آليات وإجراءات الرقابة الجبائية

مقال بعنوان: آليات وإجراءات الرقابة الجبائية في القانون المغربي 

مقال بعنوان: آليات وإجراءات الرقابة الجبائية في القانون المغربي


مقدمة:
اعتمد المشرع المغربي في الضرائب الرئيسية الثلاث (الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات) على نظام الإقرار لتحديد المادة الخاضعة للضريبية، إذ أن فرض الضريبة يؤسس على مضمون الإقرار المقدم من طرف الخاضع للضريبة. 
في مقابل نظام الإقرار المعتمد في تحديد الأساس الذي تفرض عليه الضريبة، تمارس الإدارة الجبائية حقها في مراقبة تصريحات الخاضع للضريبة، وذلك للتأكد من سلامة وصحة البيانات التي تتم الادلاء بها من طرفه ومدى مطابقتها للعمليات التي قام بها بناء على المعطيات التي توفرت لديها من خلال عملية المراقبة. 
وقد حدد المشرع الضريبي مجال المراقبة الجبائية ليشمل الإقرارات والعقود المستعملة لفرض الضرائب والواجبات والرسوم وكذا الأثمان أو التصريحات التقديرية المعبر عنها في العقود والإتفاقات. 
ولا يوجد أي تعريف دقيق ومحدد لحق المراقبة خصوصا في الجانب التشريعي فقد عرف بعض الفقه المراقبة الجبائية بأنها: "مراقبة البالغ المقتطعة من موارد الأفراد والمقاولات من طرف الجماعات العمومية لتغطية النفقات العمومية"[1]. 
وتعتبر الرقابة الجبائية هي أهم وظيفة تضطلع بها الإدارة الضريبية لمحاربة الغش والتملص الضريبيين بهدف تحقيق المساواة أمام الأعباء الجبائية، ولتحقيق ذلك فرض المشرع على الخاضعين للضريبة –أشخاص ذاتيين أو معنويين- الإدلاء بجميع الوثائق المحاسبية إلى المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب والمتوفرين على الأقل على رتبة مفتش مساعد والمعتمدين للقيام بمراقبة الضرائب. 
وقد مكن المشرع الضريبي الإدارة من مجموعة من الوسائل والآليات من أجل مراقبة ناجعة وفعالة لتصريحات الملزمين والتي غالبا ما تكون غير حقيقية ولا تعكس قيمة الأرباح الحقيقية للملزم، وهذا لن يكون إلا بتمتيع الإدارة بآليات تمكنها من تحقيق ذلك، هذه الآليات هي تباعا، حق الإدارة في الفحص والذي نقصد هنا هو فحص المحاسبة، وحق الاطلاع، المعاينة وفحص مجموع الوضعية الضريبية. 
فالإدارة الضريبية يمكنها أن تمارس حق الإطلاع والحصول على جميع المعلومات التي تهم محاسبة الملزم، لدى إدارات الدولة والجماعات الترابية أو الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، الذين يمسكون ملفات تتعلق بالملزم. أما عن حق المعاينة، فهي التي تجرى بواسطة أعوان محلفين لهذا الغرض. وذلك لمعاينة عمل الملزم، لمدة لا يمكن أن تستمر أكثر من 8 أيام. وفي الأخير نجد آلية فحص مجموع الوضعية الضريبية للملزم في إطار الضريبة على الدخل. 
وتمارس الإدارة الضريبية الرقابة المخولة لها على الملزم من خلال الاطلاع على الوثائق، حيث منح المشرع للإدارة الجبائية الحق في أن تأخذ وتطلع على نسخ من الوثائق التي توجد في حوزة الأغيار، قصد جمع المعلومات التي تفيدها في مراقبة وربط الضريبة الواجبة في حق الملزم[2] (المبحث الأول). 
وخول المشرع الضريبي هذه السلطة لتتمكن من كشف الإخلالات التي قد تشوب التصاريح المدلى بها من طرف الخاضع للضريبة، غير أنه جعلها موجهة فقط للأغيار دون الملزم. 
بالإضافة إلى حق المعاينة في مقر الخاضع للضريبة للوثائق المهنية المتعلقة بعمليات نتج عنها أو من المفترض أن ينتج عنها تحرير فواتير، مع قيامها بالمعاينة الفعلية للعناصر المجسدة للإستغلال للكشف عن حالات الإخلال بالإلتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، هذه الآلية جاءت مع البدء بالعمل بالمدونة العامة للضرائب سنة 2007 وهي آخر آلية، وهذا ما سنعمل على توضيحه تباعا في المبحث الثاني. 
وفي الأخير، نجد آلية فحص مجموع الوضعية الضريبية للخاضع للضريبة، وهذا الحق يمارس على الأشخاص الطبيعيين في إطار الضريبة على الدخل، بحيث يتم فحص الوضعية الإجمالية للملزم، والهدف منه هو مطابقة البيانات الواردة في الإقرار مع الواقع المالي للملزم، هذا إضافة إلى مقارنة شمولية لدخول ونفقات الملزم خلال الفترة الخاضعة للمراقبة (المبحث الثالث). 

المبحث الأول: حق الاطلاع. 

حق الاطلاع هو السماح لأعوان الإدارة الضريبية بالاطلاع على جميع الوثائق الموجودة بحوزة الملزم أو غيره، وهذا الحق لا يمكن أن يمارس إلا إزاء أشخاص محددين بالقانون وبصدد وثائق ومستندات نوعية لكل منهم، وهو أشمل من آلية الفحص الذي يتعلق بفحص دخول ملزم أو مقاولة محددة، في حين أن حق الاطلاع يستعمل في مواجهة الملزم والغير الذي يتعامل معه من موردين وزبناء وأطراف أخرى[3]. 

المطلب الأول: مجال استعمال حق الاطلاع 

سنتطرق في هذا المطلب لمفهوم حق الإطلاع في الفقرة الأولى على أن نخصص الفقرة الثانية للأساس القانوني لحق الإطلاع 

الفقرة الأولى: مفهوم حق الإطلاع 

يمكن تعريف حق الإطلاع بكونه تلك العملية التي يقوم بها مفتش الوعاء والمراقبة بغرض التوصل إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الملزم، وتنبع أهمية هذه العملية في كون نجاعة المراقبة الضريبية لا يمكن أن تقاس إلا بحجم المعطيات التي تتوفر للإدارة عن طريق ممارسة هذا الحق[4]. 
ويمنح هذا الحق لأعوان الإدارة الضريبية الإطلاع على جميع الوثائق الموجودة بحوزة الملزم أو الأغيار الذين يتعامل معهم من موردين وزبناء وأطراف أخرى للتأكد من قيامهم بالتزاماتهم المحاسبية مثل البنوك وشركات التأمين... ويبقى الهدف من هذا الحق هو تعزيز موقع الإدارة الضريبية وتقوية وثائق تحرياتها حتى تستطيع التعرف بدقة وشمولية على دخول الملزمين وبالتالي فرض ضرائب عادلة نسبيا ومنسجمة مع القدرات التكلفية للمقاولة وفي نفس الآن كشف المقاولات المتملصة لإخضاعها للفحص مستقبلا ومن تم تصحيح أسسها الضريبية[5]. 
وقد حددت المادة 214 من المدونة العامة للضرائب مجال استعمال هذا الحق حيث يحوز للمفتشين المراقبين أن يطلبوا من كل هيئة خاضعة لمراقبة الدولة ولكل شخص طبيعي أو معنوي مزاول لنشاط خاضع للضريبة الإطلاع على الوثائق والسجلات (وهي دفتر اليومية والدفتر الكبير ودفاتر الجرد...) التي ألزم القانون بمسكها والضرورية لمراقبة الضريبة. 
وتتوفر هذه الهيئات السالفة الذكر على معلومات قد تفيد الإدارة إبان ممارستها للمراقبة الضريبية، كما أنه ليست لهذه الهيئات أية مصلحة في إخفاء هذه المعلومات[6]. 
ولا يجب الخلط بين حق الإطلاع وبعض الآليات المشابهة، كالإبلاغ، وتقديم تصريح من الغير، وتقديم معلومات عن الغير.وهذه الآليات الأخيرة توجد في القوانين المقارنة خصوصا في فرنسا، كما أن هناك من يخلط حق الإطلاع بالمراقبة الضريبية
( الفحص)، إلا أنه وعلى خلاف الفحص الضريبي فحق الإطلاع كما يرى البعض[7]، من الممكن ممارسته لعدة مرات وكلما كانت هنالك حاجة لذلك ولا يفترض استعانة المقاولة بخبير محاسبي أو جبائي، كما لا تتوفر للملزم عند ممارسة حق الإطلاع عليه من طرف أعوان الإدارة الضريبية أي نوع من الضمانات كتلك المقررة إبان ممارسة الرقابة الجبائية[8]. 

الفقرة الثانية: الأساس القانوني لحق الاطلاع 

لقد نظمت المادة 214 من المدونة العامة للضرائب حق الاطلاع وتبادل المعلومات، وحددت مجال استعمال حق الاطلاع في الوثائق المحاسبية الموجودة في حوزة إدارات الدولة والجماعات الترابية. 

أولا: الوثائق الخاضعة لحق الاطلاع. 
يمكن التمييز في الوثائق التي تطلع عليها الإدارة، بين بعض الوثائق التي لا تتطلب من الإدارة جهدا كبيرا للحصول عليها، وهي التصريحات المدلى بها من طرف الملزمين والوثائق المرفقة لها، فهذه الوثائق توجد في مكاتب المفتشين، ويمكنهم بكل سهولة الاطلاع عليها واستغلالها في تصحيح ربط الضريبة، فهي إذن لا تثير أي إشكال مسطري، وبين الوثائق الموجودة في حوزة ببعض الأشخاص خارج إدارة الضرائب، وهي الحالة المنصوص عليها في المادة 214 من المدونة العامة للضرائب. 
أ- الوثائق المتوفرة لدى إدارة الضرائب: 
هي الوثائق التي يتقدم بها الملزم في تصريحه، وتفيد الإدارة في مراقبة مداخيل ملزمين آخرين، ويبدو أن هذه الوثائق لا تثير أي إشكال مسطري أو قانوني، ما دامت ناتجة عن تصريحات الملزمين، وبالتالي أصبحت في ملكية الإدارة تستعملها كما تشاء، غير أنه وبحسب الأستاذ عبد الغني خالد فإن هذه الوسيلة في الواقع قد تكون أكثر تعقيدا عندما تكون المعلومات التي تتضمنها تلك الوثائق غير نهائية، كأن تكون هي نفسها موضوع مراجعة من طرف الإدارة، ولم تفض بعد إلى الفرض النهائي للضريبة، وبالتالي فعلى سبيل المثال، يمكن تصور تصريحا تقدمه مؤسسة صحية، يتضمن الأجور والعمولات التي توصل بها طبيب معين وخضع تصريحها للمراقبة ونازعت فيها المؤسسة الصحية، فهل هنا تستطيع الإدارة استعمال نفس المعطيات التي تضمنها التصريح كمعلومات مفيدة في الضريبة بالنسبة للطبيب[9]. 
ب- الوثائق المتوفرة لدى الأغيار: 
وهي الوثائق المنصوص عليها في المادة 214 من المدونة العامة للضرائب وهي: 
- الأصل أو تسليم النسخ المغناطيسية أو على ورق لما يلي: 
  • وثائق المصلحة أو المحاسبة الموجودة في حوزة إدارة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية وكل هيأة خاضعة لمراقبة الدولة دون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني. 
  • السجلات والوثائق التي تفرض مسكها القوانين أو الأنظمة الجاري بها العمل وكذا جميع العقود والمحررات والسجلات والملفات الموجودة في حوزة الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين يزاولون نشاطا خاضعا للضرائب والواجبات والرسوم. 
  • سجلات التضمين التي يمسكها القضاة المكلفون بالتوثيق. 
  • الاطلاع على المعلومات المتوفرة لدى إدارة الضرائب التابعة للدول الأجنبية التي تربطها بالمغرب اتفاقية جبائية. 
وقد بينت الدورية رقم 716 نوع هذه الوثائق الخاضعة لحق الاطلاع، وخاصة تلك التي تفرضها القواعد والالتزامات المحاسبية للتجار والمنصوص عليها في القانون رقم 88-9 بما في ذلك السجلات المحاسبية والفاتورات وكذلك النسخ المغناطيسي، إذا كانت المعلومات المذكورة ممسوكة بالطرق المعلوماتية. 

ثانيا: الأشخاص الخاضعون لحق الاطلاع 
إن حق الاطلاع يتعلق فقط بالأغيار دون الملزم الخاضع للضريبة وقد حددت المادة 214 من المدونة العامة للضرائب الأشخاص الملزمون بحق الاطلاع في كل هيأة خاضعة لمراقبة الدولة وكل شخص طبيعي أو معنوي يزاول نشاطا خاضعا للضريبية، ويمكن حصر الجهات التي يحوز للإدارة الضريبية الاطلاع لديها في صنفين: 
- أشخاص القانون العام، وهم: 
v إدارة الدولة. 
v الجماعات المحلية (الجهات، العمالات والأقاليم، الجماعات الحضرية والقروية). 
v المؤسسات العمومية. 
- أشخاص القانون الخاص وهم: كل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين يزاولون نشاطا خاضعا للضرائب. 
- قضاة التوثيق. 
- المهن الحرة. 
وعموما، فالأشخاص الذين يمارس قبلهم هذا الحق هم بصفة عامة كل الذين بحوزتهم معلومات تفيد في تأسيس الضريبة تأسيسا دقيقا كالبنوك، هيآت التأمين الاجتماعي أو شركات التأمين وكل الإدارات العامة، موثقو العقود والكتاب الشرعيين السماسرة والوسطاء، وكذلك كل الممولين الخاضعين للالتزامات المحاسبية في القانون التجاري يدخلون في تطبيق هذا الحق بمعنى التجار والشركات التجارية[10]. 
وللإدارة الضريبية أن تستخدم حقها في الاطلاع لدى البنوك بأن تطلع على حسابات الممولين، وإن كان هذا الحق يدخل ضمن السر المهني للبنوك إلا أن إدارة الضرائب بما لها من سلطة مخولة في ذلك، تلتزم أيضا بممارسة هذا الحق في الحدود التي يخولها لها القانون وبالالتزام أيضا بسرية هذه البيانات في نطاق الالتزام بالمحافظة على السر المهني[11]. 

ثالثا: مكان ممارسة حق الاطلاع. 
تطرقت المادة 214 من المدونة في فقرتها الثانية للأماكن التي بالإمكان أن يتم فيها ممارسة حق الاطلاع، وهي: 
- أن يمارس بأماكن المقر الاجتماعي للأشخاص الطبيعيين والمعنويين أو مقر مؤسستهم الرئيسية. 
- أو بقيام المعني بالأمر بتقديم المعلومات المطلوبة كتابة إلى إدارة الضرائب. 
- أو بتسليم الخاضع لهذا الحق الوثائق المطلوبة إلى مأموري الضرائب مقابل إيصال. 

رابعا: الهيئات المكلة بالاطلاع. 
يمارس حق الاطلاع من طرف عدد من الأشخاص أو الموظفين والذين لا بد من توافر شروط معينة لتكون مؤهلة لممارسته (أ)، ويمارس هذا الحق من الناحية الواقعية الفرقة الوطنية للأبحاث والتحقيقات (ب). 
أ- الموظفون المؤهلون لممارسة حق الاطلاع: 
تنص المادة 214 من المدونة العامة للضرائب على أنه: " تقدم المعلومات والوثائق المشار إليها أعلاه إلى مأموري إدارة الضرائب المحلفين الذين لهم على الأقل رتبة مفتش مساعد". 
فمن خلال هذا النص يظهر إذن أن الأشخاص المؤهلون للقيام بالاطلاع على الوثائق أو تلقيها لا بد من أن تتوافر فيهم الشروط التالية: 
- أن يكونوا محلفين. 
- أن تكون لديهم على الأقل رتبة مفتش مساعد. 
- أن يكونوا متوفرين على بطاقة التكليف بمهمة (مأمورون). 
وبالنظر لجسامة المهام المرتبطة بحق الاطلاع، فإنه من المفروض أن تتوفر الصفات أعلاه في مأمور إدارة الضرائب، حتى يتمكن من ممارسة هذا الحق[12]. 
ب- الفرقة الوطنية للأبحاث والتحقيقات: 
تم إحداث الفرقة الوطنية للأبحاث والتحقيقات سنة 1961، كمصلحة تابعة مباشرة لمدير الضرائب، وقد وقع اختيار مدينة الدار البيضاء كمقر لها[13]، وذلك لتمركز أغلب المؤسسات الإنتاجية بهذه المدينة، وبالتالي يمكن من خلالها جمع المعلومات الدقيقة والغزيرة، وعن جميع الأنشطة المرتبطة بهذه المدينة، وكذلك بمدن أخرى. 
وتتكون هذه المصلحة من مكاتب ذات اختصاصات أساسية هي: 
- مصلحة تلقي معلومات من إدارات عمومية، نسخ من رخص السكنى مثلا. 
- مصلحة تلقي الفاتورات، المنجزة لصالح المؤسسات العمومية. 
- مصلحة جمع المعلومات، من خلال الاطلاع على وثائق المؤسسات الخاصة. 
- مصلحة تخزين هذه المعلومات، في سجلات خاصة بكل ملزم لاستغلالها عند الضرورة. 
وتعد هذه المؤسسة إحدى الأعمدة الأساسية لنشاط الإدارة الضريبية، فيما يتعلق بضمان مراقبة فعالة للتصريحات الناقصة، وكذلك لمحاربة التهرب الضريبي بصفة عامة. 
وينهل مفتش الضرائب من السجل الضريبي Le casier fiscal الذي تعده هذه الفرقة ما شاء له من المعطيات التي يواجه بها التصريحات الناقصة أو المنعدمة. 
كما أن موظفي هذه المؤسسة يتمتعون بالشروط القانونية، التي تخول لهم ممارسة حق الاطلاع، لكونهم محلفين ومن درجة معينة في سلك الوظيفة العمومية، لكن سيل المعلومات التي يحصلون عليها يجب أن تمر من مرحلتين: 
- مرحلة أولى: أن تعرض على الملزم قبل اتخاذها كأساس لتصحيح الإلزام الضريبي، وهذه المسطرة يقوم بها مفتش الضريبة في إطار مسطرة التصحيح. 
- مرحلة ثانية: هو إثبات صحتها أمام الهيئات القضائية. وهذه من المهام التي تحتاج إلى نقاش فقهي صريح، لإيجاد صيغة مناسبة لإنجازها على أحسن وجه، ذلك أن إنكار وجود النقص في التصريح، لا يمكن مواجهته إلا بوثائق مضادة، وغالبا ما يكون أصل هذه الوثائق هي الفاتورات التي إطلع عليها المفتش في عين المكان دون أن يتمكن من الاحتفاظ بالأصل للإدلاء به عند الحاجة. 

المطلب الثاني: مسطرة وحدود حق الإطلاع 

لممارسة حق الإطلاع لابد من إتباع مسطرة محددة قانونا(الفقرة الأولى)، كما أن لهذا الحق حدود تقف حجر عثر أمام فعاليته وتؤدي إلى التهرب من الخضوع له(الفقرة الثانية). 

الفقرة الأولى: مسطرة ممارسة حق الإطلاع وآثارها 

لقد نظمت المدونة العامة للضرائب مسطرة ممارسة حق الإطلاع (أولا)، وينتج عن ممارسة هذا الحق عدة أثار(ثانيا). 

أولا: مسطرة حق الإطلاع 
يمارس حق الإطلاع حسب المادة 214 من المدونة العامة للضرائب في المقر الاجتماعي للأشخاص الطبيعيين والمعنويين، أو في مؤسستهم الرئيسية، إلا أنه نظرا للإزعاج الذي يمكن أن تسببه هذه العملية، أجاز المشرع للملزمين تقديم المعلومات كتابة أو تسليم الوثائق إلى مأموري الضرائب مقابل وصل، وقد اتضح أن هذه الطريقة فعالة نظرا لكونها توفر للإدارة حجة ثانية في مواجهة الملزم أثناء المراقبة، بما أن المعلومات المطلوبة قدمتها الجهة الخاضعة للإطلاع كتابة وفي صيغة اعتراف. [14] 
ويتم عادة الإطلاع عن طريق طلب كتابي موجه في شكل رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو عن طريق تسليم الطلب باليد، إلى الأشخاص المعنيين، مع وجوب ذكر العنوان الكامل للمصلحة التي وجهت الطلب، وكذا رقم هاتفها وذلك حتى يمكن للشخص المقصود بالرسالة من توجيه الوثائق المطلوبة إلى المصلحة المعنية، تفاديا لزيارة المفتش أو الاتصال بهذه الأخيرة قصد تحديد موعد الزيارة. 
كما أن نصوص المدونة العامة للضرائب لم تحدد مدة ممارسة هذا الحق داخل الأماكن التي يزاول فيها الخاضعون نشاطهم، أو أي أجل للاحتفاظ بهذه الوثائق المسلمة لمأموري الضرائب، وهذا يعتبر نقصا كبيرا من شأنه أن يسبب إزعاجا بالنسبة للخاضعين لمسطرة الإطلاع، سواء أثناء استقبال الهيئات المكلفة بالإطلاع في أماكن العمل، أو احتفاظ الإدارة بالوثائق المسلمة لها مدة طويلة قد تحرم المؤسسة الخاضعة للاطلاع من استغلال تلك الوثائق طوال تلك المدة. 
هذا بالإضافة إلى أن المدونة لم تحدد عدد المرات التي يخضع فيها المكلف للإطلاع، وإنما تركت ذلك لتقدير الإدارة، وهذا نقص في تنظيم حق الإطلاع يجب تداركه لتوفير حماية أكبر للملزم. 
أما على المستوى العملي فإن فرقة التحقيق والأبحاث هي التي تتكلف غالبا بمكاتبة المقاولات والمؤسسات العمومية وباقي الهيئات المشمولة بحق الإطلاع، وذلك سواء بمبادرة منها ضمن برنامج تدخلها لتغذية خزان المعلومات "Casier fiscal" لاستعماله عند الحاجة أو بناء على طلب إحدى فرق التحقيق بخصوص المقاولات الخاضعة للفحص، وتختص هذه الفرقة بتلقي المعلومات المطلوبة سواء بواسطة البريد أو تسليمها لكتابة ضبط فرقة التحقيقات في نظيرين يؤشر على أحدهما بالاستلام أو عن طريق الفاكس أو عن طريق لنسخ المغناطيسي كوسيلة جاءت ضمن تعديل ورد بقانون مالية سنة 1996/1997 لتسهيل مهمة المقاولة، وكذلك أطر فرقة التحقيق المكلفة بالمعلوميات، بحيث تنسخ المعلومات والمعطيات المطلوبة في قرص "Disquette" يتم قراءته وتسجيله بسهولة، وفي زمن قياسي ضمن حاسوب الفرقة وذلك انسجاما مع التطور التكنولوجي في استعمال الأداة المعلوماتية في المحاسبة[15]. 

ثانيا: آثار ممارسة حق الإطلاع 
يجب التمييز في الأثر الناتج عن ممارسة حق الإطلاع بين أثرين، فالأثر الأول يتعلق بالخاضع لمسطرة حق الإطلاع، وهو عبارة عن جزاءات تطبق عليه في حالة رفض الخضوع لهذه المسطرة (أولا)، والثاني يتمثل في الأغيار أي الشخص الغير خاضع لمسطرة الإطلاع (ثانيا). 
أ‌. الجزاءات المطبقة في حالة مسطرة الإطلاع: 
يخصص القانون الضريبي نصوصا خاصة للجزاءات والغرامات المطبقة على من يخالف المقتضيات الضريبية، وهنا يجب التمييز في هذه النصوص بين الجزاءات المطبقة على الخاضع لمسطرة الإطلاع والجزاءات المطبقة على الخاضع للضريبة. 
والجزاءات المقصودة هنا هي الجزاءات المطبقة على الخاضع لمسطرة الإطلاع، لأن الإطلاع يخضع له الشخص غير الخاضع للضريبة (الملزم) الذي هو المقصود بالعملية، وبالتالي فالإطلاع كما أسلفنا سابقا يهم شخص لديه تعاملات مع الخاضع للضريبة. 
وحسب المواد 185 و191 و230 من المدونة العامة للضرائب تفرض غرامة قدرها ألفي (2.000) درهم على كل شخص خرق المقتضيات المتعلقة بممارسة حق الإطلاع، هذا بالإضافة إلى غرامة تهديدية قدرها مائة (100) درهم عن كل يوم تأخير على ألا يتجاوز مجموعها ألف (1.000) درهم. 
غير أنه بالنسبة للضريبة على الدخل فهذه الغرامة يتراوح مبلغها من خمسمائة (500) درهم إلى ألفي (2.000) درهم، إلا أن هذه الجزاءات لا تطبق على القضاة المكلفين بالتوثيق، وعلى إدارات الدولة والجماعات المحلية. 
أما بالنسبة للمسطرة التي تسلكها الإدارة في توقيع هذه الجزاءات، فتبدأ بإرسال رسالة من طرف المفتش المكلف بالإطلاع، توجه إلى الخاضع للإطلاع وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب والمتعلقة بالتبليغ، هذه الرسالة تدعوه فيها إلى التقيد بالالتزامات القانونية داخل أجل 15 يوما من تاريخ تسليم الرسالة، وفي حالة عدم تقديم الوثائق الخاضعة للإطلاع داخل الأجل المحدد، اخبره في رسالة ثانية بتطبيق الغرامة عليه وذلك داخل أجل 15 يوما من تاريخ تسلمها، وفي حالة عدم تقديم الوثائق من طرف الخاضع للإطلاع داخل الآجال المحددة تفرض عليه الغرامة التهديدية. 
كما أن هذه الجزاءات التي تطبق على الخاضع للإطلاع لا علاقة لها بالالتزام الضريبي، فالخاضع لمسطرة الإطلاع قد يكون معفى من أداء الضرائب، ومع ذلك فرض عليه الغرامات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب بسبب خرقه لمسطرة الإطلاع، وبالتالي فإن هذه العقوبة لا علاقة لها بأية ضريبة وتطبق بناء على محضر المخالفات المنجز من قبل المكلف بالإطلاع ويبلغ إلى الخاضع للإطلاع ويحرر فورا أمرا بتحصيلها. 
ب‌. استغلال المعلومات المحصل عليها من ممارسة الإطلاع: 
تختلف نتائج المعلومات المحصل عليها من ممارسة حق الاطلاع، حسب ما إذا كان الشخص خاضع للإطلاع، أو ملزم بالضريبة. 
ب-1) بالنسبة للخاضع لمسطرة الاطلاع: 
بالنسبة للشخص الخاضع لمسطرة الاطلاع، فليس هناك أية آثار ضريبية ناتجة عن ممارسة حق الاطلاع لديه، اللهم ما تعلق بالغرامات التي سبق لنا الحديث عنها في حالة الامتناع، فحتى ولو تم اكتشاف تناقضات أو أوجه نقص مقارنة مع التصريحات التي قدمها، فلن يتم تصحيح الأسس المصرح بها، بناء على نتائج الاطلاع، وإصدار ضرائب تكميلية، بل لا بد للإدارة أن تسلك مسطرة الفحص في عين المكان والمحاط بمجموعة من الضمانات القانونية المخولة للملزم[16]. 
ب-2) بالنسبة للملزم بالضريبة: 
فيما يخص الملزم بالضريبة، فالإدارة تعتبر المعلومات المستقاة من حق الاطلاع بمثابة وسائل إثبات تمكنها من الربط الصحيح للضريبة، وبالتالي إصدار الواجبات التكميلية مع الغرامات والفوائد عن التأخير. 
لكن لا يتم هذا التصحيح مباشرة وإنما تساعدها هذه المعلومات المحصل عليها عن طريق ممارسة الاطلاع في تقوية حججها في الانتقال إلى آلية فحص المحاسبة، وذلك لممارسة بعد ذلك مسطرة التصحيح الضريبي. 
ويجب التذكير أنه حتى وإن تم اكتشاف تناقضات في المعلومات المحصل عليها عن طريق مسطرة الاطلاع مع تصريحات الملزم فإنه لا ينتج عن ممارسة هذا الحق أي تصحيح مباشرة وإنما تستعمل كدلائل في عملية الفحص. 
وبالتالي فإن الاطلاع لا يتعدى مجرد طلب الحصول على وثائق من شأنها أن تفيد في التوصل إلى أي شكل من الإخلال بالقانون الضريبي. كما أنه وخلافا لحق المراقبة فإن من الممكن ممارسة الاطلاع لعدة مرات، وكلما كانت هناك حاجة لذلك. 

الفقرة الثانية: حدود ممارسة حق الاطلاع: 

إن حق الاطلاع المخول للإدارة الضريبية ليس حقا مطلقا يمكن للإدارة الضريبية أن تمارسه كيفما تشاء، وإنما هو محدد بعدة شروط، كما أنه تحده عدة عوارض تحول دون ممارسته بالشكل المطلوب. 
وتتجلى أولى هذه العوارض في إشكالية الإطلاع مع السر المهني وسبل التوفيق بينهما (أولا)، خصوصا وأن أغلب الهيئات أو المخاطبين بالاطلاع غالبا ما يستندون على السر المهني كذريعة لعدم تقديم الوثائق. 
كما أن ضعف الجزاءات للمخالفين لهذا الحق أدت باستمرار إلى التهرب من الخضوع له وحالت دون فعاليته (ثانيا). 

أولا: حق الاطلاع والمحافظة على السر المهني 
أعطى المشرع المغربي للإدارة الضريبية الحق في أن تطلب من أي إدارة عمومية أو شبه عمومية، جميع المعلومات التي تعتقد أنها تفيدها في أي معلومات تتعلق بالمعني بالأمر، وتقديم المعلومات يتم بدون إبداء الرأي ودون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني، مما يجعله يهدد حرية الأشخاص المكلفين. 
ونظرا لما قد تحدثه ممارسة حق الإطلاع على نفسية المكلفين، وحتى لا تختلط الأمور عليهم، يتعين أن يسير المشرع المغربي في اتجاه الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي أدخل إجراءا مسطريا اعتمدته الإدارة، وهو إرسال إشعار إلى المعني بالأمر مع تحديد طبيعة تدخل مأموري الضرائب، وبالتالي أصبح هذا النوع من التدخل عاديا ولا يسبب أي إزعاج للمكلف. [17] 
ويثير مفهوم السر المهني الكثير من الغموض والإبهام النابعان من غياب أي تعريف من قبل المشرع الضريبي، وإنما اقتصر على التمييز بين تلك الوثائق التي تحتفظ بها الدولة والهيئات التابعة لها، والوثائق التي في ملك الخواص، فبالنسبة للأولى لا يمكن لمن يمسكها الاحتجاج بواجب كتمان السر المهني في مواجهة إدارة الضرائب، أما بالنسبة للثانية فالمشرع استثنى بعضها بكون الإطلاع "لا يمكن أن يشمل مجموع الملف فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي". 
هذا الاستثناء يظل مصدر غموض لكونه لم يحدد المهن المقصودة ولا نوع الوثائق المشمولة بواجب الحفاظ على السر المهني، وإنما ترك ذلك للإدارة الضريبية من خلال الدوريات التي تشرح كيفية تطبيق مقتضيات القانون الضريبي، حيث حصرت الأشخاص الذين يلتزمون بكتمان السر المهني في المحامون، الموثقون، العدول، المهندسون المعماريون، الخبراء المحاسبين، المستشارين القانونيين... 
إلا أنه يثور الخلاف في سبيل التوفيق بين حق الإطلاع والمحافظة على السر المهني في بعض المهن الحرة، إلا أن ممارسة الإدارة لسلطتها في حق الإطلاع يمكن أن تمس بأسرار تحميها قوانين منظمة لبعض المهن. 
وقد كتب الدكتور لويس ميلنيك أنه من بين أهم انحرافات مؤسسة السر المهني، انه في زمن ما، كان الأطباء يعتقدون بأنهم مالكو السر المهني، ناسين بأنهم فقط مؤتمنين عليه، فالغش الضريبي وجد حماية وراء هذه المؤسسة القديمة والمحترمة التي لم تخلق من أجل هذا. 
وتكمن الصعوبة في كون المشرع لم يعط تعريفا للسر المهني لكون هذا الأخير ذو مفاهيم متعددة: سر الأعمال، السر الضريبي، السر الإداري، والسر الطبي، إلا أن هذا الأخير يبقى الأقوى نظرا لارتباطه مباشرة بالقدرات الجسمية والفكرية للشخص. [18] 
وتثار كذلك إشكالية تتعلق بماهية المهن الحرة التي تستلزم مزاولتها المحافظة على السر المهني والتي تقدم خدمات قانونية أو محاسبية أو ضريبية، وكذلك بمعارضة بعض المهن كمهنة الطب لحق الإطلاع بحجة المحافظة على السر المهني، فالمشرع المغربي أغفل التنصيص في المادة 214 على المهن ذات الطابع الطبي. 
كما أن قدسية السر المهني بالنسبة للمهن الحرة أصبح قاعدة نسبية بفضل تطور الاجتهاد القضائي الذي حاول التوفيق بين حق الإطلاع كوسيلة لمحاربة الغش الضريبي الذي يمس مبدأ العدالة الجبائية وبين ضرورة احترام الحياة الخاصة كشرط لحماية الحريات الفردية، وحتى لا يشكل مبدأ السر المهني ذريعة لممارسة التملص الضريبي اتجه مجلس الدولة بفرنسا إلى الاعتراف للإدارة بممارسة حق الإطلاع في مواجهة بعض المهن ذات التنظيم القوي المتمثلة في الأطباء، حيث جاء في إحدى قراراته بأن طبيب الإنسان يجب أن يسلم للإدارة الضريبية سجل الحسابات المتضمنة لأسماء الزبناء وطبيعة العملية. كما كرس المشرع الفرنسي هذه القاعدة عن طريق المادة 86 من مدونة المساطر الجبائية المعدلة بقانون 18 يناير 1980 أدمجت الأشخاص الذين يمارسون المهن الحرة ضمن قائمة الأشخاص الخاضعين لحق الإطلاع متجاوزة بذلك مقتضيات القانون الجنائي التي تفرض الالتزام بالسر المهني والذي بقي مقتصرا حسب منطوق المادة 86 على نوعية الخدمات أو العمليات دون أن يمتد إلى هوية الزبناء ومبالغ الأتعاب. [19] 
أما بالنسبة للنشاط البنكي فإن الإشكال المطروح يكمن في أن المقتضيات التشريعية تنص على الإطلاع على الدفاتر والمستندات التي يفرض القانون التجاري أو المحاسبي مسكها، وبالتالي فالإدارة الضريبية لا يمكنها أن تطلع على غير تلك المستندات كالمراسلات بين الأبناك وفروعه مثلا، لكن القضاء الفرنسي اعتبر في إحدى قراراته (محكمة النقض الفرنسية) أن الأبناك من قبيل المؤسسات الخاضعة لمراقبة الدولة، وليست مقاولات خاصة، وبالتالي فيجب عليها وضع رهن إشارة المؤسسات الخاضعة لمراقبة الدولة،[20] وليست مقاولات خاصة، وبالتالي فيجب عليها وضع رهن إشارة الإدارة جميع الوثائق ومستندات المصلحة ولائحة أصحاب الخزانات "Coffre forts" وحتى الوثائق الداخلية. 
هذه إذن من بين الحدود المسجلة في ميدان المراقبة الضريبية في جانبها المتعلق بجمع المعلومات من خلال الإطلاع على السجلات والوثائق، وإذا كان المشرع لم يرسم حدود ممارسة حق الإطلاع بدقة، فإن إدارة الضرائب عملت من خلال الدوريات الصادرة عنها إلى تقنين هذا الحق وإعطاؤه مدلولا ضيقا من خلال تفسيرها لمقتضيات السر المهني، وذلك نظرا لامتداد حق الإطلاع وما قد ينطوي عليه من مخاطر تهدد الضمانات الأساسية التي أقرها المشرع لصالح الملزمين، لذلك ارتأت إدارة الضرائب عن طريق تأويلها أن تحد من مداه حماية لحقوق الملزم وضماناته الأساسية.[21] 
وعلى مستوى القانون الضريبي المغربي فإن السر المهني البنكي مضمون لكن مع تمكين الإدارة الضريبية من طلب المعلومات كتابة من البنك الماسك لحساب الملزم أو المقاولة الخاضعة للضريبة وانتظار جوابها. ولا يمكن لأعوان الإدارة الانتقال إلى البنك لفحص الحساب البنكي أو الإطلاع في عين المكان إذا قامت إدارة البنك بتقديم المعلومات المطلوبة كتابة أو سلمت الوثائق مقابل إيصال للمأمورين المكلفين بهذه المهمة. 

ثانيا: الحدود المرتبطة بضعف الجزاءات 
إن الجزاءات المالية المنصوص عليها في حالة الامتناع عن تقديم وثائق الإطلاع، هي ذاتها مصدر محدودية حق ألإطلاع، فنظرا لضعف تلك العقوبات فقد تتفق المقاولة الخاضعة للفحص مع المقاولة المتعامل معها، والتي طلب منها معلومات حول حجم العمليات التجارية التي تمت بينهما على ألا تجيب على طلب الإطلاع مقابل تعويضها عن الغرامة التي تكبدتها.[22] 
إن حق الإطلاع يمثل حجر الزاوية في نظام المراقبة الضريبية باعتباره حلقة أساسية قبل بدء أية دراسة تحليلية ونقدية للوثائق المحاسبية، إذ لابد من جمع المعلومات والتوفر على المستندات والوثائق اللازمة حتى يمكن الاستئناس بها ومقارنتها مع التصريحات المقدمة من طرف الملزم موضوع المراقبة، وبدون هذا الحق قد تجد الإدارة الضريبية نفسها منزوعة السلاح، الشيء الذي يهدد وبشكل مباشر مقتضيات القانون الضريبي.[23] 
إن حق الإطلاع كسلطة مخولة للإدارة الضريبية للتقصي وجمع المعلومات اللازمة في تصحيح وربط الضريبة، يمكن القول بأنه ورغم اتساع مجال حق الاطلاع فإن ممارسته تبقى محدودة من حيث النتائج، ذلك أن أعوان الإدارة في إطار ممارسة هذه السلطة تقتصر مهمتهم على نقل المعطيات المحاسبية والاطلاع على الوثائق الثبوتية، وبالتالي فلن ينتج عن الاطلاع وحتى ولو تم اكتشاف تناقضات أو أوجه نقص مع التصريحات أي تصحيح للأسس المصرح بها، ذلك أنه وللقيام بتقوية النتائج المصرح بها وإصدار ضرائب تكميلية لا بد للإدارة أن تسلك مسطرة الفحص في عين المكان"[24] 

المبحث الثاني: حق المعاينة 

من أهم المستجدات التي جاءت بها المدونة العامة للضرائب، إضافتها لحق جديد لإدارة الضرائب تعزز به السلطات المخولة لها، فبالإضافة إلى حق الاطلاع وحق الفحص، أصبح لإدارة الضرائب حق جديد هو حق المعاينة، والذي تم إحداثه سنة 2007 مع بدء العمل بالمدونة العامة للضرائب كإجراء يمكن بمقتضاه أن تطلب إدارة الضرائب من الخاضعين للضريبة، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين، تقديم جميع الفاتورات والدفاتر والسجلات والوثائق المهنية المتعلقة بعمليات نتج عنها أو من المفترض أن ينتج عنها تحرير فواتير، وأن تقوم بالمعاينة الفعلية للعناصر المجسدة للاستغلال، وذلك للكشف من حالات الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.[25] 
وتستوجب ممارسة هذا الحق من طرف الإدارة الضريبية، إتباع مسطرة المعاينة (المطلب الأول) وبدورها ينتج عن ممارستها مجموعة من الاثار (المطلب الثاني). 

المطلب الأول: مسطرة حق المعاينة 

سنتناول (الفقرة الأولى) موضوع المعاينة، على أن نتناول استعراض سريان إجراءات هذا الحق بعد ذلك (الفقرة الثانية). 

الفقرة الأولى: موضوع المعاينة 

قبل سنة 2007 لم يكن للإدارة الحق في بسط رقابتها القانونية بشكل أكثر فعالية، وذلك بالمعاينة الميدانية للأصول الإنتاجية والتواجد الفعلي في المحل المهني دون أن يتعلق الأمر بمسطرة الفحص في عين المكان، وبالتالي فكان لا يتاح للإدارة هذا الاقتحام إلا في إطار مبرمج، مع العلم أن بعض الضرائب تعتمد في تأسيسها على المعاينة الميدانية، ويتعلق الأمر بالرسم المهني والرسم على الخدمات الجماعية ورسم السكن، ولتفادي هذا الفراغ القانوني الذي يحد من فعالية الإدارة الضريبية في محاربة التهرب والغش الضريبي تم إحداث حق المعاينة بمقتضى المادة 210 من المدونة العامة للضرائب، والتي تنص على أن: " للإدارة الضريبية كذلك الحق في إجراء معاينة يمكن بمقتضاه أن تطلب من الخاضعين للضريبة المذكورين أعلاه، تقديم الفاتورات والدفاتر والسجلات والوثائق المهنية المتعلقة بعمليات نتج عنها أو من المفروض أن ينتج عنها تحرير فواتير، وأن تقوم بالمعاينة الفعلية للعناصر المجسدة للاستغلال، وذلك للكشف عن حالات الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل". 
وبالتالي فهذا الحق الذي أصبحت تملكه الإدارة الضريبية، سيساعدها لا محال في الحد من مجموعة من الممارسات، التي كانت تتم من أجل التملص من أداء الضريبة مستغلة افتقاد الإدارة الضريبية لهذا الحق[26]. 

الفقرة الثانية: إجراءات حق المعاينة 

يقتضي ممارسة حق المعاينة المرور بمسطرة دقيقة، تبدأ أولا بتسليم الإشعار بالمعاينة إلى الخاضع للضريبة، وكذلك الأشخاص المؤهلة لتسلم الإشعار، كإجراءات شكلية قبل البدء في عملية المعاينة (أولا)، بعد ذلك تبدأ عملية المعاينة (ثانيا). 

أولا: تسليم الإشعار بالمعاينة إلى الخاضع للضريبة 
قبل إجراء عملية المعاينة لا بد من تسليم الخاضع للمعاينة أو الأشخاص المؤهلة لذلك إشعار بالمعاينة، ويتضمن الإشعار عدة مقتضيات. 
أ- مضمون الإشعار بالمعاينة: 
يتضمن الإشعار بالمعاينة مقتضيين اثنين: 
- الأسماء الشخصية والعائلية لمأموري إدارة الضرائب المكلفين بإنجاز المعاينة. 
- إخبار الخاضع للضريبة بممارسة حق المعاينة. 
من خلال هذين المقتضيين يمكن القول إن ممارسة حق المعاينة يمكن أن يقوم به كل مأموري إدارة الضرائب شرط أن تكون لهم صفة مفتش أو مفتش مساعد على الأقل، كما هو الأمر بالنسبة لممارسة حق الاطلاع وحق الفحص التي اشترط المفتش في المأمورين المزاولين لهذين الحقين أن تكون لهما رتبة مفتش أو مفتش مساعد. 
كما أن هذا الإشعار لا يتضمن تاريخ بداية عملية المعاينة، لأن المعاينة حسب المادة 210 من المدونة العامة للضرائب تتم مباشرة بعد تسليم الإشعار بها من طرف المأمورين، وبالتالي فالمعاينة تتم مباشرة، فالمفتش يسلم الإشعار بالمعاينة وفي نفس الوقت يقوم بها. 
كما أن المادة المنظمة لهذا الحق لم تحدد الشكل الذي يرد فيه الإشعار بالمعاينة (عكس حق الاطلاع وحق الفحص) إلا أنه يرد في شكل كتابي، لأن نص المادة يتحدث عن تسليم الإشعار مقابل وصل. والإشعار يجب أن يتضمن الأسماء الشخصية والعائلية لمأموري إدارة الضرائب، فواقعة التسليم، وواقعة أن يكون المسلم يتضمن الأسماء، والمبادئ العامة التي تحكم إجراءات التبليغ التي تقوم بها إدارة الضرائب، هي كلها مؤشرات على أن الإشعار بالمعاينة هو كتابي[27]. 
ب- الأشخاص المؤهلة لتسلم الإشعار بالمعاينة: 
يسلم الإشعار بالمعاينة إلى فئتين حسب ما إذا كان الخاضع للمعاينة شخصا طبيعيا أو معنويا. 
- بالنسبة للأشخاص المعنويين يسلم الإشعار بالمعاينة إلى: 
· الشخص نفسه. 
· مستخدمين. 
· كل شخص آخر يشتغل مع الخاضع للضريبة. 
- بالنسبة للشركات والمجموعات المذكورة في المادة 26 من المدونة العامة للضرائب (شركات التضامن، شركات التوصية البسيطة، الشركات الفعلية التي لا تضم سوى الأشخاص الطبيعيين): 
· إلى الشريك الرئيسي. 
· إلى الممثل القانوني. 
· إلى المستخدمين. 
· إلى كل شخص آخر يشتغل مع الخاضع للضريبة. 
ويستدعي هذا التحديد بالنسبة للأشخاص المؤهلين قانونا لتسلم الإشعار بالمعاينة مجموعة من الملاحظات: 
إن هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم المنصوص عليهم في المادة 219 المتعلقة بالتبليغ، والملاحظ هو اتساع دائرة الأشخاص الذين يمكن لهم تسلم الإشعار بالمعاينة بحيث يمتد إلى كل شخص يشتغل مع الخاضع للمعاينة، وإذا كان هذا التمديد بالنسبة للتبليغ عموما، قد يحد من ظاهرة رجوع طيات التسليم الموجهة إلى الخاضعين وهي تحمل عبارة "غير مطلوب" وبالتالي حفظ حقوق الخزينة، فإن هذا التمديد قد يطرح بعض الصعوبات بالنسبة للإشعار بالمعاينة، ومرد ذلك كون المعاينة تتم مباشرة بعد تسلم الإشعار بها، وقد يصادف ذلك عدم تواجد الخاضع للضريبة أو الشريك أو الممثل القانوني في مكان المعاينة، ويأبى العامل البسيط (البواب، الحارس...) السماح للمفتشين بالمعاينة على اعتبار غياب الشخص المسؤول، الشيء الذي سيعرض الخاضع للضريبة إلى الجزاءات المنصوص عليها قانونا[28]. 
ويطرح هذا التوسيع في دائرة الأشخاص المؤهلين لتسلم الإشعار بالمعاينة عدة إشكاليات خاصة عندما تصطدم عملية المعاينة بالرفض من لدن الأشخاص الذين لا يملكون سلطة التقرير في مثل هذه الوقائع، كما أن المقتضيات الخاصة بالإشعار بالمعاينة ليست هي تلك المتعلقة بالإشعار بالإطلاع أو الفحص، ومرجع ذلك أن عملية المعاينة تتم مباشرة بعد الإشعار بها[29]. 

ثانيا: سريان عملية المعاينة. 
تبدأ عملية المعاينة مباشرة بعد تسليم الإشعار بها من طرف المأمورين المشار إليهم آنفا، وتشمل طلب تقديم الفاتورات والدفاتر والسجلات والوثائق المهنية المتعلقة بعمليات نتج عنها أو من المفروض أن ينهج عنها تحرير فواتير، والمعاينة الفعلية للعناصر المجسدة للاستغلال، وذلك للكشف عن الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. 
كما يحوز لمأموري إدارة الضرائب المكلفين بإجراء المعاينة أن يطلبوا الحصول على نسخ منجزة بكل الوسائل وكيفما كانت طريقة تحرير الوثائق المتعلقة بالعمليات التي نتج عنها أو من المفروض أن ينتج عنها تحرير الفاتورات. ويمارس حق المعاينة في جميع محلات الخاضعين للضريبة المعنيين المخصصة لغرض مهني. 
وفيما يتعلق بأوقات إجراء المعاينة، فتتم داخل أوقات العمل القانونية وخلال ساعات مزاولة النشاط المهني. وذلك خلال مدة أقصاها 8 أيام من أيام العمل تبتدئ من تاريخ تسليم الإشعار بالمعاينة. 
فالمشرع ألزم المأمور المكلف بالمعاينة، باحترام أوقات عمله القانوني، أي عليه أن يباشر المعاينة داخل التوقيت الإداري الذي تتبعه الإدارة الضريبية، وهذا ما يثير إشكالية تطبيق هذا الحق في وجه المقاولات والأشخاص الذين يزاولون أنشطتهم خارج أوقات عمل الإدارة الضريبية[30]. 
هذا بالإضافة إلى أن المعاينة لا يمكن أن تستمر أكثر من 8 أيام ابتداء من تاريخ تسليم الإشعار بها، وأن يتم تحرير إشعار بنهايتها يوقعه كل من الخاضع لها والمأمور المكلف بها، على أن تسلم نسخة منه للخاضع لمسطرة المعاينة. 

المطلب الثاني: آثار حق المعاينة. 

باستقراء منطوق المادة 210 من المدونة العامة للضرائب، يتضح أن أهم أثر يترتب عن سلوك الإدارة الضريبية لمسطرة حق المعاينة، هو تحرير محضر المعاينة، بالإضافة إلى توقيع الجزاءات في حالة الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. 

الفقرة الأولى: تحرير محضر المعاينة. 

ينتج عن عملية المعاينة تحرير محضر خلال الثلاثين (30) يوما الموالية لانتهاء المعاينة، ويتضمن جميع الملاحظات والإخلالات المعاينة، ويوقع عليه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الخاضع للمعاينة الذي له الحق في الإدلاء بملاحظاته داخل أجل ثمانية (8) أيام الموالية لتاريخ تبليغ المحضر إليه. 
هذا بالإضافة إلى أنه يمكن مواجهة الخاضع للضريبة بمضمون المحضر عند إجراء عملية المراقبة. 
وما يمكن ملاحظته من استعمال هذا الحق، هو أن المشرع اقتصر فقط على إمكانية استعمال النتائج المتحصل عليها في وجه المقاولة بمناسبة مراقبة ضريبية لاحقة (فحص المحاسبة) مغفلا التنصيص على إمكانية سلوك مسطرة التصحيح الضريبي في حالات اكتشاف اختلالات بالوضعية الضريبية للمقاولة لاسيما إذا رفضت هذه الأخيرة مستنتجات الإدارة، وهذا الإغفال سيسبب إشكالات أثناء التطبيق على أرض الواقع. 
كما أنه لم يرتب المشرع آثار عدم احترام الإدارة الضريبية للآجال المنظمة لهذه المسطرة. فهل نكون أمام بطلان هذه المسطرة، وبالتالي عدم الأخذ بالمعلومات التي تم الحصول عليها من جراء استعمال حق المعاينة كحجة ضد المقاولة[31]. 

الفقرة الثانية: توقيع الجزاءات. 

بقراءة متأنية للمادة 210 من المدونة العامة للضرائب، فإن الخاضع للضريبة يعترض على عملية إجراء المعاينة، فإنه يتعرض إلى الجزاءات المنصوص عليها في المادة 191 في فقرتها الأولى وهي غرامة مبلغها ألفي (2000) درهم وإن اقتضى الحال غرامة تهديدية قدرها مائة (100) درهم عن كل يوم تأخير، على أن لا يتجاوز مجموعها ألف (1000) درهم، غير أنه بالنسبة للضريبة على الدخل يتراوح مبلغ هذه الغرامة من خمسمائة (500) درهم إلى ألفي (2000) درهم. 
ومن خلال هذه المقتضيات يظهر جليا مدى هزالة هذه العقوبة مما يجعل المقاولة تفضل أداء الغرامة أو الجزاء على أن تخضع للمعاينة خصوصا وإن كانت نتائج المعاينة ستظهر الكثير من الإخلالات. 
كما تتجلى أهمية المعاينة في طابعها الفجائي الذي جاءت به المدونة العامة للضرائب لأول مرة. فالمسطرة الوحيدة الفجائية في المدونة العامة للضرائب هي مسطرة المعاينة، فجميع المساطر في المدونة هي مساطر يسبقها الإشعار وذلك حتى يكون الخاضع للضريبة جاهز ومستعد لعملية المراقبة، وهذا الطابع الفجائي هو الذي لا يترك مجالا للخاضعين للضريبة للتهرب أو إخفاء الفاتورات والوثائق والمستندات. وهذا يسمح للإدارة في حال التزمت بتطبيقه إلى التوصل لمعلومات مهمة يحوز لها توظيفها في مواجهة الخاضعين للضريبة في إطار مراقبة ضريبة لاحقة. 

المبحث الثالث: فحص مجموع الوضعية الجبائية للملزم. 

تنص المادة 216 من المدونة العامة للضرائب على آلية فحص مجموع الوضعية الضريبية للملزم وهي آلية تنفرد بها مسطرة المراقبة بالنسبة للأشخاص الطبيعيين الخاضعين للضريبة على الدخل. 
ويقصد بهذه الآلية مراقبة صحة الإقرار بإجمالي الدخل السنوي المحقق من خلال مقارنته بمجموعة من النفقات المحددة في المادة 29 من المدونة، فإذا ثبت أن تلك النفقات تفوق الدخل المصرح به، وعجز الخاضع للضريبة عليها باعتبارها مداخيل غير مصرح بها. 
ومسطرة الفحص الإجمالي للوضعية الجبائية للملزم تسمح للإدارة بتقدير الدخل الإجمالي للملزم برسم الفترة غير المتقادمة انطلاقا من مجموعة من المصاريف المنفقة بصورة فعلية أو مقدرة بناء على مؤشرات مرقمة، إذا تجاوزت 120 ألف درهم في السنة. 
وتتجه مسطرة الفحص الإجمالي إلى مقارنة الدخول المحصل عليها من طرف الملزم خلال السنة المعنية بالفحص سواء أكانت هذه الدخول مصرح بها أو مقدرة من طرف الإدارة بصورة تلقائية في إطار تقدير الحد الأدنى، مع الدخل الإجمالي الناتج عن ارتفاع حجم ذمة الملزم غير المهنية وارتفاع النفقات المرتبطة باحتياجاته الخاصة. 
وعلى غرار التشريع الجبائي الفرنسي، لم يعرف المشرع المغربي مضمون الوضعية الجبائية للملزم، فالفقرة الثانية من المادة 112 من كتاب المساطر الجبائية الفرنسية، تطرقت إلى أنه يمكن للإدارة أن تراقب مدى الإنسجام والتطابق بين الدخول المصرح بها من جهة، والذمة المالية وعناصر الثراء التي تظهر من خلال نفقات المعني بالأمر من جهة ثانية[32]. 

المطلب الأول: حالات تطبيق مسطرة فحص مجموع الوضعية الجبائية. 

حق الإدارة في تطبيق مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية يشمل جميع الخاضعين للضريبة على الدخل، سواء الذين أدلوا بالإقرار بمجموع دخلهم السنوي، أو الذين يستفيدون من الإعفاء من الإدلاء بالإقرار، أو الذين سبق فرض الضريبة عليهم بصورة تلقائية، فالشرط الوحيد الذي تقتضيه المسطرة هو توفر المعني بالأمر على موطن ضريبي بالمغرب[33]. 
وقبل التعديل الذي طرأ على هذه المسطرة بموجب كتاب المساطر الجبائية، لم يكن من حق الإدارة تطبيق فحص مجموع الوضعية الضريبية في مواجهة الأشخاص الذين يعفون من الإدلاء بإجمالي دخلهم ويتعلق الأمر بـ: 
- الخاضعين للضريبة الذين ليس لهم دخول زراعية ناشئة من مشغلة واحدة إذا كانوا خاضعين للضريبة وفق النظام الجزافي. 
- الخاضعين للضريبة الذين يقتصر دخلهم على أجور يدفعها مشغل أو مدين بإيراد واحد يكون مستوطنا أو مستقرا بالمغرب، وملزما بمباشرة حجز الضريبة في المنبع. 
ويبقى التساؤل مثارا بالنسبة للخاضع للضريبة الذي يقع عليه واجب الإدلاء بإقرار مجموع الدخل إلا أنه تخلف عن تقديمه، بحيث هل يمكن للإدارة فحص مجموع وضعيته الجبائية مباشرة. 
وفي جوابها على هذا التساؤل اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط وأبدتها محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بأنه في هذه الحالة يتوجب على الإدارة أن تباشر بداية مسطرة الفرض التلقائي بالنسبة للمداخيل غير المصرح بها حتى ينشأ حقها في فحص مجموع الوضعية الجبائية، لأن المشرع يتحدث عن حالة الدخل المصرح به فعلا من طرف الخاضع للضريبة، وليس فقط واجب هذا الأخير في تقديمه، إلى جانب حالتي الدخل المعفى من التصريح أو الذي كان محل فرض تلقائي.[34] 
ويرى البعض[35] بأن مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية تجري أطوارها في مكاتب الإدارة (مصلحة الوعاء) من خلال فحص مجموعة من المستندات والتصريحات المودعة، وبعد القيام بجميع التحريات واستغلال كل المعطيات المتوفرة لديها في إطار المسطرة تقرر: 
- إما سلوك مسطرة تصحيح الدخل الإجمالي المصرح به من طرف الملزم، وذلك بعدما يتأكد بأن الدخل المهني لا يشكل المورد الوحيد للملزم وبأن هناك دخول أخرى، ويترتب عن ذلك عدم إمكانية لجوء الإدارة مستقبلا إلى إعادة فحص دخول الملزم بالنسبة لنفس الفترة في إطار مسطرة الفحص المعمق. 
- وإما ترتيبا على ذلك يقترح الملف الضريبي للملزم لإجراء مسطرة الفحص المعمق والتي اعتبر أكثر ضمانا لتحقيق نتائج ناجعة. 

المطلب الثاني: شروط تطبيق فحص مجموع الوضعية الجبائية 

استنادا إلى مقتضيات المادتين 29 و216 من المدونة العامة للضرائب يمكن تلخيص الشروط المحددة لتطبيق مسطرة فحص الوضعية الجبائية للملزم في العناصر التالية: 
1. إن الدخل السنوي الذي يخضع للمراقبة من خلال المسطرة المذكورة يجب أن يغطي فترة غير متقادمة، اي يخص السنوات الأربع الأخيرة. 
2. إن النفقات المعتمدة من طرف الإدارة في تقييم صحة الدخل الإجمالي المصرح به ينبغي أن يتجاوز مبلغها 120 ألف درهم في السنة إلى جانب أنها محددة حصرا في ثمان حالات هي: 
- المصاريف المتعلقة بالإقامة الرئيسية التي تزيد مساحتها المغطاة عن 150 متر مربع، وبكل إقامة ثانوية. 
- المصاريف المتعلقة بتسيير وصيانة عربات نقل الأشخاص. 
- المصاريف المتعلقة بتسيير وصيانة العربات الجوية والبحرية. 
- مبالغ الإيجار الحقيقية التي يدفعها الخاضع للضريبة لأغراضه الخاصة. 
- المجموع السنوي للمبالغ المرجعية من أصل وفوائد الإقتراضات التي يبرمها الخاضع للضريبة لحاجاته غير المهنية. 
- مجموع المبالغ التي يدفعها الخاضع للضريبة لأجل تملك عربات أو عقارات غير معدة لغرض مهني بما في ذلك نفقات تسليم العقارات المذكورة لنفسه. 
- عمليات تملك القيم المنقولة وسندات المساهمة. 
- السلفات المدرجة في الحسابات الجارية للشركاء أو في حساب المشغل والقروض الممنوحة للغير. 
3. في مقابل حق الإدارة في تقييم تلك النفقات والتأكد من مدى تناسبها مع الدخل الإجمالي المصرح به، يملك الخاضع للضريبة كامل الحرية في إثبات الموارد التي تبرر عدم التناسب الملاحظ وبالأخص: 
- دخول رؤوس الأموال المنقولة الخاضعة للحجز في المنبع الذي يبرئ من الضريبة 
- الدخول المعفاة من الضريبة على الدخل 
- حاصلات بيوع المنقولات أو العقارات 
- الافتراضات المبرمة لدى البنوك أو الغير لأغراض غير مهنية 
- المبالغ المتأتية من تحصيل القروض الممنوحة لفائدة الغير 
هذه الدخول وردت على سبيل المثال لا الحصر، فالمشرع الجنائي أعطى للملزم حرية إثبات موارده بجميع الوسائل المتاحة لديه، أي يقع عليه فقط عبء ثبات تحصله على الموارد التي تفيد في تغطية النفقات التي توصلت إليها الإدارة بمناسبة فحص مجموع الوضعية الجبائية، ودون أن يكون ملزما بإثبات أن موردا أو دخلا صرف في تغطية نفقة محددة بذاتها، أو بمعنى آخر إثبات العلاقة السلبية بين النفقة الدخـل المبرر لها. [36] 
كما انه من جهة أخرى لا يحوز للإدارة عند إعادة تحديد الأساس الضريبي تغطي النفقات الثمانية المشار إليها أعلاه واعتماد عناصر أخرى إضافية كما أثير في الحالات النزاعية التي أقدمت فيها الإدارة على إدماج مبالغ الحساب الشخصي للملزم، وإضافتها إلى مبالغ النفقات المذكورة معللة ذلك بأن تلك الأرصدة تعتبر مداخيل غير مصرح بها، إلى أن يثبت الملزم بأنها متأتية من نشاط خاضع للضريبة، وهو الأمر الذي يخالف إحدى القواعد الأساسية التي تقوم عليها المنازعة الجبائية، وهي أن إثبات الواقعة المنشئة للضريبة يقع على عاتق الإدارة أي يكون عليها إثبات أن دخل معين ناتج عن نشاط يخضع للتضريب وليس العكس، إلى جانب انتفاء السند القانوني الذي يسمح باعتبار مبالغ الحساب الشخصي في عملية فحص مجموع الوضعية الجبائية للملزم. 
ويلاحظ بأن المشرع في المادة 216 من المدونة العامة للضرائب لم يشترط وجوب تبليغ الخاضع للضريبة بالإشعار بالفحص، كما هو مقرر بالنسبة لمسطرة فحص المحاسبة، وذلك لن فحص مجموع الوضعية الجبائية للملزم لا يتطلب الانتقال إلى مقر الملزم حتى يتوجب إشعاره مسبقا لإعداد وثائقه، وإنما يمكن أن تقوم الإدارة بالفحص استنادا إلى المعطيات المتوفرة لديها حول نفقات الخاضع للضريبة، والتأكد من مدى مطابقتها مع الدخل المصرح به. [37] 
غير أنه في بعض الأحيان قد تسلك المسطرتين معا، فتخضع لملزم لفحص المحاسبة وفحص مجموع الوضعية الجبائية في نفس الوقت، وفي هذه الحالة يجب تفادي الوقوع في الازدواج الضريبي كما حدث في القضية التي عرضت على المحكمة الإدارية بالرباط موضوع الملف عدد 1268/07 ش ص بتاريخ 14/07/2009، فعندما تقوم الإدارة بفحص المحاسبة ويترتب عنها استبعاد محاسبة الملزم وإعادة تحديد الأساس الضريبي من جديد، فإنه يمتنع عليها القيام بتقييم إجمالي لمجموع الدخل المصرح به في إطار فحص مجموع الوضعية الجبائية، لأن هذا الأخير لم يعد له أثر وأصبح الاعتداد بالدخل الذي توصلت إليه الإدارة إثر فحص المحاسبة، وبالتالي لا يمكن أن تضيف إليه النقص الملاحظ في الدخل المصرح به لعدم تناسبه مع النفقات المشار ليها أعلاه، وإلا كنا أمام فرض ضريبي مزدوج.[38] 
---------------------------------------
هوامش:
[1] - thierry lambert:’' contrôle fiscal-principe et pratiques’’, edition Economica,p3. 
[2] - Francis lefebvre, ‘’contrôle fiscal’’,éd1992 
[3] - محمد شكيري، القانون الضريبي المغربي، دراسة تحليلية ونقدية، Remald عدد 59، 2005، الطبعة الثانية، ص 260. 
[4] -محمد شكيري، المرجع السابق، ص256 
[5]- أسماء العلوي، " تطبيقات الرقابة الجبائية على المقاولات في المغرب"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي طنجة،2007/2008، ص 19 
[6] - Jean yves MERCIER, Bernard PLAGNET,Emmanuelle FEMA LAGUENY,Claude GAMBIER: « les impôts en France », traité pratique de la fiscalité des affaires, 2002,p:525 
[7]-Jean pierre CASIMIR, « contrôle fiscal, contentieux-recouvrement »,10 édition,2005,groupe revue fiduciaire,p:271 
[8] - Zoubida AZZOUZ: « fiscalité des entreprise »guide pratique,édition EYROLLE,1990,p:264 
[9] - عبد الغني خالد، مرجع سابق، ص 121. 
[10] - محمد شكيري، مرجع سابق، ص 261. 
[11] - محمد شكيري، مرجع سابق، ص 261. 
[12] - فؤاد البملاسي، المراقبة الضريبية بين القانون والواقع، رسالة لنيل ماستر قانون المنازعات العمومية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس، 2008/2009، ص 37. 
[13] - عبد الغني خالد، مرجع سابق، ص 125. 
[14] - عبد الغني خالد، مرجع سابق، ص 127. 
[15] - محمد شكيري، م.س، ص 265 
[16] - فؤاد البملاسي، مرجع سابق، ص 42. 
[17] - عزيزة هنداز: "مسطرة تصحيح الأساس الضريبي والمنازعات المترتب عنها"، رسالة لنيل دبلوم الماستر، وحدة المهن القضائية والقانونية، 20052006، ص 20. 
[18] - عزيزة هنداز، المرجع السابق، ص 21. 
[19] - محمد شكيري، المرجع السابق، ص 263. 
[20] - محمد شكيري، المرجع السابق، ص 263. 
[21] - فؤاد البملاسي، ص 44. 
[22] - محمد شكري، ص 266. 
[23] - فؤاد البملاسي، ص 45. 
[24] - محمد شكري، ص 271. 
[25] - فؤاد البملاسي، ص 45. 
[26] - سليمان بومزوغ،" المراقبة الجبائية للمقاولة في المغرب"، رسالة لنيل دبلوم الماستر، وجدة،2011/2012، ص 13 
[27] - فؤاد البملاسي، ص 46. 
[28] - فؤاد البملاسي، ص 47. 
[29] - فؤاد البملاسي، ص 48. 
[30] - سليمان بومزوغ، ص 14. 
[31] - سليمان بومزوغ، م.س، ص 15. 
[32] - هشام زكرياء،"المراقبة الجبائية للضريبة العامة على الدخل"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة المالية العامة، جامعة الحسن الثاني-عين الشق،2000/2001، ص67 
[33] - رضا التايدي، دراسة في بعض جوانب مسطرة التصحيح الضريبي على ضوء مستجدات قانون المالية لسنة 2011، دفاتر المجلس الأعلى، عدد 16، ص 163. 
[34] - رضا التايدي، المرجع السابق، ص 169. 
[35] - محمد شكري، المرجع السابق، ص 529. 
[36] - رضا التايدي، المرجع السابق، ص 170. 
[37] - رضا التايدي، المرجع السابق، ص 171. 
[38] - رضا التايدي، المرجع السابق، ص 172.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -