق القانون الضريبي، والذي بواسطته تستطيع المصالح المؤهلة قانونيا تحويل المبالغ المتأتية من أموال وممتلكات المدنبين الملزمين إلى خزينة الدولة أ، ومن أجل ذلك خول المشرع للإدارة المكلفة باستيفاء هذه المبالغ الضريبية سلطات واسعة تسمح لها بانجاز المهمة الملقاة على عاتقها باعتبار استخلاصها من النظام العام ؟
ونظرا للطابع الحيوي الذي تتميز به عملية تحصيل الديون العمومية وانسجاما مع مبدأ تحمل الأعباء والتكاليف بصورة عادلة بين جميع المواطنين، عمل المشرع على تحديث قوانين الضريبية وتطوير المساطر الخاصة بالتحصيل، وجعلها مسايرة لروح العصر ومبادئ الحكامة الجيدة، عن طريق وضع مدونة لتحصيل الديون العمومية "، والتي جاءت لتحقيق مجموعة من الأهداف أهمها:
تمكين الملزمين من ضمانات أوسع للحفاظ على حقوقهم؛
تحسين تعامل الإدارة مع المواطن الملزم بالضريبة؛
تسهيل وتبسيط المساطر والإجراءات المرتبطة بالتحصيل في إطار الشفافية
والإعلام الجيد؛
مواكبة التطور الاجتماعي والسياسي الذي يعرفه المغرب توطيد للديمقراطية واحتراما لحقوق الإنسان وتفعيل لمبادئ الحكامة الجيدة.
ذلك أن عملية تحصيل الديون العمومية باعتبارها مجموع العمليات والإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها ومؤسساتها العمومية إلى تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل . والتي تدخل في إطار النظام العام، تحتاج أكثر من غيرها إلى رسم الحدود بين واجب الإدارة المكلفة بالتحصيل وحقوق الملزمين بالضريبة، وتأسيس نظام قضائي يكون رقيبا على الجميع حتى لا تكون عملية التحصيل منفذا للمس بالملزم الضريبي في كرامته وحقوقه.
ذلك أنه إذا كان من المحقق ضرورة القانون للمجتمع 5، كضرورة الضريبية للدولة فإنه لا يكفى فقط إيجاد قواعد قانونية موحدة فى مدونة جديدة منظمة لجميع مناحي تحصيل الديون العمومية دون وجود قضاء قوي وفعال يقوم بحماية حقوق كافة الأطراف المعنية، ذلك الممارسة الضريبية قد تكشف خلافات حول مدلول القواعد القانونية أو على واقعة من الوقائع المادية التي تحكمها هذه القواعد والمرنبطة بإجراءات وعمليات التحصيل، والتي تجعل الإدارة من جهة تتغول في وجه الملزمين وتكرههم على أداء الضريبة المستحقة عليهم، وتجعل الملزم من جهة ثانية يقاوم أداء الضريبة، وينازع في شرعية إجراءات تحصيلها. لذلك لا بد للقانون من وسيلة ناجعة
لفض مثل هذا النزاع من أجل هذا تم وضع نظام المنازعات القضائية فى مجال تحصيل الديون العمومية، والذي أصبح في ظله القضاء يلعب دورا هاما، حيث يتدخل في مجموع العمليات والإجراءات التي تواكب عمليات التحصيل حفاظا على مبدأ المشروعية الذي يقتضي احترام المقتضيات القانونية باعتبارها ضمانة أساسية للمواطنين في مواجهة السلطات العامة للإدارة وحفاظا على الضمانات التي جاءت بها المدونة لتحقيق التوازن بين مصالح الخزينة العامة وحقوق الملزمين تجاه هذه الأخيرة.
هذا التدخل القضائي لاشك أنه ساهم في معالجة العديد من النزاعات التي تثاربين الإدارة المكلفة بالتحصيل والملزمين بأداء الديون العمومية ومكن إلى حد ما من إسقاط وهم السلطة الذي كان مسيطرا على الإدارة المكلفة بالتحصيل، وتحرير الملزمين من هاجس الخوف الذي كان يتملكهم من هذه الأخيرة، حتى يصبح الطرفين واعيان بحقوقهما والتزاماتهما المتبادلة وبالتالي مساهمتها معا في جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية إلا أن هذا التدخل مازال مطالبا بالانخراط في سيرورة المجتمع ومؤسساته التى عرفت العديد من التطورات خاصة على مستوى الشأن العام وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة وهو ما يطرح بإلحاح إشكالية انخراط القضاء الجبائي في مسار الحكامة الجيدة اعتبارا للعلاقة الوطيدة ما بين الاستثمار والقضاء بصفته امتدادا لدولة الحق والقانون وفي تبيئة مبادئ الحكامة الضريبية وتدبير الشأن العام.
من هنا تستمد دراستنا والتي جاءت تحت عنوان "التدخل القضائي في مجال تحصيل الديون العمومية والحكامة الجيدة أهميتها وقيمتها وتكشف عن فوائدها وأهدافها، فدارسة التدخل القضائي في مجال تحصيل الديون العمومية واشكالياته المساهمة في إغناء البحث حول موضوع لم يحظى بالاهتمام الكافي خاصة من طرف الباحثين الجامعيين خاصة في المرحلة ما بعد صدور المدونة الجديدة لتحصيل الديون العمومية التي دخلت حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر سنة 2000 وتسارع الدعوات حول ضرورة تبني الإدارة المكلفة بالتحصيل لمبادئ الحكامة الضريبية وآليات تدبير الشأن العام؛
الوقوف على الإجراءات والمساطر القانونية المشكلة للبنية القانونية التي يتأسس عليها نظام المنازعات القضائية في مجال تحصيل الديون العمومية وفق مدونة تحصيل الديون العمومية الجديدة، وربطها بالإطار العام الذي تتم فيه هذه المنازعات وبالإشكاليات التي تثيرها والصعوبات التي تعرضه؛
الوقوف على مجالات المنازعات القضائية المتعلقة بالتحصيل وفعلية التدخل القضائي وطبيعة الإشكالات التي مازالت تعترض فعاليته؛ الوقوف على الإشكالات القانونية والقضائية التي مازالت تعترض وفعالية التدخل القضائي وكذا الملزمين والتي يتطلب معالجتها قانونيا
وممارساتها؛
-الوقوف على دور الفاعلين والمتدخلين في مجال تحصيل الديون العمومية ومساهمتهم في بناء وتحديد مجال الحكامة الضريبية كحل لتجاوز الإشكالات التى مازالت مطروحة على مستوى التحصيل من أجل تدبير فعال لهذا الأخير.
هذا ما تلخصه الإشكالية الرئيسية لهذه الدراسة والتي جاءت على الشكل التالي:
هل استطاع التدخل القضائي الذي يتأسس على مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية أن يجيب على مختلف الإشكالات المثارة بين الملزم والإدارة المكلفة بالتحصيل، أم أن الأمر مازال يحتاج إلى حكامة جيدة تدعم هذا التدخل ؟
هذه الإشكالية يفرز لنا مجموعة من الأسئلة الفرعية التي ترنبط بجزئيات هذه الدراسة وهي على الشكل التالي:
ما هي خصوصية نظام المنازعات في مجال تحصيل الديون العمومية ؟
كيف يتدخل القضاء في مجال التحصيل ؟ ووفق أي مسطرة يتم هذا التدخل ؟
إذا كان التدخل القضائي قد ساعد في حل العديد من الإشكالات والنزاعات المثارة بين الإدارة والملزم ؟ فهل استطاع هذا التدخل أن يحقق التوازن المنشود بين امتيازات الإدارة وضمانات الملزمين ؟
ما هي الإشكاليات المطروحة على مستوى المنازعات القضائية في مجال تحصيل الديون العمومية ؟ هل يحتاج الأمر مرة أخرى إلى إعادة تعديل مقتضيات مدونة التحصيل لتجاوز هذه الإشكاليات ؟ أم أن الأمر يحتاج إلى أمور أخرى ؟ وهل تشكل الحكامة الجيدة على مستوى التحصيل البديل الضروري لتجاوز هذه الإشكالات ؟
والتأسيس لتوازن حقيقي بين الطرفين ؟
قبل تحليل هذه الإشكالية الرئيسية والإجابة على الأسئلة المتفرعة عنها يمكن تقديم فرضيتين محددتين كمنطلق للتحليل وهي على الشكل التالي:
الفرضية الأولى: إذا كانت مدونة تحصيل الديون العمومية جاءت من أجل تجاوز مختلف الإشكاليات المطروحة على مستوى إجراءات وعمليات تحصيل الديون العمومية فإن الواقع العملي يكشف أنه يقدر ما اختفت بعض الإشكالات يقدر ما ظهرت إشكالات أخرى مازالت تعترض عمل المدونة والقضاء في سبيل التوازن بين امتيازات الإدارة المكلفة بالتحصيل وحقوق الملزمين بالضريبة.
الفرضية الثانية: إذا كانت الإشكالات التي مازالت تعيق عمل القضاء وبالتالى أجله المدونة يتطلب تحقيق التوازن الذي جاءت من تغيير بعض مقتضيات هذه الأخيرة فإن التخلص من هذه الإشكاليات وتوطيد هذا التوازن يحتاج إلى أمور أخرى كتبينة مبادئ الحكامة الجيدة على مستوى التحصيل.
وللتعرف على مدى صحة أو خطأ هذه الفرضيات اعتمدنا في إطار مراجع هذا البحث على المصادر التالية:
المصدر الأول : الأدبيات القانونية والقضائية والفقهية المرتبطة بالتدخل القضائي في مجال تحصيل الديون العمومية التي أنتجها البحث العلمي والأكاديمي داخل أو خارج أمور الجامعة من كتب ودراسات متخصصة ورسائل وأطروحات جامعية ومقالات لرجال الاختصاص في مجال المنازعات القضائية والحكامة.
المصدر الثاني: الكتلة القانونية المؤسسة لنظام للتدخل القضائي في مجال تحصيل الديون العمومية "مدونة التحصيل، القانون المحدث للمحاكم الإدارية، قانون المسطرة المدنية وغيرها".
المصدر الثالث: الكتلة القرارية الصادرة عن قضاة المحاكم الإدارية والمجلس الأعلى سواء في ظل المدونة الجديدة أو قبلها المنشورة منها وغير المنشورة.
وانطلاقا من هذه المصادر يجب الإقرار بداية أن هناك صعوبات اعترضت هذا البحث وهي على الشكل التالي:
الصعوبة الأولى : تتجلى في نذرة الأدبيات القانونية والقضائية والفقهية المرتبطة بموضوع البحث، خاصة التي تعالج الإشكالات المرتبطة بالتدخل القضائي على مستوى النص والتطبيق.
الصعوبة الثانية : تتجلى في صعوبة للحصول على كافة القرارات والاجتهادات القضائية المرتبطة بالمنازعة في مجال تحصيل الديون
العمومية وهو ما كان له تأثير على عملية لاستدلال داخل البحث.
الصعوبة الثالثة: تتجلى في المنهجية التي يمكن اعتمادها للتوفيق بين نتائج تحليل الموضوع من زاوية القانون والقضاء والفقه واملاءات البدائل الأخرى التي تنقل الموضوع من زاوية القانونية الصرفة إلى زاوية أخرى اقتصادية وسياسية خاصة عندما نتحدث عن الحكامة الجيدة.
ولذلك سنحاول تحليل موضوع هذا البحث وفق منهج التحليل القانوني بوسائله الأساسية من نصوص قانونية واجتهادات قضائية وتطبيقات عملية بالإضافة إلى ما يتطلبه هذا المنهج من مقارنة وتحليل للوقوف على إيجابيات وسلبيات النصوص وتطبيقاتها.
وللوقوف بالدرس والتحليل على مختلف حيثيات موضوع البحث ارتأينا منهجيا تقسم الموضوع على قسمين رئيسين معنويين على الشكل التالي:
القسم الأول: التدخل القضائي في مجال تحصيل الديون العمومية، ودوره في توطيد التوازن بين امتيازات الادارة وضمانات المدين
القسم الثاني: المنازعة القضائية في مجال التحصيل بين مطلب تحقيق التوازن ورهان تطبيق الحكامة الجيدة
لائحة المراجع :