الحكم الصادر في دعوى الالغاء و تنفيذه

 مقال بعنوان: الحكم الصادر في دعوى الالغاء و تنفيذه 

الحكم الصادر في دعوى الالغاء و تنفيذه

مــقـــدمــــــــة :

يعتبر القرار الإداري الوسيلة القانونية التي تعبر الإدارة عن إرادتها المنفردة ، ومن حيث المبدأ يتمتع هذا القرار بقرينة السلامة وأنه مطابق للقانون ، إلا أنه رغم ذلك قد يشوب القرار الإداري عيب من عيوب المشروعية الواردة في الفصل 23 من قانون 41-90 مما يفتح المجال للطعن فيها بالإلغاء. 
- ويعتبر الطعن بالإلغاء الوسيلة التي تمكن القاضي الإداري من مراقبة أعمال الإدارة وإلغاء قراراتها المخالفة للقانون. ولم يعرف المغرب هذا النوع من الدعاوى إلا بعد تأسيس المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 27 شتنبر 1957 ، باستثناء القرارات الإدارية الصادرة في مواجهة الموظفين بالإدارات المغربية والذين رخص لهم قانونا بالطعن ضد القرارات المشوبة بالشطط في استعمال السلطة أمام مجلس الدولة الفرنسي وذلك بمقتضى ظهير 1-9-1928 . 
هذا وتنتهي دعوى الإلغاء عادة بإصدار حكم في موضوعها . 
ذلك الحكم الذي يمثل في الواقع الغاية النهائية والنتيجة الطبيعية لإجراء الخصومة وبحيث يشترط فيه ، أن يصدر في جلسة علنية، وأن يكون مشتملا على الأسباب التي ينبني عليها ، أي على المبررات التي أدت إلى اقتناع المحكمة بالرأي الذي انتهت إليه ، كما يشترط فيه أن يكون مقتصرا على طلبات الخصوم دون أن يتعداها . 
ويشكل الحكم الصادر في دعوى الإلغاء إعداما للقرار الإداري الذي ثبت عدم صحته، بحيث يحتاج هذا الحكم إلى أن يدخل حيز التنفيذ مؤديا بذلك الهدف الذي وجدت من أجله دعوى الإلغاء, ويطرح تنفيذ هذا الحكم إشكالية أساسية تتمثل في امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة في موجهتها. 
وعموما إن الإحاطة بالموضوع قيد الدراسة يستدعي منا طرح التساؤلات التالية : 
ما هي الحجية التي يتمتع بها الحكم الصادر بالإلغاء ؟ وما مدى إمكانية إجبار الإدارة على تنفيذ هذا الحكم خاصة في ظل امتناع الإدارة عن التنفيذ وغياب مسطرة مرتبطة بتنفيذ الأحكام ؟ 

التصميم المعتمد: 

المبحث الأول : الحكم الصادر في دعوى الإلغاء 
المطلب الأول : حجية الحكم الصادر بالإلغاء
المطلب الثاني: الإلغاء الكلي والإلغاء الجزئي في دعوى الإلغاء
المبحث الثاني : تنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء
المطلب الأول : مدى وجود مسطرة لتنفيذ الأحكام
المطلب الثاني : وسائل إجبار الإدارة على تنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء


المبحث الأول : الحكم الصادر في دعوى الإلغاء

المطلب الأول : حجية الحكم الصادر في دعوى الإلغاء 

تتمتع كل الأحكام القضائية بحجة الشيء المقضى به بحيث ترتبط هذه الحجية بمنطوق الحكم من جهة وبالأسباب التي ينبني عليها من جهة أخرى ، في حين تتميز الأحكام النهائية التي لم تعد تقبل أي طعن بقوة الشيء المقضي به. 
وكسائر الأحكام القطعية، يحوز الحكم الصادر في دعوى الإلغاء حجية الشيء المقضي به ويقصد بهذه الحجية أمران : 
- أولهما : أن المحكمة التي أصدرت الحكم تستنفذ ولايتها بالنسبة له ،فلا تستطيع أن تتراجع عنه و لا أن تعدل فيه . 
- ثانيهما : أن ما انتهى إليه الحكم من قرار يعتبر صحيحا وعنوانا للحقيقة ومن ثم لا يجوز عرض النزاع على الذي فصل فيه إلا إذا كان من الجائز الطعن فيه طبقا للطرق المقررة للطعن في هذا الحكم . 
إن اكتساب الحكم الصادر بالإلغاء لحجية الشيء المقضى به يقتضي أن يكون هذا الحكم ما زال قائما ولم يتم إلغائه . وفي هذا الإطار قضت الغرفة الإدارية في قرار عدد 537 الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2005 ما يلي " أن قاعدة استنفاذ المحكمة لولايتها بمجرد صدور الحكم واكتسابه لحجية الأمر المقضي به يقتضي أن يكون هذا الحكم ما زال قائما ولم يتم إلغائه بعد ، بحيث أن المحكمة في هذه الحالة لا يمكنها أن تعيد الفصل في النزاع وأن تغير حكمها لأن ذلك يرتبط بضرورة استقرار المراكز القانونية . أما إذا ألغت الجهة الإستئنافية الحكم وأرجعت ملف القضية إلى المحكمة للنظر فيه من جديد ، فإنه لا يمكن التمسك بالقاعدة المذكورة ما دام الحكم الملغى يفقد حجيته بمجرد إلغاءه ويعود الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها من قبل" . 
وتجب الإشارة إلى أن الأحكام الصادرة في دعوى الإلغاء تكتسي حجية مطلقة خاصة في دعوى إلغاء القرار الإداري ، بمعنى أن أثر هذا الحكم يتجاوز من صدر في مواجهتهم ليستفيد منه كذلك من لم يكن طرفا في دعوى الإلغاء ، أي أن هذا الأثر يمتد إلى الكافة ، ومن ثم فإن القرار الذي صدر الحكم بإلغائه يعتبر كأن لم يكن بالنسبة للجميع ، كما تجب الإشارة أيضا إلى أن حجية الشيء المقضي به تعد من النظام العام يجوز إثارته في كل مراحل الدعوى كما يمكن للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها. 
وأن هذه الحجية تكون من جهة في حدود ما قضى به الحكم دون غيره ومن جهة أخرى تكون صريحة وضمنية. 
ويعتبر كل حكم حائز لحجية الشيء المقضي به إلا أنه لا يحوز قوة الشيء المقضي به إلا إذا كان قابلا للتنفيذ ، لأنه أصبح غير قابل للطعن فيه بطرق الطعن العادية (الاستئناف والتعرض) ولو كان قابلا للطعن فيه في طرق الطعن غير عادية ، لأن هذه الطعون توقف التنفيذ. 
واستثناء " من القاعدة فإن الأحكام المتعلقة بالمنازعات الانتخابية في القيد في اللوائح، لا تحوز قوة الشيء المقضي به إلا إذا أصبحت نهائية لا تقبل أي طعن عادي أو استثنائي وذلك عملا بمقتضيات المادة 75 من مدونة الانتخابات. 

المطلب الثاني: الإلغاء الكلي والإلغاء الجزئي في دعوى الإلغاء

إذا كان للحكم الصادر بإلغاء القرار حجية مطلقة بمعنى أنه يعدم القرار بالنسبة للكافة إلا أن مدى أو نطاق هذا الإلغاء يختلف إلى النحو التالي بحسب الأحوال ، فالأصل العام هو أن مدى الإلغاء أو نطاقه يشمل القرار كله وفي مجموعه وهو ما يسمى الإلغاء الكامل . ولكن في بعض الحالات يكون الإلغاء جزئيا أي قاصرا على جزء فقط من القرار أو آثر من آثاره وهذا هوما أعلنه القضاء الإداري المصري في بعض أحكامه ، ومنها ذلك الحكم للمحكمة الإدارية العليا حيث تقول المحكمة : " أنه ولئن كانت حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء هي حجية عينية كنتيجة طبيعية لإعدام القرار الإداري ، في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال ، فقد يكون شاملا لجميع أجزاء القرار وهذا هو الإلغاء الكامل وقد يقتصر الإلغاء على جزء به دون باقيه، وهذا هو الإلغاء الجزئي ، كأن يجري الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية ... وغني عن البيان أن مدى الإلغاء أمر يحدد بطلبات الخصوم وما تنتهي إليه المحكمة في قضائها" [1]
هذا ما أشار إليه كذلك مجلس الدولة المصري إلى هذين النوعين من للإلغاء حيث اعتبر أن الإلغاء الكلي ينصب على جميع أجزاء القرار الإداري، أما الإلغاء الجزئي فيقتصر فقط على إلغاء جزء منه مثلا : " إذا طعن في لائحة مكونة من عشرة مواد فقضي المجلس بإلغائها في مجموعها كان الإلغاء كليا ، أما إذا اقتصر الإلغاء على مادة أو مادتين دون بقية المواد كان الإلغاء جزئيا " وكذلك الأمر بالنسبة للقرارات الفردية ، كأن يصدر قرار متضمنا تعيين أو ترقية عدد معين من الموظفين ، فإذا ما طعن في هذا القرار وصدر حكم بإلغائه في مجموعة أي باعتبار تعيين أو ترقية كافة من شملهم باطل كان الإلغاء كليا، أما إذا أنصب الإلغاء على تعيين أو ترقية البعض منهم دون البعض الآخر كان الإلغاء جزئيا. 
مع ملاحظة أن هذا الإلغاء الأخير إنما يكثر في القرارات الفردية خاصة المتعلق منها بالموظفين العموميين في القرارات اللائحة. [2]
- هذا ولا يحكم القاضي الإداري بالإلغاء الجزئي إلا إذا كان ذلك ممكنا ،إذ له أن يرفض هذا النوع من الإلغاء إذا كانت هناك استحالة في الحكم به، كما لو كان الأثر أو الجزء المطلوب إلغاءه في القرار الإداري مرتبط بآثار أو بأجزاء القرار الآخر ارتباطا لا يقبل الفصل بينها. 
فإذا كان هناك موظف مثلا قد حصل على تقدير كفاية لا يؤهله إلى الترقية إلى الدرجة الأعلى ، فتخطته الإدارة لهذا السبب عند إجرائها حركة الترقيات فطعن هذا الموظف فقط في القرار الصادر بتلك الحركة فيما تضمنه من تخط له ، الترقية دون الطعن على القرار الخاص بتقدير كفايته ارتباطا لا يقبل التجزئة . 
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن الحكم الصادر بالإلغاء سواء أكان إلغاء كليا أو جزئيا إنما يحوز الحجية المطلقة . 

المبحث الثاني : تنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء 

إن تنفيذ الأحكام الصادرة في دعوى الإلغاء يمثل المرحلة النهائية والحاسمة التي يصل إليها صاحب الحق بعد قطعه أشواط في المخاصمة والترافع أمام القضاء قد تصل إلى سنوات طوال، ومن ثم فإنه لا قيمة لهذه الأحكام بدون تنفيذها، ولا قيمة لمبدأ الشرعية في الدولة ما لم يقترن بمبدأ مضمونه احترام أحكام القضاء وضرورة تنفيذها ، وإلا لماذا يجتهد القاضي في الحلول الناجعة بما يتلاءم و صون الحقوق والحريات المشروعة إذا كانت أحكامها مصيرها العدم. 
إن هذا الوضع المتمثل في عدم التنفيذ والذي يدفع إلى التفكير في انحلال الدولة[3] ونتساءل هنا عن مدى وجود مسطرة في تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة وما هي الوسائل المعتمدة لإجبار الإدارة في التنفيذي حالة امتناعها؟ 

المطلب الأول: مدى وجود مسطرة لتنفيذ الإحكام

إن تنفيذ الأحكام الصادرة في دعوى الإلغاء يقتضي من الإدارة أن تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار الملغى ، أن تلتزم بضرورة إصدار قرار سحب جميع القرارات المترتبة عن القرار الملغى. 
أن تمتنع عن تمثيل القرار الملغى ذلك أن تنفيذه يعد خرقا لقوانين التنظيم الأساسي والإجراءات القضائية. 
- إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة تكمن بالأساس في غياب مسطرة فعالة وناجعة لدفع الإدارة على التنفيذ ، فقانون المحاكم الإدارية وقانون المسطرة المدنية لا يحتويان على مسطرة محددة لتنفيذ الأحكام. 
- بالنسبة للقانون المنظم للمحاكم الإدارية 41.90 قد نص المشرع في الفصل 49 على أنه: " يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم ويمكن للمجلس الأعلى أن يعهد بتنفيذ قراراته إلى محكمة إدارية "[4] . 
فقد اكتفت هذه المادة بتحديد الجهة التي أوكل لها المشرع تنفيذ أحكام محاكم الإدارية ، وهي كتابة الضبط بها بالنسبة للأحكام الصادرة عن كل محكمة إدارية على حدة في حدود اختصاصها المكاني بالإضافة إلى إمكانية تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى "أو بمناسبة إنابة قضائية لمحكمة إدارية أخرى طبقا لمقتضيات الفصل 439 من قانون المسطرة المدنية [5] . 
وتعتبر هذه المقتضيات في الحقيقة إلا تأكيد لما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 429 من ق.م.م. التي تنص كذلك على أنه : " يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم" 
إلا أن المشرع المغربي لم ينص في القانون المحدث للمحاكم الإدارية على صيغة تنفيذية خاصة الأحكام الإدارية ، مكتفيا في المادة 7 منه بالإحالة على قانون المسطرة المدنية بوجه عام ، بينما الصيغة التنفيذية المنصوص عليها في الفصل 133 من القانون المذكور لا تتلاءم مع تلك الأحكام. 
على خلاف المشرع المصري الذي نص في المادة 54 من القانون المتعلق بمجلس الدولة على شكلين مختلفين للصيغة التنفيذية التي تذيل بها الأحكام الإدارية ، واحدة خاصة بأحكام الإلغاء وأخرى تتعلق بأحكام القضاء الشامل . 
- فالأولى هي التالية : " على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم وإجراء مقتضاه" 
- والثانية هي : " إلى الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وإلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة"[6]
وانطلاقا من هذه المقتضيات التي تشير إلى غياب مسطرة دقيقة ومحددة لتنفيذ الأحكام القضائية عموما والصادرة في دعوى الإلغاء خصوصا فإن القاضي الإداري لا يملك سلطة توجيه الأوامر إلى الإدارة ومرد هذا الوضع إلى الفصل الثامن من ظهير 1913 والذي تم تكريسه من خلال الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974، والمحافظة على فقرته الثانية بعد إحداث المحاكم الإدارية من خلال منطوق المادة 50 من قانون 41.90، بحيث يمنع على المحاكم أن تبث في كل ما من شأنه أن يعرقل نشاط الإدارات العمومية ، احتراما لمبدأ فصل الوظيفة القضائية عن التنفيذية وحتى لا تعتبر قرارات القضاء تدخل في شؤون الإدارة وفرض اتجاهات معينة على سلوكها[7]. 
- وإذا كانت مبادئ العدالة واحترام المشروعية أمورا تقتضي خضوع الإدارة لأحكام القضاء كما ورد في أمر استعجالي عن ابتدائية الرباط : " لا يوجد أي نص يستثني الدولة من التنفيذ ، بل إن مبدأ المشروعية الذي يعتبر أقدس المبادئ التي أقرها الدستور المغربي ، يجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون وبالتالي فمقاضاتها وفق ما يرسمه القانون يمكن من القول بمقاضاتها، ويفيد لا محالة أنها ملزمة بتنفيذ قرارات و الأحكام الصادر ة ضدها، و إلا لما كان لمبدأ المشروعية أي معنى إذا كانت الدولة تستثنى من تنفيذ الأحكام"[8]. 
وفي نفس السياق اعتبرت الغرفة الإدارية أن قرار عامل تازة الذي رفض بموجبه منح الطاعن القوة العمومية لتنفيذ حكم قضائي يعتبر غير شرعي " حيث أن تجاهل السلطات الإدارة لأحكام النافذة المفعول يشكل ما عدا في ظروف استثنائية ، شططا في استعمال السلطة لخرقه القواعد الأساسية للتنظيم ،و الإجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام، وإن هذا التجاهل يمكن أن يكون أساسا لدعوى الإلغاء ولدعوى التعويض حسب القواعد الخاصة بكل واحد منها[9]. 
وأمام هذا الفراغ التشريعي لم يبقى القاضي الإداري مكتوف الأيدي أمام استفحال ظاهرة امتناع الإدارة عن التنفيذ ، بل انطلاقا من دور القضاء الإداري كقانون قضائي يسعى إلى خلق قاعدة قانونية وتكريسا لدوره الخلاق والمبتكر وانطلاقا من التفسير الواسع للأحكام المادة 7 من قانون 41.90 الذي ينص على تطبيق قواعد م.م. لحمل الإدارة على تنفيذ أحكامها الإدارية الصادرة ضدها كالغرامة التهديدية والحجز علاوة على وسيلة أخرى غير منصوص عليها قانونا ويتعلق الأمر بالتنفيذ التلقائي ضد الإدارة في الحالة التي لا يستلزم تنفيذ حكم أي تدخل من جانبهم وبالمساءلة الشخصية للمسؤول الإداري الرافض لتنفيذ الحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به. 

المطلب الثاني : وسائل إجبار الإدارة على تنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء

إذا كان المشرع المغربي لم يكفل للقاضي اتخاذ وسائل التنفيذ المباشر في مواجهة الأشخاص المعنوية العامة ، عندما تتخذ هذه الأخيرة مسلكا سلبيا يتمثل في المماطلة في تنفيذ الأحكام القضائية ، والذي قد يصل إلى حد الامتناع عن تنفيذها ، حيث أن القانون 41.90 لم يرتب أي جزاء على الإدارة في حالة امتناعها عن تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به ، بل أحال مباشرة من خلال المادة السابعة إلى اعتماد قواعد المسطرة المدنية أمام المحاكم الإدارية ما لم ينص قانون خلال ذلك ، وذلك بتطبيق مسطرة الحجز والغرامة التهديدية ضد الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها. 
- بالنسبة للغرامة التهديدية كوسيلة إجبارية لتنفيذ الحكم، إن الغرامة التهديدية هي وسيلة قانونية منحها المشرع بمقتضى المادة 448 من ق.م.م. للدائن لتمكينه من الحصول على التنفيذ العيني متى كان الأمر يتعلق بالقيام بعمل أو الامتناع عنه لصيق بشخص المنفذ عليه، ممكن وجائز قانونا وتلزم إرادته في تنفيذه. ومن خصائصها: 
- تهديدية : لكونها تنبه المحكوم عليه إلى الجزاءات المالية التي سوف يتعرض لها أن استمر في مقاومة تنفيذ الحكم الصادر ضده. 
- تحذيرية : تحذر المحكوم عليه إلى الالتزامات المالية التي سوف تثقل عاتقه في حالة امتناعه عن تنفيذ الحكم حائز لقوة الشيء المقضي به. 
- تحكيمية : لكونها يؤخذ في تحديدها في مدى تعنت المدين في تنفيذ التزامه الوارد بمنطوق الحكم المعني بالتنفيذ[10]. 
انطلاقا من كون أن الغرامة التهديدية تعتبر وسيلة لإجبار الإدارة إلى تنفيذ الأحكام الإدارية، فما مدى إمكانية تطبيق الغرامة في تنفيذ الأحكام الصادرة في دعوى الإلغاء؟ 
لقد كانت أول مبادرة جريئة وشجاعة في العمل القضائي الإداري المغربي ذهبت في هذا المنحى وأجازت تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة المسؤول عن تنفيذ الحكم الصادر بإلغاء القرار المعني و يتعلق الأمر بالحكم الصادر عن إدارية مكناس في قضية العيطاوي ضد رئيس جماعة تونفيت بملف عدد 110-98 بتاريخ 3/4/1998، حيث أكدت المحكمة أن ق.م.م المطبق أمام المحاكم الإدارية يشير إلى الغرامة التهديدية كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه بالتنفيذ ، ولما لم يستثني المشرع أي طرف محكوم عليه من هذه الوسيلة فإنه لا شيء يمنع من إقرار الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة أو المسئول الإداري نتيجة امتناعهما غير المبرر عن التنفيذ ، وانتهى الحكم إلى تحديد الغرامة التهديدية لمواجهة المدعي عليه شخصيا وليس بوصفه شخص من أشخاص القانون العام. 
وقد يتعلق الأمر في هذه النازلة بامتناع رئيس جماعة تونفيت من تنفيذ حكم بالإلغاء قرار العزل من وظيفة جماعية ومن التخلي عن القرار الملغى ، وإرجاع الطاعن إلى وظيفته وتسوية وضعيته الإدارية . 
ولقد لقي هذا الحكم حماسا لدى الفقه الإداري المغربي باعتباره إيجابي يساير العمل القضائي الفرنسي، حيث كان القضاء الإداري الفرنسي قبل صدور القانون رقم 539.80 بتاريخ 16 يوليوز 1980 لا يفرض الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارية الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به ، لكن بصدور هذا القانون أجاز في مواده من المادة 2 إلى المادة 6 للقاضي الإداري أن يقضي بغرامة تهديدية ضد الأشخاص المعنوية العامة[11]. 
إلا أن المجلس الأعلى لم يساير توجه محكمة إدارية مكناس، حيث قضي في قراره عدد 935 الصادر بتاريخ 11 مارس 1999 بإلغاء حكم هذه المحكمة وبرر قراره بأنه " لا يمكن إجبار الإدارة بتنفيذ حكم الإلغاء عن طريق الغرامة التهديدية ما دام أن القضاء الإداري قد اقتصر على إلغاء قراره الذي اعتبر شططا في استعمال السلطة وأنه يبقى أمام المعني بالأمر الحق في اللجوء إلى القاضي الإداري بطلب التعويض عن الأضرار الناتجة عن الضرر من جراء عدم التنفيذ"[12]. 
وأمام استهانة الإدارة في عدم تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها فقد تراجع المجلس الأعلى من موقفه الرافض لفرض الغرامة التهديدية حيث قضى في قرار 590 بتاريخ 9/11/2005 على " إمكانية فرض الغرامة التهديدية على الإدارة الممتنعة عن التنفيذ و قضى عليها بالقيام بعمل أو الامتناع عن العمل في عدة قرارات منها قرار عدد 301 بتاريخ 25/5/2005 في الملف رقم 03.5232 وذلك استنادا إلى مقتضيات الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار المحكوم عليه على التنفيذ"[13]. 
وبعد أن استقر الاجتهاد القضائي المغربي على فرض الغرامة.ت في مواجهة الإدارة، هل يجوز تحديدها بمنطوق الحكم أم بعد تسجيل الامتناع عن التنفيذ من طرف الإدارة ؟ 
وإجابة عن هذا السؤال قد تكون الغرامة التهديدية وسيلة تابعة لامتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به لكن سار العمل القضائي بمختلف المحاكم الإدارية على تحديد الغرامة التهديدية في منطوق الحكم. 
أما بخصوص الجهة المختصة بتحديد الغرامة التهديدية فقد أشار الفصل 448 من قانون م.م. على أن رئيس المحكمة الإدارية المعنية هو المختص بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ وذلك إما تلقائيا عندما يرفع إليه عون التنفيذ الملف موضوع الامتناع عن التنفيذ وإما بناء على طلب من المستفيد من الحكم [14]. 
ونخلص في نهاية الأمر إلى القول بأن تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، لا يعتبر الوسيلة الوحيدة للإلزام الإدارة بتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها، إضافة إلى وسيلة أخرى أقرها الاجتهاد المغربي من أجل تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة ويتعلق الأمر بالتنفيذ التلقائي ضد الإدارة. 
فقد سمحت إحدى المحاكم الإدارية بالمملكة وهي إدارية فاس لمأمور التنفيذ بإرجاع الحالة إلى ما كانت إليه قبل صدور القرار الإداري الملغى، حيث قضت هذه المحكمة بإلغاء القرار الصادر عن جماعة الحضرية لأكدال بفاس بإغلاق المحل الذي يستعمله السيد محمد العراقي كمكتب للتصدير والاستيراد وبعد إن استمرت الجماعة في الإلغاء التعسفي لمحله التمس المتضرر من السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات إصدار أمر بفتح المحل عن طريق احد الأعوان القضائيين فأصدر بذلك السيد قاضي المستعجلات أمره بتاريخ 23/09/1997 تحت عدد 219/97 بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل تنفيذ القرار الإداري مستندا على تعليل قانوني ومنطقي وهو : " أن حالة الاستعجال قائمة في النازلة بالنظر بما قد يترتب عن استمرار إغلاق محل المدعي بدون موجب من أضرار يتعذر تداركها أو إزالة آثارها ، مع توفر إمكانية إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل تنفيذ السند الملغى دون تدخل مباشر للإدارة لمحو آثار هذا السند ، يقتضي تدخلنا بصفتنا قاضيا للمستعجلات لرفع حرمان المدعي من محله ..." [15]

خاتمة : 
وانطلاقا مما سبق يقتضي الحكم الصادر بالإلغاء إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار، ويشكل هذا الإجراء نتيجة حتمية لتمتع هذا الحكم بقوة الشيء المقضي به كما يمكن إن يترتب هذا الحكم إلغاءا كليا أو جزئيا للقرار الإداري المعني بالطعن. 
وأما بخصوص تنفيذ الحكم الصادر في دعوى الإلغاء فهناك شبه إجماع حول ضرورة تدخل المشرع لحل الإشكاليات الناتجة عن عزوف الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها ومحاولة لتجاوز هذا الحل تم اقتراح مشروع قانون من أجل إحداث مسطرة خاصة لتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة . 
ويمكن استخلاص أهم الايجابيات فيما يلي : 
- التأكيد في المادة الأولى على ضرورة تنفيذ الأحكام القابلة للتنفيذ من طرف أشخاص القانون العام، مع مراعاة بعض الاكراهات القانونية والمالية التي قد تصادف الإدارة . 
- التأكيد في المادة الثالثة على إن المسئولين الإداريين في المرافق العامة هم مسئولين عن تنفيذ الأحكام القضائية كل في حدود اختصاصاته. 
- التأكيد في المادة الخامسة على أن أشخاص القانون العام يوجدون في حالة امتناع عن تنفيذ بعد انصرام 90 يوم مع إمكانية المطالبة بالتعويض . 
- إشارة المادة السادسة على إمكانية اللجوء إلى الغرامة التهديدية لإكراه الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة بإلغاء القرارات الإدارية وذلك وبناءا على طلب يقدمه المحكوم له أمام المحكمة المختصة. 
- وأخيرا اعتبرت المادة السابعة أن امتناع الموظف عن التنفيذ يعتبر إخلالا بالواجب المهني يعرض الموظف للمساءلة التأديبية. 

---------------------------
لائحة المراجع : 

- الكتب باللغة العربية : 
- د.أحمد الصايغ " الغرامة التهديدية كوسيلة لتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية" منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 55 الطبعة الأولى ، سنة 2004. 
- د. حسن صحيب " القضاء الإداري المغربي " دار النشر المغربية ، الطبعة الأولى سنة 2008. 
- د. جهان محمد ابراهيم بادر " الإجراءات الإدارية للطعن في الأحكام القضائية الإدارية " – دراسة مقارنة- دار الكتب القانونية مصر، الطبعة بدون السنة بدون. 
- د. سليمان محمد الطماوي " دروس في القضاء الإداري – دراسة مقارنة- دار الفكر العربي ، الطبعة الأولى ، سنة 1979. 
- د. محمد رفعت عبد الوهاب " القضاء الإداري – الكتاب الثاني – قضاء إلغاء ، قضاء التعويض أصول الإجراءات" منشورات احلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، سنة 2005. 

- المقالات: 
- د. حسن حبيب "إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة" م م إ م ت العدد 59 نونبر – دجنبر 2004. 
- د. محمد القصري" الغرامة التهديدية والحجز في واجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها" م م إ م ت العدد 34 ، شتنبر – أكتوبر2000 . 
- د. مصطفى التراب " إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية " مجلة المحاكم الإدارية، العدد الأول، سنة 2001. 
- د. محمد الزياتي " التطلع للأحداث مسطرة لتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة في مواجهة الإدارة " م.م.إ.ت.م ، لعدد 83 نونبر – دجنبر 2008 . 
- د. محمد ايت المكي " تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة بين تحمس المحاكم الإدارية وتردد المجلس الأعلى" المجلة المغربية للمنازعات القانونية ، العدد 2 ، سنة 2004 . 

- الكتب باللغة الفرنسية : 
- David bailleul " l'efficacité comparé des recours pour excès de pouvoir et de plein contentieux objectif en droit public fronçais ", Edition, L.G.D.J. année 2002. 

- المقالات باللغة الفرنسية : 
- Mourad Ait Sakel " l'exécution des décisions de la justice administratif", article publié, sur le site www.tarabot.ma

---------------------------
الهوامش :

[1] - د. محمد رفعت عبد الوهاب " القضاء الإداري الكتاب الثاني ، قضاء التعويض وأصول الإجراءات" منشورات الحلبي الحقوقية ، الطبعة الأولى، سنة 2005، الصفحة 340،341. 
[2] - ندوة القضاء الإداري "(قضاء الإلغاء) 11-14 يوليوز 2005، بالرباط – المملكة المغربية من تنظيم المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ص : 5 و 6. 
[3] - خطاب صاحب الجلالة الحسن الثاني ، الملقى أمام قضاة المملكة في 31 مارس 1982 ، سلسلة انبعاث ..... الجزء 27، المطبعة الملكية، الرباط في اكتوبر 2000، ص : 11. 
[4] - ق . المحاكم الإدارية. 
[5] - ق. المسطرة المدنية. 
[6] - د.محمد سجوبي: " المحاكم الإدارية في تنفيذ الأحكام الصادرة عنها" قدم هذا العرض بالمؤتمر الأول لرؤساء المحاكم الإدارية العرب الذي انعقد ببيروت يومي 20 و 21 يونيو 2011. 
[7] - د. حسن حبيب،"إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة " م م إ م ت ، عدد 59 نونبر – دجنبر 2004 ، ص : 61 
[8] - أمر استعجالي رقم 12.06 بتاريخ 16/12/1985 منشورات المجلة المغربية للقانون السياسة، عدد 4 سنة 1986. 
[9] - قرار أورده حسن صحيب في كتاب القضاء الإداري المغربي ، مطبعة دار النشر المغربية سنة 2008. ص : 326 و 327. 
[10] - محمد القصري :" الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها م.م.د.ت.م.ع.34 ، اكتةبر 2000، ص : 15. 
[11] - جيهان محمد إبراهيم جادر:"الإجراءات الإدارية للطعن في الأحكام القضائية الإدارية" دراسة مقارنة ، دار الكتب القانونية ، مصر ، الطبعة بدون ، ص : 327. 
[12] - قرار صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى رقم 590 بتاريخ 9/11/2005. 
[13] - محمد ايت المكي : " تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة بين تحمس المحاكم الإدارية وتردد المجلس الأعلى ، المجلة المغربية للمنازعات القانونية . 
[14] - احمد الصايغ ، مرجع سابق الصفحة 59. 
[15] - حكم أورده مصطفى التراب " إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية " مجلة المحاكم الإدارية العدد الأول ، ص : 43.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -