دور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان

عرض بعنوان: دور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان - دراسة مقارنة على مستوى الممارسة PDF

دور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان PDF

مقدمة :
يمكن تعريف المجتمع المدني بكونه مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية وغير الربحية التي تنهض بعبء وثقل التعبير عن قيم واهتمامات الأعضاء الأخرين، فهي كافة الأنشطة التطوعية التي تنظم من قبل مجموعة من الأشخاص، حول قيم وأهداف مشتركة، وتتضمن هذه الأنشطة جميع الغايات التي ينخرط بها المجتمع المدني التقديم الخدمات في عملية التأثير على السياسة العامة.
ويمكن الإستئناس بمجموعة من التعريفات للمجتمع المدني تختلف وتتباين حسب وجهة نظركل مفكر وباحث فمثلا شیلز إدوارد يعتبر المجتمع المدني هو مجموعة مؤسسات اجتماعية متميزة ومستقلة عن باقي دوائر الانتماء بما فيها بالعائلة والطبقة والجهة والدولة ويكون المجتمع المدني شبكة العلاقات بما فيها العلاقات مع الدولة مع الإحتفاظ بدرجة من الإستقلال عنها وعن غيرها، وبالمقابل نجد كارل ماركس يعرف المجتمع المدني بكونه الفضاء الذي يتحرك فيه الإنسان، ذائدا عن مصالحه الشخصية و عن عالمه الخاص، متحولا إلى مسرح تبرز فوقه التناقضات الطبقية بجلاء، ويضع مقابل ذلك الدولة التي لا تمثل في نظره إلا فضاءا بيروقراطيا يتحول فيه الإنسان إلى عضو ضمن جماعة مسيرة يقف في حقيقة الأمر غريبا بينها، وبدوره غرامشي أنطونيو فقد إعتبر المجتمع المدني مجموعة من البني الفوقية مثل النقابات، الأحزاب، الصحافة، المدارس، الأدب والكنيسة، ومهماته مختلفة عن وظائف الدولة وعن المجتمع السياسي، وبالتالي فيمكن من خلال التعريفات السابقة الوصول إلى أنها تتفق على أن تشكيل فعاليات المجتمع المدني تتأسس من خلال مجموع إرادات الأفراد وسعيهم لتحقيق طموحاتهم وغاياتهم ومطالبهم التنموية.2
وقد عرف المغرب قبل الإستقلال مجموعة من المؤسسات التقليدية الشعبية وظفها الحماية الفرد من القهر المخزني أو التمرد عليه أو للقيام بالأعباء الإجتماعية التي توالت عبر العصور ومنها الزاوية و الحنطة وكذا المؤسسات التربوية (الكتاب - المدرسة) وهي
مؤسسات تنبتق من المجتمع، وبعد الإستقلال فقد عرف المغرب صراعا سياسيا بين الرغبة غير العاقلة للدولة من أجل الهيمنة على المجتمع من جهة، والمبادئ الشعبوية التي قامت عليها الأحزاب المرتبطة تاريخيا بتجربة الحركة الوطنية والمتفرعة عنها، كما ساهم التوجه العالمي في تكثيف حضور المجتمع المدني كهيئات غير حكومية أخدت على عاتقها مسؤولية الدفع بالهيئات الجمعوية للإنخراط في استراتيجية تنموية وبشرية وحقوقية تجعل من أهدافها العمل عن قرب مع الساكنة المحلية مما ساهم في تعزيز الشبكة الجمعوية وبث الروح في خلاياها.3
تعتبر الجمعيات أهم أشكال إشتغال المجتمع المدني في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وهي منظمة بالمغرب بظهير 1958 المنظم للحريات العامة، غير أن المغرب لم يعرف نشاطا حقوقيا منظما سوى في سبعينيات القرن الماضي نتيجة الإنتهاكات الجسيمة الحقوق الإنسان التي عرفتها الفترة الموالية لسنة 1965 بعد إعلان حالة الاستثناء وتعطيل العمل بالمؤسسات الرسمية من الحكومة و البرلمان، و المحاولات الإنقلابية التي استهدفت شخص الملك بداية سنوات السبعينيات، ليعرف المغرب سنة 1972 میلاد اول جمعية تعني بحقوق الإنسان وهي العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، لتليها الجمعية المغربية الحقوق الإنسان خلال سنة 1979، فالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان سنة 1988، لتظهر بعد ذلك خلال تسعينيات القرن الماضي، ونتيجة تغيير سياسة المغرب في مجال حقوق الإنسان بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وإغلاق كافة المعتقلات السرية، فقد ظهرت مجموعة أخرى من الجمعيات التي يطلق عليها الجيل الثاني للجمعيات الحقوقية من قبيل منتدى الكرامة لحقوق الإنسان والمنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف.
و بالموازاة مع الجمعيات المحلية التي تعني بالدفاع عن حقوق الإنسان، نجد المنظمات غير الحكومية العالمية المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان فهي تقوم بمراقبة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتوثيقها، وتتدخل لدى الحكومات و الراي العام المحلي والدولي لوضع حد لها، وفي هذا الإطار يمكن أن نذكر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، هيومن رايت ووتش، منظمة الشفافية الدولية والمستهلكون الدوليون، منظمة المساواة الأن النسائية والمكتب الدولي لحقوق، وتتوفر هاته المنظمات على فروع لها بعدة دول من ضمنها المغرب في إطار التعامل الإيجابي في مجال حقوق الإنسان.
وتعتبر النقابات أحد أهم أشكال تنظيمات المجتمع المدني العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، خصوصا الجيل الثاني من الحقوق والحريات المتعلق بالحقوق الإجتماعية والإقتصادية وتبقى النقابة تنظما ضد محموم من الإجراء يمارسون نفس
العمل، هدفها تنظيم ذلك العمل والدفاع عن حقوقهم ، وبالمقابل فإن المشرع يفضل عدم اعطاء تعريف لها كما هو الحال مع الفصل الأول من ظهير 16 يوليوز 1957 الذي اكتفي بتحديد غايتها بشكل عام معتبرا: "إن القصد الوحيد من النقابات هو الدود والدفاع عن المصالح الإقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها" تاركا المجال للفقه لتوضع تعريف لها، وقد عرفت الحركة النقابية بالمغرب تطورات متعددة إرتبطت بالسياق الإجتماعي والإقتصادي للمملكة.
و إن إعتبار الصحافة بمتابة السلطة الرابعة في أي نظام ديمقراطي، جعل منها شكلا من تنظيمات المجتمع المدني العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وقد عرفت المجال الصحفي في المغرب تطورات مهمة بعد سنوات التسعينيات، خصوصا بعد تجربة التناوب الديمقراطي، لينتقل من إحتكار الصحافة الرسمية والحزبية إلى بروز صحافة مستقلة تشتغل بإحترافية وإستقلالية، ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه الصحافة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال فضح الإنتهاكات لحقوق الإنسان عبر تحقيقات صحفية وتقارير إعلامية.
ويمكن من خلال مجال الإشتغال تصنيف منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان إلى صنفين الأول له مجال إشتغال عام يشمل جميع أنواع الحقوق، والثاني له مجال إشتغال خاص يعنى بفئات معينة أو مجال حقوقي محدد، فالمغرب يعيش تعددية على مستوى التنظيمات الحقوقية التي تختص بالمجال الحقوقي والدفاع عن حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، من بينها كما أسلفنا سابقا العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، منتدى الكرامة وجمعية عدالة...الخ. 
وخلافا للفئة الولى التي تهتم بحقوق الإنسان بشكل شامل، فإن الفئة الثانية تكون متخصصة في الحقوق الفئوية أو مجال حقوقي محدد، ونجد ضمن هاته الفئة المنظمات المدافعة عن حقوق المراة أو حقوق الطفل أو حقوق الأشخاص المعاقين من قبيل الجمعية المغربية لحقوق النساء 1992، العصبة المغربية لحقوق النساء 1993، جمعية النساء التقدميات 1996، منظمة تجديد الوعي النسائي 1995... جمعية بيتي للأطفال في وضعية صعبة 1995 والجمعية المغربية لحقوق المعاقين 1999، قبل أن تظهر جمعيات جديدة تعمل في مجال حماية حقوق المستهلك او حماية المال العام.
من خلال ماسبق يمكن إستخلاص أن الدفاع عن حقوق الإنسان تبقي من الإهتمامات الأساسية للمجتمع المدني الذي يبقى معنيا بها، ومطالبا بالدفاع عنها سواء تعلق بالحقوق المدنية أو السياسية أوالحقوق الإجتماعية أو الإقتصادية وحتى الحقوق البيئية، فما هي الأدوار التي يلعبها المجتمع المدني في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وماهي الإنجازات التي حققت والإخفاقات المسجلة ؟ ذلك ماسنحاول الجواب عنه من خلال هذا العرض من خلال إعتماد تصمیم من مبحتين كمايلي: 

المبحث الأول: دور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان
المبحث الثاني: تقييم دور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان
__________________________
لائحة المراجع :

+ الكتب والمؤلفات: 
- د. محمد البزاز حقوق الإنسان والحريات العامة مطبعة سجلماسة السنة الجامعية 2017-2018.
- المصطفى قاسمي "دولة القانون في المغرب التطورات والحصيلة" الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2004
- عبداللطيف حمزة "الصحافة والمجتمع " دار القاهرة 1993. 
- عائشة بلعريي "الحركة الجمعوية النسائية بالمغرب تأكيد مواطنة المرأة" وارد ضمن مؤلف جماعي بعنوان "وعي المجتمع بذاته، عن المجتمع المدني بالمغرب العربي" غشراف عبدالله حمودي دار توبقال للنشر الطبعة الأولى الدار البيضاء 1998.

+ المواقع الإلكترونية:
- غادة الحلايقة "تعریف منظمات المجتمع المدن المقال منشور بتاريخ 14 فبراير 2016 بالموقع الإلكتروني mawdoo3.com
- رشيد جرموني "المجتمع المدني بين السياق الكوني والتجربة المغربية مقال منشور بالموقع الإلكتروني aljabriabed.net 
موقع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالانترنيت amdh.ma
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -