مدى اعتبار فيروس كورونا مرض مهني

مقال بعنوان: مدى اعتبار فيروس كورونا مرض مهني 

مدى إعتبار فيروس كورونا مرض مهني
بقلم : أيوب لعزيري
تمهيد : 
خلال ممارسة الأجراء لمهامهم المعتادة ، قد يتعرضون لمخاطر مهنية تتمثل في إصابتهم بأمراض مهنية ناتجة عن ظروف العمل والتي تؤتر على قدرة العامل أو الأجير على قيامه بالأعمال التي كان من اليسر والسهل عليه القيام بها، فالأجير معرض لمجموعة من المخاطر، إما اثناء القيام بعمله وتحت رقابة مشغله أو بمناسبته. كما أن نسبة الأجراء في قطاع الشغل سواء منه العام أو الخاص تعد نسبة مهمة ولا يجب الإستهانة بها ، خصوصا أنها قد تؤدي الى تسريع إنشار المرض بين أوساط الأجراء أولا ثم بين أفراد عائلتهم وغيرهم من الاشخاص المخالطين ، فانتقال العدوى لهذه الفئة وإصابتها بفيروس كورونا ، يؤدي إلى تشكيل بؤر خطيرة على مستوى الوحدات التجارية أو الصناعية، هاته الاخيرة التي لم توقف أنشطتها بسبب التدابير التي اتخذتها السلطات المختصة حتى لا يستمر الإقتصاد الوطني في تكبد مزيد من الخسائر ، والتي لا يجب أن تكون بالتأكيد على حساب الأجراء وهي الفئة التي تعتبر الضعيفة في علاقات الشغل .
وقد بزغ في الآونة الاخيرة مقتضى قانوني مستجد يخص مدى اعتبار فيروس كورونا covid 19 مرض مهني يخول للأجير الاستفادة من التعويض المنصوص عليه في القانون رقم 18.12 المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية أم أن الأمر يتعلق فقط بمرض عادي يمكن التعويض عنه طبقا للقواعد العامة ؟ 

الفقرة الأولى: مفهوم المرض المهني وشروطه 

إنه بالرجوع الى القانون رقم 18.12 يتضح أن المشرع لم يعرف المرض المهني و إنما اكتفى في المادة 11 بالنص على تطبيق أحكام القانون المذكور على الأجراء، والمستخدمين المصابين بأمراض مهنية، طبقا للشروط المحددة في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالأمراض المهنية ، وهكذا و أمام غياب تشريعي، اكتفى المشرع المغربي في الفصل 2 من ظهير 31 ماي 1943 [1]بإبراز أنواع الأمراض المهنية حيث ورد فيه أنه:” تعتبر كأمراض مهنية حسب معنى ظهيرنا الشريف هذا كل العلل المؤلمة والأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية وكذلك الأمراض المبينة في قرار وزير الشغل والشؤون الإجتماعية المتخذ بعد استشارة وزير الصحة العمومية و العائلة، ويشمل هذا القرار جداول يبين فيها بدقة و وضوح مايلي:
أولا: مظاهر أمراض التسميم الحادة أو المزمنة التي تتجلى في العملة المعرضين عادة لعوامل مواد سامة بسبب إنجاز أشغال تتطلب ممارسة أو استخدام عناصر سامة وقد أشير في القرار على سبيل الإرشاد إلى أهم تلك العناصر.
ثانيا: الأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية والتي تداهم من يشتغل عادة بالأعمال المبينة في الجداول المشار إليها أعلاه.
ثالثا: الأمراض الناتجة عن الوسط الذي يوجد فيه العامل أو عن الوضعيات التي يلزمه اتخاذها لإنجاز شغل من الأشغال المبينة بنفس الجداول المذكورة”.
وبالرجوع الى التشريع الفرنسي وتحديدا المادة 461-1 من قانون الضمان الاجتماعي نجد أنه قام بتعريف المرض المهني بأنه '' كل مرض ناشئ عن فعل بطيء ومستمر لبعض العوامل الضارة، التي كان العامل معرضا لها من خلال عمله، ویسمى المرض مهنیا إذا كانت النتیجة المباشرة لتعرض أحد العمال لعوامل فیزیائیة أو كیمیائیة أو بیولوجیة خطیرة على الصحة، أو إذا كان نتیجة الظروف التي یمارس فیها العامل نشاطه المهني المعتاد '' [2]
بالإضافة إلى التعریف الذي نصت علیه المادة 461 فقرة 1 السالفة الذكر یجب توفر شرطین أساسیین لإعتبار هذه الأمراض من بین قائمة الأمراض المهنیة وهما:
أن تكون الأمراض التي یعاني منها العامل المتضرر واردة ومدونة صراحة وبدون غموض، في الجدول الذي یصنف هذه الأمراض المهنیة وبشروط محددة للأعراض والنتائج الظاهرة على جسد العامل[3]
أن تكون هناك صلة تجمع بین المرض الذي أصیب به العامل بین النشاط المهني الذي یقوم بهما یؤدي لوجود رابطة سببیة بین المرض والعمل بحیث یكون المرض ناتج عن ممارسة ذلك النشاط المهني.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول على أن المرض المهني كل مرض يحل بالأجير بسبب مزاولته للشغل أو بمناسبته، وكل تسمم يلحقه بسبب نوعية المواد المستعملة . وتجدر الاشارة إلى أن المرض المهني يتميز عن المرض العادي في أن الأول يكون نتيجة مزاولة الأجير لنشاطه المهني في ظل ظروف أو بيئة، أو أوضاع غير صحية، أو نتيجة الإحتكاك بمواد ذات عناصر سامة مضرة بصحة الإنسان، أو نتيجة الإصابة داخل المؤسسة المشغلة بإلتهابات ميكروبية، في حين أن المرض العادي لا تكون له أية علاقة بالنشاط المهني للأجير، وإنما هو مجرد اعتلال يطرأ على صحة أي إنسان .وتتجلى فائدة التمييز بين المرضين المشار إليهما في كون الإصابة بمرض مهني تخول للأجير المضرور الإستفادة من التعويض على أساس مقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، بخلاف المرض العادي، الذي يعوض عنه في إطار التعويضات اليومية عن الأمراض الممنوحة من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

الفقرة الثانية : مدى إعتبار فيروس كورونا مرض مهني 

وكما هو معلوم فإن المشرع المغربي قام بتقسيم الأمراض المهنية إلى ثلاثة أصناف وهي كالتالي:
أولا: أمراض التسمم المزمنة أو الحادة : وهي الأمراض التي تصيب الأجراء الذين يشتغلون باحتكاك دائم مع مواد سامة
ثانيا: الإلتهابات الميكروبية : وهي الأمراض التي تصيب الأجراء الذين يشتغلون بانتظام في أنواع الأشغال التي تسببها، وقد أوردها المشرع على سبيل الحصر …
ثالثا: الأمراض الناجمة عن المحيط أو الوسط الذي يوجد فيه الأجير : وهي أمراض مرتبطة بمحيط وبيئة الشغل وظروفه كما في حالة الإشتغال بمكان شديد البرودة، أو الإشتغال في أماكن ضعف الإضاءة…وقد أوردها المشرع بدورها على سبيل الحصر
ومن خلال هذا التصنيف الذي حدده المشرع فلا يكفي الأجير المطالبة بالتعويضات المنصوص عليها في القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، أن يكون مصابا بأحد الأمراض المهنية المنصوص عليها أنفا بل لابد من أن تتوفر في هذا الأخير الشروط المنصوص عليها قانونا، وبالرجوع إلى ظهير 31 ماي 1943 كما وقع تغييره و تتميمه يتضح أن على الأجير المصاب بالمرض:
أ: أن يثبت بواسطة الشهادة الطبية المضافة إلى التصريح عن المرض، أنه مصاب بإحدى الأمراض المهنية الوارد تعدادها في اللوائح الملحقة بظهير 31 ماي 1943 المشار إليه.
ب: أن يثبت أنه عمل بانتظام في الشغل أو الأشغال التي حددها المشرع كأسباب لهذا المرض أو في الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى ظهوره
ج: أن يرفع الأجير المصاب للدعوى خلال مدة قيام مسؤولية المشغل، فلا يكفي الأجير المصاب بمرض أن يثبت أن هذا المرض مرض مهني بنص القانون وأنه اشتغل طيلة الفترة اللازمة بمحيط ينتج عنه الإصابة بمثل هذا المرض للحصول على تعويض، بل لا بد له من إقامة دعوى في مواجهة المشغل أو مؤمنه خلال الآجال التي يبقى فيها المشغل مسؤولا عن تلك الأمراض.
مما سبق نلاحظ على أنه لكي يعد المرض مرضا مهنيا، يخول الأجير المصاب به أو ذوي حقوقه في حالة وفاته الحق في التعويض أو الإيراد حسب الحالة، يتعين أن تنطبق عليه الشروط التي حددناه أعلاه، لكن السؤال المطروح يتعلق بمدى اعتبار الإصابة بفيروس “كورونا كوفيد 19” مرضا مهنيا، يخول للأجير المصاب به أو لذوي حقوقه في حالة وفاته الاستفادة من مقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
وهكذا يتضح من خلال الشروط المبينة أعلاه، وبالرجوع إلى قرار وزير التشغيل[4] المحددة للأمراض المهنية من خلال الجداول المضمنة فيه يتضح أن فيروس كورونا كوفيد 19 لا يعد مرضا مهنيا، اللهم فيما يتعلق بالأعمال المنجزة من قبل الأعوان الطبيين أو مماثليهم في المختبر أو مصلحة الصيانة أو المصالح الإجتماعية، والتي يترتب عنها إصابة هؤلاء بالفيروس المذكور[5]
وترتيبا عليه فإنه وباستثناء أجراء الأوساط الاستشفائية الذين يمكنهم الإستفادة من مقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل في حالة إصابتهم بالفيروس المشار إليه، وعند توافر الشروط المبينة أعلاه، فإن المصابين بكوفيد 19 من أجراء القطاعات الأخرى لا يستفيدون من أحكام القانون 18.12 المذكور، باعتباره مرضا عاديا يخول المصاب مادام ناتجا عن الشغل، الرجوع على المشغل وفق القواعد العامة للمسؤولية، وإذا أخفق فإن حقوقه لا تتضرر كثيرا مادام بإمكانه الحصول على تعويضات الضمان الاجتماعي، المقدمة عن العجز الناتج عن مرض غير المرض المهني.

خاتمة :
وفي الأخير فإنه على الحكومة الممثلة في وزير التشغيل والإدماج المهني القيام بمراجعة ظهير 31 ماي 1943، وتحديد قائمة جديدة شاملة للأمراض المهنية تشمل المعايير المحددة ونظام إضافي مفتوح للاعتراف بالأمراض غير المسجلة في اللائحة، وكذا نظام التعويضات وقيمتها وطرق الاستفادة منها سواء بالنسبة للأجير أو ذوي حقوقه والتأمينات الإجبارية على حوادث الشغل والأمراض المهنية، بالإضافة إلى ظهير 1972 للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وملاءمته مع قائمة منظمة العمل الدولية. خصوصا أن من التشريعات المقارنة ومنها المشرع الفرنسي عمد إلى اعتبار الإصابة بمرض كورونا covid 19 المستجد يعد من قبيل الأمراض المهنية
وهكذا نخلص الى أن إصابة الأجير بمرض كورونا المستجد خلال مزاولته لمهامه يعتريه فراغ تشريعي، لكن في حالة إثبات الأجير لكون إصابته بفيروس كورونا المستجد قد كان بسبب مخالفة المشغل للتدابير الصحية المقررة من السلطة الحكومية لتجنب الإصابة بالعدوى فيبقى المشغل مسؤولا مدنيا بالإستناد للقواعد العامة للمسؤولية، شريطة إثبات أركانها وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
_________________________
الهوامش :
1- ظهير شرف في تغيير وتتميم الظهير الشريف الصادر يوم 31 ماي 1943 والممتدة بمقتضاه إلى الأمراض الناشئة عن الخدمة المهنية مقتضيات الظهير الشريف الصادر في ( يونيو 1927 بشأن المسؤولية الناتجة عن النوازل الطارئة التي تصيب العملة أثناء الخدمة والعمل، الجريدة الرسمية عدد 2088 بتاريخ 31 أكتوبر 1952، الصفحة 6480.
2- Dominique Grand GUILLOT, article N 461/1, doit du travail et de la sécurité sociale, 9éme édition, paris,2006, p255
3- مصطفى صخري، أحكام حوادث العمل والأمراض المهنیة في القطاعین الخاص والعام، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزیع، عمان، 1998 ص 15
4- قرار لوزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني رقم 919.99 صادر في 23 دجنبر 1999 بتغيير وتتميم قرار وزير التشغيل والتنمية الاجتماعية رقم 100.68 بتاريخ 20 ماي 1967 بتطبيق الظهير الشريف الصادر في 31 ماي 1943 بتمديد مقتضيات التشريع المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل إلى الأمراض المهنية، الجريدة الرسمية عدد 4788 بتاريخ 20 أبريل 2000، الصفحة 905
5- الجدول رقم 52 الذي أورده قرار وزير التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني رقم 919.99 المشار إليه في الهامش. الأمراض المعدية التي يمكن التعرض لها في الأوساط الاستشفائية، والمسببة لالتهاب الرئة
تعليقات