عرض بعنوان: المسؤولية الجنائية للمنتخب الجماعي في القانون المغربي PDF
المقدمة
يعتبر المنتخب الجماعي من الموارد البشرية المحلية ذات الركيزة الأساسية لقيام اللامركزية، والمحدد الأساسي لإنجاح التدبير الإداري والاقتصادي المحلي، ووعيا بهذا المعطى، فقد قامت الدولة بمجهودات كبيرة في توفير العنصر البشري للجماعة المحلية سواء من حيث الكم أو الكيف.
ورغم كل المجهودات، مازالت الجماعات المحلية تعاني من عدة اختلالات وتطرح عدة تساؤلات، كما أن فكرة القيادي أو المدبر الذي تطمح إليها الجماعات المحلية، مازالت بعيدة كل البعد عن تحقيقها، وذلك للنقص في الأداء والمحدودية في تسيير الشأن العام المحلي.
يتوفر المنتخبون المحليون على اختصاصات واسعة، غير أن مستوى ممارسة هذه الاختصاصات ترجع في جزء منها إلى وضعية المنتخبين المحليين خاصة ما يتعلق بالأنظمة الانتخابية من جهة وحقوق والتزامات المنتخبين من جهة أخرى.
وينص الدستور المغربي السابق 13 شتنبر 1996 في الفقرة الأولى من الفصل الحادي بعد المائة على أنه "تنتخب الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبقا لشروط يحددها القانون".
أما الدستور الحالي( 2011)، في الفقرة الأولي من الفصل 146 يحيل علي أن "شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية لشؤونها بكيفية ديموقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات وكذا النظام الانتخابي وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة".
ونصت كذلك القوانين المنظمة للجماعات المحلية على أنه يتولى تدبير شؤون الجماعة، مجلس منتخب يحدد مدة انتدابه وشروط انتخابه وفق الأحكام المقررة في القانون المتعلق بمدونة الانتخابات.
كما يحدد أعضاء المجلس الجماعي أو الإقليمي أو الجهوي الواجب انتخابهم بمرسوم على أساس القواعد والشروط المقررة في قانون المتعلق بالانتخابات.
كما أقر القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات مجموعة من المقتضيات، من ضمنها التنصيص على أن كل عضو جماعي ثبت مسؤوليته في ارتكاب أعمال مخالفة للقانون ولأخلاقيات المرفق العام، يمكن توقيفه وضمن نفس التوجه، وتحت طائلة العزل والمتابعة القضائية، كما منع القانون الجديد المنتخبين المحليين من ربط مصالح جماعتهم بمصالحهم الخاصة.
كذلك يمكن أن تثار المسؤولية الجنائية للمنتخب الجماعي على الجرائم التي يرتكبها أثناء ممارسته لمهامه، لكن وبالرجوع للقانون التنظيمي المتعلق بالجماعات 113.14 نجده تحدث فقط عن النظام التأديبي للمنتخب المتمثل في العزل أو الإقالة أو حل المجلس، لكنه لم يتحدث عن الأفعال التي تترتب عنها المسؤولية الجنائية، وبالرجوع للقانون الجنائي المغربي نجده قد نص في مادته 224 على أنه "يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام"، ويلاحظ من هذا التعريف أنه أوسع من التعريف الاداري للموظف العمومي الذي أتت به المادة الثانية من ظهير 24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية، بحيث يمكن القول في ظل هذه المادة(المادة 224)، بأن كل موظف عام بالمفهوم الاداري يعد كذلك بالمفهوم الجنائي، لكن العكس غير صحيح فالتعريف الجنائي للموظف العمومي مغاير للتعريف الاداري والهدف من هذا التوسع هو السعي إلى تعميم تطبيق التشريع الجنائي على كل شخص يعمل باسم الدولة ولحسابها أو يساهم بعمله في خدمتها، حتى لا يسلم الجناة من العقاب الجنائي، فالمشرع من خلال هذه المادة لم يحدد صفة الموظف هل رسمي أو متمرن، مدني أوعسكري... حيث نصت المادة "كيفما كانت صفته"[1] وبالتالي فالمنتخب الجماعي كذلك تسري عليه مقتضيات هذه المادة.
والمسؤولية الجنائية تعني تلك الرابطة التي تقوم بين الواقعة الإجرامية التي تعد جريمة في نظر القانون من جهة، والمتهم بتلك الواقعة من جهة أخرى، فتجعل هذا الأخير متحملا لتبعية الفعل المنسوب إليه أم لا، وهي روابط سببية تكون الصورة التي تبين أن المتهم نفسه هو الذي تسبب سلبا أو إيجابا في الواقعة. وبالحديث عن المسؤولية الجنائية للمنتخب الجماعي يمكن أن يثار اشكال حول الحماية الجنائية أو الحصانة الجنائية، فالمشرع المغربي لم يقر هذه الحماية للعضو الجماعي عند مناقشته داخل المجلس ولجانه وممارسته لواجباته المختلفة، وهناك الكثير من الدول المتقدمة مثل انجلترا، التي تقر هذه الحماية لكنها تتميز بنزاهة منتخبيها وبتقدم الوعي الثقافي والسياسي لمواطنيها وباستقامة منتخبيها، لذلك فوضع حماية جنائية للمنتخبين الجماعيين ببلادنا مشروطة بتوفر النزاهة والوعي والإستقامة أولا.[2]
ومن خلال هذا البحث سنحاول التطرق إلى الجرائم المرتكبة من طرف المنتخب الجماعي بمناسبة قيامه بمهامه (المبحث الأول)، بينما سنتحدث في (المبحث الثاني) عن دور القضاء في حماية المال العام ونماذج لأحكام جنائية.
المبحث الأول: الجرائم المرتكبة من طرف المنتخب الجماعي
إن القانون الجنائي يأخذ تعريف واسع وشامل يتفق وسياسة التجريم، كما يعتبر المنتخب الجماعي في القانون الجنائي موظف عمومي، وتطبق على المنتخب الجماعي الأحكام التي تطبق على الموظف العمومي، كما نصت المادة 224 من القانون الجنائي السالفة الذكر.
المطلب الأول: الجرائم الواقعة على المال العام
يمكن تعريف جرائم المال العام على أنها كل فعل يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة، أو المساس بالمصلحة المالية لها، وقد قام المشرع المغربي بالتنصيص على مجموعة من الجرائم التي ترتكب ضد المال العام من خلال القانون الجنائي، [3] التي ترتكب من طرف المنتخب الجماعي، والذي يعد في القانون الجنائي موظف عمومي.
وقد تعرض المشرع المغربي في الفرع الثالث من القانون الجنائي تحت عنوان الاختلاس والغدر الذي يرتكبه الموظفون العموميون في الفصول من 241 إلى247.
الفرع الأول: جريمة الاختلاس والتبديد
تعتبر كل من جريمتي الاختلاس والتبديد من أبرز صور الجرائم المالية التي ترتكب من طرف المنتخب الجماعي.
الفقرة الأولى: جريمة الاختلاس
ينظر القانون الجنائي المغربي إلى جريمة الاختلاس، هو أن يقوم كل قاضي أو موظف عمومي باختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو سندات تقوم مقامها، أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها، وقد عاقب عليها بالسجن من سنتين إلى خمسة سنوات وبغرامة من ألفين إلى خمسين ألف درهم.[4]
فعلة التجريم هنا أن اختلاس المال العام يتضمن اعتداء على هذا المال، ويزيد من خطورة هذا الاعتداء أن للمال صلة وثيقة بالوظيفة التي يشغلها الجاني إذ يحوزه بسبب وظيفته، ويعلل هذا التجريم كذلك أن الفعل ينطوي على خيانة الأمانة التي حملتها الدولة للمنتخب والثقة التي وضعتها فيه حينما عهدت إليه بحيازة المال لحسابها.[5]
عبر المشرع الجنائي عن السلوك الإجرامي المكون للجناية المنصوص عليها في الفصل 241 من القانون الجنائي بلفظ الاختلاس، وهذا اللفظ يكون السلوك الإجرامي في جرائم أخرى كالسرقة وخيانة الأمانة، وهو فعل يباشر به المختلس على المال سلطات لا تدخل إلا في نطاق سلطات المالك.[6]
وتتعدد صور اختلاس الأموال العمومية بين اختلاس الأموال المخصصة للمشاريع أو الخدمات العامة وكذا عدم تنفيذ الالتزامات المتعاقد عليها، والغش فيها أو التواطئ في ذلك، بالإضافة إلى بيع ما هو مملوك للدولة أو الجماعة دون قيمته الحقيقية.[7]
نص الفصل 247 من مجموعة القانون الجنائي على وجوب الحكم بمصادرة الأموال والقيم المنقولة والممتلكات والعائدات لفائدة الدولة كليا أو جزئيا من يد أي شخص كان وأيا كان المستفيد منها، متى ثبت أنها متحصلة من ارتكاب الجريمة وتثير مضامين هذه المادة العديد من الإشكاليات حول الطبيعة القانونية للإجراء المصادرة، هل يتعلق الأمر بعقوبة أم تعويض أم إرجاع؟ وما هو مجال تطبيقها ومدى مساسها بحقوق الغير.
الفقرة الثانية: جريمة التبديد
إضافة لجريمة اختلاس المال العام، نص المشرع المغربي في القانون الجنائي على جريمة تبديد الأموال العامة، وتعتبر جريمة التبديد من الجرائم العمدية والتي تتمثل في إلحاق الضرر بالأموال العامة.
وقد نص المشرع المغربي على هذه الجريمة في الفصل 242 من القانون الجنائي على أن " كل قاض أو موظف عمومي اتلف أو بدد مستندات أو حججا أو عقود أو منقولا أو تمن عليها بصفته تلك، وكان ذلك بسوء نية أو بقصد الإضرار، فإنه يعاقب بالسجن من خمس إلى عشرة سنوات".[8]
يجرم المشرع بمقتضى هذا النص إقدام المنتخب الجماعي الذي يعتبره القانون الجنائي موظف عمومي ويطبق عليه من الأحكام ما يطبق على الموظف العمومي، على تبديد الأموال العامة، وعلة هذا التجريم أن المنتخب يحمل واجبا خاصا برعاية المال العام الذي يتصل به بناء على وظيفته، وخصوصا مع القانون التنظيمي 113.14 الذي خول له مجموعة من الصلاحيات في التدبير والتسيير.
وذلك بالإضافة إلى الواجب العام الذي يحمله هذا المنتخب باعتباره مواطنا.
ويتحقق الركن المادي لجريمة التبديد بكل سلوك يأتيه المنتخب قاصدا به السيطرة على المال العام الذي بحوزته بسبب وظيفته واستهلاكه أو إتلافه.[9]
الفرع الثاني: جريمة الرشوة والغدر
يضاف على جرائم الاختلاس والتبديد جرائم لا تقل خطورة عن سابقتها ولعل أهمها جريمة الرشوة وجريمة الغدر.الفقرة الأولى: جريمة الرشوة
الرشوة هي أخطر الآفات التي تصيب الادارة العمومية، وأبلغ أنواع الفساد الذي يمكن أن ينخر في أجهزة الدولة، وتنطوي هذه الجريمة على اتجار الموظف أو المنتخب في وظيفته واستغلالها لصالحه.[10]
وقد تطرق المشرع المغربي لجريمة الرشوة في الفرع الرابع من مجموعة القانون الجنائي، حيث نص أنه يعد مرتكب لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمسة سنوات وبغرامة من خمسة ألاف درهم إلى مائة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلمه هبة أو هدية أو أي فائدة من أجل القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع، طالما أنه غير مشروط بأجر، وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله[11].
الفقرة الثانية: جريمة الغدر
هذه الجريمة نظمها المشرع المغربي في الفصلين 243 و244 من القانون الجنائي، ويقصد بها قيام موظف عمومي بطلب أو تلقي أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق، سواء للإدارة أو الأفراد الذين يعمل لحسابه أو لنفسه خاصة، وقد عاقب عليها المشرع المغربي كما سنوضحه في المطلب الثاني.
كما عاقب نفس العقوبات كل ذوي سلطة عامة أمر بتحصيل جبايات مباشرة أو غير مباشرة لم يقررها القانون، وكذلك كل موظف عمومي أعد قوائم التحصيل وباشر في استخلاص تلك الجبايات أو المنح بدون إذن من القانون ; إعفاء عن ضريبة أو رسم أو يسلمون مجانا محصولات الدولة.[12]
المطلب الثاني: العقوبات المطبقة على المنتخب الجماعي
إن الغرض من دراستنا للعقوبات المفروضة على جرائم المال العام هو توضيح مدى نجاعة الشق العقابي في الحماية الجنائية التي كفلها المشرع المغربي للمال العام، غير أننا وجدنا أن المشرع المغربي في تعامله مع الجناة فضل العقوبة السالبة للحرية وأهمل العقوبات المالية.
الفرع الأول: العقوبات الحبسية
• عقوبة السجن في المال العام: فقد أخد المشرع المغربي بهذه العقوبة في جميع الجرائم المتعلقة بالمال العام، حيث نجده ينص على عقوبة السجن من خمس إلى عشرين سنة في جريمة الاختلاس والتبديد والاستيلاء على الأموال العامة إذا كانت قيمتها تزيد عن مائة ألف درهم ( الفصل 241 من القانون الجنائي.)[13]
وإذا كان إتلاف المال العام أو تبديده من طرف الموظف العمومي بسوء نية أو بقصد الإضرار فإن العقوبة تكون هي السجن من خمس إلى عشر سنوات طبقا للفصل 242.
يتبين من النصين أن المشرع المغربي أخد بالموقف الفرنسي الذي علق نوع العقوبة على قيمة الأموال أو الأشياء المختلسة أو المبددة بحيث تنتقل العقوبة من وضع إلى آخر بحسب القيمة النقدية لتلك الأشياء والأموال عند تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي.
ويلاحظ أن الفصل 242 لم يحدد فيه المشرع كما فعل في الفصل 241 معيار القيمة المادية للمال العام محل الإتلاف أو التبديد، يمكن على أساسه تغيير العقوبة كما فعل في الفصل 241 ولا يمكن اعتبار معيار سوء النية أو قصد الإضرار الذي جاء به الفصل 242 تسري أحكامه على الفصل 241 لأن هذا الأخير يجرم سلوك الاختلاس والتبديد والاحتجاز بدون حق واختفاء الأموال العامة على عكس الفصل 242 الذي اقتصر معياره سوء النية على سلوك التبديد وإتلاف الأموال العامة.[14]
وبمقارنة الفصلين السابقين نجد كذلك أن المشرع جرم سلوك التبديد مرتين وعاقب عليه بعقوبات متفاوتة، حيث عاقب عليه في الفصل 241 بالسجن من خمس إلى عشرين سنة إذا كانت قيمة المال محل الاختلاس لا تقل عن مائة ألف درهم، وإذا قلت قيمة المال عن هذا المبلغ فإن الجريمة تصبح جنحة ويعاقب عليها من سنتين إلى خمس سنوات، ثم عاد المشرع في الفصل 242 وعاقب على نفس السلوك إذا كان بسوء نية أو بقصد الأضرار بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، فإذا بدد المنتخب الجماعي أموالا عامة بسوء نية وكانت قيمة المال محل الجريمة تزيد على مئة ألف درهم هل يخضع لأحكام الفصل 241 أو242 من القانون الجنائي أي هل سنأخذ بالمعيار المادي الذي جاء به الفصل 241 أي قيمة المال محل التبديد أو بالمعيار الشخصي المرتبط بسوء نية الجاني والذي جاء به الفصل 242.[15]
• عقوبة الحبس في جرائم المال العام:
الحبس حسب الفصل 28 من القانون الجنائي لا يجب أن تنقص مدته عن شهر ولا تزيد على خمس سنوات، ونص المشرع المغربي على هذه العقوبة بخصوص الجرائم الواقعة على المال العام في الفصل 241، حيث عاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو أخفى أو احتجز أموالا عامة تقل قيمتها عن ألفي درهم.
ويلاحظ أن عقوبة الحبس في جرائم المال العام هي قليلة وبالتالي فغالبية جرائم المال العام هي من الجنايات.[16]
الفرع الثاني: العقوبات الغير الحبسية في جرائم المال العام
إلى جانب العقوبات السالبة للحرية يعاقب المشرع الجنائي المنتخب الجماعي بعقوبات أخرى، وهذه العقوبات متنوعة، منها الغرامة والحرمان من احد الحقوق أو أكثر المنصوص عليها في الفصل 40 من القانون الجنائي ومصادرة الأموال والقيم المنقولة والممتلكات لفائدة الدولة، وكذلك الحرمان من تولي الوظائف أو الخدمات العامة لمدة لا تزيد عن عشر سنوات.
• عقوبة الغرامة:
فالغرامة حسب القانون الجنائي الفصل 35 من القانون الجنائي هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معين من النقود، وتوقيعها يكون بموجب حكم قضائي جنائي، وبخصوص الجرائم الواقعة على المال العام التي سبق التطرق لها، نجد أن المشرع تبنى عقوبة الغرامة في الفصل 241 وجعل حدها الأدنى خمسة آلاف درهم وحدها الأقصى مائة ألف درهم إذا كانت الأشياء المبددة والمختلسة أو المحتجزة أو المخفاة تزيد قيمتها عن مائة ألف درهم، وإذا قلت قيمة المبالغ المختلسة تصبح الغرامة من ألفين إلى خمسين ألف درهم. [17]
كما يعاقب المشرع في الفصل 243 على جريمة الغدر بغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم، إذا كانت المبالغ التي طلبها القاضي أو الموظف العمومي أو تلقاها أو فرضها أو أمر بتخصيلها تفوق مائة ألف درهم، فإن الغرامة تتضاعف وتصبح من عشر ألاف إلى مائتي ألف درهم. [18]
من خلال هذين النصين يمكننا أن نقيم حضور عقوبة الغرامة في الجرائم المال العام، لنلاحظ أن هذه العقوبة هي عقوبة وجوبية تكميلية، بحيث يكون القاضي ملزما بالنطق بها كعقوبة تكميلية.
كما أنها قليلة القيمة مقارنة بما يتحصل عليه الجاني من اختلاسه للمال العام من مبالغ تفوق قيمة هذه الغرامة اضعافا مضاعفة.
فإذا كان المغرب ينحو في القانون الجنائي نحو العقوبات السالبة للحرية ويركز عليها، فإن هذا المسلم به منتقد في جرائم المال العام، لأن العقوبة الناجعة هي التي تكون من جنس الفعل وأنه يجب أن يعامل الجاني بنقيض قصده، عن طريق فرض غرامات مضاعفة لقيمة المال المختلس لحرمانه من الاستفادة من نشاطه الإجرامي، لأن الجنايات لا تردعهم العقوبة الحبسية التي قد تكون غير طويلة، عن الاقدام في مشروعهم الجنائي مادام القانون الجنائي لن يطول إلى المبالغ المختلسة إلا بقيمة زهيدة، بحيث بعد انقضاء العقوبة الحبسية يجد المال الذي اختلسه في انتظاره، كما تعد الغرامة تعويضا للدولة والإدارة عن الأضرار التي أصابتها من جراء الجرم المقترف، وتساهم مساهمة فعالة في صلاح الأضرار الناجمة عن الجريمة.[19]
• الحرمان من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من القانون الجنائي:
ينص الفصل 247 من القانون الجنائي على أنه في حالة الحكم بعقوبة جنحية فقط طبقا لفصول هذا الفرع، فإن مرتكب الجريمة يمكن علاوة على ذلك أن يحكم عليه بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 وذلك لمدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات.[20]
يقرر المشرع بمقتضى هذا النص عقوبة جوازية، تسمح للقاضي في إطار سلطته التقديرية أن يحكم على الموظف الذي ارتكب جنحة ماسة بالمال العام بالحرمان من واحد من حقوقه أو أكثر، ونجد في الفصل 40 من القانون الجنائي أنه يحيل على الفصل 27 من نفس القانون المتعلق بالتجريد من الحقوق الوطنية، والذي يشمل خمس عقوبات، وأول ملاحظة يثيرها الفصل 247 أنه خصص عقوبة الحرمان من واحد من الحقوق أو أكثر للجنح فقط، وهذه الجنح الواقعة على المال العام قليلة نصت عليها الفقرة الثانية من الفصل 241 من القانون الجنائي.
والملاحظة الثانية أن هذا الحرمان من الحقوق مقيد بمدة حدها الأدنى خمس سنوات والأقصى عشر سنوات بحيث لا يمكن للقاضي النزول أو تجاوز هذين الحدين.[21]
• الحرمان من تولي الوظائف والخدمات العامة:
نص على هذه العقوبة الفصل 247 من القانون الجنائي وهي كذلك عقوبة تبعية جوازية بحيث يمكن للقاضي في إطار تفريده للعقوبة أن يعمل بها ويضيفها في الحكم أو يكتفي بالعقوبة الجنحية.
ويثار بخصوص هذه العقوبة نفس الملاحظتين السابقتين الخاصة بعقوبة الحرمان من الحقوق، غير أنه عقوبة الحرمان من تولي الوظائف والخدمات العامة ليست هي نفسها عقوبة العزل والطرد من جميع الوظائف العمومية المنصوص عليها في الفصل 27 من القانون الجنائي لأن عقوبة الفصل 247 هي مؤقتة بمدة لا تزيد عن عشر سنوات على عكس عقوبة الفصل 27 من القانون الجنائي الخاصة بالعزل والطرد، والتي تكون غير محددة بمدة معينة.[22]
الفرع الثالث: العقوبات المتعلقة بجرائم التعمير المطبقة على رئيس المجلس
تولت الدولة سن عدة نصوص زجرية بمعاقبة كل من سولت له نفسه مخالفة القوانين المتعلقة بميدان التعمير، بالإضافة إلى تدخل كل من الإدارة والقضاء لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وذلك بهدم البناء المخالف، وذالك لأهمية هذا المجال الحيوي ودوره في توفير السكينة والراحة للمواطنين، ومن المعلوم أن كل مخالفة لقوانين التعمير ترتب المسؤولية الجنائية للمخالف، والمشارك في ذلك، كما أن الجهات المكلفة بضبط مخالفات قوانين التعمير، تكون مسؤولة جنائيا في حالة تقصيرها أو تغاضيها عن القيام بمهامها، فقد نص الفصل 250 من القانون الجنائي على معاقبة كل موظف عام تولى استغلال نفوذه أو وضعيته الإدارية لتمكين الغير من الاستفادة والحصول على امتياز، بجريمة استغلال النفوذ، وهي جنحة يعاقب عليها بالحبس من 4 سنوات إلى 10 سنوات، دون الإشارة إلى جريمة الارتشاء في حالة ثبوت طلب أو قبول عرض أو وعد أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل التغاضي عن تسجيل المخالفة المرتكبة.23
ومن الملاحظات التي تؤاخذ عليها قوانين التعمير أنها لم تكن واضحة بخصوص مسؤولية رئيس المجلس الجماعي أو رئيس مجلس المدينة الذي أصبح يتولى مهاما كبيرة وواسعة خاصة في المدن الكبرى، التي تتأثر أكثر من غيرها في حالة تفشي ظاهرة البناء بدون ترخيص أو القيام بتجزئات غير قانونية، وتغاضي رئيس مجلس المدينة عن ضبط المخالفات وإشعار المسؤولين المحليين من عمال أو ولاة بذلك.
لذلك يمكن أن تثار مسؤولية رئيس المجلس الجماعي أو رئيس مجلس المدينة، ومساءلته جنائيا كفاعل أصلي عندما يتولى تسليم رخصة بناء لا تتوافر فيها الشروط القانونية، طبقا لمقتضيات الفقرة 2 من الفصل 361 من القانون الجنائي التي نصت على أن الموظف الذي يسلم أو يأمر بتسليم وثيقة تصدرها الإدارة العامة أو يمنح ترخيصا لشخص يعلم أنه لا حق له فيه، يعاقب بالحبس من سنة إلى 4 سنوات وغرامة من 250 إلى 2500 درهم، ما لم يكن فعله جريمة أشد، أي جريمة الارتشاء طبقا للفصل 248 من القانون الجنائي أو جريمة استغلال النفوذ طبقا للفصل 250 من القانون الجنائي، عند توافر شروطهما.
يتعرض رئيس المجلس الجماعي أو رئيس مجلس المدينة إلى الحكم بالحرمان من الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية من 5 إلى 10 سنوات، إذا ثبت أنه سلم ترخيصا لا يستوفي الشروط أو دون إشارة الجهات المعنية التي ألزم مرسوم 12 أكتوبر 1993 استشارتها، اعتبر مرتكبا لجريمة تزوير إضرارا بالخزينة العامة أو بالغير، ويعاقب حسب الفصل 367 من القانون الجنائي، باعتباره مرتكبا لجناية التزوير في المحررات العامة أو الرسمية أو مرتكبا لجنحة التزوير في محرر خاص.[23]
كما يمكن أن تثار مسؤولية رئيس المجلس الجماعي بصفته مشاركا في المخالفات المرتكبة، إذا ثبت تغاضيه عن معاينة المخالفات وإثباتها وعن تقديم الشكايات ضد المخالفين أمام النيابة العامة، وعدم قيامه بإشعار العامل المختص بهذه المخالفات، مما شجع المخالفين على التمادي في المخالفات وتشييد مدن ومناطق صفيحية وبناءات عشوائية وغير صحيحة وتجزئات غير قانونية، وتبديل مناطق زراعية إلى مناطق آهلة بالسكان الذين يقطنون منازل لا تستجيب لشروط العيش الكريم.
لذلك نجد الفصل 129 من القانون الجنائي يعتبر من حرض على ارتكاب الفعل المجرم عن طريق إساءة استغلال السلطة أو الولاية، مشاركا في الجريمة.
والتحريض يمكن تصوره في صورة التصرف الايجابي كما يمكن تصوره في صورة التصرف السلبي من خلال التغاضي عن ضبط المخالفات والتشجيع على إيواء المخالفين أو تسليم رخص غير قانونية، وغيرها من التصرفات السلبية. ومسؤولية رئيس المجلس الجماعي كشريك للمخالفات، الذي خالف المقتضيات القانونية بحصوله على ترخيص غير قانوني أو ارتكابه أحد الأفعال المخالفة لقوانين التعمير، تجعله يعاقب بالعقوبة التي قررها القانون لهذه الجنح.[24]
المبحث الثاني: دور القضاء في حماية المال العام ونماذج أحكام جنائية
لقد نص دستور2011 في فصله الأول، على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس الفصل ما بين السلط وتعاونها وتوازنها، وهذا ما يجعل جهاز القضاء مستقلا اليوم أكثر من أي وقت مضى للمساهمة الفعالة والمؤثرة في الحكامة الاقتصادية والمالية من خلال تخليق الحياة العامة والمساءلة في قضايا الجرائم المالية.
المطلب الأول: دور النيابة العامة والقاضي الزجري في حماية المال العام
إن تحريك أي متابعة جنائية في قضايا جرائم الفساد المالي والاقتصادي هي السبيل الوحيد لتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب في سياق سيادة دولة الحق والقانون وتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة الجنائية بصفة خاصة، وعليه فالمشرع المغربي، خصص مجموعة من أجهزة الحماية الجنائية للمال العام حيث تعتبر الشرطة القضائية حالة التلبس والحالات المحددة- أول من يضع يده على الإختلاسات التي تمس المال العام تأتي بعدها النيابة العامة كجهاز محوري في كل القضايا الجنائية، كما نجد أيضا قاضي التحقيق.
الفرع الأول: دور النيابة العامة
عن دور النيابة العامة أمام القضاء الزجري فهي من تقوم بتحريك الدعوى العمومية في القضايا الفساد المالي، إما بناء على تقرير صادر عن المجلس الأعلى أو عن جهة أخرى مختصة وأمام القضاء الجنائي تكون النيابة العامة خصما رئيسيا في القضايا الجنائية، لأنها هي التي تقيم الدعوى العمومية وتبدي طلباتها وتدلي بحججها وبأدلة الاتهام، ولذلك فإنها تملك حق الطعن بالاستئناف وحق الطعن بالنقض ولا يجوز للنيابة العامة أن تعترض على الأحكام.
وبالنسبة لتحريك الدعوى فقد نص عليها المشرع في الفصول 36 و37و38 من المسطرة الجنائية، على أن النيابة العامة تمارس وتراقب وتطالب بتطبيق القانون أثناء سريان الدعوى ولها أن تسخر القوات العمومية بصفة مباشرة.[25]
الفرع الثاني: دور القاضي الزجري
تم إنشاء أقسام للجرائم المالية تتكون هذه الأقسام من غرفة للتحقيق وغرفة
للجنايات وغرفة للجنايات الاستئنافية والنيابة العامة وكتابة النيابة العامة "، كما أن المحاكم الابتدائية بقيت لها الاختصاص النوعي والإقليمي التي كانت تضطلع به.
وقد اسند المشرع المغربي لكل من المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف اختصاص البث في جرائم المال العام، حيث تختص المحاكم الأولى بالمخالفات والجنح المتعلقة بالمال العام.
أما الجنايات فهي من اختصاص محاكم الاستئناف في غرفتها الابتدائية، إلا في حالة وجود ارتباط بينهما فتختص به محكمة الاستئناف، فالمحاكم الابتدائية لها دور في جميع الجرائم السالفة الذكر شريطة أن تقل مبالغ المختلسة أو المبددة فيما تقل 100.000 درهم، وبالتالي فالإشكال المطروح في هذه الحالة عن كيفية تحديد المبلغ المختلس هل يقل أم يفوق المبلغ المحدد ؟ وفي حالة ما إذا تعددت الجرائم من طرف شخص واحد فهل العبرة من المبلغ المتحصل من كل جريمة أم مجموع المبالغ المحصلة؟ هذه وغيرها من بين الإشكالات التي تطرحها الممارسة العملية.[26]
إضافة إلى الاختصاص أعلاه، تتولى المحاكم الابتدائية النظر في المخالفات المنصوص عليها بقضاء القرب، 28 وتختص أقسام الجرائم المالية والتي تعتبر استثناء من القاعدة المنصوص عليها في النظر قي الجنايات المنصوص عليها في الفصل 241 إلى 256 من مجموعة القانون الجنائي المغربي وكذلك الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها.
هذا ويعتبر القضاء الجنائي في أحد القرارات الصادرة عنه أنه للقيام بالمتابعة وجب توفر الأركان والعناصر اللازمة لقيام الجريمة، حيث أن إعادة تكييف المتابعة التي قامت بها النياية العامة لعدم توفر أحد الأركان الضرورية لقيام جريمة الاختلاس، واعتبرت أن إعادة التكييف لجناية اختلاس الأموال العامة موضوع تحتها بمقتضى وظيفتها إلى الجنحة المذكورة ومأخوذة المعنى على هذا الأساس، ومن هذا يتبين أن القاضي الجنائي يتشدد كثيرا في توفر الجريمة وصفاتها وأركانها.
كما اتجه في قرار آخر إلى اعتبار أن إرجاع الأموال بعد اختلاسها لا يعتبر سببا لسقوط الدعوى العمومية، وإن كان بالإمكان اعتباره عذرا مخفضا ومخففا من العقاب.
من حيثيات هذا القرار نورد " وحيث تبت من الإطلاع والبحث المنجز أنه لم يرجع المبالغ المختلسة من أموال الجماعة إلا بعد القيام بعملية التفتيش وافتحاص من طرف قابض المحلي بايت ملول.... ولكونهما ارجعا الأموال المختلسة ارتأت المحكمة أن تأمر بإيقاف العقوبة الصادرة في حقهما.[27]
المطلب الثاني: أحكام قضائية جنائية صادرة في حق منتخبين جماعيين
❖ حكمت المحكمة الابتدائية بمكناس، الصادر في 27 دجنبر2018 في حق حوسى عزيزي رئيس جماعة تاوجطات إقليم الحاجب، والقاضي بسجنه لمدة ثلاث سنوات، وتعود وقائع الحكم لشكاية قامت بتقديمها شركة " أوزون " للنظافة التي تربطها عقدة للتدبير المفوض مع جماعة عين تاوجطات ( إقليم الحاجب )، والتي عللت شكايتها، بتوجيه تهم " النصب وتسلم فائدة واستغلال النفوذ " طبقا للفصلين 540 و243 من القانون الجنائي.
ليقوم عامل عمالة الحاجب بعزل الرئيس وحل مكتب جماعة عين تاوجطات بحكم القانون استنادا إلى المادتين 21 و21 من القانون التنظيمي 14/113 بعد انقطاعه عن مزاولة مهامه بسبب الإعتقال لمدة فاقت 6 أشهر ابتداءا من 17 مارس 2018.
❖ حكم المحكمة الابتدائية لليوسفية، بالسجن النافذ لمدة شهرين في حق رئيس جماعة الطياطيم، وتعود وقائع القضية إلى متابعة الرئيس من طرف النيابة العامة بتهمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي وتحقير مقرر قضائي
والعصيان، بعد شكاية تقدم بها أحد الممونين ضد الجماعة نفسها، التي تبعد عن الشماعية بحوالي عشرة كيلومترات.
وكان الممون وضع شكاية لدى القضاء يطالب فيها رئيس الجماعة بأداء مستحقات مالية مترتبة عن تزويد الجماعة ببعض اللوازم المكتبية، وبعد الحكم لفائدته، حاول الممون إبلاغ الطرف الآخر بالحكم بواسطة مفوض قضائي قصد التنفيذ، وبعدما شرع المفوض في تنفيذ إجراءات الحجز التحفظي على ممتلكات الجماعة لفائدة الممون، تطورت الأمور وانتهت بوضع العون نفسه شكاية لدى النيابة العامة يتهم فيها الرئيس المتهم بإهانته وإهانة الجهاز القضائي والامتناع عن التنفيذ ضدا على حكم المحكمة.
❖ حكم محكمة الاستئناف غرفة جرائم الأموال بفاس في حق عمدة مدينة وجدة ورئيس الجهة يوم الأربعاء 20 مارس 2019، وتعود الوقائع إلى اتهام عمر حجيرة رئيس الجماعة الحضرية لوجدة، والعمدة السابق لخضر حدوش ورئيس الجهة عبد النبي بعيوي بتهمة تبديد واختلاس أموال عمومية.
وبذلك تمت إدانة عمر حجيرة، البرلماني ورئيس الجماعة الحضرية لوجدة، بغرامة مالية، وبسنتين سجنا نافذا، وبنفس العقوبة على عمدة وجدة السابق لخضر حدوش المتابع هو الآخر في حالة سراح بكفالة 80 مليون سنتيم، والذي دبر شؤون المدينة حتى انتخابات 2009، فيما أدين القيادي ورئيس الجهة الشرقية، عبد النبي بعيوي، بسنة سجنا نافذا، بعدما سبق له أن أدى كفالة 30 مليون سنتيم، لاتهامه بتبديد واختلاس أموال عمومية، على خلفية مشاركة مقاولته المشهورة وطنيا، في أشغال تهيئة مدينة وجدة، وهي نفس العقوبة التي حكمت بها المحكمة على بقية المتهمين الـ10المدانين استئنافيا، منهم مقاولون وأصحاب مكاتب للدراسة ومهندسون وتقنيون يعملون بقسم التعمير بالجماعة الحضرية لوجدة.
❖ حكم المحكمة الابتدائية ببرشيد بتاريخ 6 دجنبر 2010، والتي تعود وقائع الحكم لاتهام أعضاء المجلس البلدي ببرشيد للرئيس البلدي لجماعة برشيد بتبديد واختلاس أموال عمومية والذي حكمت المحكمة ببرائته في النهاية[28].
الخاتمة
لقد حاولنا من خلال هذا البحث التطرق إلى ما يحيط بالمنتخب الجماعي من خلال الجرائم المرتكبة، والعقوبات المفروضة عليه، كما تطرقنا لدور القضاء في حماية المال العام من خلال دور النيابة العامة والقاضي الزجري، وخصوصا مع ارتفاع الأصوات المطالبة بإصلاح القضاء واستقلاله.
رغم ما يقوم به القضاء الإداري من مجهودات في مجال المراقبة ذات طبيعة إدارية، فإن هذا الدور في الحقيقة لازال ضعيفا، لأن كثير من الخروقات لا يراقبها.
أملنا في مستقبل تقوم فيه الجماعات المحلية بدورها على أكمل وجه، ويتم فيه إقرار نظام متكامل لتحسين تدبير المنتخبين الجماعيين للشأن العام المحلي على الوجه المطلوب، كما يحتل فيه القضاء موقعا رياديا.
ومن الأمور التي تثير النقاش، ما يتعلق بالآثار المترتبة عن صدور قرار العزل، يحسن تبني إمكانية التوقيف الاحتياطي على غرار مقتضيات الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في حالة ارتكاب المنتخب لأفعال جرمية أدت إلى متابعة في حال سراح، أما احتمال المتابعة في حالة اعتقال فيؤدي إلى تطبيق مسطرة التعويض أو إعادة الانتخاب بحسب الحالات.
في ما يخص اللجنة الخاصة التي تحل محل المجلس الجماعي الموقوف أو المنحل في مزاولة إختصاصاته الجماعية، كان يجب إسناد رئاستها لشخص تتوفر فيه عناصر الكفاءة والنزاهة المطلوبة، وكذلك أن إسناد رئاسة اللجنة الخاصة للسلطة المحلية يثير تساؤلا حول الرقابة الممارسة على أعمالها، فهل تدخل هذه الرقابة في نطاق السلطة الرئاسية أم تدخل ضمن الوصاية الإدارية.
وإذا كان الاجتهاد الفرنسي سبق له أن حسم في هذا الأمر بالنسبة لأعمال اللجنة الخاصة، معتبرا أنها تخضع لوصاية السلطة المركزية، فإن الأمر يضل غير محسوم فيه بالنسبة للاختصاصات التي يزاولها رجل السلطة المحلية محل رئيس المجلس الجماعي.
إن تشديد المراقبة وخاصة البعدية التي تتم عن طريق المعاينة على أرض الواقع واتخاذ العقوبات الإدارية وإحالة الملفات على القضاء في حق كل من ثبت في حقه أي إخلال سواء تعلق الأمر بالتسيير الإداري أو إحالة الملفات على القضاء في حق كل من ثبت في حقه أي إخلال سواء تعلق الأمر بالتسيير الإداري أو التدبير المالي مع اتخاذ الإجراءات بمجرد ضبط تلك الإختلالات، سيكون هو الضامن والمحصن ضد أي انزلاق.
----------------------------------------
هوامش:
هوامش:
[1] _ محمد المرضي، الحماية الجنائية للمال العام –دراسة مقارنة-، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، 2006_2007، ص 46_47
[2] _ نعيمة قطان، المنتخب الجماعي بين القانون والقضاء، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، ماستر الشأن العام المحلي، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، 2010_2011، ص 102
[3] _ سعيد الهاشمي العلوي، دور القاضي الجنائي في حماية المال العام، بحث ماستر الدستور والحكامة المالية، جامعة سدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، 2018_2019، ص 4
[4] _ الفصل 241 من مجموعة القانون الجنائي، صيغة المحينة بتاريخ 12 مارس 2018، الصادر بتنفيذ الضهير الشريف رقم 1.59.413 الصادر في نونبر 1962.
[5] _ محمد المرضي، مرجع سابق، ص 62.
[6] _ مرجع سابق، ص 63
[7] _ سعيد الهاشمي العلوي، مرجع سابق، ص 5
[8] _ الفصل 242 من مجموعة القانون الجنائي
[9] _ محمد المرضي، مرجع سابق، ص 77.
[10] _ عبد الرحمان عبد الله الحارثي، الفساد الاداري وانعكاساته على التنمية، اطروحة لنيل الدكتورة في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، 2011_2012، ص 71
[11] الفصل 248 من مجموعة القانون الجنائي.
[12] الفصل 243_244 من مجموعة القانون الجنائي
[13] محمد المرضي، مرجع سابق، ص 100
[14] نفس المرجع، ص 101
[15] نفسه، ص 102
[16] نفس المرجع، ص 102
[17] نفس المرجع، ص 103
[18] الفصل 243 من مجموعة القانون الجنائي
[19] _ محمد المرضي، مرجع سابق، ص 105
[20] نفس المرجع، ص 106
[21] محمد المرضي، مرجع سابق، ص 106
[22] 106 نفس المرجع، https:/www.maghress.com/assabah/14205 23
[23] _ نفس المرجع
[24] نفسه
[25] سعيد الهاشمي العلوي، مرجع سابق، ص 16
[26] _ نفس المرجع، ص 18_19
[27] نفس المرجع، ص 19_20
[28] انظر الملحق