المسؤولية المدنية لمحرري العقود العقارية

عرض بعنوان: المسؤولية المدنية لمحرري العقود العقارية في القانون المغربي PDF

المسؤولية المدنية لمحرري العقود العقارية في القانون المغربي PDF

مقدمة :
إذا كان الأصل في التعاقد أن الالتزام لا ينشأ إلا تبعا لتراضي المتعاقدين، فإن المشرع المغربي خرج عن هذا الأصل باشتراطه أن يفرغ العقد في شكلية معينة، واعتبر هذه الشكلية شرطا أساسيا لصحة العقد، وهذا الأمر ينطبق على التصرفات الواردة على العقارات أو الحقوق العينية بأن اشترط فيها الكتابة سواء العرفية منها أو الرسمية وجعل السبيل للوصول إليها اللجوء إلى التوثيق العصري أو التوثيق العدل ي[1].
وتاريخيا ارتبطت مهنة التوثيق بداية بالأدلة، خاصة عندما تم استبدال الدليل الشفوي بالدليل الكتابي، وقد عرفت ظاهرة توثيق المعاملات بين الأفراد منذ الحضارات القديمة سعيا وراء ضبطها وقطع دابر النزاع والخصام فيها حتى أصبحت سيدة وسائل الإثبات، وهكذا سادت نظم التوثيق في حضارات مصر القديمة وفارس واليونان وعند الرومان وما تلاهم من الحضارات القديم ة[2]. بحيث كان البابليون والمصريون يعتمدون في أنظمتهم على كتاب عموميون، وفي روما كان العبيد الذين يعرفون الكتابة يختصون بتدوين الكتابات "ما يسمى ب les notes"، بعد ذلك أصبحوا كتابا عموميون يقومون بتحرير العقود، كما كان ما يسمون ب "Tabulari"، وكانوا مكلفون بتحرير بعض العقود الخاصة كالوصايا والتبعية، وإحصاء التركات وغيرها، هذه المحررات رغم اتصافها بصفة العمومية لم تكن لها القوة الثبوتية إلا إذا تم سجيلها في سجلات عمومية" Acta Publica"، حتى تصبح لها قوة تنفيذية ويمكن الاحتجاج بها في الدعوى "Injure Cessio" .
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية من قبل بكتابة العقود والعهود وأولتها اهتماما خاصا لما لهذا العلم من أهمية قصوى في حماية الحقوق وحفظ الأنفس وصيانة الأعرض، واعتبرت الإشهاد على العقود وكتابتها
أمر ضروري لتوثيقها وتحصينها انطلاقا من قوله تعالى:" يأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل..."[3]، واشترطت في من يتولى كتابة هذه العقود أن يكون عدلا عالما بالأحكام الشرعية والشروط المرعية، عارفا بالقانون، حسن السيرة...، باعتبار أن فقه الكتب والإشهاد هو الذي يحسم النزاع بين النا س ويثبت الحقوق ويرفع الخصام، إضافة إلى ما له من وجوه سياسية واجتماعية وقانونية.
أما في أوروبا فإن مفهوم التوثيق قد عرف بدوره تطورا منذ ظهوره في سنة 1270 بفرنسا وكذاصدور قرار الإمبراطور الألماني "ماكس ميليان الأول" سنة 1512 والذي كان له دور كبير في تطور نظام التوثيق إلى حين صدور قانون "فا نتو ز4" سنة 1803 الذي اعتبر كقانون أساسي للتوثيق في فرنس ا5.
وفي المغرب ظهر التوثيق العصري بصفة رسمية إبان الحماية الفرنسية وذلك بمقتضى ظهير 4 ماي 1925، بعد أن كان الأمر مقتصرا على التوثيق العدلي.
ولقد عرفت الساحة التشريعية المغربية في السنوات الأخيرة مستجدات هامة على مستوى التشريعات المرتبطة بتنظيم العقار، ويعد مجال توثيق التصرفات العقارية من المجالات الأساسية التي حظيت بالاهتمام التشريعي، سواء على مستوى تنظيم المهن المتدخلة في ميدان التوثيق أو على مستوى إصدار تشريعات جديدة تروم تضييق اللجوء إلى العقد العرفي.
فتدخل المشرع المغربي في تنظيم مجال توثيق التصرفات العقارية لم يكن وليد صدور مدونة الحقوق العيني ة[4]، بل قبل ذلك بسنوات صدر القانون رقم 18[5].00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبني ة[6]، والقانون 44.[7]00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجا ز[8]، ثم تلاهما القانون رقم 1.[9]500 المتعلق بالإيجار المفضي لتملك العقا ر[10]، كما عمل المشرع المغربي أيضا على تنظيم المهن المكلفة بتحرير العقود حفاظا وانسجاما مع ما تتطلبه عملية توثيق التصرفات العقارية من دراية ودقة وما يهدف إليه من تحقيق الأمن التوثيقي الذي يشكل دعامة أساسية للأمن العقاري، ومن ثم صدر عام 2006 القانون 16[11].03 المتعلق بخطة العدالة الذي ينظم مهنة العدول، وكذا المرسوم التطبيقي[12] المتعلق به، كما صدر بعد ذلك القانون 32[13].09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
ومن ثم يلاحظ أن المشرع المغربي حافظ على طبيعة ا لأنظمة المعمول بها في المغرب والمتمثلة في الإزدواجية التعاقدي ة[14] في الميدان العقاري وغيرها، والتي هي عبارة عن محررات رسمية من اختصاص العدول والموثقين، ومحررات عرفية كان يمتهنها ويزاولها مهنيون متعددون وقد تم حصرها مؤخرا من خلال مدونة الحقوق العينية في مادتها الرابع ة[15] في المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض.
وبناء على هذا الوضع الذي عمل المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية على إقراره بتوثيق بعض التصرفات العقارية استثناء في محررات رسمية إلى جانب بعض القوانين الخاصة والإبقاء على مبدأ أحقية اللجوء إلى توثيق البعض منها في محررات عرفية ثابتة التاريخ.
ولكون محررو العقود العقارية يضطلعون بمهام قانونية، فقد خصهم المشرع المغربي بمكانة مميزة من حيث النظام القانوني المؤطر لهم، ووضع على عاتقهم جملة من الالتزامات تستوجب فيمن يمارس مهنة تحرير العقود العقارية وتوثيقها أن يتقيد بمبادئ الأمانة والنزاهة والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة، وأي إخلال أو مخالفة لإحداها يرتب قيام مسؤوليته المدنية أو التأديبية أو الجنائية حسب كل حالة.
فالمسؤولية المدنية والتي هي موضوع عرضنا، تجد سندها في قانون الالتزامات والعقود والقوانين الخاصة، والتي تنص على مقتضيات ملزمة لمحرري العقود أثناء ممارستهم لمهنهم، تهدف إلى حماية مصالح الأفراد عند إلحاق الضرر بهم، حيث يكون الجزاء مقصور على التعويض المادي لجبر الضرر ،الذي يؤديه المسؤول عن الضرر للشخص المتضرر.
إن أهمية المسؤولية المدنية لمحرري العقود تتجلى في كونها مقتضى القوانين الخاصة والقوانين العامة) أي قانون الالتزامات والعقود (، فهي تحتاج إلى ال دراسة لتأطير حدود هذه المسؤولية. 
كذلك تتجلى أهمية الموضوع من خلال كون محرري العقود يلعبون دورا مهما في توثيق المعاملات، وبالتالي فإن دراسة مسؤوليتهم المدنية تمكن من تحديد ما هو ملقى على عاتقهم من التزامات ومسؤوليات، مما سيمكن من وضع تصور شامل حول مسؤولياتهم ومنه التوصل إلى نظام قانوني خاص يجمع شتات النصوص القانونيةالمنظمة لهذه المسؤولية.
وعليه فإنه يمكن طرح الإشكالية التالية: "إلى أي حد توفق المشرع المغربي في إقرار المسؤولية المدنية لمحرر ي العقود العقارية من خلال النصوص الخاصة والعامة لتحقيق ا لأمن التعاقدي وحماية المتعاملين وضمان حقوقهم."
ويتفرع عن هذه الإشكالية الجوهرية مجموعة من الأسئلة، نذكر منها:
ما هو الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية محرري العقود العقارية ؟ وما هي شروط قيام هذه المسؤولية ؟
وما هي الآليات الممكن من خلالها استيفاء الحقوق الناتجة عن مسؤولياتهم ؟
سوف نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وفق التقسيم التالي:

المبحث الأول: أحكام المسؤولية المدنية لمحرري العقو د العقارية
المبحث الثاني: دعوى المسؤولية المدنية لمحرري العقود وآثارها 

---------------------------
لائحة المراجع :

الكتب 
- عبد الرحمان الشرقاوي، إثبات الإلتزام، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى سنة 2020؛
- إدريس العلوي العبدلاوي الشرح القانون المدني النظرية العامة للالتزام الجزء الثاني الطبعة الأولى سنة 2001 ؛
- حفيظ صافي، مسؤولية المحامي الجزء الأول المسؤولية المدنية، مطبعة الهداية تطوان، 2012 ؛
- عبد الحق الصافي، "الوجيز في القانون المدني" الجزء التاني، مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،2015 ؛
- محمد محي الدين إبراهيم سليم، ذاتية مسؤولية الموثق، طبعة 2003، دون ذكر المطبعة ؛
- الطاهر الكركري "المسؤولية المدنية والتقصيرية والعقدية" مطبعة أنفوبرانت فاس، 2004؛
- عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثيرها بالقانون الاقتصادي، الكتاب الثاني، مطبعة المعارف الجديدة؛
- عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام المسؤولية المدنية، الكتاب الثاني، مطبعة دار الأمان، الرباط، الطبعة الرابعة، 2015 ؛
- نبيل البكوري، "إشكالية توثيق التصرفات العقارية بين المبدأ والاستثناء"، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم 17، تحت عنوان: "النظام العقاري المغربي: الجوانب القانونية والمنازعات القضائية"، مطبعة الأمنية – الرباط 2019 ؛
- عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، الطبعة السابعة، 2015 مكتبة المعرفة مراكش؛
- حفيظ بن محمد لحمادى صافي، المسؤولية المدنية للموثق على ضوء العمل القضائي، الطبعة الأولى سنة 2017 ؛ 

الأطروحات والرسائل 
- محمد علي عبده المطري: الرقابة القضائية على المحررات التوظيفي ة- دراسة مقارنة- أطروحة لنيل الدكتوراه في القا نون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، السنة الجامعية 2017-2018 ؛
- ريحان اليازغي، "تحرير المحامي للتصرفات العقارية"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخا ص- جامعة سيدي محم د بن عب د الله فاس- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - 2019-2018 ؛
- غزلان اطويلع، "المسؤولية المدنية والجنائية للموثق العصري"، بحث لنيل شهادة الماستر في الدراسات العقارية، جامعة عبدالمالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - طنجة ،2015-2016 ؛
- سلمى شادلي في بحثها حول المسؤولية المدنية للموثق والعدل، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص سنة 2012 -2013؛
- يوسف أقصبي، المسؤولية القانونية للموثق بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والمالية فاس 2010,2011 ؛
- هشام الهلالي، "مسؤولية العدول" بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص كلية الحقوق فاس سنة 2012 -2013 ؛ المقالا ت
- الموقع الالكتروني "للغرفة الوطنية للموثقين"، على الموقع https://www.cn-notaires.dz/ ؛
- العربي مياد، "صلاحيات المحامي لتحرير العقود"، مقال منشور بموقع
؛ http://www.barreaurabat.ma/
- محمددد اهتددوت، المسددؤولية القانونيددة للعدددول فددي التشددريع المغربددي مقددال منشددور بمجلددة مغرب القانون الالكترونية ؛
- خالد خزان، مسؤولية الموثق في التشريع المغربي، مقال منشور بموقع القانونية ، ؛www.alkanounia.com
- بلحو نسيم، الطبيعة القانونية لمسؤولية الموثق المدنية، مقال منشور بمجلة المفكر، العدد 11؛
- المهدي بوي، المسؤولية المدنية للموثق- دراسة على ضوء القانون 32.09- مقال منشور بموقع ؛ www.alkanounia.com، القانونية
- العايدي كمال، "مسؤولية المحامي في إبرام العقود"، مجلة المناظرة، عدد 16 -17خاص بالمؤتمر الوطني 28 المنعقد بالسعيدية وجدة ،2014 ؛
- عمر الاسكرمي، دور المحامي في تحرير العقود: قراءة في المادة 12 من القانون 18.00؛ المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات/ العدد 5 ماي 2004؛
- محمد الخضراوي، إشكاليات توثيق التصرفات العقارية ومتطلبات التنمية : قراءة في القانون
44.00، ندوة المنازعات العقارية، منشورات كلية الحقوق بمراكش ومركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية العد د7 ، الطبعة الثانية سنة 2005 ؛
- محمد اهتوت، المسؤولية القانونية للعدول في التشريع المغربي ، www.maroclaw.com ؛
- نجيم اهتوت، توثيق التصرفات العقارية ودورها في تحقيق الأمن العقاري مجلة المنبر القانوني ،العدد 7/8، مكتبة الرشاد سطات، أبريل 2015. 

القوانين 
- القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 بتاريخ 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011)، ج.ر. عدد 5998 بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص 5587 ؛
- القانون رقم 18.00 االمتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.298 في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002)، ج.ر. عدد 5054 بتاريخ 2 رمضان 1423 (7 نونبر 2002)، ص 3175، كما وقع تتميمه وتعديله بالقانون رقم 106.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.49 بتاريخ 19 رجب 1437 (27 أبريل 2016)، ج.ر .
عدد 6465 بتاريخ 9 شعبان 1437 (16 ماي 2016)، ص 3781 ؛
- القانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.202 في 16 رمضان 1424 )11 نونبر 2003(، ج.ر. عدد 5172 بتاريخ فاتح ذي القعدة 1424 (25 دجنبر 2003)، ص 4375 ؛
- قانون رقم 16.03 يتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.56 في 15 محرم 1427 (14 فبراير 2006)، ج.ر. عدد 5400 بتاريخ فاتح صفر 1427 (2 مارس 2006)، ص 556 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -