صور الحجز في قانون المسطرة المدنية

مقال بعنوان: أنواع الحجز في قانون المسطرة المدنية والاجتهاد القضائي المغربي 



مقال بعنوان: أنواع الحجز في قانون المسطرة المدنية والاجتهاد القضائي المغربي  PDF

مقدمة:
الأصل في الحقوق أن توفى رضاء، وإلا فقضاء عن طريق استصدار حكم وجبر المحكوم عليه على الوفاء بالتزاماته. فالتنفيذ هو الغاية من استصدار الأحكام، وبدون تنفيذ يكون الحكم عدما. أو كما قال عنه جلالة المغفور له الحسن الثاني: "عدل ظالم"[1].
وقد وضع المشرع في قانون المسطرة المدنية مجموعة من الوسائل القانونية كحمل المحكوم عليه على الوفاء بالتزامه المفروض بمقتضى الحكم القضائي القابل للتنفيذ، ومن بين هده الوسائل الغرامة التهديدية. وإيقاع حجز على أموال المدين.
ونحن اخترنا كموضوع لهده الدراسة تحديد أنواع الحجوز وهي الحجز التحفظي، الارتهاني، التنفيذي، وأخيرا الحجز لدى الغير.
هناك تساؤلات كثيرة تجرنا إلى القول التالي: في الذكرى الثلاثينية لقانون المسطرة المدنية التي حلت في 28 يوليوز 2004 نتساءل: هل أدت هده الحجوز الغاية التشريعية من سها؟أم على العكس من دلك هو تزيد في الإجراءات ويلزم تعديله في أقرب تعديل تشريعي؟[2].
تلكم مجموعة تساؤلات سنحاول التصدي لها من خلال هدا العرض المتواضع بحيث سنبين في( مبحث أول) خصوصية القواعد الموضوعية للحجز التحفظي والحجز التنفيذي الارتهاني، وفي( المبحث الثاني) القواعد الإجرائية للحجز لدى الغير.

المبحث الأول: الحجز التحفظي والحجز التنفيذي والحجز الارتهاني

إدا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه اختيارا أجبر على التنفيذ بطريق حجز أمواله حجزا تحفظيا حتى لا يتضرر دائنوه بتصرفه فيها سواء بعوض أم بغير عوض ويجوز لكل دائن سواء كان دائن عادي أم له حق امتياز أن يطلب حجز تحفظي على أموال مدينه إدا خشي فقدان ضمان حقه، ويبق عليه عبئ إتباث هده بمقتضى دليل جدي وتوافر الشروط أللازمة لدلك.
وهناك شروط أخرى أشار إليها المشرع في الفصول 483 -449-450-451، من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالإجراءات العامة لسائر أنواع الحجوز وشروط خاصة بإجراءات الحجز التحفظي منها مايتعلق بالسند الذي ينفد بمقتضاه وبالدائن الحاجز والمدين المحجوز عليه وبالدين المحجوز من أجله وبالمال المحجوز عليه ثم هناك إجراءات مسطريه لتوقيع الحجز يجب إتباعها منها مايتعلق باختصاص ومنها ما يتعلق بالمسطرة وهدا ماسوف نراه في( المطلب الأول) في حين نتطرق في( المطلب الثاني) الحجز التنفيذي والحجز الإرتهاني


المطلب الأول: المرتكزات التي يقوم عليها الحجز التحفظي.
الفقرة الأولى: شروط الحجز التحفظي

أولا: شروط السند الذي بمقتضاه.
يشترط لصحة الحجز التحفظي أن يكون بيد الدائن طالب الحجز سند قابل للتنفيذ وهو نص الفصل 432 من ظهير المسطرة المدنية الذي ورد فيه لايجوز إجراء أي حجز على منقول أو عقار إلى بموجب سند قابل للتنفيذ ولم يتعرض المشرع للتعريف التنفيذي،إلا أن الفقه والقضاء استقرا على اعتبار الأحكام والأوامر التي يصدرها لقضاء سندات تنفيذية وكدا الشأن بالنسبة للقرارات الموثقة محاضر الصلح التي تصادق عليها المحاكم أو مجالس الصلح [3] والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هده الصبغة كما اعتبر الفصل 432 من ق م م العقود المبرمة بخارج سندات تنفيذية.
ورغم أن المشرع اقتصر على ذكر الأموال المنقولة دون العقارية فإن مقتضات الفصل 292 من ق م م قد أشارت إلى إمكانية التوقع الحجز التحفظي على المنقولات والعقارات سوية.
-الأحكام ليس الكل يعتبر سندا بل لابد من توفر شروط في الحكم ليكتسب صفة السند التنفيذي: وهده الشروط هي:
أن الحكم صادرا بإلزام دون حكم تقريري والحكم المنشئ، لأنها لاتصلح للتنفيذ الجبري ولأن الأحكام المتضمنة قضاء بالإلزام هي وحداها التي تصلح للتنفيذ الإجباري كما أنه يجب أن يكون الحكم حائزا لقوة الشئ المحكوم به أو مشمولة بالنفاد المعجل: أما إدا كان الحكم ابتدائي وقابل للتعرض أو الاستئناف حسب الأحول المدلول الفصلين 430-333،من ق م م ،أو المعفى منها قانون كما هو الحال بالنسبة للتنفيذ بالمسودة.
- أما فيما يخص أحكام المحكومين شأنها شأن أحكام الفصل لكن يشترط كذلك خاصة صدور أمر من رئيس المحكمة الابتدائية وهو ما نص عليه الفصل 320 من من ق م م بقوله يصير قابلا حكم المحكمين قابل لتنفيذ بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر في دائرة نفوذها إدا تعلق التحكيم باستئناف حكم يودع حكم المحكمين بالكتابة الضبط بالمحكمة الاستئناف ويصدر أمر من الرئيس الأول لها[4].
ثانيا :الشروط المتعلقة بطرفي الحجز.
وبالإضافة الشروط اللازمة في السند الذي رخص الحجز من أجله هناك شروط يجب توفرها في كل من الحاجز والمحجوز عليه،الشروط المتعلقة بالحجز أن يكون دائنا للمحجوز عليه وقت الحجز ويستوي في دلك أن يكون دائنا عاديا أو صاحب رهن أو امتياز وأن يكون أهلا للإدارة حقوقه وبالتالي الأهلية المتطلبة لإجراء الحجز هي أهلية الإدارة.
ثالثا:الشروط المتعلقة بالمحجوز عليه.
أن يكون أهلا ويرجع تحديد الأهلية يجب أن يكون المحجوز عليها إلى القانون أحواله الشخصية
أن يكون مدين للحاجز بالإضافة إلى شروط الأهلية يجب أن يكون المحجوز عليه مدينا للدائن الحاجز بمقتضى السند التنفيذي ومقتضى دلك أن يكون ذا صفة في توقيع الحجز عليه،ويجب أن تثبت له هده الصفة وقت توقيع الحجز.
رابعا :شروط الدين رخص الحجز بسببه.
بالإضافة إلى الشروط الواجب توافرها في السند وطالب الحجز والمحجوز عليه هناك شروط تتعلق بالدين المحجوز من أجله، فقد نص الفصل 438 من ق م م على أنه:
1-أن يكون الدين محقق الوجود .
2-أن يكون معين المقدار .
خامسا: شروط المال المحجوز عليه.
أن الحجز التحفظي وضع حماية للضمان العام المقرر لحق الدائن وعليه فإن جميع أموال المدين هي ضمان لما يكون للدائن من حقوقه على المدين وقابلة لأنه يشملها الحجز التحفظي[5].

الفقرة الثانية: إجراءات الحجز التحفظي.

أولا: في الاختصاص.
يرجع الاختصاص للنظر في طلبات الحجز إلى رئيس المحكمة الابتدائية وهو يبث في إطار الفصل 148 ق.م.م وفي غيبة الأطراف دلك نظرا لما لهدا الإجراء من سرية ومباغتة حتى لايقوم المدين بإخفاء الأموال المطلوبة توقيع عليها أو تفويتها للغير قبل دلك.
يرجع الاختصاص من حيث المحل الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه وللقواعد العامة المنصوص عليها في الفصول 27،16،17 من ق.م.م وعليه فإن الدفع بعدم الاختصاص المحلي في دعوى الحجز التحفظي ليس من النظام العام وبالتالي لا يمكن للقاضي المختص النظر في هده الطلبات المثيرة تلقائيا كما إنه يجوز للأطراف أن يتفق على منح الاختصاص لأية محكمة يرونها مفيدة لهم[6].
ثانيا: المسطرة.
ينتقل عون النتفيد فور صدور الأمر بتوقيع الحجز وتبلغه للأطراف المعنية إلى مكان الذي توجد فيه المنقولات التي انصب عليها الحجز ويقوم بحصرها و ترقيمها في محضر و إدا كانت حلي أو أشياء ثمينة قام بوصفها وتقدير قيمتها[7].

المطلب الثاني: إجراءات الحجز التنفيذي وآثاره ومسطرة الحجز الاريهاني.
الفقرة الأولى: إجراءات الحجز التنفيذي

نظم المشرع المغربي الحجز التنفيذي في الفصول 459 إلى 482 من قانون المسطرة المدنية، وقد يقع على منقولات (460-468 ق.م.م ) كما قد يرد على العقارات (الفصل 469-482) ق.م.م.
أولا: إجراءات الحجز التنفيذي على المنقولات والعقارات: الحجز في المنقولات يتم بإتباع مجموعة من الإجراءات تمكن من ضرورة حجزها ووصفها وصفا دقيقا في محضر ينجزه عون التنفيذ بعد أداء الرسوم القضائية ودلك طبقا للفصلين 435 و 456 من ق.م.م مع ضرورة توفر شروط هي:
- الإثارة إلى السند التنفيذي وجوب ذكر مكان الحجز.
- الحجز لا يتم إلا بعد مرور 30 يوما على تبليغ الإنذار.
- مع مراعاة الإنذار واحترام الآجال القانونية والإجراءات أمام المحكمة.
- صدور الحكم خلال 15 يوما غير قابل للتعرض ومشمول بالتنفيذ المعجل.
ثانيا: مسطرة التبليغ: بتبليغه المقرر القضائي أو التنفيذي بوجه عام من طرف كاتب الضبط المحكوم عليه أو محجوز عليه وكدا من طرف الحاجز أو المحكوم له كما أن على كاتب الضبط للمحكمة التنفيذ بالشهر القانوني نفاد الطلب
ثالث: الحجز التنفيذي على العقارات: نص الفصل 469 على لايقع البيع الجبري للعقارات إلا عند عدم كفاية المنقولات ما عدا إدا كان المدين مستفيد من ضمان عيني وقد استثنى المشرع بعض العقارات من الخد وع لمسطرة الحجز،كما هو بالنسبة للأملاك المحبسة وأراضي الجموع وعليه تكون العقارات المقصودة هي التي ترجع ملكيتها للخواص سواء كانوا أشخاص ذاتيين أو معنويين، سواء كانت العقارات محفظة أو غير محفظة.
ولابد من احترام إجراءات معينة:
يندر عون التنفيذ المدين داخل أجل 10 أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ.
مبلغ الدين الواجب أدائه ودلك بهدف قيامه بالوفاء بطريقة اختيارية قبل البدء في إجراءات التنفيذ الجبري.
- على العون أن يبين حدود العقار بصورة دقيقة إشارة على طبيعة محفظ أو غير محفظ.
إدا كان محفظا يقيد محضر رسمي من العون المكلف بالتنفيذ من طرف المحفظ في الرسم العقاري طبقا للتشريع الجاري به العمل وفق الفقرة الثانية من الفصل 470 ق.م.م أما إدا كان غير مقيد في السجل الخاص بالمحكمة الابتدائية يقع الإشهار المنصوص عليها في المادة 455 من نفس القانون[8].

الفقرة الثانية:القواعد الموضوعية في الحجز الارتهاني.

إن أول الخصوصيات التي تميز الحجز الارتهاني هو أنه لا يعطي ضمانا لأي دين. بل فقد لضمان أداء دين مخصوص من حيث الطبيعة والمصدر وهو الدين الناتج عن علاقة كرائية. ومن تم فإن الحجز الارتهاني محصور على أطراف دوي صفة خاصة بحيث إن الحاجز لا يمكن أن يكون سوى المكري سواء بصفة بصفته مالكا أو بأية صفة أخرى، في حين فغن المحجوز عليه لايمكن أن يكون سوى المكتري، وهدا الطرح يجد كمرجعية تشريعية له مقتضيات الفصل 497 من ق.م.م الذي جاء فيه:
"يمكن للمكري بصفته مالكا أو بأية صفة أخرى لعقار أو أرض فلاحيه كلا أو بعضا أن يعمل بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية على إيقاع حجز ارتهاني لضمان الأكرية المستحقة على الأمتعة والمنقولات والثمار الكائنة في دلك العقار المكري أو الموجودة بهده الأرض.
يمكن أن يمتد هدا الحجز بنفس الإذن إلى المنقولات التي كانت أثاثا لدار أو المستعملة في الاستغلال الزراعي إدا كانت قد نقلت بدون رضى المكري الذي يحتفظ إزاءها بحق الامتياز الذي يقرر ه القانون الواجب التطبيق في النازلة".
فبمقتضى هدا الفصل حدد المشرع طبيعة الدين الذي يمكن على أساسه المطالبة بإيقاع حجز ارتهاني وهو الدين الناتج عن الأكرية المستحقة عن كراء العقارات والأراضي الفلاحية[9].
وقد نص المشرع في الفصل 497 من ق.م.م على كيفية إيقاع هدا الحجز فقد جاء فيه "يمكن للمكتري بصفته مالكا أو بأية صفة أخرى لعقار أو أرض فلاحيه كلا أو بعضا أن يعمل بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية على إيقاع حجز ارتهاني لضمان الأكرية المستحقة على الأمتعة والمنقولات والثمار الكائنة في دلك العقار المكري أو الموجود بهده الأرض.."
وقد دهب بعض رؤساء المحاكم إلى أن الأمر بإيقاع الحجز الارتهاني يعطى في إطار مقتضيات الفصل 148 في قانون المسطرة المدنية بوصفه نصا إجرائيا عاما ينظم الأوامر المبنية على طلب وهكذا جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء آنفا بتاريخ 1998/09/30 :"بناءا على الطلب المقدم من طرف نائب المدعي والرامي إلى إجراء حجز ارتهاني والدي يعرض فيه أنه أجر للسيد(..) شقة كائنة ب(-) وأن المكتري أمسك عن أداء الكراء مند فاتح يناير 1997 إلى اليوم مما تخلد في ذمته مبلغ (-) وأنه أندره طبقا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 1980/12/25، ورفع في مواجهته دعوى الأداء والإفراغ وهي الآن موضوع الملف عدد 3080/98، وأنه بلغ إلى عمله أن المكتري يستعد لإخلاء كل المنقولات والأثاث المتواجدة في المحل المؤجر احتمالا للهروب من كل المنقولات والأثاث المتواجد في المحل المؤجر احتمالا للهروب من كل حجز قد يقع ضده.
وبناء على الأسباب المذكورة وعملا بمقتضيات الفصل 148 من ق.م.م لهده الأسباب،... نأمر بإجراء حجز ارتهاني على كل الأثاث والمنقولات والسيارات المتواجدة في المحل المؤجر ضمانا للكراء المستحق للعارض والدي يبلغ(...)[10].
في حين دهب بعض الفقه إلى القول بأن الاختصاص بإصدار الأمر بالحجز قد خص بإصداره رئيس للمحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة أو من ينوب عنه من أقدم القضاة بالمحكمة بعد أن يبحث الطلب وينظر إلى ظاهر المستندات المقدمة إليه[11].
ومع احترامنا الكبير للتصورات الفقهية والقضائية أعلاه فإننا نعتقد أن الأمر بإيقاع الحجز الارتهاني لا يصدر في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، بل يصدر في إطار الفصل 497 من قانون المسطرة المدنية باعتباره نصا إجرائيا خاصا ينظم المسألة. دلك أنه لإصدار أمر معين في إطار الفصل 148 من ق.م.م يجب توفر ثلاث شروط:
أولا: أن يتعلق الأمر بإجراء مستعجل.
ثانيا: ألا يمس الإجراء المطلوب بحقوق الأطراف.
ثالثا: ألا يرد تنظيم خاص بشأن الإجراء المطلوب اتخاذه[12].
إذن فمن خلال تسطير هده الشروط يتبين أنه لامجال لإعمال مقتضيات الفصل 148 فيما يتعلق بإصدار الأمر بإيقاع الحجز الارتهاني لوجود مانع قانوني وهو تنظيم المسألة بنص خاص وهو مقتضيات الفصل 497 من ق.م.م.
ورئيس المحكمة المختصة بإيقاع الحجز الارتهاني يكون هو رئيس المحكمة الابتدائية متى كان موضوع الكراء كراء سكنيا أو معدا للاستعمال المهني أو كراء فلاحيا، وبصفة عامة كل كراء يخضع في تنظيمه للقواعد العامة للكراء ولا ينظمه أي نص خاص، أما في الحالة التي يكون فيها أمام كراء تجاري فإنه يثار إشكال تحديد الرئيس المختص هل هو رئيس المحكمة الابتدائية أم رئيس المحكمة التجارية؟[13]

المبحث الثاني: القواعد الإجرائية للحجز لدى الغير.

نظم المشرع المغربي الحجز لدى الغير في الفصول من 488 إلى 496 من قانون المسطرة المدنية، ويعرف الفقه حجز ما للمدين لدى الغير بقفل أموال المدين بين يدي مدين هدا الأخير إما بواسطة كتابة الضبط بناءا على سند تنفيذي أو بناءا على طلب عند عدم وجود سند تنفيذي على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو بتسليمه نتاج بيع الأشياء المحجوزة[14].
فمن خلال هدا التعريف فلقيام الحجز لدى الغير لابد من توافر عدة شروط وكدا إتباع بعض الإجراءات، ودلك حتى تنظر فيه الجهة المختصة بالبث فيه في وضعية سليمة وقانونية.

المطلب الأول: الطبيعة القانونية للحجز لدى الغير على القيم المنقولة.

بداية نشير إلى أنه من خلال دراسة معمقة لقانون شركات المساهمة أو قانون 24 يوليوز 1867 الفرنسي للشركات، الذي كان مطبقا في المغرب لم يتعرض فيه المشرع إلى طرق وشكليات حجز القيم المنقولة، خلاف بعض التشريعات الأخرى كالقانون السوري الذي تعرض لدلك من خلال المادة 148 من قانون الشركات أو المشرع الأردني الذي عالج هده النقطة من خلال المادة 69 من قانون الشركات الأردني، أما المشرع الفرنسي[15] فقد تعرض للحجز على القيم المنقولة من خلال مرسوم 31 يوليوز 1992.
إن تنظيم الحجز لدى الغير في القسم الخاص بطرق التنفيذ يدفع إلى الاعتقاد بأنه يعتبر ذا طابع تنفيذي، لكن قراءة فصوله خاصة الفصلين 488 و 491 من قانون المسطرة المدنية تنفي هدا القول فالسماح للدائن الذي يتوفر على دين تابت بحجز أموال مدينه التي بين المدين هدا الأخير يدفع إلى التصريح بالطابع التحفظي لهدا الإجراء على أن النظر إلى الإجراءات الحجز لدى الغير في مجموعها يدفع أيضا إلى أن هدا الأخير يكتسي طابعا مختلطا حيث يبدأ الحجز التحفظي أي لا يكتسي طابع الهجوم في حين ينتهي تنفيذيا أي اقتضاء الحق موضوع السند التنفيذي أو البيان التابث وقد كان موضوع الطبيعة القانونية لهدا النوع من الحجوزات محل خلاف فقهي وقضائي.
انعكست الاجتهادات المبذولة بصدده على موقف القضاء بخصوص بعض الإشكالات التي أبان عنها الواقع العملي لتطبيق مكانة الحجز لدى الغير، مما انعكس بدوره على فعالية هذه المسطرة، ومما دفع ببعض التشريعات إلى تدخل تشريعي.
إن حسم المشرع الفرنسي في تحديد الطبيعة القانونية للحجز لدى الغير ودلك بعدما ألغى مكانة المطالبة بإيقاعه بناءا على مجرد توفر على دين تابث، فأصبح هدا الحجز إجراء تنفيذيا.
ومن مميزات هذا الحجز أنه إجراء مؤقت ومفاجئ حيث يمكن للدائن مباغتة المدين بالحجز على أموله التي في يد الغير قبل أن يتصرف فيها أو أن يهربها كما أنه يتميز بطبيعة مزدوجة حيث يبتدئ كإجراء تحفظي لحماية حق الدائن ثم ينتهي إجراء التنفيذي برفع دعوى المصادقة على الحجز لدى الغير.
وهو إجراء مباشر يكون المحجوز عليه مدينا شخصيا للحاجز ومالكا للأموال المراد حجزها.
وبصفة عامة، يعتبر الحجز لدى الغير مسطرة قضائية يتم من خلالها عقل أموال المدين بين يدي مدين هدا الأخير، إما بواسطة كتابة الضبط، بناء على سند تنفيذي، أو بناءا على طلب موجه لرئيس المحكمة المعنية عند عدم وجود سند تنفيذي، على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة، مباشرة أو بتسليمه نتائج الأشياء المحجوزة[16].
وبهدا الحجز لدى الغير قد تكون محلا له المنقولات التي توجد في حيازة الغير،وعلى دلك أن بعض الفقه المغربي فسر عبارة المستندات الواردة في الفصل 488 من ق.م.م بالمنقولات، في حين أن المقصود بها في الفصل المذكور هي القيم المنقولة، ومن تم فإن المنقولات تحجز حجزا تحفظيا بين يدي الغير، وتنصب مسطرة الحجز لدى الغير أساسا على الديون الحالة المستحقة للدائن الحاجز على مدينه المحجوز عليه بيدي الغير وأن تكون هده الديون تابثة، محلها محدد نقدا باستثناء الأموال والتعويضات غير القابلة للحجز طبقا للقانون( الفصل 488 من ق.م.م ) كما أن هناك أموالا لا يمكن الحجز عليها إلا بصفة جزئية وفي حدود معين رسمها المشرع في ظهير 07 يوليوز 1941 المعدل بظهير 18 غشت 1952 وبدلك يكون المشرع قد أحاط الأجر بحماية خاصة تكفل وصوله للأجير كاملا أو شبه كامل، كونه مورد رزق ووسيلة عيشه الوحيدة في معظم الحالات[17].

المطلب الثاني: شروط وإجراءات الحجز لدى الغير.

الحجز لدى الغير هو دلك الإجراء الذي يلجأ إليه الدائن الحاجز لحماية حقه فيتعرض بين يدي المحجوز للدين على المبالغ والقيم المنقولات التي يحوزها هدا الأخير لفائدة المدين المحجوز عليه منعا من التصرف فيها تصرفا يضر بحقوقه، وعليه فالحجز لدى الغير يتضمن أربعة أركان: الدائن (الحاجز) مدينه المباشر (المحجوز عليه) مدين مدينه (الغير المحجوز لديه) والمال أو الشيء المحجوز.
لذلك فهناك شروط واجب توفرها في الأطراف والمتمثلة في:
- أطراف الحجز لدى الغير: وخلافا لأنواع الحجوز التي تقوم على العلاقة الثنائية فإن هدا النوع من الحجوز يتضمن مبدئيا ثلاثة أطراف الدائن الحائز والمدين المحجوز لديه أي الشخص الثالث الذي بحوزته مال المدين.
وتماشيا مع هدا صدر أمر عن رئيس المحكمة التجارية بالرباط ورد فيه "وحيث من شروط الحجز لدى الغير، أن يكون المحجوز لديه مدينا للمحجوز عليه، وحيث أن المحامي لايعتبر مدينا للمطلوب في الحجز، دلك أنه يقوم بعمله كوكيل عنه ومن تم فإنه لا يجوز إجراء الحجز بين يديه على ودائع موكله، وأن العلة في عدم اعتباره غيرا، هي أنه يعتبر نائبا عن موكله، ونائبه مما نصرح معه برفض الطلب[18] .
هدا وقد نص الفصل 488 من ق.م.م على ما يلي " يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين تابت، إجراء حجز بين يدي الغير، بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات مدينه والتعرض على تسليمها له.
وإدا كان المشرع قد أورد شروط اللازمة لصحة هده المسطرة من خلال هدا النص التشريعي، فإن الاجتهاد القضائي المغربي قد توافر على التعرض لشروط مسطرة الحجز ما للمدين لدى الغير في كل مناسبة[19] ونمثل هدا من خلال ما ورد عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في حيثيات أحد الأوامر الصادرة عن رئيسها الأول وحيث أنه لاجدال في أن الأمر بالحجز لدى الغير لا يمكن الأمر به إلا استنادا على دين ثابت محقق الوجود مال الأداء غير منازع فيه منازعة جدية في الذمة، وحيث إن ما سار عليه قاضي الابتدائية لايستقيم ومقتضيات الفصل 488 من ق.م.م التي توجب أن يكون الدين ثابت أي محقق الوجود خال من أي نزاع[20].
كذلك هناك إجراءات الحجز لدى الغير على القيم المنقولة، فالفصل 492 من ق.م.م ينص على أنه "يبلغ أحد أعوان الضبط لدى الغير للمدين ويسلم له نسخة مختصرة من السند إن كان هو نسخة من إذن القاضي ويبلغ الحجز كذلك إلى المحجوز لديه، أو إذا تعلق الأمر بأجور أو مرتبات إلى نائبه أو المكلف بأداء هذه الأجور أو المرتبات في المكان الذي يعمل فيه المحجوز عليه، وينص الحجز على المبلغ الواقع عليه".
ويتضح من خلال هذا الفصل أن المشرع نص على تبليغ الأمر إلى المحجوز عليه والمحجوز لديه، وبناءا على الأمر الرئاسي الذي يصدره كل من رئيس المحكمة التجارية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية، يتلقى كاتب الضبط أجوبة المحجوز لديهم.

خاتمة:
إن المتمعن في قواعد الحجز الارتهاني وفق الشكل المسطر في الفصول من 497 إلى 499 من ق.م.م سيلاحظ أننا بصدد حجز تحفظي من نوع خاص يبدأ بهذا الوصف وينتهي كحجز تنفيذي بعد صدور الحكم القاضي بتصحيح الحجز. وخصوصيته تتمثل في عدم إمكانية إجراء بيع المنقولات المحجوزة إلا بعد صدور حكم نهائي بتصحيح الحجز، وكل دلك يجعل المسطرة طويلة ومعقدة. مما يدفع الدائن المكري إلى إيقاع حجز تحفظي عادي ليتمكن من الاستفادة من مزية بيع المنقولات واستخلاص دينه من منتوج البيع بمجرد استصداره لسند تنفيذي ومن تم نقرر أن الحجز الارتهاني لا يوفر أي مزية للحاجز المكري بل على العكس يطيل المسطرة ويعقد إجراءات استيفائه للدين.
ويتبين أنه يستوي من حيث الإثبات سلوك الحجز التحفظي أو الارتهاني.
ولكل ما ذكرناه أعلاه نعتقد أنه يتعين على المشرع إدا ما أتيحت له فرصة لتعديل نصوص المسطرة، المدنية أن يلغي هدا الحجز ويكتفي بالقواعد العامة للحجز التحفظي لأن أحكامه كافية لضمان حق الدائن في استيفاء الأكرية المستحقة ودلك أسوة بالمشرع الفرنسي الذي ألغى هدا الحجز عند تعديله لقواعد التنفيذ سنة 1991.
-------------------------------------------
هوامش:
[1] خطاب جلالة الملك الراحل الحسن الثاني أسكنه الله فسيح جناته في خطابه بتاريخ 21 مارس 1982 بمناسبة استقباله بالقصر الملكي العامر أعضاء الحكومة وكبار رجال القضاء والمحامين وبعض العدول.
[2] مجلة المحامي عدد 48 سنة 2006 ص 84.
[3] الجبري الطيب برادة: التنفيذ في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق. بابل للطباعة والنشر- الرباط 1988- ص 359 .والكتاب في أصله عبارة عن رسالة لنيل دبلوم للدراسات العليا نوقشت بكلية الحقوق بالدار البيضاء- سنة 1987.
المرجع السابق الطيب برادة[4]
[5] http // mofawad bloyspot. com
[6] الأستاد مصطفى عافري: مجلة المحاكم المغربية عدد 62 ص 31.
[7] المرجع السابق.
[8] من موقع المفوض القضائي المغربي http// bayanealyaume -
[9] مجلة المحامي عدد 48 سنة 2006 ص 87.
[10] أمر صادر بتاريخ 30/9/1998 في ملف مقالات مختلفة عدد 12196/98 غير منشور.
[11] الطيب برادة، م س ص 290.
[12] لأخد فكرة موسعة عن مضمون هده الشروط راجع:
يونس الزهري: الحجز لدى الغير في القانون- مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء-2004 ص 185 وما يليها.
[13] مجلة المحامي عدد48 سنة 2006 ص 102.
[14] عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، الطبعة الخامسة سنة 2008، ص 488.
[15] راتب سليم الجعيري، الأسهم في شركة المساهمة وفق القانون المغربي والقانون المقارن، ص 245.
[16] خالد البرحاوي: ممارسة الحجز لدى الغير وإشكالية تطبيقه بالقرض الفلاحي للمغرب، رسالة لنيل دبلوم العالي للجامعة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس السويسي الرباط، 2005-2006، ص79.
[17] يونس الزهري " الحجز لدى الغير في القانون المغربي" سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة، مطبعة النجاح الدار البيضاء، س 2004، ص 83 إلى 88.
[18] أمر رقم 2696 صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالرباط، بتاريخ 22/08/2000 ملف تجاري عدد 2701/1/2000 منشور بمجلة الإشعاع عدد 24 دجنبر 2001 اجتهادات قضائية ص 198-199.
[19] يوسف بطاش: تحقيق رهن القيم المنقولة في التشريع المغربي والمقارن، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة البحث والتكوين قانون التجارة والأعمال السنة الجامعية 2003-2004 ص 43.
[20] أمر رقم 201-98 ملف عدد 9814/ 264 صادر عن رئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 15/10/1998 منشور بمجلة الإشعاع الصادر عن هيئة المحامين بالقنيطرة العدد 25 يونيو 2002- ص 226-227.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -