منازعات تحصيل الدين الضريبي

عرض بعنوان: منازعات تحصيل الدين الضريبي PDF

منازعات تحصيل الدين الضريبي PDF
مقدمة
يعتبر تحصيل الديون العمومية بصفة عامة، وتحصيل الدين الضريبي خصوصا من أهم موضوعات المالية العامة، التي لم تنل كل ما تستحق بفعل عوامل استئثار قضايا الوعاء بالعناية أكثر على حساب مادة التحصيل وسيادة ثقافة تنحو نحو إختزال هذه المادة الأخيرة تقريبا في الاستيفاء التلقائي أو الطوعي لديون الدولة [1]، غير أنه مع تراكم الباقي استخلاصه وتفاقم ظاهرة التملص من الوفاء بالديون العمومية، قفز بالموضوع إلى واجهة الاهتمام .
ولعل من أهم مظاهر الإهنمام هذا إصدار القانون رقم 97-15 [2] بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية الذي شكل حدثا قانونيا هاما جدا، ذلك أن إصلاح المنظومة القانونية العامة المتعلقة بمجال الأعمال إبنداء من صدور مدونة التجارة وقوانين جديدة للشركات ومدونة جديدة للجمارك والضرائب غير المباشرة وغيرها من الإصلاحات القانونية وقبلها إحداث محاكم متخصصة في المجال الإداري والتجاري، كل ذلك كان سيظل ناقصا وغير فعال دون إعادة النظر جذريا في مسطرة وأليات تحصيل الديون العمومية بإعتبار تجاوز وعدم ملائمة التشريع القديم المتمثل أساسا في ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بنظام المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة والديون الأحرى من جهة، والظهير الصادر في 22 نونبر 1924 الخاص بتحصيل ديون الدولة من جهة أخرى [3]،وهكذا جاءت مدونة تحصيل الديون العمومية في الوقت المناسب تكريسا لدولة الحق والقانون واستجابتا لتطورات الأوساط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذا المجال.
وقد عرف القانون رقم 97-15 في المادة الأولى منه التحصيل بأنه مجموع العمليات والإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات الترابية وهيأتها والمؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، أو ناتجة عن أحكام وقرارات القضاء أو عن الاثفاقات، كما أن المادة الثانية من نفس القانون جعلت في حكم الديون العمومية كل من الضرائب المباشرة للدولة والرسوم المماثلة وكذا الضريبة على القيمة المضافة المشار إليها بعبارة " الضرائب والرسوم " ، وكذلك ضرائب ورسوم الجماعات الترابية وهيئاتها.
وتنبع أهمية موضوع منازعات تحصيل الدين الضريبي من خلال الأهمية التي تحظى بها الضرائب في المشاركة في تمويل وتحمل النفقات العمومية حسب القدرة التكليفية لكل مواطن، وهو ما جاء في ثنايا الدستور[4] المغربي في الفصل 39 منه، كما أن منازعات تحصيل الدين الضريبي تعرف ارتفاعا مضطردا أمام القضاء الإداري بالنظر إلى الغموض الذي يكتسي بعض بنود النص القانوني المنظم لعملية التحصيل، كما تبرز أهمية هذا الموضوع من خلال تحولات مواقف القضاء الإداري في الوقت الراهن بخصوص بعض القضايا التي تطرحها منازعات التحصيل.
وانطلاقا من هذه الأهمية تبرز الإشكالية المحورية لموضوع منازعات تحصيل الدين الضريبي في ما مدى فعالية القضاء الإداري في تطبيق مقتضيات تحصيل الديون العمومية بالشكل الذي يحقق العدالة؟
وعلى ضوء هذه الإشكالية وكإجابة مؤقتة لها يمكن القول على ان القضاء الإداري بتعامله مع مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية في إطار منازعات تحصيل الدين الضريبي قد استطاع فرض رقابته على الإدارة الضريبية من خلال إجراءات التحصيل وكذلك ساهم بأحكامه الجرأة الانشائية بتحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الضريبية.
وعلى هذا الأساس سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال اعتماد على التصميم التالي:

المبحث الأول: رقابة القاضي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي
المبحث الثاني: القاضي الضريبي ومنازعات تقادم وإيقاف الدين الضريبي

المبحث الأول: رقابة القاضي الضريبي على إجراءات تحصيل الدين الضريبي

إن مصطلح التحصيل يعبر عن عبارات متعددة كالإستيفاء والأداء والإستحقاق كلها تفيد إجراءات وعمليات من خلالها يتم أداء ما بدمة الملزم إتجاه الإدارة الضريبية، وتحصيل الدين الضريبي وفق مدونة تحصيل الديون العمومية يكون إما رضائي يبتدئ من تاريخ الشروع في التحصيل أو الإصدار إلى تاريخ الإستحقاق أو يكون جبريا يطبق على المدين الذي لم يؤد ما بذمته داحل اجل الأداء الرضائي.
وهكذا فقد ألزم المشرع المغربي في إطار مسطرة التحصيل الجبري الإدارة الضريبية بضرورة التقيد بإجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي كضمانات للملزم وذلك من حيث إحترام التسلسل (المطلب الأول) وكذلك من حيث صحة الإجراءات المتخذة من لدن الإدارة الضريبية (المطلب الثاني.)

المطلب الأول: المنازعة لعدم تسلسل إجراءات التحصيل

حدد المشرع المغربي درجات تحصيل الدين العمومي سواء أكان ضريبي أو غير ذلك بموجب المادة 39 من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي تنص على أن "تباشر إجراءات التحصيل الجبري لديون العمومية حسب الترتيب التالي: - الإنذار؛
- الحجز؛ - البيع.
ويمكن أيضا اللجوء إلى الإكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 76 إلى 83".
وتشمل إجراءات التحصيل تلك الإجراءات التي ألزم المشرع المحاسب المكلف بالتحصيل أن يقوم بها قبل مباشرة التحصيل الجبري للدين الضريبي (الفقرة الاولى)، كما تشمل إجراءات التحصيل كذلك ما نصت عليه المادة 39 في إطار إجراءات التحصيل الجبري (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: الإجراءات السابقة للتحصيل الجبري للدين الضريبي

بالرجوع للمادة 36 من مدونة تحصيل الديون العمومية فالمشرع نص على أنه " لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال اخر إشعار للمدين دون صائر، ويجب تقييد تاريخ إرسال هذا الإشعار في جدول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي اخر، ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن فيه بالزور"، كما نص المشرع بموجب المادة 37 على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل أو من الشخص المفوض له ذلك.
أولا: الإشعار
ويعتبر إرسال اخر إشعار بدون صائر إجراء شكلياً من إجراءات التحصيل الرضائي للدين الضريبي يهدف إلى تنبيه الملزم وتذكيره بالمديونية التي لم يتم سددها بعد في إطار التحصيل الرضائي للدين الضريبي، وتظهر أهمية هذا الإجراء من خلال ضرورة تقييده في جدول الضرائب أو الرسوم متى تعلق الامر بالضرائب أو الرسوم، وإما تقييده في أي سند تنفيذي أخر متى تعلق الأمر بديون عمومية أخرى.
والمثير للإنتباه في هدا الصدد كون المشرع إقتصر فقط على مجرد إرسال هذا الإشعار ولم ينص على التبليغ مما يشكل ضربا في أحد الضمانات التي يتمتع بها المدين، خصوصاً وأن الإدارة توجه هذا الإنذار بالبريد العادي دون المضمون مع الإشعار بالتوصل [5].
إذن فالإشكال الذي يطرحه هذا الإجراء يتمثل في ما الفائدة من إرسال الإشعار ما لم يتم التوصل به من طرف الملزم وما هي الأثر المترتبة عن عدم إحترام هذا الإجراء قبل الشروع في مسطرة التحصيل الجبري؟
لقد ذهب العمل القضائي إلى إلزام القابض بالإدلاء بما يفيد أنه وجه إشعاردون صائر إلى الملزم قبل مباشرة إجراءات التحصيل الجبري تحت طائلة بطلانإجراءات التحصيل الجبري حيث جاء في أحد قرارات[6]محكمة النقض " لكن حيث أن المحكمة لما تبت لها من وثائق الملف أن القابض لم يدل بما يفيد أنه وجه إشعار دون صائر إلى المعني بالأمر قبل مباشرة إجراءات التحصيل في حقه، وأن قوائم الإنذارات المدلى بها من طرفه خالية من أي تقييد يفيد ذلك، واعتبرت أن إجراءات التحصيل الجبري المذكورة باطلة طبقاً لمقتضيات المادة 36 من مدونة تحصيل الديون العمومية، مع ما يترتب عن ذلك قانونا من إبطال لإجراء الإنذار العقاري، تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم من القانون، ولم تخرق المقتضيات القانونية المحتج بها في شيء، وما بالوسيلة على غير أساس" ، وعلى نفس المنوال سارت عليه محاكم الموضوع، حيث قضت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في قرار [7] حديث لها بما يلى " ... لكن حيث إنه خلافا لما أثير بمقتضى سبب الإستئناف فإنه بإستقراء المادة 36 من مدونة تحصيل الديون العمومية يتضح أنه لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر، وانه لما أحجمت إدارة الضرائب عن الإدلاء بوثيقة تؤكد تحقق الشرط المذكور قبل مباشرة إجراءات التحصيل الجبري ،فإن تلك الإجراءات تكون باطلة وأن ما تمسكت به الإدارة بمقتضى وسائل استئنافها غير منتج لأن العبرة من تنصيص المشرع على إرسال الإشعار بدون صائر تكون بتوصل الملزم به بصفة قانونية بإعتباره إجراء حاسما يفصل بين مرحلتي التحصيل الرضائي والجبري مما تبقى معه جهة التحصيل ملزمة بتبليغه للملزم ومطالبة بإثبات التوصل به ... مما يبقى معه الحكم المستأنف لما قضى بإلغاء إجراءات التحصيل لتلك العلة صائبا وواجب التأييد ."
أما في ما يخص الإكتفاء بإرسال الإشعار دون تبليغه، فمحاكم الموضوع تستندعلى قضاء محكمة النقض في هذا الإطار و تحديداً في قراره عدد 93 الصادر بتاريخ27/10/2011 في الملف عدد 2009/2/4/806 المؤيد للحكم بعدم قانونية الإشعار بدون صائر الذي لم يقع تبليغه إلى المدين، وهذا ما يستفاد من ما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط " ...يتضح بأن جهة الخزينة قد تخلفت عن الإدلاء بما يفيد تبليغها إلى المستأنف أخر إندار بدون صائر بخصوص الضرائب موضوع الطلب الوارد ذكرها أعلاه، خارقة بذلك مقتضيات الفصلين 36 و41 من القانون 15-97 المنظم لمدونة تحصيل الديون العمومية، مما يجعل الحكم )المستأنف( مجانبا للصواب، وهو ما يقتضي إلغاءه...وذلك تماشيا مع ما درج عليه العمل القضائي الإداري كما يصادف في قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 93 بتاريخ 27/10/2011 في الملف رقم 806/4/2/2009 الذي أوجب على محكمة الموضوع التحقق من تبليغ الإشعار بدون صائر إلى الملزم وعدم الاعتداد بمجرد توجيه أو إرسال ذلك الإشعار" [8].
وقضاء الموضوع الإداري مازال على نفس النهج إلى حد الأن، حيث صدر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش قرار [9][10] حديث سنة 2019 جاء فيه " ... لكن حيث تبين للمحكمة من خلال إطلاعها على الوثائق المدلى بها من طرف إدارة الضرائب رفقة مقال استئنافها أنها لا تتضمن ما يفيد توصل المستأنف عليه سواء بأخر إشعارات بدون صائر المؤرخة في 22/07/2014 و04/03/2015 و31/10/2015، أو بالإنذار المؤرخ في 13/06/2014، مما تكون معه مسطرة الاشعار للغير الحائز التي باشرها القابض في مواجهة المستأنف عليه مخالفة لقانون كما إنتهى إلى ذلك عن صواب الحكم المستأنف الذي يتعين الحكم بتأييده" . وبذلك فإن عدم تبليغ إشعار بدون صائر يعد خرق لمبدأ تدرج إجراءاتتحصيل الدين العمومي بصفة عامة والدين الضريبي بصفة خاصة، مما يترتب عنهبطلان ما يستتبعه من إجراءات التحصيل.
وفي ما يخص موعد توجيه الإشعار بدون صائر، فإنه يتوجب على المحاسب أن يقوم بهذا الإجراء داخل عشرة أيام بعد تاريخ الإستحقاق وذلك على أبعد تقدير وهذا ما يستفاد من المادة 41 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
ثانيا: الحصول على ترخيص مسبق
فقد عمل المشرع في إطار الإجراءات السابقة لإجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي إلى سن أحد الإجراءات التي لا تقل أهمية عن إرسال أخر إشعار بدون صائر وهو ضرورة حصول المحاسب المكلف بالتحصيل على ترخيص مسبق يعد بمثابة الإذن له بالتنفيذ على أموال المدين.
وتبرز أهمية هذا الإجراء من خلال ما رتبه المشرع من جزاء على مخالفته بموجب المادة 35 من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي جاء فيها...." يمنع تحت طائلة العزل على مأموري التبليغ والتنفيذ للخزينة وعلى أي شخص مؤهل لذلك ،القيام بأعمال التحصيل الجبري دون ترخيص مسبق وفق الأشكال المحددة في هذا القانون".
وفي هذا الصدد أقرت محكمة النقض عدم أحقية القابض لممارسة الحجز إلا بناء على سند تنفيذي، لذلك قضت ببطلان حجز مبالغ مالية من حساب أحد الأفراد في غياب الإدلاء بالسند التنفيذي، حيث جاء في قرار [11] لها " ... ومن جهة ثالثة ،فإن محكمة الإستئناف الإدارية لما تبت لها من وثائق الملف أن المطلوب في النقض قد نازع في حجز وسحب المبلغ المذكور من حسابه وأن القابض لم يدلي بالسند التنفيذي الذي على أساسه تم حجز وسحب ذلك المبلغ، واعتبرت أن إجراء الحجز وسحب غير مؤسس وتم إجراءه بدون وجه حق ويبقى واجب الإلغاء مع ترتيب الأثرالقانونية على ذلك بتمكين المطلوب في النقض من المبلغ المسحوب من حسابه البنكي ،تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم من القانون وعللت قرارها تعليل كافي".... .
تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء ترد عليه بعض الاستثناءات بموجب المادة
53 من مدونة تحصيل الديون العمومية، بحيث أنه عندما يتعلق الأمر بأخذ المدين للأثاث والثمار خفية ويخشى معها ضياع ضمان الخزينة فإن المحاسب المكلف بالتحصيل إذا بلغ إلى علمه ذلك يجري مباشرة حجز على المحاصيل أو الثمار من دون الحاجة إلى ترخيص، وهذا ما تزكيه محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرار [12] لها جاء فيه " ... حيث إن القابض لذى إخباره لقيام الشركة المستأنف عليها بنقل الاليات من الورش ونظرا لأنية هذا التصرف من حيث الزمان والمكان ولعدم حصول المستأنف عليها على ترخيص بإستغلال الملك العمومي مؤقتا وعدم توفر الجماعة والقابض على عنوان مقرها الاجتماعي، يكون الإنذار بمثابة حجز تحفظي المتخذ من طرفه ( القابض ) ... إجراء قانونيا مشروعا والحكم المستأنف لما نحى غير هذا المنحى يكون مجانبا للصواب وواجب الإلغاء في الشق القاضي بإلغاء مسطرة التحصيل ".

الفقرة الثانية: درجات التحصيل الجبري للدين الضريبي

إذا كان مشرع مدونة تحصيل الديون العمومية قد أقر على ضرورة إحترام الإدارة الضريبية لدرجات التحصيل الجبري للدين الضريبي، فإن مسطرة الإشعار للغير الحائز تثير إشكال فيما يخص مدى خضوعها للتسلسل في إجراءات التحصيل.
أولا: الملزم وضرورة الخضوع للتدرج في إجراءات التحصيل
أثار ترتيب إجراءات التحصيل الجبري نقاشا واسعا في ظل النظام السابق للتحصيل، وذلك لكون الفصل 27 من ظهير 21 غشت 1935 كان ينص على أن درجات المتابعات ترتب كالتالي: 1- الإنذار ،2- أ. الإكراه البدني ب. الحجز ،3-البيع.
كما أن الفصل 30 من ذات الظهير نص على جواز إجراء الإكراه البدني من أجل استخلاص الضرائب وغيرها من الديون الواجب الوفاء بها حيال المدينين الذين لم يكونوا في ظرف 20 يوم الموالية لتاريخ تبليغ الإنذار إما قد باشروا أداء دينهم بتمامه، أو قد أبدو عسرهم.
ومشرع مدونة تحصيل الديون العمومية الجديدة حسم هذا الإشكال القانوني ،حيث تطرقت المدونة في المادة 39 بكل وضوح لدرجات التحصيل الجبري حسب ترتيبها المنطقي الإنذار والحجز تم البيع، وأضافت نفس المادة في الفقرة الأخيرة أنه يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 76 إلى 83، وبهذا المقتضى الجديد يكون مشرع المدونة قد منح مديني الدولة فرصة أخيرة لتمكينهم من التحلل من ديونهم الضريبية قبل أن تصبح خاضعة لصوائر وإضافات مالية تفوق في بعض الأحيان أصل الدين الضريبي، لذلك فبعد إستفاء الآجال المحددة للتحصيل الرضائي، يكون القابض في هذه المرحلة ملزما بإتباع مختلف التدابير والإجراءات قصد الضغط على المدين لأداء ديون الخزينة 12.
والقضاء الإداري من جانبه إستقر على ضرورة إحترام الإدارة لمبدأ تسلسل إجراءات التحصيل تحت طائلة بطلان الإجراء اللاحق للإجراء السابق، ذلك أنه من حق الخاضع على الضريبة في حالة ما إذا عمدت مصالح الخزينة إلى إجراء حجز على عقاره مثلا دون سلوك الإجراءات السابقة لهذا الاجراء، فمن حقه الطعن في هذه الإجراءات لعدم إحترام مبدأ تدرج المتابعة والمطالبة ببطلان إجراءات التحصيل الجبري.
لذلك فالقضاء يمارس رقابته على الإدارة من حيث مدى إحترامها لمبدأ تسلسل إجراءات التحصيل، وفي هذا المضمار قضى المجلس الأعلى سابقا في إحدى قراراته
[13] بما يلى " ... لكن حيث إن المادتين 36 و41 من مدونة تحصيل الديون العموميةتوجب على القابض إحترام تدرج إجراءات التحصيل وقطعها مرحلة مرحلة وفيالآجل المنصوص عليه في القانون وذلك بالقيام بالإجراء السابق تراعي فيه الشكليات القانونية ثم الذي يليه بنفس الكيفية تحت طائلة بطلان تلك الإجراءات، وهذه المسطرة مستقلة بذاتها ولا تتعلق بمقتضيات المادة 119 من نفس المدونة وليست تعرضا على الاجراء المتخذ من حيث الشكل يستوجب التكوين المسبق للضمانات المنصوص عليها في المادة 118 ويكون ما أثير بدون أساس.... لكن حيث إن المستأنف لم يثبت تبليغ الإشعار بدون صائر إلى المستأنف عليه حتى يكون صحيحا ومنتجا لأثاره، لأن هذا التبليغ يعتبر ضمانة جوهرية للمدين قبل فرض غرامات التأخير عليه ولا يكفي تقييد تاريخ الإرسال بالجدول الضريبي وإحترام الآجل القانوني لمباشرة إجراءات التحصيل اللاحقة بل لابد من تبليغ الإشعار المذكور تحت طائلة بطلان تلك الإجراءات وأن الحكم المستأنف لما صار على هذا النوع كان صائبا وواجب التأييد ." وعلى منوال الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أوضحت إدارية الرباط في حكم [14] لها ما يلي " ... لكن حيث من جهة أخرى، تنص المادة 39 من نفس المدونة على أن إجراءات التحصيل للديون العمومية تباشر حسب الترتيب ابتداء من الإنذار ثم الحجز ثم البيع، وطبقا لمقتضيات المادة 36 فإنه لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صائر ويجب تقييد تاريخ إرساله في جدول الضرائب والرسوم أو أي سند تنفيذي أخر، ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن فيه بالزور.
وحيث بالرجوع إلى الإنذارات المحتج بها من طرف القابض، يتضح أن الانذارين الأول والثالث ... يخصان الضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل ولا علاقة لهما بالضرائب موضوع النزاع، كما أن الإنذار الرابع رقم 433 بتاريخ 10/5/2006 وإن أشير إليه في طلب مذكرة الجواب، إلا أنه لم يقع الادلاء به، فيحين أن الإنذار الثاني رقم 2359 بتاريخ 11/5/2005 يتعلق فقط بالضريبة علىالشركات دون الضريبة المهنية، كما تم بشأنه اللجوء إلى مسطرة التعليق طبقا للمادة 43 من المدونة ... بالإضافة إلى أنه لم يدل بما يفيد أنه قام كذلك بإرسال أخر إشعار بدون صائر وتقييده في الجدول الضريبي عملا بمقتضيات المادة 36 أعلاه، الأمر الذي تكون معه إجراءات التحصيل التي باشرها القابض سواء بالنسبة للضريبة على الشركات أو الضريبة المهنية غير سليمة ويتعين التصريح ببطلانها."
وعموما يتبين من خلال رصدنا لهذه المقررات القضائية بأن إجراءات التحصيل الجبري إجراءات واردة على سبيل الترتيب ولا يمكن لأإدارة الضضريبية أن تحل إجراء لاحق محل إجراء سابق وإلا إعتبرت معه مسطرة التحصيل الجبري للدين الضريبي باطلة، ذلك ان المشرع والقضاء أيضا من خلال إقرار مبدأ تدرج المتابعة كان الهدف منه حماية الملزم الضريبي بإعتباره الطرف الضعيف في الحلقة الجبائية والحد من تعسف الإدارة الضريبية .
ثانيا: مسطرة الإشعار للغير الحائز وإشكالية الخضوع للتدرج في إجراءات التحصيل
يشكل الإشعار للغير الحائز وسيلة قانونية تمكن المحاسب من إستخلاص الدين الضريبي المتمتع بإمتياز الخزينة بين يدي الأغيار الحائزين لها، ذلك أن اللجوء إليها لا يكون إلا بعد استنفاذ مرحلة التحصيل الرضائي التي منحها المشرع للمدين من أجل تسوية وضعيته بشكل حبي، فهي إذن مسطرة جبرية تنطوي على وسيلة الاكراه المباشر، كما أنها تعد مسطرة بسيطة لا تتطلب كثرة الإجراءات الشكلية المطلوبة في غيرها من إجراءات التحصيل الجبري، الشيء الذي جعل منها الوسيلة الأنجع بالنسبة للمكلفين بتحصيل الديون الضريبية [15].
ومشرع مدونة تحصيل الديون العمومية لم يدرج مسطرة الاشعار للغير الحائزفي درجات المتابعة المنصوص عليها في المادة 39 من المدونة، الشيء الذي أدىمعه إلى التساؤل حول مدى خضوع هذه المسطرة للتدرج في إجراءات التحصيل والذي يعد من أهم حقوق الملزم، إذ كيف يعقل أن تلجأ الإدارة الضريبية للحجز مباشرة على أموال المدين بواسطة مسطرة الاشعار للغير الحائز بدون إحترام مبدأ تدرج المتابعة الذي يقتضي أولا إنذار المدين، تم الحجز فالبيع مع إمكانية سلوك مسطرة الاكراه البدني.
وأمام هذا الغموض التشريعي الذي يعتري مسطرة الإشعار للغير الحائز فيما يخص مدى خضوعها لمبدأ التدرج في المتابعة، فقد تدخل القضاء الإداري من خلال مجموعة من المقررات القضائية لتكييف الإشعار للغير الحائز ضمن الإجراءات المنصوص عليها في المادة 39 من مدونة تحصيل الديون العمومية، وفي هذا قضت إدارية أكادير بأن الحجز بواسطة الإشعار للغير للحائز يعتبر في حد ذاته حجزا تنفيذيا على أموال المدين، ومن تم يشترط أن ينصب على أموال المدين دون غيره، وأن تحترم بشأنه قاعدة ندرج المتابعات كما هي منصوص عليها في القانون 97-15 من توجيه الإنذار بدون صائر وتبليغ قانوني للإنذار الضريبي قبل الحجز، وأن كل إخلال بهذه الشروط يجعل إجراء الحجز غير مبرر [16].
والقضاء الإداري مازال مستقر على هذا التوجه الذي يعتبر مسطرة الإشعار للغير الحائز تدخل ضمن الإجراءات الجبرية المنصوص عليها في المادة 39 من مدونة التحصيل، إذ يجب أن تحترم بشأنها قاعدة تدرج المتابعات تحت طائلة بطلان إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي، وفي هذا قضت إدارية البيضاء في حكم حديث لها صادر سنة 2018 بما يلي " ... وحيث أسس المدعي طلبه على وسلتين ،كون الجهة المدعى عليها قد قامت بسلوك مسطرة الإشعار للغير الحائز بدون إحترام المقتضيات المنصوص عليها في المادتين 36 و39 من مدونة تحصيل الديون العمومية من خلال عدم إحترام مبدأ التدرج في المتابعات وكذا كونه معفى مؤقتا منأداء الضريبة على الأراضي المبنية برسم السنوات 2011/2012/2013.
وحيث أمسك المجلس المدعى عليه عن الجواب بخصوص ما تمسك به المدعي من بطلان مسطرة الإشعار للغير الحائز ولم يدلي بأية وثيقة تفيد احترامه لمبدأ التدرج في إجراءات التحصيل الجبري، طبقا لمقتضيات المادتين 36 و39 من المدونة السالفة الذكر التي تنص على أن إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية تباشر حسب الترتيب بدءا بالإنذار ثم الحجز ثم البيع فالإكراه البدني. كما أنه لا يمكن الشروع فيها إلا بعد إرسال أخر إشعار للمدين بدون صائر مع وجوب تقييد تاريخ إرساله في جداول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي أخر، ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن فيه بالزور، وأنه ونظرا لعدم إحترام مسطرة الإنذار القانوني، قبل اللجوء إلى مباشرة مسطرة الإشعار للغير الحائز مما يشكل ذلك خرقا لمبدأ التدرج في المتابعة، وهو الأمر الذي يترتب عنه بطلان الحجز الذي باشر القابض على الحساب البنكي للمدعي عن طريق الإشعار لغير الحائز لعدم سلوك الإجراءات السابقة عليه طبقا للقانون ...... " [17].
وما يثير الاستغراب أن نفس المحكمة - إدارية البيضاء - سبق لها وفي ظرف مدة زمنية لا تتعدى 15 يوما عن صدور الحكم المذكور أعلاه، أن إعتبرت مسطرة الاشعار للغير الحائز غير مخاطبة بالتراتبية التي تنطبق على إجراءات التحصيل الجبري طبقا للمادة 39 من مدونة التحصيل، وقد جاء في حكم [18] حديث لها ... " وحيث أنه فيما يخص الوسيلة الثانية المستمدة من عدم إحترام مبدأ تدرج المتابعات طبقا لمدونة التحصيل فإن المشرع حدد على سبيل الحصر على مستوى الباب الثالث من نفس المدونة وذلك بموجب المادة 39 منها إجراءات التحصيل الجبري وهي الإنذار ثم الحجز والبيع، بينما نظم مسطرة الإشعار الغير الحائز في الباب الخامس من المدونة في إطار التزامات المودع لديهم والاغيار والحائزين وبالتالي فإنه لا يتعين مخاطبة المسطرة المذكورة بالتراتبية التي تنطبق على إجراءات التحصيل الجبريأعلاه مما يجعل الوسيلة المثارة غير جديرة بالإعتبار ويتعين ردها"... .
وعلى العموم فإن مسطرة إشعار الغير الحائز من ناحية خضوعها لمبدأ تدرج المتابعات من عدمه تبقى إشكالية قائمة تحتاج لتدخل تشريعي للحسم فيها .

المطلب الثاني: المنازعة في صحة إجراءات التحصيل

إنطلاقا من المادة 39 من مدونة تحصيل الديون العمومية فإن إجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي أخضعها المشرع لمبدأ التدرج في التحصيل نظرا لما تنطوي عليه من خطورة، لذلك سنعمل على دراسة صحة كل إجراء على حدة من خلال ما تطلبه المشرع من شروط لصحته على ضوء ما إستقر عليه العمل القضائي، لذلك يحتل الطعن أمام القضاء في عدم صحة إجراءات التحصيل أهم الأسباب التي يعتمد عليها الملزم في منازعات التحصيل.

الفقرة الأولى: المنازعة في صحة الإنذار والحجز

يعتبر الإنذار أول إجراء من إجراءات التحصيل للدين الضريبي الذي من خلاله ينذر الملزم بالضريبة والمتأخر عن الأداء بتسديد دينه الجبائي (أولا)، ويقصد بالحجز كدرجة من درجات التحصيل الجبري تلك الوسيلة التنفيذية الجبرية المخولة للمحاسب المكلف بالتحصيل والتي تهدف إلى تثبيت جزء من أموال المدين مجل التنفيذ لتغطية الدين الضريبي المتخلد في ذمته (ثانيا.)
أولا: الإنذار
يجب أن تتوفر في الإنذار القانوني مجموعة من البيانات، وأن يستجيب لعدة مقتضيات تشريعية وقضائية حتى يتم الاعتداد به، لذلك لابد من توفر بعض الشروط السابقة لتوجيه الإنذار القانوني وكذا تبليغه تبليغا صحيحا.
تنص المادة 41 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه لا يمكن تبليغالإنذار إلا بعد مضي أجل تلاتين يوما إبتداء من تاريخ الإستحقاق و20 يوما منتاريخ توجيه اخر إشعار بدون صائر، و عليه فإن الإدارة تتقيد بهذا الآجال حتى يعتد بالإنذار بحيث يتوجب إحترام مدة عشرين يوماً بين تاريخ إرسال اخر إشعار بدون صائر من جهة و تاريخ توجيه الإنذار القانوني بالأداء و هذا ما أقرته محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط في قرار[19] لها جاء فيه " ...فالثابت من أوراق الملف أن القابض المكلف بالتحصيل و تبليغ المستأنف بالإنذار القانوني رقم 3251 بتاريخ 22/7/2009، بادر إلى توجيه اجر إشعار بدون صائر بتاريخ 2/6/2009 عن رسم السكن و الخدمات الجماعية المفروض عن سنة 2008 كما تم تقييد التاريخ المذكور
بالجدول الضريبي و الذي يفيد في احترام الأجل الذي يفصل بين أرسال الشعار وتبليغ الإنذار.".....
وفي نفس السياق قد أقر القضاء أنه يتوجب على القابض في حالة تعدد الدين الضريبي لنفس الملزم أن يخص كل دين عمومي بإنذار، بحيث لا يحق له جمع الدين الضريبي للملزم في إنذار واحد تحت طائلة البطلان وهذا ما جاء في قرار لمحكمة النقض " لكن حيث إن محكمة الإستئناف لما تبين لها أن كل إندار من الإنذارات التي يحتج بها القابض في قطع التقادم في مواجهة المدين تتعلق بضريبة بعينها إعتمادا على المراجع المشار إليها لا بمجموع الدين الضريبي، وما دام كل إندار تم سلوكه بخصوص ضريبة معينة قد تبت بجرد كل إنذار من الإنذارات المتوصل بها بطريقة
قانونية وما تضمنته من ضرائب محددة وأن ما قضى به الحكم المستأنف صائب ومطابق لمقتضيات الفصل 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية"... [20].
وتجدر الإشارة أنه لا يعتد بمستخرج الجداول الضريبية في إطار الإنذارات الجماعية ولا تقوم مقام الإنذار القانوني بوصفه إجراء من إجراءات تحصيل الدين الضريبي، رغم أن الإدارة الضريبية لازالت تتمسك لحد الأن بالإنذارات الجماعيةفي مواجهة الملزم رغم أن القضاء أكد على أن تبليغات الجداول الجماعية لا تعتبر ذات حجية التي يتمتع بها الإنذار القانوني [21].
وبالرجوع للمادة 41 فقد حاول المشرع تنظيم تبليغ الإنذار بحيث خصه بمجموعة من الأحكام حتى يعتد به صحيحاً، لأن الإنذار لا يأتي مفعوله إلا إدا بلغ للمعني بالأمر، فالتبليغ هو الذي يجعل الملزم في حالة مطل، لذلك فإن الإنذار لا ينتج أثره إلا بعد توصل المدين به وإلا حق للمدين طلب بطلان إجراءات التحصيل المحتج بها في مواجهته، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها "...لأن توجيه الإنذار لا ينتج أتره إلا بعد توصل المدين به، والمحكمة لما قضت بإبطال إجراءات التحصيل وبرفع الحجز تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم".... [22].
غير أنه قد يتعذر تبليغ الملزم فيتم تبليغ الغير نيابة عنه وهذا ما أقره المشرع بحيث أجاز إمكانية تسليم الإنذار إلى أحد أقارب المدين أو مستخدميه أو أي شخص اخر يسكن معه، لذلك وجب بيان الاسم الكامل للمبلغ إليه لمعرفة هل يدخل ضمن الأشخاص المخول لهم القانون النيابة عن المعني بالأمر، وهذا ما أقرته محكمة النقض في قرارها [23][24] " لكن حيث إنه بالرجوع إلى الإنذارات القانونية المشار إليها أعلاه يتبين أنها جميعها باستثناء الإنذار عدد 4130/2002 أشير فيها إلى أنها بلغت للشركة دون أي إشارة للشخص الذي توصل بهذه الإنذارات، مما بقيت معه هذه الإنذارات غير مبلغة تبليغا قانونياُ...".
إن تبليغ الإنذار قد يصطدم برفض الملزم تسليم الإنذار أو عدم العتور عليه والمشرع عالج هذه الإشكالية من خلال الفقرتين الرابعة و الخامسة من المادة 43، حيث اعتبر في حالة الرفض أن التبليغ يصير صحيحا بإنصرام أجل 8 أيام من تاريخ الرفض، أما بخصوص حالة عدم العتور على الملزم فإن التبليغ يعتبر صحيحا بعد 10 أيام من تعليقه في أخر موطن له، غير أن اللجوء لمسطرة تعليق الإنذار يتطلبإثبات تعدر تبليغ الملزم بمقتضى محضر قانوني محرر بهذه الواقعة وإلا اعتبر التبليغغير منتج لأثاره القانونية، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها [25] " ...فانه لا يعتد بتعليق الانذار في أخر موطن للملزم كإجراء صحيح تطبيقا للمادة 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية، إلا إذا تعدر تبليغه فعلا بالطرق العادية وإدلاء الإدارة المكلفة بالتحصيل بما يثبت ذلك"... ، إن مسألة حصول التبليغ بعد مرور مدة زمنية على تعليق الإشعار في أخر موطن للمدين قد يعتبر وسيلة في يد الإدارة لتبرير عجزها عن ملاحقة المدين، و لدى لا يجب أن يكون هو القاعدة، و بناء عليه فالإدارة تتحمل عبء إثبات قيامها بالإجراءات السابقة، وأنه لم يكن أمامها بد من اللجوء إلى هذه الوسيلة [26].
بقي أن نشير في الأخير أن منازعات التحصيل لا تصنف ضمن منازعات الإلغاء حتى يعتد بقاعدة العلم اليقيني بحيث لا تقوم مقام التبليغ بالضريبة أو بالإنذار في إطار التحصيل الجبري للدين الضريبي.
ثانياً: الحجز
يشكل الحجز المسطرة الموالية لإجراء الإنذار القانوني و هو ينصب على المنقولات و العقارات، يبقى أهم ما أشار إليه مشرع مدونة تحصيل الديون العمومية بالنسبة لهدا الإجراء هو إستبعاد بعض الأشياء من هذه المسطرة و المحددة في المادة 46 [27][28]، قد إشترط المشرع في إطار الحجز وجوب إحترام مجموعة من الشكليات الواجبة الاتباع تحت طائلة عدم الاعتداد بالحجز، كما خص القانون بعض الأموال القابلة للحجز بمقتضيات تتلاءم و طبيعتها، لذلك فإنا الحجز يطرح بعض الإشكاليات ترتبط بشروط ممارسة الحجز وإجراءاته إضافة إلى طبيعة الحجز في التحصيلالجبري.
لقد ألزم المشرع القابض في إطار شروط ممارسة الحجز الحصول على ترخيص من طرف رئيس الإدارة التابع لها قبل مباشرة الحجز مع مراعاة الاستثناء الوارد في المادة 53 من المدونة، إضافة إلى أن إجراءات الحجز لا يمكن اللجوء إليها إلا بعد إنقضاء آجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الإنذار القانوني [29].
وإذا كانت الشروط المذكورة أعلاه لا تثير أي إشكال من الناحية العملية، فإن الامتيازات الممنوحة للإدارة الضريبية والتي تخول لها حق الحجز عن الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لإستغلالها [30]، فإن بعض المحاسبون يلجأون عند إنتقالهم إلى المحل المفروض عليه الضريبة إلى حجز المنقولات المتواجدة بالمحل دون التأكد من صفة مالكها، وفي هذا قضت إدارية مراكش في حكم لها " لكن حيث إن الإمتياز الذي تمنحه المادة 105 للخزينة لتحصيل الضرائب والرسوم يسري على المنقولات التي يملكها المدين وتلك التي توجد في المؤسسة المفروضة عليه الضريبة أمام الحجز الذي باشرته الخزينة والذي يشكل موضوع الطعن في النازلة فقد إنصب على منقولات لا تملكها الشركة الخاضعة من جهة، وليست موجودة فيها ومخصصة لإستغلالها وإنما توجد في حوزة المدعية وتخصص لممارسة نشاطها هي، لا لنشاط الملزم التي لم يبق لها وجود مادي بالمحل المستغل حاليا من طرف المدعية، وبذلك يكون إستناد القابض للمادة 105 في غير
محله "... [31][32].
ولما كانت إجراءات التحصيل الجبري مبنية على سند قانوني ثابت وهو الجدول الضريبي، فلا يحتاج الأمر إلى البدء بالحجز التحفظي ولكن يصار إلى الحجز التنفيذي مباشرة [33]، وعليه فالحجز الذي تتحدث عنه المدونة هو الحجز التنفيذي رغمعدم التنصيص صراحة على ذلك بإستثناء ما نص عليه المشرع في المادة 29 منالمدونة، أمام هذه الطبيعة للحجز في إطار إجراءات التحصيل الجبري يطرح السؤال في ما مدى إمكانية اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لرفع هذا الحجز؟
مادام أن هذا الحجز يرتكز على سند تنفيذي بمثابة أمر بالتحصيل فإنه لا يتصور اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لرفع الحجز لأن الفصل في طلب الحجز رهين بمناقشة صحة السند من طرف القضاء الاستعجالي وهذا محضور على هذا الصنف من القضاء، وفي هذا صدر حكم [34] لإدارية وجدة والذي جاء فيه " ... ومن ثم فتقدير ما إذا كان الطالب هو المالك الحقيقي للمحجوز دون المحجوز عليه في ضوء الوسائل والمستندات المضافة للملف يفضي إلى المساس بجوهر الحق المحضور تناوله على قاضي المستعجلات بالتفسير والتأويل، ومن تم فالبت في الطلب من شأنه المساس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر، ومن تم يتعين التصريح رفع النظر عن عدم الإختصاص ..."
أما إذا قضى قضاء الموضوع بإلغاء أمر بالتحصيل فإن الرجوع إلى القضاء الاستعجالي لرفع الحجز يكون ممكنا لأنه لا يعدو إلا أن يكون كاشفا لما قضى به في الموضوع [35].

الفقرة الثانية: المنازعة في صحة البيع والإكراه البدني

سنحاول في هذا الإطار الوقوف عند المنازعة في مدى صحة البيع والإكراه البدني كأخير إجرائين للتحصيل الجبري للدين الضريبي.
أولا: البيع
للقيام بإجراءات البع كدرجة ثالثة من إجراءات التحصيل الجبري، فلابد توفر بعض الشروط أولها حصول المحاسب المكلف بالتحصيل على ترخيص من رئيس الإدارة طبقا للمادة 37 من مدونة التحصيل [36]، وكذا إنصرام أجل 8 أيام من تاريخ الحجز مالم يتم الاتفاق بين القابض أو ممثله والمدين الملزم بالدين الضريبي على أجل أقل [37]، كما يجب أن يتم البيع من قبل المحاسب المكلف بالتحصيل أو لحسابه من طرف مأمور التبليغ أو التنفيذ التابع للخزينة، وإما بطلب من المحاسب لمأموري كتابات الضبط أو المفوضين القضائيين [38]، أو إستثناء من قبل المدين وبتوفر شروط محددة [39].
ومشرع مدونة تحصيل الديون العمومية مراعاة منه لمصلحة المدين المحجوز عليه، نص في الفقرة الأخيرة من المادة 60 على ضرورة مراعاة الترتيب الذي يرغب فيه المدين في إطار بيع الأشياء المحجوزة، وفي نفس السياق أشارت المدونة في المادة 62 أنه يمكن للمحاسبين أو ممثلهم أو مأموري التبليغ والتنفيذ للخزينة أو مأموري كتاب الضبط أو المفوضين القضائيين حينما يتم بيع المحجوزات متفرقة أو على شكل حصص أن يوقفوا البيع بمجرد ما يكون محصوله كافيا لتسديد مجموع المبالغ الواجبة.
بقي أن نشير في الأخير أنه عندما يكون محل الحجز أصل تجاري فإن الإختصاص يعود للمحكمة التجارية بالبيع الإجمالي للأصل التجاري إستيفاء دين عمومي، وذلك طبقا للمادة 68 من مدونة تحصيل الديون العمومية، وفي هذا قضت محكمة النقض في قرار لها " ... ومن جهة أخر فإن محكمة الاستئناف قضت بإختصاص المحكمة الإدارية لكون الدعوى أي طلب تحويل حجز تحفظي إلى تنفيذي تهدف في النهاية إلى تحصيل دين مستحق للخزينة العامة، وذلك أن الحجز المذكور ينصب على عقار، وهو تعليل لا يطابق واقع الملف الذي يشتمل على محضر حجز تحفظي على محل تجاري، والواقع الذي من شأنه أن يجعل الاختصاص منعقدا للمحكمة التجارية طبقا للفقرة الثامنة من المادة 68 من مدونة تحصيل الديون العمومية " ...37.
ثانيا: الإكراه البدني
إذا لم تِؤدي طرق التنفيذ الجبري لتحصيل الدين الضريبي إلى نتيجة، فإنه يتابع التحصيل الجبري بواسطة الإكراه البدني بإعتباره أخر درجة من درجات التحصيل مع مراعاة بطبيعة الحال الاستثناءات الواردة في المادتين 77 و78 من مدونة
التحصيل.
ويرجع الإختصاص في البت في طلبات الإكراه البدني وكذلك تحديد مدته في مواجهة المدين بدين عمومي إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات 38.
وتطرح المنازعة في صحة الإكراه البدني إشكالية حول تنازع الاختصاص القضائي فهل ينعقد الاختصاص للقضاء العادي أم للقضاء الإداري، ذلك أن المشرع في إطار المادة 141 من المدونة أسند الاختصاص للمحاكم الإدارية للبت في جميع النزاعات الناشئة عن تطبيق مدونة تحصيل الديون العمومية، وفي سبيل الإجابة عن ذلك نستحضر قرار لمحكمة النقض جاء فيه " ... وحيث إنه لئن كانت المادة 141 من مدونة تحصيل الديون العمومية، تسند الاختصاص في النزاعات الناشئة عن تطبيقها للمحاكم الإدارية الموجودة بالمكان الذي تستحق فيه الديون العمومية كأصل عام، فإن المادة 80 هي من تسند الاختصاص فيما يتعلق بالإكراه البدني للمحكمة الابتدائية، حيث يتولى قاضي المستعجلات البت في الطلب مع مراعاة مقتضياتالمادة 141 المشار إليها، فيكون الحكم المستأنف في غير محله وواجب الإلغاء " [40].
وتجدر الإشارة إلى أن المدينين الذين صدر في حقهم الاكراه البدني يمكنهم أن يتجنبوا الأداء شريطة المنازعة في مسطرة الإكراه البدني، وتتم هذه المنازعة في حالات معينة، كحالة عدم توصل المدين بالإنذار المتعلق بالإكراه البدني، بالإضافة كذلك الى حالة عدم صحة الإجراءات المتعلقة بالأسباب الراجعة الى اللجوء الى مسطرة الاكراه البدني وكذلك الجهة القضائية المختصة بالأمر بتنفيذ الاكراه البدني[41].
وما نسجله في هذا الإطار أن مشرع مدونة تحصيل الديون العمومية لما اعتبر الاكراه البدني أخر درجة من درجات التحصيل الجبري للدين الضريبي يكون قد أخل بالالتزامات الدولية، بحيث يعتبر من بين المصادقين على اتفاقية الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، والتي نصت في المادة 11 منها على انه لا يمكن حبس شخص عن طريق الاكراه، لذلك ينبغي على المشرع مراجعة فصول الاكراه البدني في مدونة التحصيل العمومية، وذلك بحذفها من دراجات التحصيل الجبري والاكتفاء بمسطرة البيع كأخر اجراء لتحصيل الجبري.

المبحث الثاني: القاضي الضريبي ومنازعات تقادم وإيقاف الدين الضريبي

إن اللجوء إلى القضاء يعد المرحلة الأخيرة والحاسمة في منازعات التحصيل والتي تأتي بعد أن يقطع النزاع الضريبي أشواطا هامة بحثا عن حل رضائي بين أطراف العلاقة الضريبية، وتشكل الإدارة الضريبية الطرف القوي في النزاع الضريبي بالنظر للامتيازات التي خصها بها المشرع، عكس الملزم الضريبي الذي يحظى بحقوق ضئيلة بالمقارنة نع الإدارة الضريبية، فضلا عن أن تلك الحقوق تظل في حاجة دائمة لقضاء فعال يحميها من كل تعسف أو تسلط من قبل الإدارة الضريبية.
ومن هنا تبرز أهمية القضاء الإداري في منازعات التحصيل الضريبي من خلال سعيه لتحقيق تلك المعادلة الصعبة المتمثلة في التوفيق بين حقوق الملزم وسلطات الإدارة الضريبية، خاصة أمام إشكاليتي التقادم (المطلب الأول) وإيقاف إجراءات تحصيل الدين الضريبي (المطلب الثاني.)

المطلب الأول: منازعة التقادم في تحصيل الدين الضريبي

يشكل التقادم في ميدان التحصيل الجبري محورا للنزاع بين الإدارة الضريبية والملزم، والقضاء الإداري تدخل لحسم العديد من الإشكالات بهذا الخصوص، محاولا وضع حد لبعض التأويلات التعسفية التي كانت الإدارة تحاول إعطائها لبعض المواد المرتبطة بالتقادم في ميدان التحصيل الضريبي
وإذا كان الأصل في تنظيم إستخلاص الديون العمومية بصفة عامة والدين الضريبي بالخصوص هو المقتضيات المنظمة داخل المدونة (الفقرة الأولى)، فإن المشرع المغربي قد خول للمحاسب المكلف بالتحصيل إمكانية اللجوء إلى القواعد العامة من أجل قطع تقادم إجراءات إستخلاص الديون الضريبية، وذلك من خلال اللجوء إلى المقتضيات المنصوص عليها في الفصلين 381 و382 من ظهيرالالتزامات والعقود (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: قطع التقادم على ضوء مدونة تحصيل الديون العمومية

يعرف التقادم أنه ذلك السبب لإنقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية ولاسيما الالتزامات إذا توانى صاحبها عن ممارستها أو أهمل المطالبة بها خلال مدة معينة يحددها القانون [42]، والتقادم في المادة الضريبية هو ذلك الآجل القانوني الخاص بفرض الضريبة واستحقاقها، وعليه فالإدارة الضريبية إذا لم تتمكن من تأسيس وتحصيل الضريبة داخل الاجل القانوني المحدد، فإنه يسقط حقها في إستخلاص الضرائب والرسوم المستحقة لفائدتها.
ومشرع مدونة تحصيل الديون العمومية حدد مدة التقادم في ميدان التحصيل الضريبي في اجل أربعة سنوات تبتدئ من تاريخ الشروع في التحصيل، كما تتقادم الديون التي يستخلصها المحاسبين المكلفين بالتحصيل وفقاً للآجال التي تقررها النصوص المتعلقة بها[43].
وينقطع التقادم المذكور بكل إجراء من إجراءات التحصيل الجبري يتم بمسعى من المحاسب المكلف بالتحصيل، كما ينقطع بكل إجراء من الإجراءات المنصوص عليها في الفصول 381 و382 من ظهير الالتزامات والعقود [44].
وهكذا تشكل دعوى التقادم من أهم الدعوى المقدمة ضد القابض وأكترها اتارة امام القضاء الإداري وأنجعها بالنسبة للملزمين، و لعل السبب الرئيسي لهذا هو تراخي المكلفون بالتحصيل بالقيام بإجراءات استخلاص الدين الضريبي داخل الاجل القانوني مما يؤدي إلى سقوط حق الخزينة إتجاه المدين [45]، و في غالب الأحوال فإن المكلفون بالتحصيل يتشبثون بتحصيل الدين الضريبي بالرغم من عدم قيامهم بأي إجراء من إجراءات التحصيل وبذلك يقع عبئ إثبات وجود سبب من أسباب إنقطاع التقادمالرباعي لإجراءات تحصيل الدين الضريبي على عاتق القابض، و في هذا قضت إدارية اكادير بقبول طلب المدعي الرامي للحكم بتقادم حق الخزينة العامة في استخلاص الضريبة على القيمة المضافة برسم سنوات 1993 و 1994 و 1995 لما تبت للقاضي أن المحاسب المكلف بالتحصيل ترك اجل التقادم يمر دون القيام بأي إجراء قاطع للتقادم [46][47]، و نفس المنحى يسير عليه القضاء الإداري لحدود 2018 حيث جاء في حكم لإدارية الدار البيضاء ما يلي " ....و حيث في ما يخص الوسيلة الأولى فإن الثابت قانونا أن الخزينة العامة و في إطار سعيها لتحصيل الضرائب من الملزمين بأدائها فهي ملزمة باحترام قواعد الاستخلاص و اجاله القانونية و تسلسل متابعة الاستخلاص طبقا لمقتضيات المادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي تنص على تقادم إجراءات تحصيل الضرائب و الرسوم و الحقوق الجمركية و حقوق التسجيل والتمبر بمضي أربع سنوات من تاريخ الشروع في تحصيلها، فضلا على مقتضيات المادة 125 من ذات المدونة التي أقرت على أن المحاسبين المكلفين بالتحصيل الدين تركوا اجل للتقادم يمر دون القيام بأي إجراء من إجراءات التحصيل...وحيت أمام صحة هذه الوسيلة و بدون حاجة إلى مناقشة باقي الوسائل الأخرى و التي يستقيم الحكم بدونها مما يناسب التصريح بسقوط حق الخزينة العامة في تحصيل الضريبة موضوع الدعوى"... [48] .
وفي هذا الإطار نتساءل هل أي إجراء من إجراءات التحصيل التي تقوم به الإدارة المكلفة بالتحصيل يمكن إعتباره قاطع للتقادم حتى وإن تبت عدم صحة هذا الإجراء؟
إن القضاء الإداري لم يجعل مجرد سلوك إجراءات التحصيل إجراء قاطع التقادم، بل لابد من أن تكون هذه الإجراءات سليمة وصحيحة لتنتج اترها، وفي هذا جاء قرار[49] لمحكمة النقض.... " كون الإنذار المحتج به لقطع التقادم قد أتبع بشأنهأسلوب التعليق من غير أن يثبت بداية تعدر تبليغه على المستأنف وكذا بما يثبت التنفيذ الفعلي للإجراء، فإنه يكون مخالف لضوابط المعتمدة في صحة تبليغه كما هي منصوص عليها في المادة 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية ولا يعتد به بالتالي في قطع التقادم"....
كما ان القضاء الإداري اعتبر ان مجرد توجيه الاعلام الى الملزم دون التحقق من توصله به لا يعتبر إجراء قاطع للتقادم، وبهذا قضت محكمة النقض في قرار لها "... حيث تعيب الطاعنة القرار المطعون بخرق القاعدة وعدم الارتكاز على أساس ذلك ان المحكمة مصدرته اعتبرت ان إدارة الضرائب قامت بتوجيه اعلامات بالأداء ... واعتبرتها قاطعة للتقادم في حين ان الإجراءات القاطعة للتقادم هي تلك التي تصل الى علم الملزم ومن شأنها ان تجعله في حالة مطل ولا يكفي مجرد توجيه الاعلامات المشار اليه الى الطاعنة دون ان تتحقق من توصلها بها تكون قد بنت قضائها على غير أساس سليم وعرضت قضائها للنقض" [50].
وبذلك فمتى تبت صحة إجراءات التحصيل الجبري خصوصا منه الإنذار اعتبرت قاطعة للتقادم فماذا ادن عن الاشعار بدون صائر باعتباره اجراء سابق لإجراءات التحصيل الجبري للدين الضريبي خصوصا ان هذا الاجراء يكون بموجب ارسال هذا الاشعار مع تقيد هذا الارسال في جداول الضرائب دون الزام الإدارة من تأكد بتوصل الملزم بهذا الاشعار، فالقضاء استقر الى اعتبار الاشعار بدون سائر اجراء من إجراءات التحصيل القاطعة للتقادم ان وقع تبليغه الى الملزم بالأداء او الى من يقوم مقامه، وهذا ما جاء في قرار لمحكمة النقض " لكن حيث انه لا يكفي القابض المكلف بالتحصيل تسجيله ارسال الإنذار بدون صائر الى الملزم لقطع التقادم وانما يتعين ان تصل المطالبة موضوع ذلك الإنذار الى علم هذا الأخير لترتيب الاثار القانونية و التي من شأنها ان تجعله في حالة مطل طبقا للفصل 381 من قانونالالتزامات و العقود المحال عليه بالمادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية،
وبالتالي فإن تمسك القابض المستأنف بإرساله للإنذارات بدون صائر الى المستأنف عليه وبتسجيله لمراجع هذا الارسال بسجلاته لا يترتب عنه قطع التقادم في غياب ما يثبت توصل المستأنف عليه بهذا الإنذارات "... [51].

الفقرة الثانية: قطع التقادم وفقا لظهير الالتزامات والعقود

بالرجوع إلى المادة 123 من مدونة التحصيل فإن المشرع في إطار قطع تقادم تحصيل الدين الضريبي يكون كذلك حتى بإحدى الإجراءات المنصوص عليها في الفصلين 381 و382 من ظهير الالتزامات والعقود، وإذا رجعنا لهذين الفصلين فإن التقادم ينقطع بكل مطالبة قضائية أو غير قضائية يكون لها تاريخ ثابت تجعل المدين في حالة مطل، وكذلك بطلب قبول الدين في تفليسة المدين أو لأي إجراء تحفظي أو تنفيذي أو بكل طلب يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات على أموال المدين، كما ينقطع كذلك بإقرار المدين.
وهكذا يتبين أن المشرع المغربي بإحالته على ظهير الالتزامات والعقود يكون قد منح المحاسب المكلف بالتحصيل مجالا واسعا لقطع التقادم، بحيث يسمح له باللجوء إلى هذه الإجراءات لتبرير قطع التقادم، على إعتبار أنها تتيح مرونة كبيرة في التعاطي معها، لذلك ينبغي تعزيز حماية الملزم وضمان عدم ضياع حق الخزينة، وذلك من خلال وضع منطق التوازن في الحسبان، وذلك بإلزام المحاسب باللجوء أولا إلى الإجراءات المتضمنة في مدونة التحصيل في مرحلة أولى تم اللجوء استنادا إلى الإجراءات المنصوصة عليها في ظهير الالتزامات والعقود [52].
والتساؤل المطروح هنا، هل الأسباب القاطعة للتقادم تحصيل الدين الضريبيالمنصوص عليها في المادة 123 والتي أحالت على الفصلين 381 و382 من ظهير الالتزامات والعقود كانت على سبيل الحصر أم على سبيل المثال؟
في هذا صدر قرار [53] لمحكمة النقض جاء فيه " ... لكن حيث إن ما ورد بهذا الفرع من الوسيلة المنصب على عدم إعتبار المحكمة للفصل 380 من قانون الالتزامات والعقود بالإضافة إلى أنه جاء غامضا ومبهم وغير مقبول لأنه لم يبين الإجراءات الحبية أو الجبرية التي لم تأخد بها المحكمة والسنوات المتعلقة بها وتاريخ تلك الإجراءات، فإن طرق قطع إجراءات تحصيل الضرائب والرسوم محددة قانونا وحصرا بالمادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية المحيلة على الفصلين 381 و382 من قانون الالتزامات والعقود، وليس ضمن الإحالة هذه ما يحيل في المادة 123 المذكورة على الفصل 380 من قانون الالتزامات والعقود ..."، وبهذا تكون محكمة النقض قد أقرت قاعدة حصرية طرق قطع تقادم تحصيل الدين الضريبي في المادة 123 من مدونة التحصيل.
وارتباطا بقطع التقادم على ضوء ظهير الالتزامات والعقود بموجب الإحالة الواردة في المادة 123 من مدونة التحصيل، فالقضاء الإداري أعطى تفسيرا للمطالبة القضائية التي تقطع التقادم بمفهوم الفصل 381 من ظهير الالتزامات والعقود ،واعتبرها تلك المطالبة التي يقيمها الدائن أو نائبه، أما إذا رفعت من قبل المدين نفسه لإعلان براءة ذمته أو لإبطال السند الذي أنشأ الدين، فلا تعتبر قاطعة للتقادم، وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار [54] لها " ... وحيث إن المطالبة القضائية التي تقطع التقادم بمفهوم الفصل 381 من قانون الالتزامات والعقود هي مطالبة الدائن المدين بحقه مطالبة قضائية .... وإذا رفعت الدعوى من المدين نفسه بإعلان براءة ذمته، أو لإبطال السند الذي أنشأ الدين، لم تكن هذه الدعوى قاطعة للتقادم، وأن محكمة الاستئناف الإدارية لما ألغت الحكم المستأنف وقضت بسقوط حق الخزينة العامةللمملكة في استخلاص الضريبة موضوع المنازعة استنادا الى أن الدعوى التي رفعتها المطلوبة في النقض أمام المحكمة الإدارية بفاس ضد مديرية الضرائب بتاريخ 08/12/2003 من أجل المنازعة في الوعاء الضريبي لا يمكن أن يستفيد منها القابض في قطع تقادم إجراءات التحصيل، لأنها لا تحمل معنى المطالبة بالوفاء بالدين، تكون قد فسرت الفصل 381 من قانون الالتزامات والعقود تفسيرا صحيحا وعللت قرارها تعليلا سليما بهذا الخصوص"... .
بالرجوع إلى الفصل 381 من ظهير الالتزامات والعقود فإن التقادم ينقطع كذلك بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات، وبالتالي هل يمكن إعتبار تقديم المحاسب لطلب لبيع الأصل التجاري إلى رئيس المحكمة التجارية إجراء قاطع للتقادم؟ وهل يمكن إعتبار كذلك إشعار الغير الحائز ضمن الإجراءات التنفيذية القاطعة للتقادم؟ وفي هذا قضت محكمة النقض بأن تقديم المحاسب لطلب بيع الأصل التجاري إلى رئيس المحكمة التجارية إجراء قاطع للتقادم [55]، وكذلك أن الإشعار للغير الحائز يصنف ضمن الاجراءات التنفيذية لتحصيل الدين الضريبي القاطعة للتقادم [56].
ويعد كذلك الاعتراف أو الأداء الجزئي وما في حكمه من بين الإجراءات القاطعة للتقادم بموجب الفصل 382 من ظهير الالتزامات والعقود، وفي هذا الصدد هل يمكن اعتبار الموقف السلبي للملزم بالضريبة بمثابة إقراره بمديونيته فيكون له أثار على قطع التقادم؟
لقد ذهب قضاء النقض إلى اعتبار ان المحكمة التي دفع أمامها الطالب بكون تبليغ المطلوبة بالإنذار وعدم الطعن فيه يعني إقرارها بالمديونية لم تكن ملزمة للجواب عن الدفع المذكور، لأن عدم طعنها – الطالبة - لا يمكن اعتباره إقرارا لا صريحا
ولا ضمنيا ولا تنطبق عليه مقتضيات الفصل 382 من ظهير الالتزامات والعقود [57].، وفي نفس السياق فانه لا يعتد بالأداء الجزئي كإجراء قاطع للتقادم ان شمل ديون عمومية قد طالها التقادم، ويثير الأداء الجزئي للضريبة اشكال في الحالة التي يكون فيها الملزم مدين بعدة ضرائب، فهل ينسحب الأداء الجزئي على باقي الضرائب الأخرى من زاوية التقادم؟
لقد دهب قضاء محكمة النقض الى اتجاه استقلال كل ضريبة بوجودها القانوني عن غيرها من الضرائب، وعليه فأداء الملزم للضريبة معينة بشكل جزئي وما ينتج عن دلك من قطع للتقادم لا ينسحب على ضريبة أخرى ادا لم يؤديها الملزم، او لم يقم المحاسب تجاهها بأي اجراء قضائي[58] ، وبهذا فالقضاء الإداري المغربي استقر بخصوص إشكالية استقلال الضرائب عن بعضها في احتساب التقادم على استقلال كل ضريبة عن غيرها من الضرائب في احتساب التقادم وبذلك يكون قد قطع الطريق على المحاسبين المكلفين بالتحصيل الذين يحاولون دمج الضرائب في بعضها فيما يتعلق بأجل التقادم.
من خلال ما سبق فإن القضاء الإداري يضطلع بدور فعال في إقرار مبدأ الشرعية على تصرفات الإدارة التحصيلة في الحالة التي تتراخى فيها هذه الأخيرة عن القيام بإجراءات تحصيل الدين الضريبي الى حين مرور الوقت القانوني، حيث عمل القضاء على الغاء عملية التحصيل متى ثبت له مرور امد التقادم دون ان تثبت الإدارة قيامها بإجراء من الإجراءات القاطعة له، والعمل القضائي في هذا الإطار قد عمد الى تحقيق التوازن بين طرفي المنازعة الضريبية من اجل إقرار عدالة التحصيل الضريبي.

المطلب الثاني: القضاء الإسعجالي في منازعات التحصيل

ان القضاء الإداري الاستعجالي يؤدي أدوار هامة في حماية وحصانة حقوق الملزمين ذلك انه يشكل المسطرة السريعة للبت في المنازعات المستعجلة الناشئة عن تطبيق النصوص الضريبية قصد توفير حماية مؤقتة للحق، والمشرع المغربي اناط بهذا النوع من القضاء صلاحية حماية حقوق الملزمين من التصرفات المباغتة، وذلك من خلال إيقاف إجراءات التنفيذ الجبري (الفقرة الأولى)، لكن تبقى مسطرة إيقاف التحصيل تطرح بعض الإشكالات سنحاول الوقوف عليها (الفقرة الثانية.)

الفقرة الأولى: القضاء الاستعجالي وإيقاف تحصيل الدين الضريبي

ينحصر اختصاص القضاء الاستعجالي باتخاذ الإجراءات الوقتية التي تفرضها حالة الاستعجال مع عدم المساس بأصل الحق، وتعتبر الطلبات الرامية الى إيقاف الدين العمومي إجراءات وقتية يطبعها الاستعجال، لذلك فالتوجه الى القضاء الاستعجالي لإيقاف إجراءات تحصيل دين ضريبي يهدف بالأساس الى منع تسبب القرار الضريبي في اضرار للملزم يصعب تداركها ادا ما تم الانتظار الى حين صدور الحكم النهائي في الموضوع.
تجد مسطرة إيقاف إجراءات التحصيل الجبري سندها القانوني في المادة 124 من مدونة تحصيل الديون العمومية، ادا كان من حق القضاء الاستعجالي إيقاف إجراءات التحصيل فإن هذا الامر رهين بتوفر مجموعة من الشروط التي استقر عليها القضاء الإداري، ويتعلق الامر هنا بكل من شرط الاستعجال والجدية وكذا عدم المساس بأصل الحق.
وفي هذا الصدد صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء امر استعجالي استجاب للطلب المتعلق بإيقاف إجراءات التحصيل بناء على توفر عنصر الاستعجال و الجدية في المنازعة، فقد جاء فيه"...وحيث انه استنادا الى ما تم ذكره وفي غياب وجود نص صريح لا لبس ولا غموض فيه، وفي ضل تواتر الاجتهاد القضائي الذي يربط إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل بجدية الوسائل، وان تقديم الجديةيرجع الى السلطة التقديرية للمحكمة، وعليه يبقى من باب حسن سير العدالة و الحفاظ على المراكز القانونية لكلا الطرفين اعتبار مدى جدية الوسائل وحالة الاستعجال في طلب إيقاف إجراءات تحصيل الضريبة الحضرية و ضريبة النظافة لفائدة المدعى عليه و المتنازع بشأنها، وعليه ومن باب حسن العدالة لا نرى مانعا من الاستجابة اليه مؤقتا الى حين البت في دعوى الموضوع المعروضة على انظار المحكمة" [59].
أمام توفر هذا الشروط التي تؤطر القضاء الاستعجالي بصفة عامة يطرح السؤال في نطاق طلب إيقاف إجراءات الدين الضريبي هل يتوجب تقديم الضامنة المنصوص عليه في المادتين 117و 118 وكذا التظلم الإداري كشرطين كذلك في إيقاف إجراءات التحصيل؟
وفي هذا ذهب الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في احدى قراراتها [60] ".. لكن حيث ان طلب إيقاف إجراءات التحصيل تعتبر طلبا استعجاليا بطبيعته ولا شيء في القانون ينفي عنه هذه الصفة مادام الامر في التحصيل يهدد الذمة المالية للملزم وان الضمانة المنصوص عليها في المادة 117 من نفس القانون والتظلم الإداري لا يكونان لازمين الا في حالة المنازعة في قيمة الضريبة او جزء منها، اما المنازعة في فرضها بصورة جدية كما هو المر في نازلة الحال، فلا يستدعي تقديم الضمانة او التظلم المذكورين، الامر الذي يجعل الطلب يتوفر على شرطين للاستعجال والجدية ويكون ما اثير بدون أساس ".

الفقرة الثانية: بعض إشكالات مسطرة إيقاف إجراءات تحصيل الدين الضريبي

تعد مسطرة إيقاف إجراءات الدين الضريبي مسطرة قضائية تتيح للملزم أمام السلطات الممنوحة للإدارة الضريبية اللجوء إلى اقضاء الإداري من أجل إستصدار أمر بإيقاف إجراءات تحصيل الديون الضريبية المتنازع في شرعيتها إلى أن يبت القضاء الإداري في الموضوع، والتطبيق العملي لمسطرة إيقاف إجراءات التحصيل أفرز بعض الإشكالات، والتي من بينها إيقاف مسطرة إشعار الغير الحائز أمام القضاء الإستعجالي، ترتبط في مدى خضوع هذا الإيقاف للقضاء الإداري الاستعجالي، بحيث أن الإشعار للغير الحائز هو تلك الوسيلة القانونية التي تمكن المحاسب المكلف بالتحصيل في تنفيد الديون العمومية تنفيدا جبريا فهو بمتابة حجز تنفيذي على أموال المدين، وعليه فإذا نزع الملزم في هذا الإجراء على إعتباره باطلا من الناحية القانونية وبذلك فالبت في هذا النزاع يقتضي بالضرورة فحص وتقييم هذا الإجراء للقول بصحته أو بطلانه، مما يضفي عليها الطابع الموضوعي المحض لمساسها بجوهر الحق، وبالتالي تكون المحكمة الإدارية كمحكمة موضوع هي المختصة بالنظر فيها وليس القضاء الاستعجالي.
فقد ذهبت المحاكم الإدارية في نفس الاتجاه، حيث اعتبرت إدارية فاس أن طلب رفع الحجز لا يعتبر وقتيا ما دام أنه لرفع الحجز ينبغي إبطاله، وعليه فقاضي الموضوع هو المختص وليس قاضي الأمور المستعجلة 59، غير أن القضاء الإداري الاستعجالي أقر بالتدخل في رفع مسطرة الإشعار للغير الحائز، لكن تدخله يبقى مشروطا بتوفر عنصر الاستعجال والجدية وعدم المساس بجوهر الحق " ... وحيث أن الإشعار للغير الحائز يترتب عليه التسليم الفوري للمبالغ المحجوزة مما يجعل شرط الاستعجال قائم في النازلة ... وحيث إنه بالنظر للأثار الفوري للإشعار للغير الحائز كإجراء تنفيذي مباغت ارتأينا الأمر برفع الحجز على الحساب البني للطالب
.[61] "
يستنتج مما سبق أنه بالنظر للطابع الفجائي لمسطرة الإشعار للغير الحائز والذي تستخدمه الإدارة الضريبية من أجل حشد المداخل الضريبية بدون مراعاة حقوق الملزمين هو ما إستلزم تدخل القضاء الاستعجالي لإنصاف الملزمين، وبذلك تم إقرار للقضاء الاستعجالي الإختصاص بالبت في طلبات رفع الاشعار للغير الحائز.
وعموما فإن تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الضريبية على ضوء منازعات تحصيل الدين الضريبي من خلال دعوى التقادم ومسطرة إيقاف إجراءات التحصيل شهدت تدخلا إيجابــــيا للقضـــاء الإداري المغربي والذي سعى للحرص على حماية الملزم الضريبي من تعسف الإدارة الضريبية، ولعل تشدد القضاء الإداري في التعامل مع الإجراءات القاطعة للتقادم في مواجهة الإدارة الضريبية وحماية الملزم خير دليل على جرأة القضاء الإداري ودوره الفعال في تحقيق الأمن القانون الضريبي والعدالة الضريبية.

خاتمة
شكلت مدونة تحصيل الديون العمومية محطة مهمة في الإصلاح القانوني ،والتي تهدف الى دعم الاقتصاد الوطني قصد تحقيق معادلة قانونية من خلال تفعيل سبل تحصيل الضريبة من جهة وتحسيس المواطن بالضريبة بكونها واجب وطني يجد سنده في الدستور.
وأمام ضعف ألية التواصل ما بين الإدارة الضريبية والملزم بما يضمن مساهمة هذا الأخير في تحمل أعباد الدولة المالية من خلال إلتزامه بالوفاء الرضائي للدين الضريبي، كان لابد من سن إجراءات من شأنها أن تجبر الملزم بأداء ما بذمته، وإذا كانت هذه الإجراءات تشكل ضمانات بالنسبة للإدارة الضريبية فإنها تنطوي على خطورة بخصوص طابعها الجبري تجاه الملزم.
ونطرا لخطورة إجراءات التحصيل الجبري والتي قد تصل الى المس بحرية الملزم فقد أدى القضاء الإداري أدوار مشرقة في تطبيقه لمقتضيات هذه المدونة، حيث إستطاع بأحكامه الجرأة فرض رقابته على الإدارة الضريبية في كافة مراحل تحصيل
الدين الضريبي، ومن جهة أخرى ساهم في تحقيق التوازن بين الإدارة الضريبية والملزم الضريبي من خلال تجاوز ما يطرحه تقادم الدين الضريبي من إشكالات تعترض منظومة التحصيل، والقضاء الإداري لم يكتفي في رقابته على إجراءات التحصيل الجبري على احترام التسلسل و صحة الإجراءات وانما تعداه بما يضمن التوازن ما بين أطراف العلاقة الضريبية وذلك باقراره لإمكانية إيقاف إجراءات التحصيل الجبري و بشكل استعجالي.
ولإعطاء نوع من الفعالية والنجاعة لمنظومة تحصيل الدين الضريبي فإنه لا يسعنا إلا أن نعرض بعض المقترحات التي من شأنها أن تخفف من منازعات التحصيل:
- تجويد النصوص القانونية المؤطرة لعملية التحصيل وتجميعها في مدونة واحدة تشمل كل الإجراءات الإدارية والقضائية للتحصيل تراعى فيها خصوصية الدين الضريبي وعدم الإحالة إلى نصوص القانون الخاص؛
- العمل على خلق وعي جبائي حقيقي من خلال تعزيز الية التواصل بين الدارةالضريبية والملزم حتى لا تبقى الضريبة عبارة عن اكراه يحاول الملزمين بها الإفلات منه؛
- الرفع من جودة استقبال الملزم، وذلك عبر تفعيل الوسائل التكنولوجيا؛
- تطوير وعصرنة مؤسسة التقادم، من خلال توخي الوضوح التشريعي وتبني معيار موجد في بدء سريان أجل التقادم؛
- تأهيل الموارد البشرية العاملة في إدارة التحصيل من خلال تكوينهم وتحفيزهم وفي المقابل اعتماد مقاربة دقيقة لمسألتهم؛
- إعطاء الفعالية للقضاء ودلك للوصول الى هدفه والمتمثل في تحقيق العدل وإلحاق الحقوق بأصحابها، وذلك عبر إحداث قضاء ضريبي متخصص؛
- العناية بالجانب التكويني للقضاة ومساعدهم؛
- لابد من التأكيد على عدم كفاية الحل التشريعي، مالم يصاحبه إصلاح شمولي يقوم على أساس تقديم الحلول الشافية من منطلق التشخيص الشمولي والعميق لأمراض التحصيل، ذلك أن التحصيل قضية وطنية تنهض بها سياسة عمومية فعالة.
__________________________
الهوامش:
[1] سعيد اولعربي، إشكالية تحصيل ديون الدولة، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة ،2016، الصفحة 11.
[2] ظهير شريف رقم 1.00.175 صادر في 28 من محرم 1421 الموافق ل 3 ماي 2000 بتنفيذ القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، الجريدة الرسمية عدد 4800 بتاريخ فاتح يونيو 2000.
[3] عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي، الإصلاح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومية، الطبعة الأولى، دار النشر المغربية، الدار البيضاء ،2000، الصفحة 17.
[4] ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليو 2011بيتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2001، الصفحة 3600.
[5] محمد موفيد، منازعات التحصيل الضريبي أمام القضاء الإداري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، 2013-2014، الصفحة 28.
[6] قرار محكمة النقض عدد1/515 الصادر بتاريخ 30/5/2013 في الملف الإداري عدد1615/4/1/2012، أورده عمر أزوكار، الدليل العملي لمدونة تحصيل الديون العمومية، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2017، الصفحة 13.
[7] قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 662 الصادر بتاريخ 3/4/2019 في الملف عدد 2237/7209/2018، غير منشور .
[8] قرار محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط عدد3928 الصادر بتاريخ 15/10/2012 في الملف عدد 9/12/771، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 13.
[9] /7209/2018، غير منشور.
[10] قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 381 الصادر بتاريخ 21/02/2019 في الملف عدد
[11] قرار محكمة النقض عدد 1098 الصادر بتاريخ 27/12/2012 في الملف الإداري عدد 692/4/1/2012، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 42.
[12] قرار محكمة الاستئناف بالرباط عدد 120 الصادر بتاريخ 16/1/2012 في الملف عدد 9/11/398، أشار إليه عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 44.
[13] قرار المجلس الأعلى عدد53 الصادر بتاريخ 21/2/2004 في الملف الإداري عدد 785/4/2/2003، أورده محمد قصري، المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري، الطبعة الثانية، دار ابي رقراق للطباعة والنشر، الرباط ،2009، الصفحة 552 وما يليها.
[14] حكم إدارية الرباط عدد 88 الصادر بتاريخ 9/1/2008 في الملف رقم 148/06، حكم غير منشور، أوردته لمياء رافع، المنازعة في تحصيل الضريبة بين النظرية والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمراكش ،2009/2010، الصفحة 59.
[15] محمد موفيد، مرجع سابق، الصفحة 86.
[16] حكم إدارية أكدير عدد 29/2009 الصادر بتاريخ 28/01/2009 في الملف عدد 29/2009، أشار إليه محمد موفيد ،مرجع سابق، الصفحة 87.
[17] حكم إدارية البيضاء عدد 162 الصادر بتاريخ 18/01/2018 في الملف عدد 583/7113/17، غير منشور.
[18] حكم إدارية البيضاء عدد 37 الصادر بتاريخ 03/01/2018 في الملف عدد 744/7113/2016، غير منشور.
[19] قرار محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط عدد 1518 الصادر بتاريخ 9/4/2012 في الملف عدد 499/10/9، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 21.
[20] قرار محكمة النقض عدد 618 الصادر بتاريخ 23/8/ 2012 في الملف عدد 499/10/9، أشار إليه عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 22.
[21] لمياء رافع، مرجع سابق، الصفحة 61.
[22] قرار محكمة النقض عدد 72 الصادر بتاريخ 17/01/2013 في الملف عدد 501/4/1/2012، أشار إليه عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 30.
[23] /4/2/2008 والملف 3020/4/2/2006، ٍ أشار إليه عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 30.
[24] قرار للمجلس الأعلى )محكمة النقض حالياً( عدد 2011 الصادر بتاريخ 05/03/2008 في الملف عدد
[25] قرار محكمة النقض عدد1/758 الصادر بتاريخ 5/06/2014 في الملف عدد 805/4/1/2013، أشار إليه محمد بفقير، العمل القضائي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض خلال سنتي 2014 و2015، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء ،2016، الصفحة 94.
[26] عبد الرحمان ابليلا ورحيم الطور، تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة، مطبعة الأمنية،2000، الصفحة 40.
[27] ، الصفحة 62.
[28] إبراهيم عقاش، "إجراءات التحصيل الجبرية في مدونة تحصيل الديون العمومية"، مجلة المناهح، عدد 9 و10،
[29] تراجع بهذا الشأن مقتضيات المادة 44 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[30] تراجع المادة 105 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[31] .
[32] حكم إدارية مراكش عدد 311/12/2006 الصادر بتاريخ 8/372007، أوردته لمياء رافع، مرجع سابق، الصفحة
[33] عبد الرحيم حزيكر، إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالبيضاء ،2003/2003، الصفحة 96.
[34] أمر إستعجالي للمحكمة الإدارية بوحدة عدد 70/2001الصادر بتاريخ 30/8/2001، أورده أحمد بوعشيق، الدليل العملي للإجتهاد القضائي في المادة الإدارية، الجزء الثالث، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديد، الرباط ،2004، الصفحة 110.
[35] عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحتان 47 و48.
[36] تراجع المادة 58 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[37] تراجع المادة 59 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[38] تراجع المادة 60 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[39] تراجع المادة 61 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[40] قرار محكمة النقض عدد 563 الصادر بتاريخ 19/8/2010 في الملف الإداري عدد 505/4/1/2010، أشار إليه عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 110.
[41] عبد المجيد الزلال، دور القضاء في النزاعات الناشئة عن تطبيق مدونة تحصيل الديون العمومية، رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري، المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط،2004/2005، الصفحة45.

[42] مأمون الكزبرى، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود، الجزء الثاني، الصفحة 516.
[43] يمكن مراجعة المواد 123 و138 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
[44] ظهير شريف صادر في 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود المغربي ،النشرة الفرنسية للجريدة الرسمية، عدد 46، بتاريخ 30 سبتمبر 1913، الصفحة 78.
[45] مريم الخمليشي، الحماية القضائية للملزم في المنازعات الجبائية، أطروحة لنيل الدكتورة في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس ،2013-2014، الصفحة 275.
[46] .
[47] حكم ادارية اكادير بتاريخ 11/10/2012 في الملف عدد 2017/2011، أورده محمد موفيد، مرجع سابق، الصفحة
[48] حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 396 الصادر بتاريخ 14/02/2018 في الملف رقم 780/7113/2017، غير منشور.
[49] قرار محكمة النقض عدد 284 الصادر بتاريخ 06/03/2014 في الملف عدد 2381/4/1/2012، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 143.
[50] قرار محكمة النقض عدد 803/2 الصادر بتاريخ 12/11/2015 في الملف الإداري عدد 605/4/2/15، أورده محمد بفقير، مرجع سابق، الصفحة 181 وما يليها.
[51] قرار محكمة النقض عدد 967 الصادر بتاريخ 07/11/2007 في الملف الإداري عدد 2025/4/2/2006، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 125.
[52] مهدي خرجوج، " قطع التقادم في المادة الجبائية "، مجلة القانون المغربي، العدد 33 دجنبر 2016، مطبعة دار السلام، الرباط، الصفحة 205.
[53] قرار محكمة النقض عدد 1/1314 الصادر بتاريخ 25/6/2015 في الملف عدد 14/1/4/3333، أورده محمد بفقير ،مرجع سابق، الصفحة 155 وما بعدها.
[54] قرار محكمة النقض عدد 787/1 الصادر بتاريخ 12/06/2014 في الملف الإداري عدد 759/4/1/13، أورده محمد بفقير، مرجع سابق، الصفحة 102 وما يليها.
[55] قرار محكمة النقض عدد 973 الصادر بتاريخ 14/11/2007 في الملف عدد 2736/4/2/2015، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 134.
[56] قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 122 الصادر بتاريخ 16/1/2012 في الملف عدد 180/10/9، أورده عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 134.
[57] قرار محكمة النقض عدد 673 الصادر بتاريخ 10/9/2015 في الملف عدد 3062/4/2/2014، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 80، مطبعة الأمنية، الرباط، الصفحة 284 وما يليها.
[58] قرار محكمة النقض عدد 1099/1 الصادر بتاريخ 04/06/2015 في الملف عدد 855/4/1/12، أورده محمد بفقير، مرجع سابق، الصفحة 138 وما يليها.
[59] امر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الادارية بالدار البيضاء عدد 2274 الصادر بتاريخ 21/5/2012 في الملف عدد 1141/12/1، اورده محمد مفيد، مرجع سابق، الصفحة 91.
[60] قرار الغرفة إدارية عدد 843 الصادر بتاريخ 11/6/2006 في الملف عدد 2564/4/2/2006، اودته مريم الخمليشي، مرجع سابق، الصفحة 293.
[61] أمر إستعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالبيضاء بتاريخ 9/3/2010 في الملف العدد 59/03/2010، أشار إليه محمد موفيد، مرجع سابق، الصفحة 102.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -