الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي من خلال قانون المالية

مقال بعنوان: الرقابة البرلمانية على العمل  الحكومي من خلال قانون المالية

الرقابة البرلمانية على العمل  الحكومي من خلال قانون المالية
  
مقدمة
يمارس البرلمان مجموعة من المهام طبقا لأحكام الدستور والأنظمة الداخلية والقوانين التنظيمية، وتعتبر المراقبة من أهم الوظائف التي يقوم البرلمان بأدائها، من اجل ضمان نوع من التوازن بين السلطتين الرئيستين في الدولة، وحتى تتمكن المجالس النيابية من متابعة العمل التنفيذي ورصد مختلف أوجه نشاطها لتحقيق نوع من الانضباط في العمل الحكومي، تخول لها مجموعة من آليات العمل.[1]
وإذا كانت الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، تعد احد أهم مقومات الأنظمة البرلمانية، وشرطا أساسيا لتحقيق الديمقراطية، ووسيلة لمشاركة الأقلية في الحياة السياسية، وأداة فعالة للحد من استفراد الغالبية بالسلطة واحتكارها، فان تطبقها بالشكل المتعارف عليه في الأنظمة العريقة في الممارسة البرلمانية، يختلف كثيرا عن واقع الرقابة المعتمدة في الدول غير الديمقراطية، والدول التي تعيش حالة تحول ديمقراطي. وهذا الوضع، يفرض ضرورة إعادة النظر في أدوات وصلاحيات البرلمان في مجال الرقابة على العمل الحكومي من اجل تحقيق الحكامة الديمقراطية، وتطبيق الديمقراطية التشاركية، وضمان فعالية القوانين والسياسات العمومية التي يتولى وضعها البرلمانات في الدول السائرة في طريق البناء الديمقراطي.
ومن اجل تحقيق ذلك، عمل المشرع الدستوري بالمغرب على تخويل البرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منع المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوق متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية.[2]
وعموما يمكن تقسيم المراقبة إلى مرحلتين : 

1- المرحلة الأولى:   
يمكن أن نطلق على الأولى بالمرحلة القبلية للمراقبة، أو الغير المثيرة للمسؤولية السياسية، وتتجلى في محاولة البرلمان الحصول على اكبر كمية ممكنة من المعلومات المهمة على العمل الحكومي، وذلك من خلال توجيه الأسئلة الكتابية والشفوية والآنية، أو عن طريق البيانات والتصريحات التي تدلي بها الحكومة، أو من خلال تشكيل لجان للمراقبة حول واقعة معينة، وذلك فحتى يتمكن البرلمان من القيام بهذه المراقبة على الحكومة التي تمده بالمعلومات اللازمة عن نشاطها، كما يمكن للبرلمان أن يسعى بنفسه الحصول على هذه المعلومات. 

2- المرحلة الثانية : 
فهي الحاسمة والمباشرة والتي من خلالها يمارس البرلمان مراقبته الحقيقية على الحكومة التي قد تصل إلى حد إسقاطها وذلك بوسيلتين : إما عن طريق الحكومة نفسها حينما تطلب الثقة من البرلمان، أو عندما يبادر البرلمان إلى تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة وسنقتصر في هذه الموضوع على توسيع مجال المراقبة البرلمانية على العمل الحكومي من خلال مناقشته لمشروع القانون المالي وقانون التصفية وكدا ممارسة البرلمان للرقابة من خلال الطعن في دستورية القانون المالي.

المطلب الاول: مناقشة مشروع القانون المالي وقانون التصفية 

الفقرة الأولى: مناقشة مشروع القانون المالي 

طبقا للفصل 75 من الدستور " يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب بالتصويت من قبل البرلمان "وتأتي أهمية القانون المالي من ارتباطه بمختلف السياسات العمومية ومختلف القطاعات الحكومية، وبالحياة اليومية للمواطن، وبنسبة الاستثمار، ومعدل النمو .... 
ولهذا فمناقشة القانون المالي تحظى بأهمية كبيرة من قبل كل الفاعلين من ملك وحكومة وبرلمان ومواطنين ومستثمرين.... 
غير انه على الرغم من أهمية القانون المالي، فان دور البرلمان بخصوصه، يعتبر متواضعا، ومحدودا حيث " يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز، التي يتطلبها في مجال التنمية، انجاز المخططات التنموية الإستراتيجية، والبرامج المتعددة السنوات، والتي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وعندما يتم الموافقة على تلك النفقات، يستمر مفعول المراقبة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقدير مشاريع قوانين ترمي الى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور" [3] "وإذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر أمر بتنفيذه، بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية تطبيقا للفصل 132 من الدستور فان الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة"[4]. 
ومن خلال هذه المقتضيات الدستورية، يتضح لنا جليا بان اختصاصات البرلمان في المجال المالي جد محدودة، حيث يلزم بالتصويت مرة واحدة على نفقات التجهيز التي قد تهم عدة سنوات، لا يمكنه إطلاقا تقديم أية مقترحات قوانين لتغيير ما تمت الموافقة عليه في هذا الصدد كما أن تأخير البرلمان في المصادقة على القانون المالي، يعطي الحكومة إمكانية التصرف بشكل مريح وكأنه تمت الموافقة عليه، هذا مع العلم بان " للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قيودها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية وإلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود "[5] 
ومن خلال هذه المقتضيات الأخيرة، يتضح بأن حياة البرلمان في الرقابة على القانون المالي جد ضيقة، حيث يمكن للحكومة أن ترفض المقترحات الصادرة من البرلمان شريطة تحديد أسباب الرفض وهو ما لا يعجز الحكومة، التي تكون غايتها هي ضمان المصادقة على القانون المالي كما تم عرضه على البرلمان دون زيادة أو نقصان، وهذا ما يجعل الدور البرلماني في مجال القانون المالي دورا شكليا فقط. 


الفقرة الثانية : قانون التصفية 

إضافة إلى قانون المالية، تتولى الحكومة عرض قانون التصفية على البرلمان بشكل سنوي، وهذا ما ينص عليه الفصل 76 من الدستور، الذي يصرح بان " تعرض الحكومة سنويا على البرلمان، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون، ويتضمن قانون التصفية حصيلة ميزانيات التجهيز التي انتهت مدة نفاذها ". ويمكن اعتبار هذا الأمر من أهم مستجدات الدستور الجديد في المجال المالي، حيث لم تكن الحكومات في الدساتير السابقة تقوم بعرض قانون التصفية على البرلمان في السنة الموالية التي تلي تنفيذ القانون المالي. هذا ما أدى إلى تراكم العديد من قوانين المالية المتعلقة بها، الأمر الذي يفقدها راهنيتها ودورها ولا تؤثر على عمل الحكومة، حيث إن العديد من قوانين التصفية السابقة، عرضت في فترات لاحقة بعد انتهاء مهمة الحكومات التي تقدمت بقوانين المالية المعنية بها. 
المطلب الثاني :ممارسة البرلمان للرقابة من خلال الطعن في دستورية القانون المالي : 
فقد خول الدستور لمجموعة من الجهات في التقدم بطعون في دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية، وهذا ما تقره الفقرة الثالثة من الفصل 132 التي تنص على انه يمكن للملك وكذا رئيس الحكومة، أو رئيس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين أو خمس أعضاء مجلس النواب أو 40 عضوا من مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور". 
ومن خلال هذه المقتضيات يتضح جليا بان المشرع الدستوري يسر وسهل نوعا ما، مهمة الطعن في دستورية القوانين العادية، حيث تم تخفيض النصاب القانوني المتعلق بالطعون المقدمة من قبل أعضاء مجلسي البرلمان، فبعدما كان هذا النصاب محددا في دستور 1996 في ربع أعضاء مجلس النواب وربع أعضاء مجلس المستشارين تم تخفيضه في ظل الدستور الحالي وحدده في خمس أعضاء مجلس النواب بدل الربع، أو يعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين بدل الربع أيضا. والغاية من هذا التخفيض في النصاب بطبيعة الحال، هي تيسير مهمة الأقلية والمعارضة في البرلمان، وتمكينها من ممارسة المهام المخولة لها بمقتضى الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين الداخلية الجاري بها العمل، وذلك خصوصا بعدما كشفت الممارسة على صعوبة إن لم تكن استحالة توفر النصاب القانوني للطعن في دستورية مجموعة من القوانين العادية في إطار الدساتير السابقة. 
وتجدر الإشارة أنه لم تتمكن المعارضة مجتمعة لسنتين متتاليتين من تقديم عريضة طعن إلى المجلس الدستوري سابقا تتعلق بعدم دستورية قوانين المالية لسنتي 2005 و 2006.[6] 
وختاما لهذه المداخلة يمكن القول أن واقع البرلمان المغربي يحتاج إلى إعادة النظر، وبالتالي ضرورة عدم فتح أبواب الترشيح لولوج هذة المؤسسة بصفة عشوائية فما معنى وجود برلماني أمي وجاهل حتى بالأبجديات القانونية والسياسية، ويمثل في الوقت نفسه فئة واعية مثقفة ،كيف إذن سيناقش هذا البرلماني المشاريع الحكومية، وبالأحرى مشروع قانون المالية ؟وكيف سيراقب الحكومية ويتتبع انحرافاتها وانزلاقاتها. 
ويجب أيضا تدعيم دور البرلمان في المجال الرقابي ،فإذا كان البرلمان في إطار التعاون والتوازن بين السلط يعد رقيبا على أعمال الجهاز التنفيذي ، فيجب ألا يشل يشل عمله بالشروط المعقدة التي تجعل مراقبته شكلية ومستحيلة.

خاتمة
أكيد لو خلقنا الظروف الحقيقية أمام المؤسسة التشريعية لتؤدي عملها كممثل للشعب ومراقب يقظ وفاعل ، لن يكون هناك لإفراغها من محتواها الثقيل الوازن بثقل الأوراش الكبرى و التي يراهن عليها الكل لتدرس خارج قبة البرلمان ، بعيدا عن أعين الشعب. 
____________________________

الهوامش :
[1] ذة.يمنية هكو، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. عدد 71/2006 ص 141.
[2] ذ.احمد مفيد،REMALD . عدد 102 ،يناير، فبراير 2012 ص 11.
[3] الفقرة 2 من الفصل 75 من دستور 2011.
[4] الفقرة 3 من الفصل من الدستور الجديد.
[5] الفقرة 2 من الفصل 77.
[6] رشيد الهدور : العمل البرلماني في المغرب : قضايا وإشكالات.ط.2 2006/ص73.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -