اختصاصات المجلس الدستوري في المنازعات الانتخابية

مقال بعنوان: اختصاصات المجلس الدستوري في المنازعات المتعلقة بالعملية الانتخابية

مقال بعنوان: اختصاصات المجلس الدستوري في المنازعات المتعلقة بالعملية الانتخابية PDF

مقدمة 
تعتبر الإنتخابات ظاهرة ديمقراطية و ممارسة حضارية لتأكيد حرية الفرد في إختيار من يراه منايبا لتمثيله،وذلك في إطار قانوني منظم هدفه الإرتقاء بالإنتخابات للمستوى المطلوب،ولضمان نزاهتها فقد حدد لها المشرع جملة من النصوص التنظيمية، كرست مجموعة من المبادئ منها المساولة بين المترشحين، حرية الترشح في إستخدام الوسائل المشوعة و القانونية، إلا ان تنظيم هذه العملية قد تصادفه عدة مشاكل تتضمنها هذه المنازعات في إطار قانوني منظم هدفه الحفاظ على توازن الدولة، ولهذا أعطى المشرع المغربي مهمة النظر في صحة إنتخاب اعضاء البرلمان إلى مؤسسة القضاء الدستوري عن طريق الطعون التي ترفع إليه.
فأول دستور عرفته المملكة المغربية لسنة 1962 نص على إحداث الغرفة الدستورية بالمجلس الإعلى ، هذه الغرفة الدستور هي التي خول لها المشرع البت في صحة إنتخاب أعضاء البرلمان، وبعد التعديل الدستوري لسنة 1992 أصبح المجلس الدستوري هو المختص بالبت في الطعون الإنتخابية وذلك بإعتباره جهازا مستقلا، لكن الدستور الجديد لسنة 2011 جاء ليرتقي بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية حيث نص الدستور الجديد في المادة 129 "تحدث محكمة دستورية" وأعطى لها مهمة النظر في الطعون المتعلقة بإنتخاب أعضاء البرلمان، داخل اجل سنة، إبتداءا من تاريخ إنقضاء أجل الطعون، غير أن للمحكمة تجاوز هذا الأجل بموجب قرار معلل، إذا إستوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها، وفي إنتظار صدور قانون تنظيمي الخاص بالمحكمة الدستورية فلا زال المجلس الدستوري هو المختص بالنظر في الطعون الإنتخابية، فماهو إذا الإختصاص الأصلي للمجلس الدستوري في المنازعات الإنتخابية وما هي الإجراءات المسطرية للطعن، وماهي صلاحية هذا الأخير في مراقبة الأعمال الممهدة للعمليات الإنتخابية؟
لمعالجة هذه الإشكالية سنتولى دراسة الموضوع في مبحثين:

المبحث الأول: الإختصاص الأصلي للمجلس الدستوري في المنازعات الإنتخابية.
المبحث الثاني : مراقبة المجلس الدستوري للأعمال الممهدة للعمليات الإنتخابية. 


المبحث الأول: الإختصاص الأصلي للمجلس الدستوري في المنازعات الإنتخابية. 

لا يمكن الجزم بان المجلس الدستوري صاحب إختصاص شامل فيما يرجع لكل المنازعات التي قد تثار بمناسبة تنظيم إنتخابات تشريعية، حيث أن الطبيعة الإدارية الممهدة لا تسمح له بالمراقبة فعالة ومباشرة ويبقى الإختصاص الأصلي للمجلس الدستوري حسب الفصل 132 من 2011 في مراقبة صحة إنتخاب أعضاء البرلمان (المطلب الأول) وذلك وفق مسطرة الطعن خاصة بالمنازعات الإنتخابية (المطلب الثاني )

المطلب الأول :مراقبة صحة إنتخاب أعضاء البرلمان. 

أسندت الدساتير المغربية السابقة (دستور1972،1970،1962) للغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى النظر في صحة إنتخاب أعضاء النواب ،في المراجعات الدستورية اللاحقة (1996،1992) تم إسناد ذلك الإختصاص إلى المجلس الدستوري حيث كان ينص الفصل 81 من السابق لسنة 1996 " .... ويفصل المجلس الدستوري في صحة إنتخاب أعضاء البرلمان..."[1]
وهدا ما اكد عليه دستور سنة 2011 في نص المادة 132 على أنه "تمارس المحكمة الدستورية الإختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية، وتبت بالإضافة إلى ذلك في صحة إنتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الإستفتاء."
إن المجلس الدستوري وإن كان قاضي الإنتخابات البرلمانية والمتمثلة في النظر خاصة في عملية الإقتراع، فهو لا يختص بتسوية جميع النزاعات التي قد تثار بمناسبة إنتخابات تشريعية فهو من زاوية أولى ليس بالجهة القضائية الوحيدة المؤهلة لفض المنازاعات التي يكون موضوعها مرتبطا بالعمليات الممهدة لعمليات الإقتراع[2] ومن زاوية ثانية كل محاولة للطعن أمام المجلس الدستوري غير ممكنة قبل الإعلان عن نتائج الإقتراع، فإختصاصه مقيد ولا يتدخل قبل إعلان النتائج.
كما أن المجلس الدستوري بفعل طبيعة إختصاصه كقاضي الإنتخاب، ليست له إلا سلطات محدودة فيما يخص القرارات التي تصدرها السلطات الإدارية عند تحضير للإنتخاب بحيث لا يمكنه إلغائها كما هي بل له فقط أن يستنتج من الضروف النازلة عدم شرعيتها ليصرح بإلغاء الإنتخاب[3].
وتبعا لذالك يرى البعض أن الطعون الإنتخابية ليست كلها من إختصاص المجلس الدستوري ،حيث أن هذه المؤسسة لا تختص بالنظر في المنازعات المتعلقة بإنتخاب أعضاء مجلس النواب إلا بعد الإعلان عن نتيجة الإقتراع، أي بعبارة أوضح في صحة إنتخاب الفائز.
ويبدوأن إختصاص المجلس الدستوري يتعلق فقط بصحة إنتخاب المرشح الفائز هو الأقرب إلى الصواب لكن ذلك يحتاج إلى توضيح و تدقيق، من أجل توضيح ذلك نطرح السؤال الآتي: هل يختص المجلس الدستوري بالنظر في صحة الأعمال الممهدة و الأعمال اللاحقة للإنتخاب؟ فبالرجوع إلى المادة 132 من دستور 2011 إستعملت تعبير "صحة الإنتخاب " وبذلك يرى البعض أن لمصطلح الإنتخاب معنيان:
معنى ضيق ومعنى واسع، بالنسبة للمعنى الضيق: يعني أساسا الإعلان عن المرشح الذي فاز بأغلبية الأصوات (المنتخب الفائز) وبذلك كل ما لا يرتبط بهذا الإعلان لا يختص به المجلس الدستوري.
أما المعنى الواسع، فالإنتخاب يعني مجموع العمليات الإنتخابية والتي تشمل بالضرورة سلسلة من القرارات السابقة و اللاحقة للإنتخاب بمعناه الضيق[4].
وبالرجوع إلى القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري يتبين أنه يختص بمراقبة صحة إنتخاب الفائز وهو الإختصاص الأصلي المسند إليه، ومن ثم فهو لايراقب الأعمال السابقة واللاحقة لإعلان النتيجة.
إذا تبين بعد إعلان نتيجة الانتخاب وبعد انصرام الأجل الذي يمكن أن ينازع خلاله في الانتخاب أن شخصا غير مؤهل للانتخاب في مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو يوجد في حالة تناف أثناء مدة انتدابه نائبا أو مستشارا ، فإن المجلس الدستوري يثبت عند الاقتضاء التجريد أو الاستقالة من الانتداب أو من الوظيفة المتنافية مع هذا الانتداب والإلحاق بالنسبة لهذه الوظيفة . وللمجلس الدستوري أن يبت كذلك في حالة وجود شك في التنافي ، وأخيرا أن يثبت شغور مقعد بمجلس النواب أو المستشارين عقب وفاة شاغله أو استقالته الإرادية.
ويختص المجلس الدستوري فضلا عن ذلك بالنظر في بعض الوقائع التي تتعلق بأعضائه، وهكذا يتعين عليه أن يثبت الاستقالة الاختيارية لعضو أو إعفاءه بسبب مزاولته نشاطا أو شغله منصبا أو نيابة انتخابية تتنافى مع عضوية المجلس الدستوري ، أو فقدان التمتع بالحقوق المدنية والسياسية ، أو إصابته بعجز بدني مستديم يمنعه بصورة نهائية من مزاولة مهامه أو إخلاله بالالتزام العام بالتحفظ.
وفي حالة النزاع بين الحكومة ومجلس النواب أو مجلس المستشارين بشأن تطبيق مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق باللجان البرلمانية لتقصي الحقائق ، فإن الوزير الأول أو رئيس أحد المجلسين المذكورين يرفع النزاع إلى المجلس الدستوري ليبت فيه بعد تلقيه ملاحظات الطرفين.

المطلب الثاني: مسطرة الطعن في المنازعات الإنتخابية أمام المجلس الدستوري 

لقبول الطعن في الإنتخابات البرلمانية أمام المجلس الدستوري سواء تعلق الأمر بمجلس النواب أو محلس المستشارين يشترط أن يقدم الطعن ممن له الأهلية و الصفة و المصلحة، و التقيد في شكليات عريضة الطعن و الآجال أثناء تقديم الطعن في المنازعة الإنتخابية تحت طائلة عدم القبول.
ولقد حددت المادة 88 من القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 11-27 الصادر بتاريخ14 أكتوبر 2011 " الأشخاص الذين لهم الأهلية و الصفة و المصلحة لرفع الطعون الإنتخابية أمام المجلس الدستوري و هم : الناخبون – المرشحون المعنيون بأمر الإنتخاب- عمال العمالات و الأقاليم كما يخول هذا الحق لكتاب اللجنة الوطنية للإحصاء بالنسبة للطعن في العملياتى الإنتخابية المتعلقة بمجلس المستشارين طبقا للمادة 51 من القانون التنظيمي لهذاالمجلس.[5]
وبمقتضى هذا التحديد الحصري للجهات المؤهلة لتقديم الطعون أمام المجلس الدستوري فإن باقي الأشخاص و الهيآت الأخرى تعتبر غير ذي الصفة في المجلس الدستوري بمناسبة المنازعات التي تطال العمليات الإنتخابية.[6]
وبهذا يتضح لنا أن إمكانية الطعن في إنتخاب أعضاء البرلمان غير مفتوحة في وجه الأحزاب السياسية و التجمعات السياسية و الجمعيات، و تجدر الاشارة إلى أن توفر الصفة في الطاعن تختلف بحسب ما إدا كان الأمر يتعلق بالطعن في العملية الإنتخابية (أي بعد إعلان نتائج الإقتراع و الصفة لطاعن في مقررات رفض الترشيح، و يجوز لكل مرشح وقع رفض التصريح بترشيحه أن يرفع قرار الرفض إلى المحكمة الإبتدائية التابعة لها الدائرة الإنتخابية ، غير أن دعوة الطعن المنصوص عليها في الفقرة السابقة ترفع إلى المحكمة الإبتدائية بالرباط فيما يخص الترشيحات التي رفضها كاتب اللجنة الوطنية للإحصاء.
يمكن إقامة دعوى الطعن التي تسجل بالمجان خلال أجل يوم واحد يبتدئ من تاريخ تبليغ الرفض و تبث المحكمة الإبتدائية بصفة إنتهائية وجوبا في ظرف 24 ساعة إبتدائا من ساعة إداع الشكوى ، و تبلغ حكمها فورا إلى المعني بالأمر و إلى العامل أو عند الإقتضاء ، إلى كاتب اللجنة الوطنية للإحصاء ، و يتعين على السلطة المختصة أن تسجل فورا النرشيحات التي حكمت المحكمة بقبولها و تعمل على إشعارها و هذا منصوص عليه في الماذة 87 من القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 11-27 ، غير أن صفة الطاعن جعلها المشرع في بعض الحالات قاصرة على بعض الأطراف الناخب أو المرشح ويتعلق الأمر بالمنازعة بطلب التجريد حيث تقتصر على مكتب مجلس النواب ووزير العدل و النيابة العامة للمحكمة التي أصدرت الحكم في حق نائب برلماني ذلك أنه يجرد بحكم القانون من صفة مستشار أو نائب كل شخص تبين أنه غير مؤهل للإنتخاب بعد إعلان نتيجة الإنتخاب أو كل شخص يوجد خلال مدة إنتدابه في إحدى الدالات عدم الأهلية للإنتخاب المنصوص عليها في القانون التنظيمي.[7]
ولكي يكتسب الطعن طابع الجدية ينبغي أن تكون للطاعن المصلحة في إلغاء الإنتخاب و ليس فقط عداوة يكنها للمنتخب أو رغبة منه في تحريك دعوى لن ينال منها أي طائل لذلك يشترط في الطاعن أن يكون مرشحا أو نائبا أو له مساس مباشر بنتائج الإنتخابات.[8]
و يوجه الطعن ضد الإنتخابات البرلمانية داخل أجل 15 يوم من تاريخ الإعلان عن نتيجة الإقتراع بواسطة عريضة إلى الإمانة العامة للمجلس الدستوري أو إلى عامل مقر الجهة أو عامل العمالة أو عامل الإقليم الذي جرت فيه العمليات الإنتخابية أو إلى كاتب الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي جرى الإنتخاب بدائرة نفوذها ، و عند اداع العريضة لدى إحدى الجهات المذكورة يسلم وصل عن ذلك يحمل تاريخ إداع الطعن و يتضمن قائمة الوثائق و المستندات المقدمة من طرف الطاعن لتعزيز طعنه اما إذا وضعت العارضة لدى العامل او كاتب الضبط بالمحكمة الإنتدائية يجب على هؤلاء ان يشعروا الأمانة العامة للمجلس الدستوري بذلك يواسطة برقية او نسخة وأن يوجهوا إليه العرائض التي تلقوها.[9]
و تجدر الإشارة إلى ان العريضة تقدم مكتوبة وممضاة من طرف اصحابها او من طرف محام مسجل بإحدى هيئات المحامين بالمغرب و تعد غير مقبولة كل عريضة لم تقدم إلى إحدى الجهات المذكورة داخل الاجل المذكور.
كما تجدر الإشارة ان الطاعن يتمتع بحق رفع اكثر من طعن واحد في نفس الوقت ينصب كل واحد على موضوع معين في عمليات الإقتراع ، ويجب ان يكون موضوع العريضة الواحد هو الطعن في إنتخاب احد أعضاء البرلمان و تبعا لذلك ترفض العرائض التي يكون موضوعها الطعن في مجموع الإنتخابات او في كل إنتخاب كل منتخبي حزب معينن، او إنتخاب مدينة معينة.[10]

المبحث الثاني : مراقبة المجلس الدستوري للأعمال الممهدة للعمليات الإنتخابية

تعتبر الإنتخابات من أهم ما ترتكز عليه الديمقراطية في الدول الحديثة و تمر العملية الإنتخابية بعدة مراحل، بحيث تسبقها أعمال سابقة وتمهيدية و المتمثلة بالأساس في القيد في اللوائح الإنتخابية و الترشيح للإنتخابات و الحملة الإنتخابية ، وحتى تمر هذه العملية في جو سليم فقد اعطى المشرع الحق للمجلس الدستوري لنظر في هذه العمليات و ممثل في الطعن في الأعمال الممهدة للعملية الإنتخابية ، ولذلك نتسائل عن المنهج الذي يتبعه المجلس الدستوري في صحة القيد في اللوائح الإنتخابية و الترشيح (المطلب الأول) وكذا مراقبته لسير الحملة الإنتخابية ( المطلب الثاني)

المطلب الأول : مراقبة صحة القيد في اللوائح الإنتخابية و الترشيح. 

يعتبر وضع اللوائح الإنتخابية من الأعمال الهامة الممهدة للإنتخابات، وكلما كان التسجيل فيها كبيرا، كان التطلع لنسبة المشاركة في الإنتخابات أكبر، ولا تكون المشاركة إلا لمن هم مسجلين في اللوائح الإنتخابية[11] مما يفيد بأن التسجيل في اللوائح الإنتخابية هو أمر إجباري.
وفي هذا الصدد إتجه المجلس الدستوري المغربي في مجال الطعون الإنتخابية المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الإنتخابية بحيث لا يقوم بإلغاء الإنتخاب إلا في حالة واحدة، الحالة التي يتبث فيها اللائحة الإنتخابية خروقات ومناورات تدليسية يهدف منها تزوير الإنتخابات و التحكم في نتائجها، عبر ممارسات من قبيل التقييد المضاعف، تقييد أشخاص وهميين أو متوفين بهذه اللوائح، على إعتبار أن هذا التسجيل هو الخطوة الأولى في التمهيد لإنتخابات حرة صحيحة وفق القانون وذلك عبر تمكين المواطنين على قدم المساوات من أن يكونوا ناخبين ومنتخبين، تجسيدا لمبدأ المساواة في المواطنة وتعزيز حقهم الدستوري للمشاركة في تدبير الشأن العام.[12]
أصدر المجلس الدستوري قرارا رقم 2000/404 قضى فيه بإلغاء إنتخاب المطعون ضده م-ك عضوا في مجلس النواب على إثر الإقتراع الذي أجري في 14 نونبر1997 بدائرة (عمالة عين الشق الحي الحسني) تأسيسا على وجود تدليس و تزوير في اللوائح لكون المطعون في إنتخابه تمكن بصفته رئيسا للجنة الإدارية المكلفة بإعداد اللوائح الإنتخابية وبالتواطؤ مع الإدارة من حرمان مئات الناخبين من المشاركة في الإقتراع و إتضح للمجلس الدستوري ان إنتخاب هذا العضو كان مقرونا بمناورات تدليسية.
أما فيما يخص مرحلة الترشيح تعد هذه المرحلة من مراحل التي تمر بها الإنتخابات ضرورية، حيث تمكن من معرفة المرشحين الذين يتنافسون على المقاعد المتبارى بشأنها ،وهي مرحلة هامة ضمن الاعمال التمهيدية للعمليات الإنتخابية، إذ بالإضافة لكونها تمثل من حصر الأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط الترشيح، فإنها تستبعد غيرهم الذين لا يحق لهم ذلك.
وبالرجوع إلى أحكام التشريع المغربي نجد أن المادة 87 من قانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب[13] تنص على ان يسوى النزاع المتعلق بترشيحه حق الطعن في قرار رفض الترشيح أمام المحكمة الإبتدائية التابعة لها الدائرة الإنتخابية، لكن فيما يتعلق بقرارت رفض الترشيح للمحكمة الإبتدائية وفي هذه الحالة لا يمكن الطعن في حكم هذه المحكمة إلا أمام المجلس الدستوري المحال إليه أمر الإنتخاب، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن هناك بوادر تشير إلى تطور عمل المجلس الدستوري في مراقبته لقرارات رفض الترشيح.[14]
إن الطعن في مقرر رفض الترشيح لمجلس النواب لا يطعن فيه أمام المجلس الدستوري إلا في نطاق الطعن المرفوع إليه بقصد إلغاء العملية الإنتخابية تحت طائلة عدم قبول الطعن، وهذا ماقضى به المجلس الدستوري في عدة قرارات.[15]
ففي قرار المجلس الدستوري رقم 2002-482 بتاريخ 24 شتنبر 2002 حيث جاء فيه أنه في المادة 87 من القانون التنظيمي رقم 11-27 تم رفض طلب الطاعن بإلغاء نتيجة الإقتراع في الدائرة التي كان الطاعن يريد ترشيح نفسه فيها ، حيث عمد إلى الطعن في قرار إمتناع العامل بقبول ترشيحه بعد تأييد المحكمة الإبتدائية بسلا بترشيحه، أمام المجلس الدستوري قبل الإعلان عن نتائج الإقتراع لأن في دلك خرق لأحكام الواردة في الفصل 87 من القانون التنظيمي لرقم 11 -27 و لحماية الحق في الترشيح للإنتخابات وضع المشرع مقتضيات زجرية و غرامات مالية لعدم التلاعب في الوائح الإنتخابية بالرغم من الصعوبة التي تكمن في الكشف و المتابعة عن هذه التلاعبات نظرا لتنقل الموظفين لعين المكان قصد التسجيل الناخبين و إعتماد وسائل عمل ضعيفة[16].

المطلب الثاني: مراقبة المنازعات المتعلقة بالحملة الإنتخابية. 

تعتبر الحملة الإنتخابية اللحظة المفضلة في الحياة السياسية التي يعتقد فيها المرشحون بأن كل شيء مرخص له، لذلك فإن أهم ما يثير إنتباه الباحث في هذا المضمار هو كثرة و تنوع المآخد المتعلقة بالحملة الإنتخابية .
فجل الطعون المحالة إلى المجلس الدستوري تثير عدم قانونية الاساليب التي تم اللجوء إليها خلال الحملة الإنتخابية وأيضا التجاوزات و الخروقات الشخص المطعون في إنتخابه ،أو السلطة المحلية أو هما معا[17].
ولذلك فهي تكتسي أهمية كبرى في إطار المراحل التي تمر بها العملية الإنتخابية ،وقد حدد المشرع في مدونة الإنتخابات إطارها القانوني والحدود التي لا ينبغي تجاوزها ، وللإشارة فإن مخالفة الإطار القانوني لممارسة الحملة الإنتخابية لا تأدي إلى بطلان العملية الإنتخابية ،إلا إذا كان لها تأثير على نتيجة الإقتراع شريطة قيام الطاعن بإتبات ذلك، وعلى ضوء دراسة تحليلية لآخر قرارات المجلس الدستوري المتعلقة بالحملة الإنتخابية، يتضح أن المجلس أصبح يمارس دوره الجديد في تأكيد دولة الحق والقانون أصبح يشدد في محاكمة النتائج الإنتخابية المشوبة بالمخالفات الناتجة عن المناورة التدليسية، وهذا ما يتضح من مضامين القرارات التالية:
- قرار رقم 08/705 الصادر بشأن الإقتراع الذي أجري في 7 سبتمبر2007 لإنتخاب أعضاء مجلس النواب[18].
فقد تبنى القاضي الدستوري قاعدة مهمة تأسست على ما يلي:
يتعين التصريح بإلغاء إنتخاب المطعون في إنتخابه إد تضمن في منشوره الإنتخابي بجانب (البيانات القانونية) صورة تركيبية من إختيار تضم أسماء ومقرات الجماعات التابعة للعمالة التي تقدم فيها كمرشح وعلى واجهاتها تجميع رموز البلاد بأشكال مختلفة لرموز البلاد، مما يعتبر مخالفة للقانون وممارسة من شأنها التأثير على الناخبين و إستمالتهم للتصويت لفائدتهم.
وإذا كانت الطعون التي تقدم في كل إستحقاق إنتخابي لا تخلو من شكايات في مجال إستعمال المال الغير مشروع، وأن الوقائع تبرز أن اللجوء إلى القضاء المختص إلى إلغاء النتائج بناءا على إستعمال المال كانت نادرة فإننا في الإستحقاقات الأخيرة أي منذ إنتخابات 2006 نلمس تحولا نوعيا بإجتهادات القاضي الدستوري و التي من خلالها ألغى[19] عددا مهما من النتائج كلها تأسست على إستعمال المال في الحملة الإنتخابية، على إعتبار أن جرائم الرشوة الإنتخابية تتميز بصعوبة الإتباث نظرا للطابع السري الذي يحرص مرتكبوها على إحاطتها به مما يجعل عملية إكتشافها و التتبث منها و المتابعة من أجلها أمر صعب[20] ويتضح من خلال قرارات المجلس الدستوري أيضا ،نجد أنها الأخير حاول أن يوضح بأن دوره لا ينحصر في زجر المخالفات في حد ذاتها و السهر بالتالي على إحترام الضوابط القانونية المنظمة للدعاية الإنتخابية ، إذ تكمن مهمته الأساسية في البحث و التأكد من مدا تأثير هذه المخالفات في نتيجة الإقتراع فالمجلس يعتبر تفسه قاضي صحة الإنتخاب وليس قاضي شرعية الإنتخاب، كما أن القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب أسند وضيفة الزجر المخالفات المرتكبة خلال الحملة الإنتخابية إلى المحاكم العادية.
ويبقى إسناد إختصاص الزجر المخالفات المرتكبة خلال الحملة الإنتخابية إلى المحاكم العادية دروريا و مكملا لعمل المجلس الدستوري كما أن المجلس الدستوري أبرز من خلال قراراته بأنه لا يعاقب المخالفات في حد ذاتها، بل يقف فقط على مدى تأثير هذه المخالفات في نتيجة الإقتراع، كما أن الحكم بالعقوبة التي تقضي به المحاكم العادية لا يترتب عليه إلغاء الإنتخاب وذلك دون الإخلال بالمقتضيات المتعلقة بالطعون الإنتخابية ... وهو ما يعني ان الأحكام الصادرة عن المحاكم العادية يمكن أن تشكل حجة يبني عليها المجلس الدستوري مستنتجاته لإلغاء نتيجة الإقتراع وذلك ما قام به المجلس فعلا في القرارين الصادرين عنه تحت رقم 338-99 بتاريح 20 أكتوبر 1999، و 363-2000 بتاريخ 18 يناير 2000.[21]

خاتمة: 
المراقبة الدستورية هي المرآة التي تعكس مستوى النضج السياسي و الديمقراطي لأمة معينة، وتظهر نجاعة هذه المراقبة من خلال طبيعتها ، وأيضا من خلال آلياتها، غير أن المساطير المتبعة في هده المراقبة تبقى العنصر الحاسم و المهم في المعادلة لكونها تبين مستوى القضاء الدستوري بالمغرب ، فعلى غرار المجلس الدستوري فإن المشرع قد منح المجلس الدستوري إختصاص البث في الطعون الإنتخابية لإنتخاب أعضاء البرلمان هذا بالإضافة إلى مقتضى جديد مرتبط بمنح ترحال البرلمانين بحيث أن المحكمة الدستورية وبناء على إحالة من رئيس المجلس المعني بالبرلمان يمكن أن تجرد من صفة عضو في أحد المجلسين كلمن تخلى عن إنتمائه السياسي الذي ترشح بإسمه للإنتخاب أو الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها بحيث أن المحكمة الدستورية تصرح بشغور المقعد بناءا على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر وذلك وفق أحكام القانون التنظيمي.
___________________________________
هوامش:
1- بوجمعة البوعزاوي، مراقبة صحة الإنتخابات التشريعية المباشرة في المغرب، أطروحة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الاول، 2001، ص 117.
2- يوسف الفاسي الفهري، المجلس الدستوري ورقابة الإستشارات الشعبية، مجلة القانون و الإقتصاد، عدد 12، 1996، ص 19
3- بوجمعة البوعزاوي، مرجع سابق، ص 117
4- بوجمعة البوعزاوي، مرجع سابق، ص 118
5- القانون التنظيمي رقم 27.11 منشور بالجريدة الرسمية، عدد 5987، بتاريخ 17 أكتوبر 2011.
6- عسو منصور وأحمد مفيد ونعيمة البالي،القانون الإنتخابي المغربي، الطبعة الأولى 2005، مطبعة فاس، ص 190
7- ثورية أشملال، الطعون الإنتخابية، أطروحة لنيل الدكتورة في القانون العام، كلية الحقوق أكدال،2005-2006 ، ص 441.
8- محمد القصوي و محمد الأعرج، الطعون الإنتخابية بين أحكام التشريع وقرارت القضاء المغربي، الطبعة الأولى 2007، ص 103.
9- عبد العزيز النويضي، المجلس الدستوري بالمغرب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية، الطبعة الاولى 2001، دار النشر المغربية الدارالبيضاء، ص 99.
10- أحمد لحبيب التامك، إصلاح النظام الإنتخابي بالمغرب وإنعكاساته، رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، أكدال الرباط 2000 - 2001، ص 102.
[11] - عسو منصور، نعيمة البالي أحمد مفيد، مرجع سابق ،ص 28.
[12] - نوال معاشي، الطعون الإنتخابيةعلى ضوء الإجتهاج القضائي المغربي 2010-2009 جامعة محمد الخامس سوسي، ص 62
[13] - المادة 87 من قانون التنظيمي رقم 11-27 ، ج.ر، عدد 5987 ، بتاريخ 17 أكتوبر 2011، ص 5053
[14] - عزيزة الغداني، الجوانب الإيجابية في إجتهادات المجلس الدستوري المتعلقة بالإنتخاب، م.م للمنازعات القانونية عدد 4/3، سنة 2005، ص 185
[15] - عبد العزيز النويضي مرجع سابق، ص 33
[16] - محمد القصري و محمد الأعرج مرجع سابق،ص 202
[17] - حسن الجماعي، الضوابط القانونية للإنتخابات التشريعية في المغرب و فرنسا ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، أكدال الرباط، سنة 2000-2001، ص 681-682
[18] - قرار رقم 08/708 بتاريخ 29 جمادى الأولى 1429 (4 يونيو 2008 ) مجلة الدستوري العدد 9-2010، ص 237
[19] - فرار رقم 07/645، رقم الملف تاريخ النشر 2007/26 ع.ج ، 5552
[20] - عمر عباسي: التدبير الإداري للإنتخابات، شتنبر 2007، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس السويسي كلية العلوم القانونية و الإجتماعية-الرباط-، سنة 2007 -2008 ،ص 79
[21] - حسن الجماعي، مرجع سابق، ص 692-693

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -