الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية

 رسالة بعنوان: الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية PDF

الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية PDF

مقدمة :
أفرز التطور التكنولوجي المعاصر المتمثل في انتشار التقنية العالية من حاسبات آلية، وبرامج متقدمة، وشبكات اتصال، طرقا وفرصا جديدة للاطلاع على المعلومات وتبادلها حتى وصف عصرنا بعصر المعلومات، إلا أن هذه التقنية جلبت معها آثار سلبية تمثلت في التحديات الماسة بأغلب قيمنا الأساسية، الأمر الذي قد يقتضي سن تشريعات جديدة من أجل حماية وصيانة القيما.
وتعد شبكة المعلومات ونظم التبادل الرقمي من أهم الاستعمالات الحديثة للتكنولوجيا المعاصرة، مما أدى إلى ظهور وسائل وتقنيات معاصرة حديثة في مجال التعاملات التجارية والقانونية على حد سواء، تقوم في أغلب الأحيان محل الوسائل التقليدية التي أصبحت متجاوزة في عصر يمكن أن نطلق عليه عصر السرعة، ومن أهم هذه الوسائل وأبرزها الوثيقة الإلكترونية.
وتعتبر الوثيقة الإلكترونية من بين الوسائل المهمة لتنفيذ فكرة الحكومة الإلكترونيه؟
التي تقدم خدماتها إلى الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة بالدولة، لتفادي الانتظار ومشقة الانتقال للمرافق العمومية من أجل توفير وترشيد النفقات والوقت والمجهود، والحد من الأنظمة البيروقراطية في تسيير شؤون الدولة والمواطنين.
كما تتجلى أهمية الوثيقة الإلكترونية في كونها وسيلة فعالة، في تحقيق التجارة الدولية نظرا لسهولة ويسر إبرام الصفقات بواسطتها، سواء فيما بين الأفراد أو المؤسسات، أو الدول، ناهيك عن دور الوثائق الرقمية في الإثبات أمام المحاكم الزجرية والمدنية.
ولهذا كان من الواجب على الدول في تشريعاتها الداخلية والوطنية والاتفاقيات الأممية، العمل على سن تشريعات وقوانين، تساوي من خلالها الوثائق الرقمية بالوثائق التقليدية، توفر لها الحماية اللازمة من كل الأفعال التي يمكن أن تمس بسلامتها، بما يكفل للأفراد الطمأنينة والاستقرار في المعاملات.
وقد تطرق الفقه إلى أهمية الوثيقة الإلكترونية قبل صدور أي قوانين في هذا المجال، وقد كان له الفضل في توجيه التشريعات من أجل وضع قوانين تحمي وتنظم هذا النوع من الوثائق المستحدثة.
وكان السبق للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، التي وضعت قانون نموذجي للتجارة الإلكترونية والذي شكل نقطة محورية للتشريعات سواء الأجنبية أو العريية، في وضع تشريعاتها، والأخذ بنصوصه القانونية.
كما عملت هذه المنظمة من خلال هذا القانون على مساواة الوثيقة الإلكترونية بالوثيقة الورقية، إذا ما استوفت الشروط الضرورية لتماميتها.
ومن أجل حماية زجرية كفيلة بتعزيز ثقة الأفراد والمؤسسات بالوثائق الإلكترونية سلكت التشريعات المقارنة مسلكين لتحقيق هذه الغاية:
الاتجاه الأول عمل على سن قوانين خاصة تعاقب على الأفعال الماسة بالوثائق الرقمية ومن أهم هذه التشريعات، التشريع الأمريكي، والتشريعي البلجيكي.
الاتجاه الثاني اكتفى بتعديل قوانينه القائمة على نحو يؤدي إلى استيعاب صور الجرائم الماسة بالوثائق الإلكترونية، ومن أهم هذه التشريعات، التشريع الفرنسي والتشريع الألماني.
هذا فيما يتعلق بالتشريعات الأجنبية أما فيما يتعلق بالتشريعات العريية فقد قامت مجموعة من الدول العريية بسن قوانين خاصة في هذا الشأن منها، قانون المعاملات الالكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001، والقانون التونسي رقم 13 لسنة 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية، والقانون المصري رقم 15 لسنة 2004 والخاص بالتوقيع الإلكتروني.
ويعد التشريع المغربي من بين تشريعات الدول المواكبة للتطور الرقمي التكنولوجي، حيث أصدر هذا الأخير مجموعة من القوانين في هذا المجال، كان أولها القانون 403-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب وتدخل المشرع المغريي بعد ذلك سنة 2007 لإصدار القانون 503-07 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، والذي يشكل النص العام لمكافحة الجرائم الإلكترونية عامة، جرم من خلاله المشرع مجموعة من الأفعال الماسة بسلامة الوثيقة الإلكترونية أهمها جريمة تزوير واستعمال وثائق رقمية مزورة مع العلم بذلك.
بالإضافة إلى مجموعة من القوانين ذات الصلة بالمعاملات الإلكترونية أهمها القانون 53—05 والمتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والقانون 09—08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
وما دام قانون المسطرة الجنائية النص العام الإجرائي المطبق على جميع الجرائم، بما فيها الإلكترونية تدخل المشرع المغريي من خلال مشروع ق.م.ج ووضع مجموعة من التعديلات الجوهرية التي تنسجم وآليات البحث والتحري في الجرائم المرتبطة بالوثيقة الإلكترونية، محاولا قدر الإمكان الانسجام والتناغم مع التشريعات والمواثيق الدولية في هذا المجال، من أجل تكريس حماية جنائية فعالة لهذا النوع من الوثائق.
ونظرا للمكانة المتميزة التي أصبحت تحتلها الوثيقة الإلكترونية في المعاملات، فقد نظمها القانون الدولي، بموجب قانون الأونسيترال النموذجي المتعلق بالتجارة الإلكترونية ؟
وعرفها بمقتضى مادته الأولى التي نصت على أن الوثيقة الإلكترونية هي: "المعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل متشابهة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تبادل البيانات الإلكترونية، أو البريد
الإلكتروني، أو البرق، أو التلكس أو النسخ البرقي .

أهمية الموضوع :
يكتسب موضوع الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية أهمية متزايدة وذلك راجع إلى انتشار وتوسع التعامل الرقمي في إطار التجارة الإلكترونية، والتي تبرم غالبا عن طريق وثائق إلكترونية، وهو ما استغله مجرمو المعلوميات في ارتكاب جرائمهم، وعلى الخصوص جرائم المس بسلامة الوثائق الإلكترونية، الشيء الذي يهدد ويزعزع ثقة الأفراد بهذه الوثائق ويجعلهم ينفرون من استعمالها والتعامل بواسطتها.
كما تتمثل أهمية الموضوع في إبراز الجدل والنقاش حول مفهوم الوثيقة الإلكترونية، وأيضا مدى حجيتها في الإثبات، والقواعد المنظمة لها ومدى اعتبرها مساوية للوثائق أو المحررات العادية، ومدى كفاية النصوص الزجرية الموضوعية والإجرائية لحمايتها، كما لا تخفى أهمية موضوعنا سواء من الناحية القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضا.
فمن الناحية من الناحية القانونية، فالمشرع المغربي قد أعطى أهمية كبيرة للوثيقة الالكترونية، ونظمها بموجب مجموعة من القوانين، سواء العامة كالقانوني الجنائي أو
النصوص ذات الصلة بالمعاملات الإلكترونية وذلك حتى يضفي عليها الحجية الكاملة، ويكافح الأفعال والسلوكات التي من شأنها أن تطالها وتسبب أضرار لأصحابها.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن البشرية عرفت الكتابة منذ زمن بعيد، وكانت تتم بطرق مختلفة وبسيطة، من أجل حفظ ما ينشا بين أفرادها من علاقات وروابط حقوقية، حتى لا يطالها النسيان أو التحريف، وبعد التطور الذي عرفته الحياة في مختلف مناحيها ظهر نوع جديد من الكتابة يتم أساس على دعامة الكترونية اكتسح أغلب المعاملات الاجتماعية التي تتم بين الأفراد مما حدا بالمشرع إلى إقرار نصوص جنائية تكفل الحماية لهذه الأخيرة.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن الجرائم التي تقع على الوثيقة الإلكترونية قد تخلف خسائر مالية كبيرة سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات، وهذا ما ينعكس سلبا على خزينة الدولة ويضر بماليتها.
وأخيرا من الناحية السياسية، فتتجلى هذه الأهمية في لجوء العصابات الإجرامية الإرهابية إلى جرائم المس بالوثيقة الإلكترونية، ليتأتى لهم تنفيذ مخططاتهم العدوانية في الدول المستهدفة.

دوافع اختيار الموضوع :
اخترنا موضوع الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية كمحور لهذه الدراسة اعتبارا لما لهذه الوثائق من مكانة متميزة في مجال التجارة الإلكترونية والإثبات في عصرنا الحالي، فهو من مواضيع الساعة المطروحة أمام المنظمات الدولية والتشريعات الداخلية بهدف وضع منظومة جديدة من القوانين التي تناسب التطورات الحديثة.
بالإضافة إلى ندرة الكتابات التي تناولته خصوصا المغريية منها، ومعظم الأبحاث المتوفرة لم تتطرق للموضوع بشكل دقيق وكامل.

إشكالية الموضوع :
حتى وقت قريب كانت جل معاملاتنا في مختلف نواحي حياتنا العملية تتم عبر وثائق ورقية كلاسيكية ملموسة، تتسم بالوضوح وعدم التعقيد، يسهل الرجوع إليها والاطلاع على محتواها في كل وقت وحين.
أما في وقتنا الراهن ومع بروز الثورة التكنولوجية التي اكتسحت العالم، أصبحت جل تعاملاتها تتم إلكترونيا بواسطة جهاز الحاسوب، والذي آثار معه مجموعة من الإشكالات خاصة فيما يتعلق بالتعامل بواسطة الوثائق الإلكترونية وعلى وجه التحديد الجرائم الماسة بسريتها ومحتواها.
وإذا كانت الجرائم التي تقع على الوثيقة الورقية العادية أمرا يمكن كشفه بسهولة، فإن الأمر بخلاف ذلك فيما يتعلق بالوثائق الرقمية كون الجرائم الواقعة عليها تقع في عالم معنوي افتراضي يصعب معه ترك الأثر على وقوعه.
ويثير موضوع الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية إشكالية تطرح نفسها على اعتبار الأهمية التي أصبحت تحظى بها الوثائق الإلكترونية في وقتنا الحاضر، وبالتالي فما مظاهر السياسة التشريعية الجنائية المعتمدة من قبل المشرع المغريي لحماية الوثيقة الإلكترونية ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية جملة من التساؤلات الفرعية منها:
ما هي الوثيقة الإلكترونية ؟ وما هي الحماية التي وفرتها لها التشريعات ؟ وما هي القيمة القانونية للوثيقة الرقمية ؟
أليست النصوص التشريعية الحالية غير قادرة على مجابهة الجرائم الماسة بالوثيقة الإلكترونية ؟
وكيف عمل المشرع المغريي على حماية الوثيقة الإلكترونية من خلال النصوص ذات الصلة بالمعاملات الإلكترونية ؟
وما هي أهم القواعد الإجرائية الوطنية والدولية المتبعة في مجال مكافحة الجرائم التي تستهدف النيل من سلامة الوثيقة الإلكترونية ؟

منهج البحث :
يوجد هناك العديد والكثير من مناهج البحث في العلوم الاجتماعية عامة، وفيما يتعلق بموضوع الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية، وانطلاقا من الإشكالات المطروحة أعلاه، ارتأينا في دراسته اعتماد المنهج التحليلي المقارن، وذلك للاستفادة من تجارب القوانين الدولية، والوقوف عند نقط الضعف والاختلالات في التشريع المغريي مقارنة مع هذه التشريعات والقوانين.
وبناء على ما سبق وتبعا للخط المنهجي الذي رسمنا معالمه وحددنا إطاره وانطلاقا إشكالية الموضوع، سنقسم دراستنا لموضوع الحماية الجنائية للوثيقة الإلكترونية إلى فصلين كما بلي:

الفصل الأول مظاهر الحماية المو ضو عية للو ثيقة الالكترونية
الفصل الثاني: الآليات الإجرانية المرصودة لحماية الو ثيقة الإلكترونية

---------------------------
لائحة المراجع :

المصادر:
- القرآن الكريم

1- الكتب
أ- المراجع العامة
-  إبراهيم حامد الطنطاوي، سلطات مأمور الضبط القضائي، مطبعة دار التأليف القاهرة مصر، بدون ذكر الطبعة،1991.
- ابن منظور، معجم لسان العرب، دار بيروت، الجزء الاول، الطبعة الثالثة، السنة 414هـ.
-  أحمد حسام طه تمام، الجرائم الناشئة عن استخدام الحاسب الآلي الحماية الجنائية للحاسب الآلي دراسة مقارنة، دار النهضة العريية القاهرة، طبعة 2000.
- أحمد درويش، تأملات حول قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية عناصر لمناقشة مدى تأثير القانون رقم 05—53 على قانون الالتزامات والعقود، منشورات سلسلة المعرفة القانونية، مطبعة الأمنية الرياط، الطبعة الأولى 2009.
-  أحمد قيلش وعبد الرحيم بوعيدة، مبادئ في علم الإجرام والعقاب، مطبعة الأمنية الرياط، الطبعة الأولى 2014.
-  ادريس العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المغريي، المطبعة والطبعة مذكورتين، 1990
- ادريس النوازلي، حماية عقود التجارة الإلكترونية في القانون المغربي، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى2010 .
- الإمام أبو الفضل جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، المجلد الأول، دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية، 1988.
- جلال محمد الزغبي وأسامة أحمد المناعسة، جرائم تقنية نظم المعلومات الإلكتروني، دار الثقافة النشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2010.
- حسين عبد الباسط جميتي، إثبات التصرفات التي يتم إبرامها عن طريق الانترنيت، دار النهضة العريية، القاهرة، طبعة 2000.
- خالد ممدوح ابراهيم، فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي الاسكندرية، طبعة 2018.
- سامي علي حامد عياد، الجريمة المعلوماتية وإجرام الانترنت، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، طبعة 2007.
- شيماء عبد الغني محمد عطا الله، الحماية الجنائية للتعاملات الالكترونية، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2007.
- ضياء أحمد نعمان، الغش المعلوماتي الظاهرة والتطبيقات، سلسلة الدراسات القانونية في المجال المعلوماتي، دون ذكر دار النشر، الطبعة الأولى.2011
- عبد الحكيم زروق، تنظيم التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية عبر الانترنت، سلسلة الشؤون القانونية والمنازعات، دار الامان الرباط المغرب، الطبعة الاولى 2016.
- عبد الرحيم بن بوعيدة، ضياء على أحمد نعمان، موسوعة التشريعات الالكترونية المدينة والجنائية، الجزء الأول، المطبعة والورقة الوطنية مراكش، 2010.
- عبد الفتاح بيومي حجازي: التوقيع الالكتروني في النظم القانونية المقارنة، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، طبعة 2002. الجريمة في عصر العولمة، دار النهضة العريية منشأة المعارف
الاسكندرية، الطبعة الأولى 2010-2009.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -