حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع PDF
مقدمـــــــة:
تشكل الملكية العقارية إحدى الدعائم الأساسية لتحقيق التنمية، التي لم يعد لها ارتباط بالوظيفة الطبيعية والاستثمارية فقط، وإنما أصبحت لها وظيفة اجتماعية، متجسدة في انتقال الملكية الخاصة من الحق المطلق الذي يغلب عليه النزعة الفردية إلى الحق المقيد الذي تحكمه العدالة الاجتماعية والصالح العام[1].
فالعقار أصبح يؤدي دورا هاما في تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي نظرا للدور الفعال الذي يقوم به على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والبيئي، بحيث أصبح يتأثر ويؤثر في النشاط الاقتصادي[2]، دون إغفال دوره في تحقيق الاستقرار للعنصر البشري وذلك بإقامة المشاريع السكنية[3]. غير أن اضطلاع العقار بهذه المهمة يتوقف على وجود إطار قانوني ،يوفر للملكية العقارية أرضية صلبة تمكن الجميع من التعامل فيه بكل ثقة واطمئنان؛ ذلك ما دفع المشرع المغربي إلى تنظيمها بمقتضيات خاصة[4].
وهكذا؛ فقد تم إيجاد نظام له دور مهم في إعطاء الملكية العقارية وضعا أكثر استقرارا وثقة في التعامل، يثمل في نظام التحفيظ العقاري، الذي وضع قواعد تنظم الملكية والحقوق العقارية الواردة عليها، وبالتالي يساعد على تقوية الائتمان العقاري.
ويعتمد هذا النظام على مبادئ وأسس سليمة يرجع الفضل فيها إلى نظام )تورانس5( الاسترالي[5]، الذي أدخله المستعمر الفرنسي إلى المغرب بمقتضى ظهير 12 غشت 1913" المتعلق بالتحفيظ العقاري إبان عهد الحماية، وإن كانت الغاية من ذلك هي تثبيت الملكية العقارية للفرنسيين، وذلك بنزع ملكيتها من أصحابها بأثمان بخسة[6]، لأنه لا يمكن تحقيق أهدافه الاستعمارية إلا بالسيطرة على الأرض باعتبارها رمزا للسيادة[7].
وبعد الاستقلال اختار المغرب الحفاظ على هذا النظام الذي سنه المستعمر، حيث أخضعه للمراجعة بما يضفي عليه الصبغة الوطنية، وذلك بغية بناء دولة عصرية مستقلة تقوم على تنظيم مختلف المجالات بواسطة قوانين حديثة[8].
إضافة إلى كون هذا النظام يمكن من ضبط الملكية العقارية ويطهرها من جميع ما كانت مثقلة به من حقوق قبل تحفيظها، وكذا تحقيق الأمن العقاري من خلال ما يوفره التحفيظ من دقة ووضوح وأمان من شأنه التقليل من النزاعات[9].
إلا أن ظهير 12 غشت 1913 أصبح لا يستجيب للتطور الاقتصادي والاجتماعيالذي عرفته الوضعية العقارية ببلادنا، بالإضافة إلى طول المساطر وتعقد الإجراءات، الشيءالذي جعل المشرع المغربي يتدخل ويقوم بتعديله بموجب القانون رقم 14.1107، وذلك وعيا منه بأهمية العقار في تحقيق التنمية على المستوى الاقتصادي[10].
وبهذا أضحى النظام العقاري المغربي نظام مزدوج في هيكله، إذ يوجد نظام خاص بالعقارات غير المحفظة والذي أصبح يخضع لأحكام مدونة الحقوق العينية[11]، بعدما كان يستمد مبادئه من أحكام الشريعة الإسلامية وبعض قواعد القانون المدني[12]، ثم نظام العقارات المحفظة والذي يخضع لمقتضيات القانون رقم 14.07. ويوجد إلى جانب هذين النظامين نظام آخر يعرف بالعقار في طور التحفيظ، ويقصد به ذلك العقار الذي قدم بشأنه مطلب التحفيظ ولم يصدر قرار التحفيظ بعد ،هذه الصفة تمتد من تاريخ وضع المطلب إلى حين صدور قرار نهائي بتحفيظه وذلك بعد المرور بمجموعة من الإجراءات الإدارية والقضائية[13]، ودراستنا في هذا البحث ستقتصر على هذا النظام الأخير دون النظامين الآخرين.
وعلى الرغم من أن العقار في طور التحفيظ يتسم حق التملك فيه بعدم الثبات وعدم الاستقرار ،ولا ينعم بهما إلا بعد خضوعه لإجراءات مسطرية معقدة وطويلة، فإن ذلك لا يؤدي إلى تجميده وإخراجه من دائرة التداول، بل يكون لصاحبه جميع الحقوق عليه ببيعه أو رهنه أو شفعته أو غيرها من التصرفات القانونية والتكاليف[14].
وهكذا، فإن إيداع مطلب التحفيظ قصد إخضاع عقار غير محفظ لنظام الرسوم العقارية، لا يمنع صاحب المطلب من مختلف التصرفات عليه بعوض أو بدون عوض.
وقد تؤدي مسطرة التحفيظ إلى تأسيس الرسم العقاري، وما يترتب عنه من الأثر التطهيري للعقار من جميع الحقوق الأصلية والمتفرعة عن حق الملكية والتي لم يقع الاحتجاج بها أثناء مسطرة التحفيظ.
ولتفادي قاعدة التطهير، قرر المشرع لأصحاب الحقوق التي نشأت على العقار في طور التحفيظ ممارسة مسطرة النشر في الجريدة الرسمية أو ما يعبر عليها من الناحية العملية بمسطرة الخلاصة الإصلاحية المقررة في الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري، أو مسطرة الإيداع المنصوص عليها في الفصل 84 من نفس القانون.
ذلك أن عدم الاحتجاج بالحق الخاضع للتسجيل أثناء مسطرة التحفيظ، يؤدي إلى حرمان صاحبه من الاحتجاج به بعد تأسيس الرسم العقاري إعمالا لقوة التطهير لهذا الرسم.
ورغم الأهمية التي تلعبها هذه المساطر في إشهار الحقوق العينية على العقار في طور التحفيظ، فإن التنظيم التشريعي لها بمقتضى الفصلين 83 و 84 من ظ ت ع يعرف العديد من الاختلالات التي من شأنها أن تؤثر على استقرار الحقوق الواردة على هذا الوعاء العقاري الذي تزداد أهميته يوما بعد يوم؛ بل إن الأمور تعقدت أكثر جراء التنظيم المضطرب لمسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع.
ولعل مل يزيد الأمور تعقيدا، وضعيته المتذبذبة وما يترتب عنها من كثرة التعرضات ،وبعضأفعال طالب التحفيظ الحائلة دون إتمام عملية التحفيظ في وقتها، وما يصدره المحافظ علىضوئها من قرارات، وغيرها من الاختلالات المؤثرة على المراكز القانونية الناشئة أثنائها.
إلا أن ظهير 12 غشت 1913 أصبح لا يستجيب للتطور الاقتصادي والاجتماعيالذي عرفته الوضعية العقارية ببلادنا، بالإضافة إلى طول المساطر وتعقد الإجراءات، الشيءالذي جعل المشرع المغربي يتدخل ويقوم بتعديله بموجب القانون رقم 14.1107، وذلك وعيا منه بأهمية العقار في تحقيق التنمية على المستوى الاقتصادي[10].
وبهذا أضحى النظام العقاري المغربي نظام مزدوج في هيكله، إذ يوجد نظام خاص بالعقارات غير المحفظة والذي أصبح يخضع لأحكام مدونة الحقوق العينية[11]، بعدما كان يستمد مبادئه من أحكام الشريعة الإسلامية وبعض قواعد القانون المدني[12]، ثم نظام العقارات المحفظة والذي يخضع لمقتضيات القانون رقم 14.07. ويوجد إلى جانب هذين النظامين نظام آخر يعرف بالعقار في طور التحفيظ، ويقصد به ذلك العقار الذي قدم بشأنه مطلب التحفيظ ولم يصدر قرار التحفيظ بعد ،هذه الصفة تمتد من تاريخ وضع المطلب إلى حين صدور قرار نهائي بتحفيظه وذلك بعد المرور بمجموعة من الإجراءات الإدارية والقضائية[13]، ودراستنا في هذا البحث ستقتصر على هذا النظام الأخير دون النظامين الآخرين.
وعلى الرغم من أن العقار في طور التحفيظ يتسم حق التملك فيه بعدم الثبات وعدم الاستقرار ،ولا ينعم بهما إلا بعد خضوعه لإجراءات مسطرية معقدة وطويلة، فإن ذلك لا يؤدي إلى تجميده وإخراجه من دائرة التداول، بل يكون لصاحبه جميع الحقوق عليه ببيعه أو رهنه أو شفعته أو غيرها من التصرفات القانونية والتكاليف[14].
وهكذا، فإن إيداع مطلب التحفيظ قصد إخضاع عقار غير محفظ لنظام الرسوم العقارية، لا يمنع صاحب المطلب من مختلف التصرفات عليه بعوض أو بدون عوض.
وقد تؤدي مسطرة التحفيظ إلى تأسيس الرسم العقاري، وما يترتب عنه من الأثر التطهيري للعقار من جميع الحقوق الأصلية والمتفرعة عن حق الملكية والتي لم يقع الاحتجاج بها أثناء مسطرة التحفيظ.
ولتفادي قاعدة التطهير، قرر المشرع لأصحاب الحقوق التي نشأت على العقار في طور التحفيظ ممارسة مسطرة النشر في الجريدة الرسمية أو ما يعبر عليها من الناحية العملية بمسطرة الخلاصة الإصلاحية المقررة في الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري، أو مسطرة الإيداع المنصوص عليها في الفصل 84 من نفس القانون.
ذلك أن عدم الاحتجاج بالحق الخاضع للتسجيل أثناء مسطرة التحفيظ، يؤدي إلى حرمان صاحبه من الاحتجاج به بعد تأسيس الرسم العقاري إعمالا لقوة التطهير لهذا الرسم.
ورغم الأهمية التي تلعبها هذه المساطر في إشهار الحقوق العينية على العقار في طور التحفيظ، فإن التنظيم التشريعي لها بمقتضى الفصلين 83 و 84 من ظ ت ع يعرف العديد من الاختلالات التي من شأنها أن تؤثر على استقرار الحقوق الواردة على هذا الوعاء العقاري الذي تزداد أهميته يوما بعد يوم؛ بل إن الأمور تعقدت أكثر جراء التنظيم المضطرب لمسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع.
ولعل مل يزيد الأمور تعقيدا، وضعيته المتذبذبة وما يترتب عنها من كثرة التعرضات ،وبعضأفعال طالب التحفيظ الحائلة دون إتمام عملية التحفيظ في وقتها، وما يصدره المحافظ علىضوئها من قرارات، وغيرها من الاختلالات المؤثرة على المراكز القانونية الناشئة أثنائها.
أهمية الموضوع:
إن موضوع العقار في طور التحفيظ يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني.
فأهمية الموضوع من الناحية الاقتصادية تتمثل في توظيف الرصيد العقاري ليكون منطلقا لتحقيق تنمية حقيقية، عن طريق بعث دينامية جديدة في الاقتصاد الوطني برمته، عبر توسيع القاعدة العقارية الصالحة لإنشاء المشاريع الفلاحية والصناعية والخدماتية، ومن تم المساهمة في تحقيق البرامج والمخططات الحكومية في مختلف القطاعات المذكورة، بل وخلق الظروف الملائمة لنجاحها كتحقيق الائتمان العقاري الذي ينتعش بالثقة التي تتميز بها العقارات المحفظة.
وإدراكا من المشرع المغربي لما يلعبه العقار من دور بارز في توسيع الاستثمارات و تنمية الثروات عن طريق الحصول على التمويل و القروض، فقد وسع صراحة من محل الرهن الرسمي، فبعد أن كان يشمل العقار المحفظ فقط بمقتضى ظهير 2 يونيو 1915، أصبح من خلال المقتضيات الجديدة التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية يشمل كذلك العقار في طور التحفيظ، الشيء الذي يؤدي إلى التشجيع على الاستثمار، والنهوض بالاقتصاد الوطني.
أما عن أهمية الموضوع من الناحية الاجتماعية فتبرز في مدى تحقيق السلم والأمن الاجتماعين من خلال الحماية التي توفرها مسطرة الخلاصة الإصلاحية والإيداع لأصحاب الحقوق المكتسبة أثناء مسطرة التحفيظ.
وأما الأهمية القانونية فتتمثل في أن المستفيد من مسطرة الخلاصة الإصلاحية يتمتع حقهبحجية مطلقة عند تأسيس الرسم العقاري، ولا يمكن مواجهته بالحقوق العينية غير المعلن عنهاأثناء مسطرة التحفيظ، كما أن مسطرة الإيداع تمكن صاحب الحق فيها من حفظ الرتبة والتمسك بحقه تجاه الغير، وإعطاء لكل من يدعي حقا معينا على الإيداع مكنة التعرض عليه.
دواعي اختيار الموضوع:
على الرغم من ما قيل عن هذا الموضوع بأنه اجتر اجترارا واستهلك استهلاكا، إلا أنه لا يزال يثير العديد من الإشكالات سواء من الناحية القانونية أو على المستوى العملي، الشيء الذي دفعني لكي أتناوله بالبحث محاولا قدر المستطاع الوقوف على أبرز الإشكالات المتعلقة به.
وجدير بالذكر أن خوض البحث في هذا الموضوع ليس بالسهولة بمكان، فهو موضوع ذو طبيعة مركبة إجرائية وموضوعية، ويتطلب الإحاطة بقوانين متعددة ومتشعبة، لكل منها قواعدها ومبادؤها الخاصة، التي لا يمكن التعامل معها إلا باستحضار قواعد مسطرة التحفيظ ،شكلياتها وآجالها والأسس التي تقوم عليها.
إشكالية الموضوع:
على الرغم من أن المشرع المغربي حاول حماية حقوق الغير المكتسبة خلال مسطرة التحفيظ وذلك بإقراره لمسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع، إلا أنهما لم ينالا تنظيم وافر، الشيء الذي جعل العديد من المتعاملين يشككون في مصداقية المسطرتين وفي دورهما في حماية حقوقهم، مما يفضل معه الكثير منهم انتظار نهاية مسطرة التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري لإبرام التصرفات الممكنة مع المالك بالرسم العقاري.
كما أن المقتضيات القانونية التي تنظم إشهار التصرفات الجارية على العقار في طور التحفيظ جاءت جد مقتضبة وغير مفصلة لتلك الإجراءات، مما قد يجعل تلك التصرفات تمر في جو من السرية التي قد يكون من نتائجها العكسية ضياع حقوق الأغيار الذين يدعون حقوقا علىالعقار موضوع مسطرة التحفيظ ولم يصل إلى علمهم دخوله في مسطرة التحفيظ، وخاصةالمسطرة المتعلقة بالإيداع طبقا للفصل 84 من ظ ت ع.
وعليه فإن هذا الموضوع يطرح إشكالية محورية مفادها:
هل استطاع المشرع فعلا توفير آليات استيعاب جميع التصرفات والتعاملات القانونية التي تطرأ على العقار في طور التحفيظ، دونما تأثيرات سلبية من جانب مسطرة التحفيظ وآجالها الصارمة؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية عدة أسئلة فرعية تتمثل في:
ما هي الأحكام المنظمة لمسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع؟ وما هي إجراءاتهما؟ وما هي الآثار المترتبة عنهما؟ وما أهم إشكالاتهما العملية؟
منهج البحث:
إن هذه الإشكالية وما تتضمنه من أسئلة سنحاول الإجابة عنها وفق مقاربة قانونية واجتهادات قضائية وآراء فقهية، بالاعتماد على المنهج التحليلي والوصفي، وذلك من خلال تحليل الأساس القانوني لمسطرة الخلاصة الإصلاحية والإيداع، وكذا المنهج النقدي لإبراز مكامن الخلل والنواقص التي تشوب المسطرتين، بالإضافة إلى المنهج المقارن بالنظر إلى مقارنة المسطرتين مع باقي المساطر المشابهة[15].
وعليه، فإن معالجة الإشكالية محور الدراسة واحتراما للمنهجية العلمية القانونية ارتأيت أن أقسم هذا الموضوع إلى فصلين، وذلك على الشكل التالي:
الفصل الأول: الآليات القانونية لحماية الحقوق الواردة على مطلب التحفيظ
الفصل الثاني: آثار مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع وإشكالاتهما العملية