آثار فيروس كورونا على الأسرة المغربية

مقال بعنوان: آثار فيروس كورونا على الأسرة المغربية

آثار فيروس كورونا على الأسرة المغربية

مقدمة :
إن الأسرة هي العامل الأول و الأساسي في تكوين الكيان المجتمعي و التربوي، إذ هي الخلية الأساسية في المجتمع الإنساني. و هي عبارة عن رابطة اجتماعية تتكون من شخصين أو أكثر تربطهم أواصر الزوجية أو القرابة، بحيث تترتب على كل من هذه العلاقات حقوق و واجبات بين أفرادها، التي قد تكون مقرونة بأحكام الشرع و ذلك من خلال علاقة الزواج من معاشرة حسنة، إخلاص، مودة و رحمة، كما قد تكون هذه الآثار حقوق للابناء تجاه الأباء أبويهم من قبيل الرعاية و التنشئة الصحيحة و توفير ظروف سليمة للعيش، و هنا تتجسد الأسرة من منظورها الوظيفي، حيث تحقق مختلف الوظائف المنوطة بها في سبيل ضمان سيرورة المجتمع و استقراره.
و في ظل ظهور وباء كورونا المستجد منذ بداية هذا العام – يناير 2020 – في مدينة ووهان الصينية لأول مرة حيث أكدت الدراسات أن العدوى قد تصيب عدد كبيرا من الأشخاص سواء المواطنين الصينيين أو غيرهم من الزائرين، في حين تأكد بعد ذلك أن مصابين زاروا دول أخرى من أجل عمل أو سياحة و الذي انتشر معه الفيروس بشكل واسع عبر دول العالم، و في بداية شهر مارس سجلت أولى حالات هذا الفيروس الخطير بالمغرب، الذي اضطربت معه الأوضاع عند اكتشاف إصابة أفراد أسرة المصاب، ليخترق بعدها نظام الأسرة بحكم العلاقات و الروابط التي تجمع بين أفرادها، إذ داك سجلت عدة حالات داخل كل أسرة واحدة مما جعل الدولة المغربية تتخذ مجموعة من التدابير اللازمة للحيلولة دون تفشي هذا الفيروس أو بالأحرى تقليل عدد المصابين و علاج الحالات المؤكدة بتوصيات منظمة الصحة العالمية و توجيهات ملكية سامية و بإرادة شعبية واعية.
فلا غرو أن في هكذا ظروف أصبح العيش في كنف الأسرة ضرورة ملحة لتوفير الرعاية النفسية و الدعم المادي و المعنوي إلى حين تجاوز هذه المرحلة دون أدنى خسائر.
و قد تأثر الكيان الأسري بفعل استمرار تطور الفيروس و انتشاره بشكل واسع و كذا فشل قطاع الصحة و الأوبئة في التصدي لفيروس كوفيد تسعة عشر المستجد و إيجاد لقاح أو دواء مناسب لهذا الوباء. و بالتالي أصبح قيام المجتمع مهددا خلال هذه الظرفية جراء تضرر خليته الأساسية حيث أن وضعية الأسرة في مختلف المجالات ظلت غير مستقرة من بينها مجال الحقوق و الالتزامات الأسرية، خاصة و أن تزامن اللاستقرار الأسري كنزاعات و اضطرابات التي تشوب العلاقة الزوجية و ما إلى ذلك من العلاقات داخل الأسرة مع تفشي هذا الوباء، حيث توقفت دواليب الآلة القضائية و تجمدت معه النصوص المنظمة و المؤطرة لهذه النزاعات و في ظل غياب إجراءات قضائية و سياسة أسرية ناجعة.
و تجدر الإشارة إلى أن الأسرة المعنية في هذا الصدد تتمثل في الأسرة النووية، على علم أن تدابير الحجر الصحي إلى جانب مجموعة من العوامل الاقتصادية و الاجتماعية ساهمت في اندثار الأسرة الممتدة. إذن سنحاول رصد كل ما يتعلق بمكانة الأسرة و دورها في المجتمع خاصة أثناء الفترة الرتبطة بحالة الطوارئ، كما سنعرج على وضعيتها في ظل هذه الأزمة و الضمانات الموفرة لها و القصور التشريعي في هذا الصدد بطرح الإشكالية التالية:
ما هي تداعيات وباء كورونا المستجد على الأسرة المغربية ؟
و سنقوم بدارسة هذا الموضوع و تحليل أهم ما ورد فيه و فق التصميم التالي:

المحور الأول: دور الأسرة في التعامل مع حالة الطوارئ

المحور الثاني: تداعيات فيروس كورونا المستجد على الأسرة



المحور الأول: دور الأسرة في التعامل مع حالة الطوارئ 

إن الأسرة لها مكانة سامية في النظام المجتمعي، و ذلك راجع إلى أهميتها في بناء هذا الصرح و تقويته و الحفاظ عليه من كل ما من شأنه تهديد استقراره. من ذلك دورها في التصدي لفيروس كورونا المستجد و الحيلولة دون انتشاره ( المطلب الأول)، رغم أن هذا الأخير شكل عدوا غير مرئي اخترق كيان الأسرة و حكم عليه قبضته و جعله يتخبط في ظروف صعبة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أهمية الأسرة في محاربة تفشي الفيروس

تشكل الأسرة ذلك الكيان الاجتماعي الذي يتكون منه المجتمع و منها يستمد جذوره و قوامه، و قد ظل هذا الكيان جذارا مانعا ضد كل ما من شأنه تهديد و تدمير استقرار المجتمع عبر مر الزمان و لا زالت الأسرة تقاوم لسيرورته، و في هذا الصدد كان لها دور كبير في محاربة تفشي وباء كورونا المستجد الذي غزى العالم خلال مطلع هذا العام -2020- ، و قد تجسد دور الأسرة كمؤسسة خلال حالة الطوارئ التي فرضتها الظروف الصحية في العالم بصفة عامة و المغرب خاصة، من خلال تطبيق التدابير و الالتزام بالإجراءات التي قامت بها الحكومة المغربية للحيلولة دون انتشار الوباء، بداية بالتفاعل مع تدابير الحجر الصحي و الإمتثال لأوامر السلطة حيث أصبحت بيت الأسرة الكنف الطبيعي الذي احتوى عناصره و ضمان أمنهم و سلامتهم، و من حسنات هذا الإجراء عودة الدفئ العائلي لبعض الأسر التي كانت يشوبها النزاع و الصراع سواء على مستوى العلاقة الزوجية و الأبناء في علاقتهم بالأباء و كذا غيرهم من الأطراف من قرابة. 
فكانت الأسرة البديل الحقيقي لامتصاص الغضب و التوتر النفسي الذي نجم عن هذا الفيروس و الخوف من العدوى، أيضا تقوية الروابط الأسرية و قيم الأخلاق و المعاملات خاصة لدى الأبناء، مع العلم أن هذه الفترة أبانت فيها الأسرة المغربية عن سمو مكارم أخلاقها من تضامن اجتماعي و تآزر و تآخي و النزوع عن الفردانية و العمل داخل الجماعة عن طريق مبادرات مختلفة و متبادلة شملت كل المجالات.
بالإضافة إلى ذلك كانت و لا زالت الأسرة بديلا للمؤسسات التعليمية بعد توقيف الدراسة في هذه الأخيرة و تعويضها بالتعليم عن بعد، و منه سخرت الأسرة كل الوسائل اللازمة لتفعيل هذا التدبير من وسائل و مجهودات ذاتية لضمان حق الأبناء في التعلم و حمايته رغم الظروف التي تمر منها البلاد. فكل الأسر عملت على تأطير الأبناء و مساعدتهم في تلقي الدروس عن بعد، و يعود الفضل في هذا الصدد للأباء و الأمهات الذين تحدوا مطبات الحياة و قلة دات اليد و صعوبة تأقلم الأبناء مع هذه الأجواء خاصة التعلم في البيت الذي كان في ما مضى مرتعا للراحة النفسية و تعب ضغط الفصول الدراسية.

المطلب الثاني: وضعية الأسرة في ظل حالة الطوارئ

تعد الأسرة عماد المجتمع، فكلما صلحت صلح هذا الأخير و إذا ضعفت و تأثرت تدهور النظام المجتمعي و ضعف قوامه، إذن فاستقرار المجتمع و سيرورته رهين بوضع الأسرة، هذا الكيان الذي تغيرت ملامحه في ظل حالة الطوارئ التي فرضتها الظروف الصحية للبلاد بعد انتشار هذه الجائحة -كوفيد 19.
على العموم يمكن تصنيف الأسرة المغربية على نحو ثلاث مستويات، و هي أسر تعيش الرفاهية لها كل الإمكانية و وسائل العيش الجيد، و أخرى متوسطة و ضعيفة تصارع تصارع من أجل الوجود و ضمان العيش، و هذه ما يهمنا الحديث عنها خاصة في ظل ركود الحركة الاقتصادية و توقف مصادر العيش خلال فترة الطوارئ الصحية التي تأوي أرباب هذه الأسرو معيلها، من ورشات حرفية و صناعية و فلاحية أو قطاعات أخرى غير مهيكلة أو مهن حرة ذات الدخل المحدود، من البديهي أن تترتب عنها تأثيرات سلبية على الأوضاع المادية و حتى النفسية داخل الأسرة الذي مرت منه و لا زالت تعيشه في غياب السند الحقيقي المتمثل في الدولة و كذا عدم برمجة و وضع سياسات عمومية ناجعة بمعية الشركاء الأساسيين من مجتمع مدني و مجالس منتخبة لحماية الأسرة من كل ما يهدد سلامتها و استقرارها من جراء هذه الجائحة و الأوضاع المادية الهشة التي يصعب أن تواكب الإجراءات و التدابير المُسَطّرة للحد من هذا الوباء، و رغم المبادرة القليلة و التدخلات المحدودة التي قامت بها من دعم و مساهمة إلا أنها ليست في المستوى المطلوب و لم تشمل جميع الأسر، أضف إلى ذلك هيمنة العقلية الذكورية على المجتمع المغربي جعل من هذه المبادرات رصاصة رحمة على بعض النساء التي تعيلن الأسر بعد انحلال رابطة الزوجية و ذلك لعدم توصلهم بالدعم و المساهمة إسوة بالرجل أو استئتارطليقها بهذا الحق دون التمييز بين هكذا حالات خاصة و أن خطاب الحكومة موجه فقط للأزواج أو الرجال معيلي الأسر في إقصاء تام للأرامل و المطلقات و غيرهن من النساء و هذا ما يؤكد انعدام مقاربة النوع و التمييز اللامبرر ضد المرأة التي تعتبر عنصرا أساسيا و مهما داخل الأسرة و المجتمع بصفة عامة.
مبدئيا فالأسرة المغربية في هذه الأزمة تأجج سقمها و جفت ينابع مصادر عيشها، ناهيك عن الإضطرابات النفسية و المعنوية المتولدة عن العنف الأسري سواء بين الأزواج أو الأباء تجاه الأبناء أو فيما بينهم و تطوره بسبب ضغط الالتزام بالحجر الصحي و غياب وسائل الترويح عن النفس و قلة الوعي بممارسة الأنشطة التي تساعد على التوازن النفسي من رياضة و فنون موسيقية و تشكيلية و إبداعات أدبية، و من الأمور التي قد تزيد الطين بلة ظهور أنواع جديدة من العنف العائلي من قبيل عنف الإخوة ضد الإخوات نتيجة فقدان العمل و هشاشة الوضع الإجتماعي الذي لا زالت خطوطه متشابكة و مآلها غامض، كما ساهم في ذلك التعاطي للمخدرات و المسكرات في الأوساط الأسرية .
و صفوة القول أن الأسرة المغربية في وضعها الحالي تعيش بين دواليب الاندثار و ما ستسفر عنه الأحوال بعد هذه الجائحة أسوأ بكثير من ذلك الذي تتبجح به المنابر الإعلامية و تزكيه و سائل الإعلام و التواصل من استقرار الأوضاع و مجهودات الدولة في حماية الأسرة و النهوض بها، فلا بد من تسليط الضوء على مكامن الخلل و جرد الثغرات و تعرية الواقع لكشف خبايا الوضع و إجلائها قبل وقوع ما لم يكن في الحسبان.

المحور الثاني: آثار فيروس كورونا المستجد على الأسرة

إن ظهور جائحة كورونا على الساحة الوطنية لن يمر مرور الكرام حتى و إن كان ذلك فلا بد أن يترك آثاره على كل القطاعات و المكونات المجتمعية، و قد تشكلت معالم هذه الاثار من بروز الجائحة، فمن حيث الأسرة على مستوى التقاضي شلت حركة هذا النظام و توسعت دائرة الصراعات الأسرية التي ظلت عالقة في انتظار تدخل الجهاز القضائي(المطلب الأول)، كما أن هذه الآثار شكلت منحنى في خضم الالتزامات الأسرية و التي لا زالت تنتظر سبر أغوارها لكشف مآلها(المطلب الثاني).

المطلب الأول: تأثير الوباء على مستوى التقاضي في شؤون الأسرة

القاعدة العامة أن لكل غاية إفادة، فالزامية المشرع بالتعامل مع ظروف الحال -حالة الطوارئ- بالقوانين التي تضمن حسن سير العدالة له محسناته، كما أن الإسلام شرع الحجر الصحي و هو المسبق لذالك، فعن سعد بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:” إذا كان الطاعون بأرض فلا تهبطو عليه، و إذا كان بأرض و أنتم بها فلا تفروا منه”. 
حيث هذه القاعدة إسلامية محضة، وجب التقيد بها للحفاظ على الأمن الصحي و سلامة المواطنين، إد داك كان لازما على المشرع المغربي خلال تشريعه للمراسيم و القوانين – المرسوم 292.20.2 و المرسوم 293.20.2 – و كذا الإجراءات و التدابير التي ستعامل بها الحكومة و الجهات الوصية الظروف الصحية للبلاد الإنطلاق من الأسرة كخلية أساسية في المجتمع على اعتبار أن القاعدة القانونية هي الوسيلة الوحيدة الملزمة للتعامل مع هذه الظرفية، فلا غرو من تشريع ما ينظم و يضبط العلاقات داخل الأسرة و ما يقع من نزاعات بين الأزواج و الأقارب رغم وجود النصوص السابقة المنظمة لذلك، إلا أن هذه الفترة استثنائية و المساطر التي كان معول بها في الظروف العادية أصبح تطبيقها في هذه الظرفية مستعصيا لوجود تدابير و إجراءات قيدت من حرية الأفراد و منعت من ولوج مرافق القضاء، فعلى سبيل المثال العنف المتوالي داخل البيوت و في العلاقات الزوجية كيف ما كان نوعه و طبيعته و الطرف الذي يُمَارَس بها نجد في ظروف الحجر الصحي الضغط و التعب النفسي عاملين ساهما في تضاعف هذا العنف و انتشاره بشكل كبير على مستوى الواقع، لكن ظروف الحال حالت دون التبليغ بذلك و منع استمراره رغم علم الجهات المعنية به، إلا أن صلاحيتها لا تخول لها التدخل إلا بعد وضع شكاية من المعني، و المشرع قد قعد سلفا عدة نصوص لمحاربة هذا العنف، نذكر القانون 13.103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، لكن غياب اليات بديلة لتطبيق هذا القانون تلائم الظرفية الصحية الحالية الت به إلى الجمود، سواء على مستوى صعوبة التبليغ بما يقع وسط الأسر أو كذا عدم التنسيق بين الأجهزة و الجهات المعنية بالأمر نخص بالذكر وزارة الأسرة و التضامن جمعيات المجتمع المدني النسائية، و رغم المجهودات التي قامت بها رئاسة النيابة العامة في دوريتها عدد 20 س/ ر.ن.ع. بتاريخ 30/04/2020 من خلال فتح منصة لوضع الشكايات و التبليغ عنها فيما يخص العنف ضد النساء و الأطفال، إلا أنها تصادمها الأمية التقنية في المجتمع المغربي أي أن معظم النساء ليست لهم دراية بوسائل التواصل الحديثة و غير متعلمات، زد على ذلك عدم مراعاة أحوال المناطق التي تعاني من انعدام الاتصال و الانترنيت، فعوض وضع مراكز القرب من صيدليات و دكاكين أو اعوان السلطة من خلال صلاحيتهم في هذه الظرفية رهن إشارة التبليغ عن هكذا حالات قوبلت بأساليب و إجراءات معقدة و صعبة أكثر مما كانت عليه في الظروف الطبيعية.
كما تجدر الإشارة أن عدم دمج المشرع في المراسيم المتعلقة بحالة الطوارئ نصوص تهم التعامل مع النزعات الأسرية سواء التي كانت تروج قبيل هذه الفترة و كذلك التي كانت مقر بدء الإجراءات فيها،خاصة المتعلقة بحقوق الأطفال كالحضانة و النفقة المرتبطة بآجال محددة أو لطبيعة المصالح المحمية فيها التي ستغير ملامح هذه الحقوق، ناهيك عن ما يترتب عن انحلال الرابطة الزوجية من طلاق و تطليق و التزامات لها مساطرها الخاصة و التي تغاضى عنها المشرع ليجعل هذه الأخيرة في مرحلة فراغ قانوني لا يتماشى مع مبادئ حسن سير العدالة و خرق لما يروج في الساحة الدولية من الحقوق و الحريات اللازمة لحماية الأسرة، حيث ظلت هذه النزاعات عالقة في انتظار تدخل المشرع، حيث فُسِح المجال لبعض البدائل الإحتياطية التي كانت هي المرجوة في الحالات العادية من قبيل الصلح و الوساطة العائلية للحد من بعض التصرفات التي تخدش كيان الأسرة و تؤول به إلى الانحلال و العرى و كذا تدبير هذه المرحلة و الوقوف عند كل ما من شأنه التأثير في مصالح الأسرة الفضلى خاصة ما يتعلق بالأطفال و النساء إلى حين تجاوز هذه الجائحة، و قد أضحت هذه الوسائل و لو نسبيا من حسنات هذه المرحلة بالضبط لزرع روح التضامن بين مختلف أفراد الأسرة و المجتمع عامة و جس الروح في هذه التدابير و الأساليب التي كانت جامدة منذ مدة، لكن هذا لا يعني الحسم في مختلف النزاعات الأسرية في هذه الفترة دون تدخل القضاء إنما أصبح لازما على المشرع وضع خطة عمل على ما بعد الجائحة و استراتيجية ناجعة لتعليل غايته بالنسبة لتدبير شؤون الأسرة و التقاضي في نزاعاتها خلال هذه المرحلة لتجسيد مبدأ القضاء في خدمة المواطن، ثم رسم الطريق نحو إيجاد الحلول الكافية و اللازمة لضمان الأمن القضائي للأسرة و إعادة الأمور إلى نصابها بإعطاء كل ذي حق حقه.

المطلب الثاني: تأثير فيروس كورونا على الالتزامات الأسرية

إن ما قامت به الدولة من مدخلات اقتصادية و اجتماعية لتكريس المبادئ الدستورية التي ينبثق منها مفهوم الأسرة خاصة الفصل 32 من الدستور يهم الأسرة القائمة على علاقة شرعية، لكن هذا لم يكون كافيا لتوفير الحماية و الأمن اللازمين لهذا الكيان و ضمان استقراره نظرا لتعدد الالتزمات الملقاة على عاتق كل من يعيل أسرة مكونة من زوجة و أبناء على حد التقدير بغض النظر عن الأسر الممتدة، لما لهؤولاء من حقوق واجبة في هذا الكيان، و يلتزم رب الأسرة بتوفيرها على النحو المؤكد شرعا و المنصوص عليه قانونا، فهذه الظروف الصحية جعلت من المسؤولية بالالتزامات الأسرية سلاح ذو حدين إما لأنه عر واقع مهم نتج عن قصور الدولة في الانخراط الفعال و الجاد للنهوض بالأسرة و تدبير هذه الظرفية مع مراعاة المصالح الفضلى لمواطنيها موازة بما صادقت عليه من مواثيق دولية تصون الحقوق و الحريات خاصة. و إما لقلة الوعي و اللامسؤولية من طرف الأزواج و الأباءبالالتزمات الملقاة على عاتقهم تجاه الأسرة من حضانة و نفقة و مشتملاتها، فنجد أغلبية هؤولاء الملتزمين بهذه الحقوق خاصة ما يتعلق بالسكن أو الوجيبةالكرائيةتغاضو عنها في هذه الظرفية، بداعي غياب الموارد المالية الكافية للعيش إما للتوقف عن العمل نتيجة الظروف الصحية أو إما لعدم وجود فرص الشغل خاصة بعد تلاشي بعض المهن هذا في جانب العلاقات القائمة، ناهيك عن الالتزامات الناجمة عن انحلال العلاقة الزوجية كواجبات الحضانة من أجرة و سكن هذا الأخير الذي يظل حقا أساسيا مكفول قانونا، بيد أنه أصبح شبخ يهدد جل الأسر المعنية بها و مآل هذه الفئة بعد زوال الجائحة أضف إلى ذلك أن بعض الأزواج اتخذوها مبررا للانتقام في مطلقاتهم كرها و حقدا تجاههن و تركهن يغصن في مطبات الحياة و يواجهن قساوة الظروف بقلة الحيلة و بضغط نفسي متوالي و على الابناء و ما ينتج عنه من عنف و هشاشة الروابط الأسرية.

خاتمة :
صفوة الحديث أن الأسرة هي الركيزة الأساسية للمجتمع و دورها قائم في الحفاظ عليه و ضمان سلامته كما يمثل هذا الأخير بدوره حضن الأسرة يحتويها في الأزمات و النكسات، فلا غرو أن يتأثر كل منهما بوضعية الأخر.
فقد كان للأسرة دور مهم في الحد من انتشار فيروس كوفيد 19 بما لها من مقومات و أساليب تسمح بتطبيق الإجراءات و التدابير التي نهجتها الدولة و السلطات المعنية، حيث ساهمت الأسرة في تكريس الأمن الصحي رغم الظروف الصعبة التي تتخبط بها و الضغط المتوالي على كل مكوناتها في غياب السند الحقيقي و المنتظم للتصدي لكل ما من شأنه تهديد وضعية الأسرة، بما في ذلك ترسانة قانونية بإجراءات تقاضي فعال لمسايرة النزعات الأسرية و كذا تنظيم الالتزمات و ضمان الحقوق اللازمة لاستمرار العلاقات و حماية حقوق الأطفال خلال هذه الظرفية. فرغم التدخلات من طرف الدولة و بعض المؤسسات القضائية -رئاسة النيابة العامة- لسد الفراغ التشريعي في إطار ما يتعلق بالأسرة إلا أن ذلك غير كاف لضمان استقرار مجموعة من الأسر أي أن ما ستؤول إليه الأوضاع بعد هذه الجائحة و لا شك أن تفكك مفهوم الأسرة و فض العلاقات داخلها سيكون هو المآل. و للمسك بزمام الأمور بعد هذه المرحلة يجب بناء نموذج أسرة جديدة مستقرة مجندة وراء الأزمات لها سيط مجتمعي تكافلي ذلك بإعادة النظر في هياكل المؤسسات و الجهات المعنية بشؤون الأسرة، من وزارة الأسرة و التضامن و المجالس المنتخبة و السلطات الجهوية و الإقليمية و باقي الشركاء بصياغة شاملة للسياسات العمومية و الأسرية و بعض المقتضيات التشريعية.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -