نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري

مقال بعنوان: نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري

نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري

المقدمة 
تصدر الإدارة وهي بصدد تكوين عقد إداري-بإرادتها المنفردة- مجموعة من القرارات تهدف بها إلى إبرام هذا العقد، ويكون المختص بنظر المنازعات التي تدور حولها هو قاضي الإلغاء وليس قاضي العقد، حيث لم ينشأ عقد بعد وتسمى تلك القرارات بالقرارات المنفصلة المستقلة.
وفي تحديد المحكمة الإدارية العليا المصرية لتلك القرارات ذهبت إلى أنه "...ومن حيث ينبغي في ضوء تنظيم عملية العقد الإداري المركبة، التفرقة بين نوعين من القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية في شأن العقود الإدارية.
· النوع الأول: وهي القرارات التي تصدرها أثناء المراحل التمهيدية للتعاقد وقبل إبرام العقد، وتسمى بالقرارات المنفصلة المستقلة، ومن هذا القبيل القرار الصادر بطرح العمل في مناقصة، والقرار الصادر باستبعاد أحد المتناقصين والقرار الصادر بإلغاء المناقصة أو بإرسائها على شخص معين، فهذه القرارات هي قرارات إدارية نهائية شأنها شأن أي قرار نهائي وتنطبق عليها جميع الأحكام الخاصة بالقرارات الإدارية النهائية.
· النوع الثاني: وينظم تحته القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية تنفيذا لعقد من العقود الإدارية واستنادا إلى نص من نصوصه كالقرار الصادر بسحب العمل ممن تعاقد معها، والقرار الصادر بمصادرة التأمين أو إلغاء العقد ذاته، فهذه القرارات يختص القضاء الإداري بنظر المنازعات التي تثور بشأنها لا على أساس اختصاصه بنظر منازعات القرارات الإدارية النهائية، وإنما على أساس اعتباره المحكمة ذات الولاية الكاملة بنظر كافة المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية"([1]).
فالقرارات التي تصدرها الإدارة في مرحلة تكوين العقد الإداري، هي في حقيقتها قرارات تنفصل عن هذا العقد، ومن حيث موضوعها قرارات إدارية نهائية أصدرتها الإدارة بوصفها سلطة عامة لا سلطة تعاقد الأمر الذي يدخل الطعن عليها في نطاق دعوى الإلغاء، متى توافرت فيها شروط قبول دعوى الإلغاء الأخرى([2]).
ومن ثم يمكننا القول بأن القرار الصادر بفسخ العقد الإداري رغم كونه صادرا بإرادة الإدارة المنفردة، إلا أنه لا يعد من القرارات الإدارية المنفصلة التي يجوز مخاصمتها بدعوى الإلغاء، بحسبان أن فسخ العقد لا يعدو أن يكون إجراء اتخذته الإدارة بوصفها طرف تعاقدي وليس سلطة عامة، الأمر الذي يفقد هذا الإجراء أهم سمات القرار الإداري التي تجعل منه محلا لدعوى الإلغاء، وهو صدوره عن الإدارة بوصفها سلطة عامة، تحرص على دوام سير المرافق بانتظام وإطراد.
وعلى ضوء ما تقدم يمكننا القول بأن فيصل التفرقة بين القرارات المنفصلة عن العقد الإداري والتي تعد قرارات إدارية نهائية تخضع لاختصاص قضاء الإلغاء، وبين القرارات المتصلة بالعقد الإداري، والتي يختص بنظر النزاع حولها قاضي العقد، مناطه السلطة التي كانت تتمتع بها الإدارة حال إصدارها للقرار، فإذا أصدرته استنادا إلى نصوص عقد إداري عد قرارا متصلا بهذا العقد، بحيث لا يحدث بذاته أثرا، ومن ثم يدخل النظر في منازعاته ضمن اختصاص قاضي العقد.
وكنتيجة مباشرة لخضوع القرارات الإدارية مباشرة لخضوع القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري لدعوى الإلغاء فإن تلك القرارات تخضع بالتبعية لدعوى وقف التنفيذ متى توافرت فيها شروط قبول هذا الطلب من جدية واستعجال مع اقتران طلب وقف التنفيذ بصحيفة دعوى الإلغاء ([3]).
وكأثر لإخراج القرارات المتصلة بتنفيذ العقد الإداري أو المستندة لنصوصه من إطار القرارات الإدارية، فيكون بوسع الإدارة العدول عنها متى تبين لها عدم مشروعيتها، دون التقيد في هذا الشأن بمواعيد سحب القرارات الإدارية.
في المغرب تمت الإشارة إلى القرارات المنفصلة، أول مرة بصفة صريحة في قرار المجلس الأعلى الصادر في 16 يوليوز 1959 في قضية فيلدستين، حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي: "...إذا ما اعتبرنا فرضا أن الرسالة التي يخبر بها رئيس إدارة التربية العامة المغربية الطاعنة في خدمة الرابطة الإسرائيلية العالمية بالقرارات المتخذة في حقها من طرف اللجنة المركزية للرابطة، تشكل مقررا إداريا منفصلا قابلا لذلك لأن يكون محل بالإلغاء، فإن الطعن في هذه النازلة غير مقبول لكون الرسالة المطعون فيها هي سابقة لتاريخ 23/10/1957 تكون قد حررت في وقت لم يكن فيه الطعن بسبب تجاوز السلطة جائزا إلا للموظفين...إن الطاعنة التي هي في خدمة الرابطة الإسرائيلية العالمية باعتبار هذه الرابطة جمعية خاصة، ليست لها صفة موظفة ولو أن هناك اتفاقية بين هذه الجمعية والسلطات العمومية الإدارية..."، وتابع المجلس الأعلى يقول: "...حيث أن النزاع الذي بمناسبته تقدمت السيدة فليدستين بطعن أمام مجلس الدولة والذي يتعلق بوضعيتها كعضو من أعضاء هيئة التعليم المنتمية للتحالف الإسرائيلي قد وافق على القرارات المتخذة...من طرف اللجنة المركزية والتحالف المذكور، يشكل قرارا إداريا منفصلا يمكن الطعن فيه من أجل العيوب الخاصة التي يمكن أن تشوبه، هذا الادعاء يتعارض على كل حال، مع مقتضيات الفصل الثاني من ظهير 16 ربيع الأول 1347 (فاتح شتنبر 1928) المعمول به آنذاك والتي بمقتضاها لا يمكن الطعن أمام مجلس الدولة الفرنسي بسبب الشطط في استعمال السلطة سوى ضد الأعمال الصادرة عن سلطات الحماية المتعلقة بالنظام الأساسي لموظفي الإدارة المغربية، وأنه يستنتج مما سبق أن الطعن المقدم من طرف السيدة فيلدستين غير مقبول لرفعه أمام محكمة غير مختصة للبت فيه، ويبقى كذلك حتى بعد صدور ظهير 27 شتنبر 1957 المحدث بموجبه المجلس الأعلى..." ([4]).
وإذا كان مفهوم القرارات المنفصلة يحتل اليوم مكانة مهمة في الاجتهاد القضائي الإداري، فإن مكانته على العكس في الدراسات الفقهية لا تزال نسبية، إذ لم يتطرف له إطلاقا الفقه المغربي ([5])، ولم يخصص لها الفقه المصري إلا سطورا قليلة ([6])، ويحظى هذا المفهوم في فرنسا بأهمية متزايدة: ففي النصف الأول من القرن العشرين لم يظهر مفهوم الانفصالية إلا عند ثلاثة فقهاء بارزين Duguit (L). و Alibert (R) و Bonnard (R)، وفي النصف الثاني من القرن العشرين لم يشر العديد من الفقهاء إلى مفهوم القرارات المنفصلة، باستثناء DE Laubader وJ.C Venezia و Y.Gaudemet في مجال إدارة الدومين الخاص، أما بالنسبة للكتب الحديثة فيتم تقديم مفهوم الانفصالية بطريقة كلاسيكية على اعتبار أن الفقهاء المعاصرون يتجهون إلى حصره في بعض المجالات التقليدية كأعمال السيادة والقضاء التعاقدي، ونادرا ما كان يتم إثارة القرار المنفصل بمناسبة دراسة عمليات القضاء الشامل للعمليات التعاقدية الخاضعة للقانون الخاص.
وتبعا لذلك يحتل اليوم مفهوم القرار المنفصل أهمية متزايدة على الأقل في الاجتهاد القضائي في انتظار أن يأخذ نفس المكانة في الفقه الإداري.
وتتجلى أهمية الموضوع في ما تمثله نظرية القرارات القابلة للانفصال عن العملية التعاقدية من وسيلة مثلى لمد اختصاص قاضي الإلغاء للنظر في إلغاء هذه القرارات الإدارية التي لولا وجود هذه النظرية ما كان بإمكان قاضي العقد التصدي لها.
أما الإشكالية التي سوف يحاول معالجتها فتتمثل في محاولة الوصول إلى ما تمثله القرارات المنفصلة عن العقد، وما إذا كانت تمثل نظرية عامة تطبق كلما كان هناك قرار إداري يمكن فصله عن العملية التعاقدية، وبالتالي خضوعه للطعن بالإلغاء، أم أنها وسيلة يستعملها قاضي الإلغاء لبسط رقابته على قرارات إدارية تدخل في الاختصاص الطبيعي لقاضي آخر؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها مجموعة من الأسئلة أهمها :
كيف نشأت القرارات الإدارية المنفصلة ؟
ما موقف الفقه والقضاء من هذه النظرية ؟
ماهي أهم استعمالات القرارات المنفصلة ؟
وما هو الأثر التي تخلفه هذه القرارات ؟
هذه الأسئلة وأخرى سيتم معالجتها وفق التصميم التالي : 

المبحث الأول: نشأة نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري وموقف الفقه والقضاء منها
المبحث الثاني : تطبيقات نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري 



المبحث الأول: نشأة نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري وموقف الفقه والقضاء منها 

تعني القرارات الإدارية المنفصلة القرارات التي تستهدف التمهيد لإبرام العقد أو السماح بإبرامه أو الحيلولة دون إبرامه كما إن القرارات الممهدة لعقد الصفقات العمومية تعتبر قرارات منفصلة عن العملية التعاقدية وقابلة بطبيعتها هاته للطعن عن طريق دعوى الإلغاء.وقد صاغت أحكام القضاء الإداري نظرية القرارات المنفصلة وعرفت القرار المنفصل "متى توافرت في المنازعة الإدارية حقيقة العقد الإداري سوءا أكانت المنازعة خاصة بانعقاد العقد أم صحته أم تنفيذه أم انقضائه"إلا أن نشأة هده القرارات المنفصلة ارتبطت بالظهور مع مجموعة من الأحكام التي أصدرها مجلس الدولة الفرنسي في بداية القرن العشرين وكانت إيذانا بالتخلي عن نظرية الكل الغير قابل للتجزئة التي كان القضاء يأخذ بها في نهاية القرن 19 والتي لم يكن يميز فيها بين الطعون المقدمة من المتعاقدين أو من الغير.كذلك فقد تبنى القضاء الإداري المصري نظرية القرارات الإدارية المنفصلة دفعة واحدة مند نشأته عام 1946 وطبقها في مجالات عديدة وعلى الأخص في منازعات العقود الإدارية بالإضافة إلى عدم وجود فكرة الدفع الموازي (الدعوى الموازية) والتي كانت تحول دون رفع دعوى الإلغاء إلا فيما ندر.ولأهمية الموضوع نتوقف أولا عند نشأة القرارات الإدارية المنفصلة في كل من مجلس الدولة الفرنسي وكدا مثيله المصري (في مطلب أول) على أن نبحث عن موقف الفقه والقضاء حول هذا النوع من القرارات (في مطلب ثاني) 

المطلب الأول : نشأة نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري 

الفرع الأول : نشأة نظرية القرارات المنفصلة في فرنسا ومصر 

أ‌. نشأة نظرية القرارات المنفصلة في فرنسا
مرت نظرية القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري في فرنسا بمراحل تطور عدة إذ لم يتبنى مجلس الدولة الفرنسي هده النظرية بل اعتنق نظرية القرارات المركبة أو نظرية الإدماج والتي مفادها أن العقد الإداري عبارة عن وحدة قانونية واحدة غير قابلة للتجزئة وان القرارات الإدارية التي تصدرها الإدارة وتتعلق بالعقد تندمج به وتفقد ذاتيتها ومن تم لا يجوز الطعن فيها على استقلال، ويختص بنظر كافة المنازعات الناشئة عنها قاضي العقد.
وكان القضاء يبني عدم قبول الطعن بإلغاء القرارات القابلة للانفصال عن العملية المركبة على أساسين هما الدفع بوجود الدعوى الموازية واحترام الحقوق المكتسبة.

· الأساس الأول : الدفع بوجود الدعوى الموازية
 ومؤداه أن الطعن بالإلغاء لا يقبل إذا وجد طريق قضائي آخر للطعن، أي دعوى موازية يمكن أن تؤدي إلى نفس نتائج دعوى الإلغاء. لأنها (أي دعوى الإلغاء) دعوى احتياطية لا يلجأ إليها، إلا في الحالات التي لا يمكن فها الالتجاء إلى طعن آخر، ولذلك ففي هذه المرحلة كان مجلس الدولة الفرنسي يشترط – لقبول الطعن بالإلغاء – عدم وجود طريق آخر للطعن الموازي[7].
فإن وجد مثل هذا الطريق أمام الطاعن فعليه أن يسلكه ولا يسلك طريق الطعن بالإلغاء.فإن هو سلك طريق الطعن بالإلغاء، مع وجود طريق الطعن الموازي أمامه، كان مجلس الدولة يقضي بعدم قبول الطعن لوجود طريق آخر للطعن الموازي.
وعلى ذلك، فقد كان مجلس الدولة في هذه المرحلة يقضي بعدم قبول دعوى الإلغاء ضد القرارات الداخلة في العمليات المركبة – مثل عملية التعاقد – طالما أن هناك طعنا آخر يمكن رفعه ضد العملية كلها أمام قاض آخر(قاض العقد).[8]
وقيل أيضا – في عدم جواز اللجوء لقضاء الإلغاء طالما وجد طريق قضائي آخر وهو الدعوى الموازية – أن الهدف من ذلك هو التخفيف عن عاتق مجلس الدولة الذي اكتظ بالقضايا نتيجة التيسيرات التي أحاط بها المشرع الفرنسي دعوى الإلغاء، وخاصة الإعفاء من شرط الرسوم ووساطة المحامي.[9]
ولكن هناك ضوابط وشروطا لإمكان استخدام الدفع بوجود الدعوى الموازية أو الطعن المقابل، وأم هذه الضوابط وتلك الشروط ما يلي :
أ‌. أن يكون الطريق الموازي دعوى قضائية حقيقية، فلا يكفي أن يكون المشرع قد نظم طريق إداريا للتظلم.
ب‌. يجب أن يكون الطريق الموازي دعوى وليس دفعا، لأن الدفع هو مجرد وسيلة دفاع، أما الدعوى فهي وسيلة للهجوم والمبادأة.
ت‌. يجب أن تؤدي الدعوى الموازية – في حالة كسبها – إلى تعطيل سريان القرار المطعون فيه وشل آثاره. فإذا اقتصر أثر الدعوى على تعويض الأضرار التي أصابت الطاعن فلا ينتج الدفع أثره في عدم قبول دعوى الإلغاء في القرار المطعون فيه.

· الأساس الثاني : احترام الحقوق المكتسبة
 ومؤدى فكرة احترام الحقوق المكتسبة أنه بمجرد إبرام العمل المركب وصيرورته نهائيا، فإنه لا يمكن الطعن بالإلغاء في أي من القرارات المساهمة في تكوينه والمتداخلة في بنيانه. إذ أن هذه العملية المركبة قد تولد عنها حقوق مكتسبة لأطرافها، وأن إلغاء أي من القرارات المرتبطة بهذه العملية يتضمن المساس بهذه الحقوق.[10]
هذا فضلا عن أن مثل هذه القرارات تكون مع باقي العملية الداخلة فيها كل متكامل ومتماسك غير قابلة للتجزئة أو للتقسيم، وبالتالي فلا يمكن عزل أي منها أو فصله عن باقي العملية والطعن فيه على استقلال أمام قاضي الإلغاء.[11]
فهذه القرارات تصبح نهائية ومحصنة ضد السحب أو الإلغاء، بمجرد أن تتبعها عقود أو قرارات تنشئ حقوق مكتسبة، حتى ولو كان موعد الطعن بالإلغاء مازال ممتدا، إذ أن هذه القرارات تتحد مع العمليات القانونية وتندمج معها مكونة وحدة لا تقبل التجزئة. بحيث أن المساس بهذه القرارات يتضمن المساس بالعملية القانونية وما تولد عنها من حقوق.[12]
وقد انتقد الفقه مسلك مجلس الدولة الفرنسي فقد تحدث مفوض الحكومة دافيد في قضية
(institut catholique de Lille)عام 1788 عن قابلية القرارات المتصلة بالعقد الإداري سواء كانت سابقة عليه أم لاحقة له للانفصال عنه لآجل الطعن بها بالإلغاء، وقد استجاب مجلس الدولة الفرنسي لموقف الفقه وبدا بالتخفيف من مسلكه السابق مستحدثا نظرية القرارات الإدارية المنفصلة فأصبح مجلس الدولة الفرنسي لا ينظر إلى العملية العقدية ككل مترابط غير قابل للانفصال والانقسام ولكنه أصبح ينظر إلى القرارات الداخلة في العملية العقدية كوحدات يمكن فصلها والنظر فيها على استقلال عن باقي المكونات الأخرى للعملية العقدية وبالتالي فانه لا شيء يمنع من الطعن فيها بالإلغاء في المواعيد والشروط المقررة للطعن بالإلغاء.
وقد طبق المجلس هده النظرية بصورة تدريجية ففي البداية أجاز فصل القرارات المتعلقة بالعقد والطعن فيها على استقلال طالما إن العقد الإداري لم يصبح نهائيا قبل صدور الحكم بالإلغاء , وقد استمر تطور نظرية القرارات المنفصلة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي حتى ساوى بين الطعون المقدمة من المتعاقدين أو من الغير- الأجنبي عن العقد, كما مد المجلس قضاؤه السابق إلى مرحلة تنفيذ العقد أو إنهائه رغم إن هده المنطقة في نفوذ قاضي العقد وقد اصدر بعض الإحكام أجاز فيها للغير, وللمتعاقد مع الإدارة مهاجمة القرارات الإدارية التي تصدرها الإدارة تنفيذا للعقد الإداري وتستند إلى نصوص القوانين واللوائح بدعوى تجاوز السلطة
أ‌. نشأة نظرية القرارات المنفصلة في مصر
لقد جاء استخدام مجلس الدولة المصري لنظرية القرارات الإدارية القابلة للانفصال في مجال العقود الإدارية بهدف بسط اختصاصه ليشمل المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية التي تبرمها الإدارة غير إن هدا البسط مر بمرحلتين أساسيتين :
+ نظرية القرارات الإدارية القابلة للانفصال في ظل قانون مجلس الدولة رقم 112 لسنة 1946
فقد اعتنقت محكمة القضاء الإداري في هذا السبيل نظرية الإعمال القابلة للانفصال ,فقد أقرت باختصاصها بنظر الطعون في القرارات الإدارية التي تدخل في عملية إدارية مركبة ,والتي تصاحب عقدا من العقود التي تبرمها الإدارة سواء كانت سابقة أو معاصرة أو لاحقة لإبرام العقد كالقرار الصادر بالإذن بالتعاقد أو باعتماد إبرام العقد فأجازت الطعن بالإلغاء استقلالا في هده القرارات دون إن يكون لذلك تأثير في اختصاص المحاكم العادية بنظر المنازعة المتعلقة بالعقد الإداري ذاته أو مساس بذلك العقد.
وبذلك يتبين إن القضاء المصري كان يأخذ بنظرية القرارات الإدارية المنفصلة ويطبقها على القرارات السابقة على العملية التعاقدية , وكان رائده في ذلك بسط سلطان دعوى الإلغاء على هده القرارات في ظل القانون الذي لم يعط مجلس الدولة أية ولاية في منازعات العقود الإدارية لتوسيع اختصاص القاضي الإداري الذي لم يكن مختصا في دلك الحين بالمنازعات العقدية
+ تطبيق النظرية في ظل القانون رقم 47 لسنة 1972
لقد أكد قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 اختصاص مجلس الدولة بمنازعات العقود الإدارية في المادة العاشرة منه فقرة 11,الشيء الذي أدى إلى تبلور قضاء مجلس الدولة المصري بخصوص نظرية القرارات الإدارية القابلة للانفصال عن العقود الإدارية , وقد طبقت في مجالات أوسع مما كان عليه الحال في ظل القوانين السابقة , وبالأخص القانون الأول قانون الإنشاء لسنة 1946, والقانون الثاني لسنة 1949 , وقد تواترت إحكام مجلس الدولة في هدا الاتجاه للتأكيد على هده النظرية , ومن دلك حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 1985/4/5 ,والتي حددت فيه مفهوم القرارات المنفصلة قضت بأنه ينبغي التمييز في مقام التكييف بين العقد إلذي تبرمه الإدارة وبين الإجراءات التي تمهد لإبرام هدا العقد أو تهيئ لمولده . 

الفرع الثاني : نشأة نظرية القرارات المنفصلة في المغرب 
التطور الذي عرفه القضاء الإداري بالمغرب خلال فترة الحماية لم يكن يعرف قضاء الإلغاء، وإنما كان يقتصر فقط على قضاء التعويض الذي تبت فيه المحاكم المدنية (المحاكم العصرية)، مع منح هذه المحاكم الحق في البت في المادة الإدارية، وكلها مبادئ جاء بها الفصل الثامن من ظهير 1913[13]، حيث نص على الاختصاصات التالية :
· النظر في الدعاوى التي تهدف إلى تقرير مديونية الدولة والإدارات العمومية، إما بسبب تنفيذ العقود التي تبرمها وإما بسبب الأشغال التي تأمر بها؛
· جميع الأعمال الصادرة منها والضارة بالغير؛
· الدعاوى المرفوعة من الإدارات العامة على الأفراد.
هذه الاختصاصات كلها كانت تدخل ضمن القضاء الإداري الشامل، وبالتالي لم يكن الحديث آنذاك عن القرارات المنفصلة، ذلك أن الفقرة الخمسة من الفصل 8 من ظهير 1913 ينص على أن "..يمنع علي (المحاكم الدنية) أن تنظر في طلب إلغاء قرار أصدرته إدارة عام...
بعد حصول المغرب على الاستقلال، عمل على إدخال إصلاحات عميقة على نظامه السياسي والقضائي، وذلك بالعمل على خلق وترسيخ دولة الحق والقانون، والتأكيد على حريات الأفراد والسهر على حسن سير الأمور العامة للبلاد،
وقد صاحب إنشاء المجلس الأعلى إحداث قضاء الإلغاء في مجال الشطط في استعمال السلطة، حيث ينص الفصل الأول من ظهير 1957/9/27 المنشئ للمجلس الأعلى على أنه " يبت المجلس الأعلى ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك في:
· الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية التي تصدرها جميع محاكم المملكة؛
· الطعون الرامية إلى إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة؛
· ........"
وهكذا ففي الوقت الذي استمرت فيه المحاكم العادية (الابتدائية ) بالنظر في منازعات العقود الإدارية التي تهدف الحصول على تعويض عن الأضرار التي تلحق المتعاقدين مع الإدارة وفق ما نص عليه الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الصادر سنة 1974/9/28، ظهرت لأول مرة في المملكة نظرية القرارات المنفصلة وذلك في قرار المجلس الأعلى الصادر في 16 يوليوز 1959 في قضية فيلدستين[14] كما أن المجلس بدأ يقبل الطعن في هذه القرارات في حالة مخالفتها للمشروعية باعتبارها قرارات إدارية صادرة عن السلطات الإدارية، ويتضح ذلك في الحكم رقم 50 الصادر بتاريخ 1960/12/9 حيث قضى بأن "...... المدعي يملك حق قيام دعوى الشطط في استعمال السلطة ضد مقرر يتصل بالعقد من ناحية الإذن بالتعاقد ولكنه منفصل عنه كعمل إداري صادر من جانب الإدارة وحدها....."[15]
وبإنشاء المحاكم الإدارية، أصبح القضاء الإداري وحده مختصا بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية، حيث نصت المادة الثامنة من القانون 90-41 على أن "تختص المحاكم الإدارية ... بالبت ابتدائيا في ... النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية..."
وبذلك أصبحت القرارات المنفصلة عن العقد الإداري من اختصاص قاضي الإلغاء الإداري، حيث تم تعريف القرار المنفصل في حكم لإدارية أكادير سنة 1999 بأن "متى توافرت في المنازعة الإدارية حقيقة العقد الإداري سواء أكانت المنازعة خاصة بانعقاد العقد أم صحته أم تنفيذه أم انقضائه فإنها كلها تدخل في نطاق ولاية القضاء الشامل، أما القرارات الممهدة لعقد الصفقات العمومية تعتبر قرارات منفصلة عن العملية التعاقدية وقابلة بطبيعتها هاته للطعن عن طريق دعوى الإلغاء" كما امتدت رقابة قاضي الإلغاء لتشمل القرارات الخاصة بالتوقيع على العقد عندما تكون هاته المصادقة ضرورية.
وفي قضية الوكالة الصناعية والتجارية بأكادير ضد مدير هندسة المياه بوزارة الأشغال العمومية الذي أصدر قرارا برفض المصادقة على المناقصة التي فازت بها الطاعنة، اعتبرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في معرض تأييدها للحكم المستأنف الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير في الملف عدد 12، بتاريخ 1995/02/23 "أن المقرر المطعون فيه الصادر عن جهة مختصة وأن توخيه تحقيق المصلحة العامة يعصمه من أي إلغاء"[16] 

المطلب الثاني : موقف الفقه والقضاء من نظرية القرارات المنفصلة 

الفرع الأول : موقف الفقه والقضاء الفرنسي 
تطور قضاء مجلس الدولة الفرنسي وذلك منذ بداية القرن العشرين وتبنى فكرة القرارات القابلة للانفصال في العملية المركبة، وعدل مبدأه في عدم جواز الطعن في تلك القرارات إلى جواز الطعن بالإلغاء في القرارات القابلة للانفصال عن العملية المركبة فيها.
وقد برر أنصار هذا القضاء موقف مجلس الدولة بالحجج التالية[17] :
أ‌. تتميز دعوى الإلغاء في النظام الفرنسي بكثير من المزايا التي تغري المتقاضين باللجوء إليها من ناحية الإجراءات وإعفائها من الرسوم القضائية وعدم استلزام وساطة محام، بينما قضاء التعويض يتطلب فيه الشرطين ، وكثيرا ما تكون المبالغ المطالب بها أو المستحقة من الضآلة بحيث يستغرقها الرسم فضلا عن أتعاب المحامي.
ب‌. لا توجد دعوى قضائية أخرى يمكن أن تحقق من الناحية القانونية كل ما تحققه دعوى الإلغاء. فالحكم الصادر في دعوى الإلغاء تكون له حجية مطلقة قبل الكافة، حيث يعدم آثار القرار الإداري في الماضي والمستقبل، بينما يكون أثر الحكم الصادر من قاضي العقد نسبيا مقصورا على الخصوم في الدعوى، وبالنسبة غلى موضوعها الذي يصدر الحكم بخصوصه.
وبالتالي يحتاج المتقاضي في كل حالة يحتج بها عليه بالقرار غير المشروع أن يلجأ إلى القضاء من جديد[18] .
ت‌. تم تقليص شرط عدم وجود طعن موازي أو مقابل كشرط لقبول الطعن بالإلغاء، وذلك نظرا للتطور الذي طرأ على دعوى الإلغاء، حيث تحولت من دعوى احتياطية إلى دعوى الشريعة العامة.
وعلى ذلك فإن كان في وسع المتقاضي أن يحقق غايته عن طريق قضاء الإلغاء أو عن طريق قضاء آخر، فإن له أن يختار بين الطريقين دمن الطرق الأخرىه ون أن تقف فكرة الدعوى الموازية في طريقه [19] .
ولما كانت دعوى الإلغاء – كما قلنا – قد أحاطها المشرع بتيسيرات عديدة، فقد كان لهذا أثره في تفضيل الخصوم لطريق دعوى الإلغاء عن غيره من الطرق الأخرى.
ولكي يحافظ مجلس الدولة الفرنسي على توزيع الاختصاص بينه وبين المحاكم القضائية الأخرى، فقد قيد الدفع بوجود طعن مواز بأن قصر دوره على مسألة توزيع الاختصاص بحيث لا يتصدى المجلس لأمور هي من اختصاص غيره، ولا يحول بين المجلس وبين بحث أمور هي من صميم اختصاصه[20] .
فالاحترام الواجب لقواعد الاختصاص القضائي، يمنع اللجوء إلى هذا الطعن، إذا كان سوف يؤدي إلى الإخلال بمثل هذه القواعد، سواء بين الجهات القضائية المختلفة أو حتى داخل جهة القضاء الإداري ذاته.
وبعد هذا التطور في قضاء مجلس الدولة أصبح لا ينظر إلى العمليات المركبة ككل مترابط غير قابل للانقسام، كما كان في الماضي، ولكن أصبح ينظر إلى العناصر والأجزاء المكونة لهذه العمليات كوحدات يمكن في بعض الأحوال عزلها وفصلها، والنظر فيها على حدة وعلى استقلال عن باقي المكونات الأخرى للعملية الرئيسية ككل، وعن القرار النهائي الرئيسي فيها.
وأدى هذا التطور إلى الاعتراف بأن بعض القرارات الداخلة ف العملية التعاقدية يمكن أن ينظ إليها واعتبارها في حد ذاتها، وليس فقط من خلال علاقتها مع العملية التي ترتبط فيها. بمعنى أننا نستطيع فصلها عن هذه العملية[21] .
والفائدة العملية لقابلية مثل هذه القرارات للانفصال تتمثل في أن أصحاب الشأن يمكن أن يطعنوا ضد هذه القرارات بدعوى تجاوز السلطة، بالاستقلال عن الطعن بدعوى القضاء الكامل، والتي يمكن أن يكون موضوعها العملية المركزية أو النهائية ذاتها[22].
وظهر هذا التطور في قضاء مجلس الدولة الفرنسي من خلال حكمه الشهير الذي أصدره سنة 1903، ففي هذا الحكم تم تطبيق فكرة القرارات القابلة للانفصال، وقبل الطعن على انفراد في بعض القرارات المتعلقة بعملية التعاقد، استقلالا عن العملية ذاتها، وحتى دون انتظار صدور القرار النهائي فيها.
وتخلص وقائع الحكم المذكور في أن أحد المديرين أصدر قرارا باختيار موقع لمدرسة خلاف الموقع الذي اختاره المجلس البلدي، وأبرم عقد إيجار استنادا لذلك، وبالمخالفة لما يقضي به القانون الصادر في 30 أكتوبر 1886، فطعنت البلدة في قرار المدير بالإلغاء أمام مجلس الدولة، وقضى المجلس بقبول الدعوى برغم قيام الدعوى الموازية وهي دعوى بطلان العقد أمام المحاكم المدنية.[23]
ثم صدر بعد ذلك الحكم الشهير في قضية MARTIN سنة 1905 والذي يعتبره الكتاب الأساس المتين لنظرية القرارات القابلة للانفصال، فقد قدم الطعن بالإلغاء من أحد أعضاء المجلس العام ضد قرار المجلس بالتصريح بمنح إحدى الشركات التزام نقل بواسطة الترام، وقد تمخض عن القرار إبرام عقد التزام وهو من العقود الإدارية. وكان مبني الطعن أن قرار المجلس قد شابه عيب في الشكل إذ كان يتعين قبل صدوره أن يسبقه تقرير من المدير يوزع قبل جلسة المداولة بمدة معينة حددها القانون، وهو ما لم يحدث. وقد قبل المجلس الطعن شكلا وإن رفضه موضوعا، رغم الدفع بعدم القبول المبدي من الوزير المختص، استنادا إلى أن القرار موضوع الطعن كان أساسا لعقد التزام تولدت عنه حقوق مكتسبة. ولم يشر الحكم لموضوع الدعوى الموازية رغم إفاضة تقرير المفوض هوريو في هذا الشأن[24].
ونلاحظ أن الطعن بالإلغاء مقدم في هذه الدعوى من غير أطراف العقد، وإن الحكم قد قبل فصل قرار صادر من سلطة متعاقدة، وليس من جهة خارجية عن العقد مثل قرارات سلطة الوصاية. هذا بالإضافة إلى أن العقد الذي فصل القرار عن بنيانه هو عقد إداري يخضع لاختصاص القضاء الإداري.
ولا يغيب على البال أن القضاء قد توسع في شرط المصلحة، إذا رأى أن عضو المجلس المحلي له مصلحة شخصية في الطعن في قراراته[25].
وهكذا قبل مجلس الدولة الطعن في قرارات إبرام العقود الإدارية على استقلال عن باقي مكونات عمليات التعاقد ذاتها. لأنها قرارات قابلة للانفصال عن باقي عملية التعاقد، حتى لو كان متضمنا ومدمجا داخل العقد ذاته، فطالما أمكن فصله ذهنيا وفكريا عن العقد، فهذا يكفي لاعتباره قرارا قابلا للانفصال.[26]
يقبل مجلس الدولة الفرنسي الطعون بالإلغاء المقدمة من أعضاء المجالس البلدية ضد قرارات تلك المجالس المتعلقة بمرحلة إبرام العقد، وقد أصبحت القاعدة مستقرة منذ حكم Martin [27]
وكذلك القرار الصادر عن لجنة المناقصات أو المزايدات باستبعاد أحد المتقدمين في المناقصة أو المزايدة دون وجه حق. فقد اعتبره القضاء الفرنسي قرارا منفصلا يجوز الطعن عليه بالإلغاء.[28]
كما قبل مجلس الدولة الطعن على قرارات رفض إبرام أو إتمام العقد، فقد اعتبرها قرارات إدارية منفصلة عن العقد ذاته، ومن ثم يجوز الطعن عليه بالإلغاء استقلالا عنه إذا شابها وجه من أوجه عدم المشروعية، ويستوي في ذلك أن يكون العقد مدنيا أو إداريا.[29]
كما أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبر قرارات الموافقة على العقود أو إقرارها والتصديق عليها، هي قرارات قابلة للانفصال، وفق قضائه، وبالتالي يجوز الطعن فيها على استقلال، سواء من جانب أطراف العقد أنفسهم أو من قبل الغير.[30]
ومما تجدر الإشارة إليه أن الأعمال السابقة أو اللاحقة على القرار الإداري المنفصل عن العقد لا تقبل الطعن عليها بالإلغاء، ومنها الأعمال التحضيرية للقرار والتعليمات والمنشورات الدورية، وأيضا الآراء الاستشارية سواء كانت صادرة من الأفراد أو الهيئات.[31] 

الفرع الثاني : موقف الفقه والقضاء المصري 
ذهب رأى في الفقه المصري إلى أن مجلس الدولة المصري تردد بالنسبة لنظرية القرارات القابلة للانفصال ، ولكن الرأي السائد في الفقه المصري هو أن مجلس الدولة في مصر قد طبق نظرية القرارات القابلة للانفصال منذ نشأته .
أ‌. الرأي القائل بتردد مجلس الدولة المصري فيما يتعلق بنظرية القرارات القابلة للانفصال .
ذهب رأي في الفقه المصري إلى أن مجلس الدولة المصري قد تردد أحيانا في موقفه من فكرة القرارات القابلة للانفصال وجواز الطعن عليها بالإلغاء ، وساق هذا الرأي بعض الأحكام التي سجلت موقف الإنكار ـــ من وجهة نظره ـــ من تلك النظرية في مجال العقود الإدارية ، كمثال لذلك نذكر منها :
حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 10 مارس 1909 حيث رفضت المحكمة فصل القرارات الإدارية المتصلة بتنفيذ عقود الإدارة الخاصة (المدينة) ، لأن هذه الإجراءات لا تعتبر قرارا إداريا مما يجوز طلب إلغائه ، بل تعتبر من قبيل التصرفات المدنية ، حيث تقول المحكمة " أن رفض الحكومة للتنازل الصادر من شخص إلى آخر عن عقد اشتراك تليفون لا يعتبر قرارا إداريا مما يجوز طلب إلغائه ، بل يعتبر من قبيل التصرفات المدنية فالمسألة كلها تنحصر في قبول التنازل عن عقد اشتراك تليفون.
وقبول هذا التنازل أو رفضه لا يعتبر قرارا إداريا، وإنما هو من التصرفات التي تباشرها الحكومة باعتبارها شخصا معنويا، والتي تختص هذه المحكمة بنظرها ".
ومن أمثلة ذلك واتساقا مع هذا الموقف، يرى هذا الرأي أنه تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا اتخذت موقف الإنكار من نظرية القرارات القابلة للانفصال وهي بصدد تحديد أي القضائين (العادي أو الإداري) له ولاية الفصل في النزاع القائم بين المؤجر والمستأجر لعقار ، حيث أن الأجرة تحدد بقرار من لجنة تقدير الإجراءات ولا شبهة في الصفة الإدارية لهذه اللجان المشكلة وفقا للقانون رقم 52لسنة 1961 .
وكان مثار النزاع القرار الإداري الصادر عن اللجنة بتحديد الأجرة .
وقد سجلت المحكمة موقف الإنكار فيما جاء بأسباب حكمها الصادر بجلسة 29 يونيو 1974 والمنتهي إلى اختصاص المحاكم العادية مقررة " ومن حيث ... أن المنازعة بين المؤجر والمستأجر وإن لابسها عنصر إداري أضفي عليها شكل المنازعة الإدارية وهو قرار تحديد الأجرة الصادر من لجنة إدارية ، إلا أنه ليس من شأنه أن يخلع عنها طابعها الموضوعي الأصيل وهو الطابع المدني. ذلك أن الشكل الإداري للمنازعة لا يلبت أن يزول ليخلفه وجه المنازعة الموضوعي الأصيل وذلك عند الطعن في قرار تحديد الأجرة أمام المحكمة الابتدائية "
ب‌. الرأي السائد القائل بأخذ مجلس الدولة المصري بنظرية القرارات القابلة للانفصال
إن الرأي الراجح في غالبية الفقه المصري، هو أن قضاء مجلس الدولة المصري لم يمر بذات التطور الذي مر به قضاء مجلس الدولة الفرنسي فيما يتعلق بفكرة القرارات القابلة للانفصال.
ويرجع السبب في ذلك إلى حداثة العهد نسبيا بالقضاء الإداري في مصر ، أي أن هذا القضاء قد نشأ في وقت كانت فكرة القرارات القابلة للانفصال قد اتضحت معالمها وملامحها ، واستقرت أحكامها في فقه القضاء الإداري في فرنسا.
إلى جانب ذلك يوجد سبب آخر وهو أن فكرة الطعن الموازي التي كانت من بين أسباب عدم قبول قصاؤ مجلس الدولة للطعون الخاصة بالإلغاء في العمليات المركبة طالما وجد مثل هذا الطعن ، فهذه الفكرة لم تجد لها صدى يذكر في القضاء الإداري في مصر.
ولذلك فقضاء مجلس الدولة المصري طبق فكرة القرارات القابلة للانفصال منذ نشأته. واستعمل هذه الفكرة خاصة في ظل القوانين الاولى المنظمة له ، ولذلك حتى يستطيع بسط وفرض رقابته على قرارات وإجراءات وتصرفات للإدارة لم يكن يشملها الاختصاص القضائي الذي كانت تنص عليه القوانين المنظمة له.
وقد استمر مجلس الدولة المصري في استخدام هذا السلوك ، أي وسيلة القرارات القابلة للانفصال ، حتى بعد أن أصبح اختصاصه بالنظر والفصل في المنازعات الإدارية اختصاصا عاما شاملا ، بعد صدور دستور 1971 الذي ينص في المادة 172 منه ، على أن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى". 

المبحث الثاني : تطبيقات نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري 

المطلب الأول : مجالات و شروط تطبيق نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري 

الفرع الأول : مجالات تطبيق نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري 
يعتبر القرار المنفصل- قرارا إداريا يمكن الطعن فيه بدعوى الإلغاء حتى إذا كان مدمجا في عملية مركبة خاضعة للقضاء الشامل.- قرار نصادفه في مختلف العمليات المركبة الخاضعة للقضاء الشامل كالعمليات التعاقدية للقانون الخاص أو الإدارية.
وبدارسة مكانة القرار المنفصل على التوالي في العمليات التعاقدية تظهر الأهمية المتزايدة التي يمنحها قاضي تجاوز السلطة لهذا المفهوم على اعتبار أنه يسمح له بالنظر في قضاء العمليات المذكورة وبالتالي توسيع قضاء تجاوز السلطة.
1. قضاء إبرام العقود
من الأصول المسلم بها أن الإدارة لا تستوي مع الأفراد في حرية التعبير عن الإرادة في إبرام العقود-إدارية أو مدنية-ذلك أنها تلتزم في هذا السبيل بإجراءات وبأوضاع رسمها المشرع في القوانين واللوائح لكفالة اختيار أفضل الأشخاص للتعاقد، "وجلي عن ذلك أن العقد الذي تكون الإدارة أحد أطرافه إنما يمر بمراحل متعددة حتى يكتمل تكوينه، وينبغي التمييز في مقام التكييف بين العقد الذي تبرمه الإدارة، وبين الإجراءات التي تمهد بها لإبرام هذا العقد، ذلك أنه بقطع النظر عن طبيعة العقد إداريا كان أو مدنيا، فإن من هذه الإجراءات ما يتم بقرار من السلطة الإدارية المختصة له خصائص القرار الإداري ومقوماته من حيث كونه إفصاحا عن إرادتها الملزمة، ومثل هذه القرارات وإن كانت تسهم في تكوين العقد وتستهدف إتمامه فإنها تنفرد في طبيعتها عن العقد وتنفصل عنه، ومن تم يجوز لذوي الشأن الطعن فيها استقلالا" ([32]).
+ انفصالية القرارات التمهيدية
حسب الفقه الإداري المغربي فإن القرارات الممهدة لإبرام الصفقات العمومية تعتبر قرارات منفصلة عن العملية التعاقدية وقابلة لطبيعتها هاته للطعن عن طريق الإلغاء، وذلك تأسيسا على الاجتهاد القضائي الذي تأصيله من طرف المجلس الأعلى منذ ما يربو على ثلاثة عقود، إذ يعتبر القاضي الإداري المغربي أن القرار المتخذ من طرف سلطة إدارية في المجال التعاقدي هو قرار منفصل مستقل عن النظام القانوني العام أو الخاص للعقد. إذ قبل المجلس الأعلى الطعن بالإلغاء الموجه ضد قرار إسناد كراء حانوت حبسية دون اللجوء إلى مسطرة المزايدة المنصوص عليها في القانون وقد جاء في حيثيات القرار ما يلي: "...حيث أن المدعي يملك حق قيام دعوى الشطط في استعمال السلطة ضد مقرر يتصل بالعقد من ناحية الإذن بالتعاقد ولكنه منفصل عنه كعمل إداري صادر من جانب الإدارة وحدها...وحيث تدفع الإدارة...بكون طالب الإلغاء لا تربطه أية رابطة قانونية مع وزارة الأوقاف ولا مع المكتري الجديد، ومن ثم فلا تقبل دعواه.
كما ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة في حكم حديث لها إلى أن: "القرارات التحضيرية لإبرام عقد الصفقة تعتبر من القرارات الإدارية المنفصلة عن العق ([33])، وفي حكم للمحكمة الإدارية بمراكش صادر بتاريخ 30/06/1999 قضت هذه الأخيرة: "...بإلغاء قرار وزير الداخلية والقاضي بإجراء سمسرة عمومية لكراء العقار الجماعي لعدم احترام الكيفيات والشروط المنصوص عليها في القانون... ([34]).
+ قرارات إبرام العقود ([35])
لفترة طويلة كان القضاء لا يفكر في إمكان أن يفصل عن العقد إلا القرارات التمهيدية، أما الآن فإنه يذهب إلى أبعد من ذلك ويجعل رقابته تمتد لتشمل أعمال العقد ذاته، وهو ما أصبح اليوم ثابتا.
وبذلك، يكون قابلا للطعن بالإلغاء قرار إبرام العقد ذاته الذي غالبا ما يكون شكلا غير متميز ماديا، ويترجم وجوده بأن العقد قد تم التوقيع عليه، وقرار التعاقد "المدرج" في العقد لا يعتبر حاجزا أما انفصاله: فيكفي أن يكون منفصلا ذهنيا، غير أننا لم نعثر في الاجتهاد القضائي المغربي (حسب علمنا) على حكم في هذا الصدد وذلك على خلاف ما هو عليه الوضع في فرنسا، حيث سيعمل الاجتهاد القضائي في 1911 على توسيع إمكانيات المنهج التحليلي إلى حدودها القصوى، ففي قضية Comme de ousse.susan بتاريخ 8 أبريل 1911 قام مجلس الدولة بالتمييز بين العقد ذاته-أي تبادل التعبير عن إرادة الإدارة، وإرادة الطرف المتعاقد معها-وهو ما لا يجوز الطعن فيه بالإلغاء-وبين قرار إبرامه، حيث اعتبر هذا الأخير قرارا وهميا سابقا على العقد حيث ذهب الفقيه هوريو إلى أنه: "عندما تبرم السلطة الإدارية عقدا...فكل شيء يمر وكأنها اتخذت مسبقا قرارا يحدد علانية الشروط التي ستتعاقد في ظلها، هذا القرار الضمني السابق على العقد قابل للانفصال عنه...".
+ قرارات الوصاية
يشكل قرار الوصاية مثالا كلاسيكيا للقرار المنفصل عن العملية التعاقدية مهما كانت اللحظة التي يتدخل فيها في هذه العملية([36])، لذلك يعالج قرار الوصاية اليوم من طرف الاجتهاد القضائي الإداري كقرار إداري ينفصل أتوماتيكيا عن كل عملية مركبة خاضعة للقضاء الشامل بمناسبة تدخله لتحقيقها، ومن ثم ينظر قاضي الإلغاء في كل طلب بإلغاء مثل هدا القرار الذي يكون موضوع إما إبرام العقد أو تنفيذه، وفي نفس الاتجاه قبل المجلس الأعلى في المغرب بتاريخ 9 دجنبر 1966 طعنا بالإلغاء ضد قرار إداري صادر من جانب إدارة الأحباس صادقت بمقتضاه على إحالة حق كراء حانوت، وبالفعل إن كان ذلك المقرر متصلا بعقد الكراء الجديد من ناحية الإذن بالتعاقد فإنه ينفصل عنه كعمل إداري انفرادي، وفي حكم حديث اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة أن: "قرار المصادقة على عقود الصفقة من القرارات المنفصلة عن العقد التي يجوز الطعن فيها بدعوى الإلغاء.
فمن خلال هذه التطبيقات القضائية يمكن التأكيد على أن القضاء الإداري المغربي لا ينكر استقلالية قرارات الوصاية رغم أنه لا يشير إلى انفصاليتها بصراحة، ويعتبرها أنها تجسد عملية للسلطة العامة متميزة عن العملية الخاضعة للوصاية.
2. قضاء تنفيذ العقود
على عكس ما اشرنا إليه سابقا بخصوص القرارات التمهيدية للعملية التعاقدية فإن قرارات التنفيذ لا يمكن اعتبارها-كل التعاليق تبدو حاليا متفقة-منفصلة حيث تعتبر القرارات المتدخلة في هذه المرحلة التنفيذية للعملية بأنها تشكل الموضوع الرئيسي لاختصاص قاضي هذه الأخيرة، فقرارات تنفيذ العقود يجب النظر إليها كموضوع أساسي للقضاء التعاقدي ولا يمكن أن تكون منفصلة وتخضع مبدئيا للقضاء الشامل، ومع ذلك توجد بعض الاسثناءات عن هذه القاعدة إذ أن قاضي الإلغاء في مجال تنفيذ العقود لا يفصل بسهولة القرارات الإدارية التي لها تأثير على هذا التنفيذ، وسنتعرض إلى لا انفصالية قرارات تنفيذ العقود، لنتطرق بعد ذلك للاستثناءات الواردة على لا انفصالية هذه القرارات.
+ لا انفصالية قرارات تنفيذ العقد
نظريا لا تعبر القرارات المتعلقة بتنفيذ العقد منفصلة وتطبق عليها نظرية الإدماج التقليدية، لأنها متخذة بمقتضى العقد وفي إطاره، فتنفيذ العقد كنهايته يعتبر غير منفصل عن وجوده، والقرارات المتعلقة به تخضع من حيث المبدأ للقضاء الشامل فقط.
وتعتبر لائحة القرارات الرافضة لدعوى الإلغاء لائحة طويلة جدا، فقد استقر المجلس الأعلى في المغرب على عدم قبول الطعون بالإلغاء الموجهة إلى القرارات المتعلقة بتنفيذ العقد معتبرا أن مجرد عدم قابليتها للانفصال عن العقد الذي صدرت بصدده، يخول لقاضي العقد إمكانية النظر فيها وليس قاضي الإلغاء ([37]).
كما رفض قبول دعوى الإلغاء الموجهة ضد قرار برفض مراجعة الأثمان التي تم الاتفاق بشأنها في إطار الصفقة وذلك لوجود دعوى موازية أمام قاضي العقود بالمحاكم العادية، حيث جاء في حيثياته ما يلي: "...وحيث أن الشركة العارضة تتوفر للمطالبة بحقوقها على طعن عادي أمام القضاء الشامل بمفهوم الفقرة الأخيرة من الفصل 14 للظهير المتعلق بالمجلس الأعلى، مما يكون معه الطعن بالإلغاء المقدم أمام المجلس الأعلى غير مقبول" ([38]).
وفي نفس الاتجاه ذهبت المحكمة الإدارية بمراكش في حكمها الصادر بتاريخ 13/01/1999 إلى ما يلي: "...حيث يستهدف الطعن الحكم بإلغاء القرار الصادر عن عامل إقليم الصويرة القاضي بفسخ عقد الكراء المبرم بينه وبين الطاعن...
وحيث أن القرار المطعون فيه وإن كان إداريا له خصائص القرار الإداري ومقوماته، فإن الجهة الإدارية قد أصدرت تنفيذا للعقد الرابط بينها وبين الطاعن واستنادا إلى نص من نصوصه وبذلك يعتبر غير قابل للانفصال عن عملية التعاقد، وبالتالي فهو غير قابل للطعن بالإلغاء..." ([39]).
+ الاستثناءات الواردة على لا انفصالية قرارات تنفيذ العقد
قد يبدو غريبا لأول وهلة دراسة انفصالية تدابير التنفيذ واستعمال دعوى الإلغاء داخل قضاء تنفيذ العقود الإدارية ما دام أن هذا الأخير يشكل بامتياز مجال قاضي العقود. فإذا كانت لعدم شرعية القرارات السابقة أو المصاحبة لإبرام العقد آثارا على صلاحية الرابطة التعاقدية، فإن إلغاء تدابير التنفيذ ليس له من حيث المبدأ أية آثار على هذه الأخيرة.
هناك اجتهاد قضائي مغربي يذهب إلى اعتبار القرارات التي لها تأثير على الوضعية التعاقدية وعلى تنفيذ العقد كقرارات منفصلة، ويتعلق بجزاءات متمثلة في التنفيذ المباشر على حساب المقاول أو بفسخ الصفقة مع إبرام صفقة جديدة، ونظرا لكون هذه الجزاءات واردة ضمن الشروط الإدارية العامة فهي لا تكتسي طابعا تنظيميا، بل صلتها أوثق بالإطار التعاقدي تأسيسا على مقتضيات المادة 9 من المرسوم الضابط للصفقات العمومية التي تكون بموجبها جميع أنواع دفاتر التحملات من مكونات عقد الصفقة، ورغم طبيعتها التعاقدية هذه، فهي تدخل في خانة القرارات الإدارية القابلة للطعن فيها بالإلغاء على اعتبار أنها تستمد طبيعتها القانونية من امتياز الأثر الفوري للقرارات الإدارية الذي تكون بمقتضاه هذه القرارات نافذة ومؤثرة في المراكز القانونية ([40]).
كما أكدت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في حكمها الصادر في 17/04/1961 وفقا للفصل الأول من ظهير 27/09/1957 المؤسس للمجلس الأعلى..."، وكرس نفس الأمر في قرار سكوبا الصادرة في 10 يونيو 1960.

الفرع الثاني : شروط تطبيق نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري
1. الشروط الموضوعية لقبول دعوى الإلغاء:
القرارات المنفصلة عن العقد الإداري ما هي إلا قرارات إدارية، ومن ثم يتعين لقبول دعوى إلغائها توافر شروط قبول دعوى الإلغاء في القرارات الإدارية بصفة عامة.
ومن هذه الشروط ما هو موضوعي لتعلقه بالقرار محل الطعن وضرورة توافر مصلحة للطاعن في طعنه، ومنها ما هو إجرائي ويتمثل في الالتزام بالطعن بالإلغاء في المواعيد المقررة.

+ شروط المحل في دعوى الإلغاء:
محل دعوى الإلغاء دائما قرار إداري وذلك باعتبارها دعوى عينية لا تختصم سوى ذلك القرار، ومع ذلك فليس كل قرار إداري يصلح لأن يكون محلا لتلك الدعوى، حيث يتعين لقبول دعوى الإلغاء أن يصدر هذا القرار عن سلطة عامة إضافة إلى ضرورة أن يكون هذا القرار نهائيا مشوبا بعدم المشروعية.
ولاشك في أن بعض أوصاف القرار الإداري السابقة يفترض توافرها في القرار الإداري المنفصل عن العقد الإداري كصدوره عن سلطة إدارية وطنية وفي نشاط إداري وغن كان البعض الآخر يحتاج إلى إيضاح كما هو الشأن بالنسبة لصدور القرار عن سلطة عامة وبصفة نهائية وهذا ما سوف نحاوله فيما يلي:
+ صدور القرار نهائيا :
حتى يكتسب القرار صفة النهائية فإنه يتعين أن يكون القول الأخير الصادر عن الإدارة في الموضوع حيث ينفذ دون حاجة إلى صدور قرار آخر تصدره سلطة أعلى([41]).
ومن ثم فإن نهائية القرار الإداري يحددها الأثر المتولد عنه، فإذا كان هذا الأثر من الجائز ترتيبه في الحال دونما انتظار لإجراء آخر كان القرار نهائي، أما إذا توقف ترتيب هذا الأثر على إجراء لاحق يتعين إتيانه حتى يكون القرار نافذ الأثر كتصديق من جهة أخرى أو خلافه، فقد هذا القرار صفة النهائية، حيث يعد مجرد اقتراح بإصدار قرار إداري أو تمهيد لهذا الإصدار، ومن ثم فلا يصلح لأن يكون محلا لدعوى الإلغاء.
وتطبيقا لذلك فقد قضى بعدم قبول دعوى الإلغاء ضد قرار لازال تحقيق أثره في حاجة إلى تصديق من سلطة أخرى تأسيسا على إقامة تلك الدعوى قبل الأوان([42]).
وبتطبيق شرط النهائية في القرار الإداري لقبول دعوى إلغائه في مجال العقود الإدارية يمكننا القول باستبعاد القرارات غير الباتة من دائرة هذه الدعوى مثل إجراءات الإعلان عن المناقصة وقرارات لجان فتح المظاريف.
+ صدور القرار عن الإدارة بوصفها سلطة عامة:
حتى يقوم القرار الإداري المنفصل عن العقد وحتى يكون هذا القرار محلا لدعوى الإلغاء، يتعين أن تصدره الإدارة بوصفها سلطة عامة أي تستند في إصداره إلى القوانين واللوائح التي تخولها هذا الحق، فإذا ما أصدرته بوصفها سلطة تعاقدية دخل هذا القرار في إطار العقد الإداري وخرج عن دائرة القرارات المنفصلة الأمر الذي لا يخضع معه النظر في منازعاته لقضاء الإلغاء، حيث يكون المختص بذلك هو قاضي العقد.
+ شرط المصلحة لقبول دعوى إلغاء القرارات الإداري المنفصلة:
تمثل المصلحة في الدعوى بصفة عامة قيدا على إقامتها يتعين احترامه لضمان جدية الادعاء وحتى لا ينشغل القضاء بما لا طائل من ورائه.
وللمصلحة في دعوى الإلغاء باعتبارها دعوى عينية تختصم قرارا إداريا مفهوما أوسع نطاقا عن نظيرتها في الدعوى العادية، ففي حين يشترط لقيام المصلحة في الدعوى المدنية أن يكون للمدعي حق اعتدى عليه أو مهدد بهذا الاعتداء، فإن دعوى الإلغاء يكفي لتوافر المصلحة في إقامتها أن يكون صاحب الشأن في حالة قانونية خاصة بالنسبة للقرار المطعون فيه تجعل من شأن هذا القرار أن يؤثر فيها.
ويبرر هذا التوسع في مفهوم المصلحة أن هدف دعوى الإلغاء حماية المصلحة العامة من خلال الرقابة على أعمال الإدارة والتأكيد على احترامها لقواعد المشروعية.
وإعمالا لهذا الشرط فلا تقبل دعوى الإلغاء في قرار منفصل إذا لم يكن للطاعن مصلحة شخصية مباشرة ومشروعة في إلغائه.
2. شروط دعوى الإلغاء الإجرائي "الميعاد":
للطعن بإلغاء القرار المنفصل عن العقد الإداري ميعاد لا تقبل الدعوى بانقضائه، وذلك لاكتساب هذا القرار حصانة ضد الإلغاء وهذا الميعاد هو ذاته ميعاد الطعن بإلغاء كافة القرارات الإدارية، وهو ستون يوما من تاريخ نشر القرار أو إعلان صاحب الشأن به أو علمه بصدوره علما يقينيا هذا بخلاف مواعيد المسافة المنصوص عليها بقانون المرافعات.
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك من القرارات الإدارية ما لا يتقيد الطعن بإلغائها بميعاد وذلك نظرا لطبيعتها الخاصة إما لكونها قرارات مستمرة أو لصدورها بناء على غش أو تدليس أو لإصدار الإدارة لها بسلطة مقيدة أو لارتباطها بقرار مطعون بإلغائه وإما لكون تلك القرارات الإدارية قرارات سلبية. 

المطلب الثاني : آثار تطبيق نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري 
عدم احترام القرارات المنفصلة عن العقد الإداري للإجراءات والشروط المفروضة عليها قانونا ترتب آثارا قانونية، أهمها المطالبة بإلغائها لدى القضاء الإداري، وبناءا عليه فإنه بإمكان كل من له مصلحة –من الغير- أن يطعن في هذا النوع من القرارات، كما أن للمتعاقد مع الإدارة أن يطعن في هذه القرارات بشرط أن يبني طعنه على أساس أن القرار الإداري المنفصل قد خالف القانون، أي أن طعنه يجب أن يكون موجها إلى مخاصمة القرار الإداري موضوعيا، وليس على أساس حقوقه الشخصية المتولدة عن العقد ذاته، لأن مجال المنازعات المتعلقة بهذه الحقوق تكون أمام قاضي العقد.[43]
نشير أنه في حال رفض الدعوى الموجهة ضد القرار المنفصل عن العقد الإداري لعدم وجود عيب من العيوب التي تجيز إلغاؤه، فإنه لا أثر لمثل هذا الحكم على باقي العملية التعاقدية. أما إذا كان الحكم الصادر هو إلغاء القرار المنفصل عن العقد، فإن هذا الحكم يطرح مجموعة من الإشكالات أهمها هل يترتب على إلغائه بطلان العقد الإداري؟ أم أن الإلغاء لا يؤثر على العملية التعاقدية؟ في هذا المطلب سنتطرق لمجموعة من الأحكام الصادرة عن قضاء الإلغاء ونحاول من خلالها الوصول إلى الأثار المترتبة عن نظرية القرار المنفصل سواء تعلق الأمر بالنسبة للغير أو المتعاقد . 

الفرع الأول : الآثار المترتبة بالنسبة للغير 
يعتبر إلغاء القرارات المنفصلة عن العقد الإداري أهم أثر يمكن لغير المتعاقد أن يستفيد منه، وذلك لكونه لا يستطيع اللجوء إلى القضاء الشامل للحصول على إبطال العقد أو الحصول على النتائج المترتبة على إبطاله.
وهناك أحكام قضائية متواترة تؤكد حق غير المتعاقد في الطعن بالإلغاء ضد القرارات الإدارية المنفصلة، فكان قرار إبرام العقد ذاته مجالا للطعن بالإلغاء وذلك في أحكام عديدة منها على سبيل المثال حكم مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 09 نونبر 1934 وكان بصدد دعوى إلغاء مقدمة من غرفة تجارية ضد قرار المحافظ بإبرام العقد، من ذلك أيضا طلب إلغاء مقدم نقابة للتعليم الزراعي ضد قرار الوزير بإبرام اتفاق يعطي بعض الامتيازات لمؤسسات التعليم الزراعي. [44]
ولقد أكد القضاء الإداري المغربي هذا التوجه في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عدد 206 مؤرخ في 3 أبريل 2008 حيث قضى ما يلي : "القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري تقبل الطعن بالإلغاء بذاتها مستقلة عن العقد وبالتالي القرار الصادر عن الإدارة بإلغاء اتفاقية تسليم المحلات التجارية المبرمة مع الغير يعتبر قرارا منفصلا عن العقد ويقبل الطعن بالإلغاء"[45].
يتضح أن الطعن بالإلغاء ضدّ القرارات الإدارية المنفصلة المتخذة في مرحلة انعقاد العقد يقبل أولا من الغير باعتبارهم المستفيدين الأوائل من هذه النظرية- بل أن مجلس الدولة لم يطبق هذه النظرية إلا ليحميهم- باعتبار أن للمتعاقد مع الإدارة وسيلة أخرى وهي دعوى القضاء الشامل.
وفكرة القرارات المنفصلة لا تقتصر فقط على العملية التعاقدية وإنما تدخل في كل عملية مركبة سواء انتهت بالتعاقد أو بغيره، مثل إجراءات نزع الملكية أو تعيين في الوظائف العامة عن طريق المسابقات العامة.... ويجري مجلس الدولة الفرنسي باستمرار على جواز فصل القرارات التي تسهم في تكوين تلك العمليات والطعن فيها استقلالا عن طريق دعوى الإلغاء.
والمسلم به أن إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة يؤدي إلى بطلان ما يترتب عليها من نتائج لأن ما ينبني على باطل فهو باطل، إلا أن الوضع غير ذلك بالنسبة للطعن في القرار المنفصل عن طريق دعوى الإلغاء في حالة العقود الإدارية، إذ يسير مجلس الدولة الفرنسي على أن إلغاء القرار المنفصل لا يؤدي إلى إلغاء العقد، فهذا الأخير يظل سليما ونافذا حتى يتمسك أحد طرفي العقد بالحكم الصادر بالإلغاء، أمام قاضي العقد للحصول على حكم بإلغاء العقد استنادا إلى سبق إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة التي ساهمت في إتمام عملية التعاقد.[46]
ولقد أكد المفوض روميو هذا المبدأ في قضية Martin بأن الإلغاء ينصب على القرارات الإدارية ذاتها، ولن يؤدي إلى حل الرابطة التعاقدية"
هذا الاتجاه تبناه مجلس الدولة المصري في العديد من أحكامه، أي بقاء العقد الإداري مستمرا ومنتجا لآثاره رغم صدور الحكم بإلغاء القرارات الإدارية المنفصلة التي ساهمت في تكوينه، ومن بين هذه الأحكام حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بتاريخ 25/11/1943 قولها "...وما يصدر من تلك القرارات مخالفا للقوانين أو اللوائح أو مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة حق إلغائه دون أن يكون للإلغاء مساس بذات العقد الذي يعد قائما بحالته "[47]
ويلاحظ الدكتور سليمان الطماوي أن مسلك مجلس الدولة الفرنسي في هذا الخصوص يرجع إلى أسباب تاريخية مقصورة على فرنسا وأن قضاء المجلس هو بمثابة فترة انتقال، ولا محل للتقيد بها في مصر، لأنه كما يقول مجلس الدولة المصري "...مما يتعارض مع المنطق أن يلغي قرار المناقصة ثم يظل الإجراء المرتب عليه (وهو إبرام العقد) قائما"
ويذهب بعض الفقه الآخر إلى القول بأنه (يجب أن يترتب على إلغاء القرار الإداري الصادر بإرساء المناقصة إلغاء العقد حتى لا يبقى العقد قائما على تصرف باطل ومخالف للقانون، ذلك أن إبرام العقد لا يجعل الإدارة بمنجاة من تنفيذ القانون، ووجوب أن تصدر قراراتها مطابقة له، هذا فضلا على أنه يتجافى مع المنطق وإلا لما كان هناك داع لقبول دعوى الإلغاء فيما يتعلق بالقرارات الإدارية المنفصلة ما دام أن الإلغاء سوف لا يرتب آثاره ولن يترتب عليه إلا أن يحصل المحكوم لصالحه على تعويض من جهة الإدارة، هذا إذا لاحظنا أن دعوى التعويض يمكن أن ترفع ابتداء وبصفة أصلية)[48]
ومن الحلول التي اقترحها الفقهاء في هذا الشأن، إتباع حل من الحلين التاليين :
1. إما السماح لغير أطراف العقد بالمطالبة بإبطاله أمام قاضي العقد، وذلك بعد الحصول على حكم بإلغاء القرارات الإدارية المنفصلة، وصاحب العطاء الذي لم ترس عليه المناقصة لسبب غير مشروع يمكنه أن يلغي قرار الإرساء بحكم من قاضي الإلغاء، ثم يلجأ بعد ذلك إلى قاضي العقد ليطالبه بإبطاله استنادا إلى عدم مشروعية القرار، وتطبق هذه القاعدة إذا كان مبني الطعن مؤسسا على عدم صحة العملية التعاقدية ذاتها.
2. وإما الالتجاء إلى قاضي الإلغاء، والسماح له بترتيب كافة النتائج المنطقية المبنية على إلغاء القرار الإداري، بما في ذلك إبطال العقد نفسه بشرط اختصام طرفي العقد، فضلا عن الإدارة مصدر القرار.[49]
ويؤيد هذا الحل الفقيه بيكينيو (Pequignot) ، و (ينادي بضرورة تخلي مجلس الدولة الفرنسي عن قضائه التقليدي السابق، وأنه غير منطقي، ويتعين عليه إلغاء العقد المبني على قرار حكم بإلغائه لأن عدم مشروعية القرار الإداري تسري على العقد المبني عليه، ويقترح أنه إذا لم يقبل القضاء هذا الحل الأصيل فعليه أن يسلك في هذا الصدد المسلك الذي كثيرا ما يلجأ إليه في مجال الوظيفة العمومية، فيحيل الأمر إلى الإدارة لتعمل حكم القانون، أي تعمل على إلغاء العقد.
كما يوجه انتقادا إلى نظرية القرارات الإدارية المنفصلة ذاتها بأن نقطة ضعفها تتمثل في أنها لا تحقق جزء فعليا وحقيقيا للعقد الإداري، حيث يطالب بالعودة إلى تبني نظرية الإدماج توصلا إلى إبطال العقد نتيجة إلغاء القرار الذي انبنى عليه، ويذهب إلى إعطاء الغير حق إبطال العقد بدعوى ضد العقد ذاته ويستند في ذلك إلى حق كل فرد في أن تعمل الإدارة بصورة قانونية عند قيامها بالأعمال الإدارية وليس عند إبرامها عقودا فقط).[50]
هذا وقد ثار تسائل الفقهاء في فرنسا حول حكم صدر عن المحكمة الإدارية لمدينة Rennes بتاريخ 7/7/1982 قضى فيها القاضي بإلغاء القرار الإداري المنفصل والعقد ذاته. فاعتبر البعض هذا القضاء تطورا جديدا في مجال دعوى الإلغاء ضد العقد الإداري ذاته وأنه غير مألوف لكن لوحظ عدم نشر هذا الحكم في مجموعة أحكام القضاء الإداري Lebon، ومما يثير الشك حول هذا الحكم أنه لما عرضت نفس المشكلة على مجلس الدولة الفرنسي، فلم يلجأ المجلس إلى هذا القضاء الأخير لتأكيده، بل بالعكس أكد المبدأ التقليدي وهو أنه لا مجال لتوجيه دعوى الإلغاء ضد العقد الإداري ذاته من غير طرفي العقد ويكون ذلك أمام قاضي العقد. ففي قضية "أصدقاء الأرض" قضى مجلس الدولة بعدم قبول دعوى الإلغاء ضد العقد ذاته وذلك لكون رافع الدعوى أجنبيا عن العقد"[51]
فالوضع المستقر عليه في فرنسا هو امتداد للقضاء التقليدي الذي لا يرتب على إلغاء القرار المنفصل إلغاء العقد الإداري ذاته. لكن هذا القضاء يعرف بعض القيود استنادا إلى القوانين الصادرة بإصلاح نظلم الرقابة والوصاية على الجماعات المحلية بمقتضى القوانين رقم 82-213 الصادر بتاريخ 2/3/1982، ورقم 82-624 بتاريخ 22/7/1982.
ويترتب على هذا النوع من العقود، غير عقود الالتزام والايجار والصفقات والقروض، أنه يمكن أن يكون مجالا للإحالة إلى القضاء بناءا على طلب الغير شخصا معنويا كان أو طبيعيا. وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي نصوص القانون على أحد الأحكام، حيث قبل طلب إلغاء موجه ضد العقد ذاته بتعيين موظف وكان ذلك بناء على طلب ممثل الدولة.[52] 

الفرع الثاني : الآثار المترتبة بالنسبة للمتعاقد 
يذهب أغلب الفقه إلى أن المتعاقد ليس أمامه إلا سبيل واحد هو قاضي العقد الذي يحسم بمقتضى سلطة القضاء الشامل جميع المنازعات المتعلقة بالعقد الإداري، إلا أن بعض الفقهاء لا يؤيد الرأي السابق، ويذهب إلى أحقية المتعاقد بأن يطعن في القرار المنفصل بالإلغاء.
وفي هذا يذهب مجلس الدولة الفرنسي في أحد أحكامه "بأن الجماعة وإن كانت طرفا في عقد الالتزام، فلها أن ترفع دعوى إساءة استعمال السلطة ضد قرارات التصديق التي قام بها المحافظ بناء على سلطته في الوصاية، فهذه تمثل قرارات منفصلة عن العقد الذي أبرمته المدينة"[53]
لكن الدكتور سليمان الطماوي يرى بأن هذا الاتجاه فيه نظر، حيث أن التجاء المتعاقد إلى دعوى الإلغاء لا يكون بطبيعة الحال إلا بعد إبرام العقد وبالتالي لا يكون للمتعاقد مصلحة في الالتجاء إلى قضاء الإلغاء، لأنه لو حصل على حكم بإلغاء القرار الإداري المنفصل فإنه يتعين عليه بعد ذلك العودة مرة أخرى إلى قاضي العقد حتى يرتب له النتيجة التي تترتب على الحكم بالإلغاء، ومن ثم يكون من الأفضل أن يلجأ إلى قاض العقد مباشرة"[54]
وللحيلولة دون هذا الإشكال فإن المتعاقد لا يلجأ إلى قضاء الإلغاء إلا إذا أصدرت الإدارة قرارات إدارية غير مشروعة، أي في حالة لم تستند في إصدارها إلى صفتها كمتعاقدة، حينئذ بإمكان المتعاقد طلب إلغاء هذا النوع من القرارات، وذلك في حال ما استوفت شرط المصلحة وكان القرار غير مشروع، مثل ما إذا أصدرت الإدارة بناء على سلطات البوليس قرارات إدارية وكان لها أثر على المتعاقد.
هذه التفرقة تم وضعها من خلال مجلس الدولة في حكمها في قضية Grandes Compagnies الصادر في 1957/12/16 حيث فرق بين حالتين :
- حالة صدور القرارات الإدارية استنادا إلى الشروط الواردة في دفاتر الشروط، وحينئذ على الشركات المتعاقدة والطرف الآخر في الدعوى اللجوء إلى القضاء الكامل أمام قاضي العقد.
- أما إذا صدرت القرارات المطعون فيها استنادا إلى القوانين واللوائح، فإن لتلك الشركات أن تلجأ إلى قضاء الإلغاء للحكم على مشروعية قرارات الإدارة في ذاتها وبغض النظر عن العقد وأحكامه.
وهذا ما يؤكده الفقه أيضا، حيث يعترف للمتعاقد بإمكان الالتجاء إلى قضاء الإلغاء للطعن في القرارات التي تصدر من جهة الإدارة بصفة أخرى غير صفتها كمتعاقدة، إذا كان لهذه القرارات تأثير – بصفة غير مباشرة – على العقد كإلغاء عقد إداري.
ونشير في الأخير على أن إلغاء القرارات المنفصلة في حالة العقود الإدارية وحدها لا يمكن أن يؤدي بذاته إلى إلغاء العقد، بل يبقى العقد سليما ونافذا حتى يتمسك أحد أطرافه بالحكم الصادر بالإلغاء، بناء على أثر حكم لإلغاء أمام قاضي العقد، وحينئذ يجوز لقاضي العقد أن يحكم بإلغائه استنادا إلى سبق إلغاء القرارات المنفصلة والتي ساهمت في إتمام عملية التعاقد، بمعنى أن الحكم الذي يصدر في الطعون المقامة ضد هذه القرارات المنفصلة لا يمتد إلى العقد المطعون فيه.[55] 

الخاتمة 
إن مفهوم القرارات المنفصلة يسمح بفهم كيف يمكن لأغلب النزاعات الناشئة عن النشاط الإداري أن تجد حلا لها، فهي تشكل أداة ممتازة ليس فقط للتحليل القانوني، ولكن أيضا لحل النزاعات، فعلى مستوى التحليل القانوني، يبدو أنها تحتل مكانة أساسية لأنها تستند غلى خطوتين مرتبطتين منطقيا: التحليل والتركيب، فمن التحليل تنبع الانفصالية ومن التركيب تنبع اللإنفاصلية، كما تقدم أداة ممتازة لحل ثلاثة مشاكل أساسية في القانون الإداري: إخضاع أكثر ما يمكن مجموع النشاط الإداري لمراقبة قاضي الشرعية، إيجاد القاضي المختص بين ما هو إداري وما هو عادي في القضايا التي يكون الشخص العام طرفا فيها، وسد ثغرات إنكار العدالة.
بالإضافة غلى ذلك، فإن "احد نقاط الضعف الأساسية في النظام القضائي...هي تجزيء قضاء العمليات القانونية الواحدة، وإحالة المتقاضين من محكمة إلى أخرى للفصل في كل مرة في جزء فقط من دعاويهم"، حيث يذهب الفقيه Debbasch إلى أن: "...كل معايير توزيع الاختصاص التي تجزيء النشاط الإداري...بين أنواع المحاكم تبدو مدانة، لأنها تؤدي إلى سوء توجيه المدارين الذين قد يتيهون بين إلتواءات تقاسم القضاء..." بالفعل فقد أصبح تقاسم الاختصاص بين أنواع المحاكم في العديد من الحالات يصعب ضبطه، فالطاعن قد لا يعرف الباب الذي يجب أن يطرقه "فالنظريات الأساسية للقانون الإداري (التمييز بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل مثلا) تتسم بتعقيد كبير لدرجة أنه حتى القضاة المتمكنون يفضون في فرضيات بسيطة إلى تطبيقات خاطئة لها".
فإذا كان القاضي الإداري قد لجأ إلى نظرية القرارات المنفصلة للتخفيف من الآثار السلبية للدعوى الموازية، فإنه من غير المنازع فيه أن تقنية القرار المنفصل لم تكن أبدا حلا، ولكنها كانت في الغالب علامة كاشفة لحالة القضاء الإداري".
لذلك فإذا كان مفهوم القرار المنفصل واستعمالاته يحل مشاكل قانونية، فإنه يخلق أحيانا مشاكل جديدة، فالطاعن قد لا يطرق الباب المناسب، وقد لا يملك المفتاح المناسب له، بل وقد يجد نفسه أمام حائط بعد فتح الباب.
ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإننا لا نقترح إطلاقا التخلي على مفهوم القرارات المنفصلة ذلك أنه "إذا كانت تقنية القرارات المنفصلة المستعملة إلى حدودها القصوى تقدم تسوية يعرف كل واحد أنها ناقصة، بالنظر إلى التعقيدات المسطرية التي تخلقها، فإن القاضي مع ذاك يلجأ إليها لأنه ليس هناك بديل أفضل منه".

_________________________________
الهوامش:
([1]) المحكمة الإدارية العليا، طعن رقم 666 لسنة 24ق، جلسة 14/4/1979م.
([2]) يراجع في تفاصيل تلك الشروط مؤلفنا شروط قبول الطعن بالإلغاء في قضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف بالإسكندرية، سنة 2003م.
([3]) يراجع في تفاصيل تلك الشروط، مؤلفنا قضاء الأمور الإدارية المستعجلة، منشأة المعارف بالإسكندرية، سنة 2005م.
([4]) القرار عدد 63 الصادر في 16 يوليوز 1959، ملف إداري، عدد 1077، قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية 1958-1997، منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين 1997، ص19.
([5]) إذا استثنينا طبعا الإشارات الخاطفة من طرف بعض الفقه: أنظر أمينة جبران، دعوى القضاء الشامل، المنشورات الجامعية المغربية، 1994، ص421-422، حيث لم تخصص للموضوع أكثر من صفحتين، الجيلاني أمزيد، شرط انتفاء الدعوى الموازية في المنازعات الإدارية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، 1996، ص243-244، كما تحدث الأستاذ إدريس الحلابي الكتاني عن القرارات المنفصلة في المجال التعاقدي، أنظر في هذا الشأن: إدريس الحلابي الكتاني، العقود الإدارية، مطبعة دار السلام، 2000، ص110-117.
([6]) سليمان محمد الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية...مرجع سابق، ص184، محمود حافظ، القرار الإداري، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص76.
[7] AUBY(J.M) et DRAGO (R) , Traité de contentieux administratif,paris, 1975. ,p .434.
[8] CHAPUS (R) : Droit du contentieux administratif 13e éd, Montchrestien, Paris, 2008.P260 .
[9] سليمان الطماوي، قضاء الإلغاء، دار الفكر العربي، 1967، ص701 وماعدها
[10] عبد الحميد حميش، القرارات القابلة للانفصال وعقود الادارة، دراسة مقارنة في القانون المصري والفرنسي، القاهرة، دار النهضة العربية ومجلة مصر المعاصرة، السنة 66، العدد 362 أكتوبر، 1975، ص 520
[11] جورجي شفيق ساري، القرارات القابلة للانفصال في القانون الإداري، القاهرة، دار النهضة العربية، مايو 2002 ، ص 83
[12] La ferriere, Traite de la jurisdiction administrative,t2, Paris 1896, P 470
- C.E, 29 juin 1896, Prieur, S 1870. P 60
[13] "في المواد الإدارية تختص جهات القضاء الفرنسي المنشأة في إمبراطوريتنا، وذلك في حدود الاختصاص الممنوح لكل منها بالنظر في جميع الدعاوى التي تهدف إلى تقرير مديونية الدولة والإدارات العامة التي أمرت بها إما بسبب تنفيذ العقود التي تبرمها وإما بسبب الأشغال التي تأمر بها؛ أو بسبب جميع الأعمال الصادرة منها والضارة بالغير، وتختص نفس الجهات بالنظر في الدعاوى المرفوعة من الإدارات العامة على الأفراد، وتمثل الإدارات العامة أمام القضاء بواسطة أحد موظفيها، ولا يجوز لجهات القضاء المحدثة أن تأمر سواء بصفة أصلية أو تبعا لدعوى منظورة أمامها من الدعاوى التي سبق ذكرها أن تأمر بأي إجراء من شأنه أن يعطل نشاط الإدارات العامة، سواء كان ذلك بتعطيل تنفيذ اللوائح التي أصدرتها أو الأشغال العامة، أو بتعديل طريقة أو مدى تنفيذها، كما يمنع عليها أن تنظر في طلب إلغاء قرار أصدرته إدارة عامة ولا يخل ذلك بحق صاحب المصلحة في التظلم بطريقة الإلتماس إلى الجهة الإدارية التي أصدرته لعدل القرار الذي يمس به، وتكون الأحكام الصادرة في المسائل الإدارية قابلة في جميع الأحوال للطعن فيها بالإستئناف ولا يجوز الطعن فيها بالنقض، إلا بناء على تجاوز المحكمة لسلطتها بسبب مخالفة الفقرتين الرابعة والخامسة السابقتين، وفي هذه الحالة يرفع النقض مباشرة بواسطة النيابة العامة، ويترتب على هذا النقض وقف تنفيذ الحكم، ويكون النقض حجة على أطراف الخصومة".
[14] سبقت الإشارة إليه في المقدمة
[15] مجموعة قرارات المجلس الأعلى (الغرفة الإدارية) سنوات 1966- 1970 ط الأولى – يناير 1963، مذكور عند ثورية العيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة – مطبعة دار النشر الجسور 40- الطبعة الأولى 2005، ص 291
ص291
[16] قرار الغرفة الإدارية، عدد 605، بتاريخ 1996/10/3، أورده محمد الأعرج في نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية وفق قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي، م.م.م.إ.ت عدد 88، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الثالثة 2011، ص 148
[17]Macera (b;f) : Les actes détachables dans le droit public francais, paris 2002, P37
[18] عمرو حلمي، طبيعة اختصاص القضاء الإداري بمنازعات العقود الإدارية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1993، ص 178
[19] عمرو حلمي، م.س ، ص 180
[20] AUBY (J.M) et DRAGO, op, cit , P 438
[21] جورجي شفيق ساري، مرجع سابق، ص 86
[22] Chaupus (R) , droit du contentieux administratif, 13e ed, Paris, 2008, P5
[23] C.E 11 decembre 1903,Commune de Gorre, S,1906 3 P49, note M.Hauriou
[24] C;E 4out, 1905, Martin,S,1906, 3- P 49, note M.Hauriou
[25] حمد سمير محمد جمعة، مدى قبول الطعن بالإلغاء في القرارات القابلة للانفصال في النظامين الفرنسي والمصري،مجلة كلية الحقوق جامعة المنصورة، عدد 49 أبريل 2011، منشور في موقع الكلية http://lawfac.mans.edu.eg، ص 200
[26] C .E Avril, 1911, commune de suzan, Sirey. 1913 P 50, note M .Hauriou
[27] droit francais et service public ou B.O.T.en le contrat de concession de Chereif khater égyptien etude compareé de l’evolution contemporaine ,Thesé,Paris1, Serbonne,2004,p195.
[28] C.E.13juillet 1968,Sieur Capus,Dalloz.1968, P.674
[29] C.E. 10 Octobre 1980, Gaillard, Rec, 378.
[30] C.E. 6 novembre 1970, Société Anonyme Touristique de la vallee du lautaret. Rec. 645.
[31] RIVERO (J) : droit administratif, Dalloz, 1983, p. 201.
([32]) حكم المحكمة الإدارية العليا في قضية رقم 456 والقضية رقم لسنة 18 قضائية في أبريل 1975، مجموعة السنة 20، ص308، أشار إليها زكي محمد البخار، نظرية البطلان في العقود الإدارية، دراسة مقارنة، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة عين شمس، القاهرة، 1981، ص329.
([33]) حكم المحكمة الإدارية بوجدة، حكم عدد 284/2000، ملف رقم 122/00، لوكيلي مصطفى ضد رئيس المجلس البلدي بمدينة زايو غير منشور.
([34]) حكم المحكمة الإدارية بمراكش، عدد 85 بتاريخ 30/06/1999، ملف عدد 111/98، السيد الحاج طه ضد وزير الداخلية، غير منشور.
([35]) لا تثير القرارات الصادرة من الإدارة برفض إبرام العقد خلافا، إذ القاعدة هي سلطة الإدارة التقديرية في إبرام العقد أو عدم إبرامه، ومن تم تعد هذه القرارات الإدارية منفصلة نتيجة لاتساع نظرية القرارات المنفصلة، ومن ثم يجوز الطعن عليها بالإلغاء بأسلوب تجاوز السلطة استقلالا عن العقد ذاته إذا شابه وجه من أوجه عدم المشروعية يستوي في ذلك أن يكون العقد إداريا أو مجنيا. إذا ألغت المحكمة الإدارية بفاس القرار القاضي برفض إبرام العقد "لكونه قد صدر بدون سبب يبرره قانونا، فبات بذلك متسما بالتجاوز في استعمال السلطة الأمر الذي استوجب القضاء بإلغائه..." حكم المحكمة الإدارية بفاس، عدد 943/98 بتاريخ 30/09/1998 ملف رقم 548/97، الشمانتي الهواري ضد رئيس بلدية تيسة ومن معه، غير منشور.
([36]) من أجل ذلك يقترح أنصار هذا الحل التضييق من تطبيق شرط المصلحة غير أن أحد الفقهاء يرى بأن هذا الاقتراح لا يتطابق مع التوسع الذي عرفه شرط المصلحة منذ بداية القرن العشرين، كما مسألة الشرعية ستكون محل تساءل، فلماذا سيتم حصر الولوج إلى قاضي الإلغاء في صنف معين من الطاعنين؟ أليس الطعن بالإلغاء وسيلة في متناول الجميع للدفاع عن الشرعية لذلك يرى أنه من المتوخى أن يختفي هذا التضييق، فالشرعية قضية الجميع وكل شخص يجب أن يتصرف حتى يتم احترامها. فاستقرار العلاقات التعاقدية لا يجب أن يمر بالضرورة بإعادة تعريف مفهوم شرط المصلحة الذي سيتم على حساب الشرعية، فالوسيلة الوحيدة للوصول إلى توازن بين الشرعية واستقرار العلاقات التعاقدية تكمن في توسيع السلطات المعترف لقاضي الرعية، فإذا فتحنا الباب أمام دعوى الإلغاء ضد العقد فسيكون من المتوخى أن نعترف لقاضي الإلغاء بسلطة ملاءمة محتوى قراراته وملاءمة الإلغاء الذي يقرره مع المحتوى الحقيقي للعيوب التي يكتشفها، وبعبارة أخرى يمكن أن يكون الأمر بالنسبة لقاضي الإلغاء متعلقا بتطبيق نظرية "تكاليف-مزايا" عندما يريد أن ينظر في مصير عقد يتضمن عدم الشرعية، في هذا الإطار لا يمكن لكل عدم شرعية أن تؤدي إلى إلغاء رجعي للعقد بل إنه سيعود الأمر لقاضي الإلغاء للموازنة بين ما هو مع وبين ما هو ضد عندما يريد أن يقرر البطلان، وبالنسبة لمفوض الحكومة J.H.STAH يجب التمييز بين عدم الشرعية الجوهرية وغير الجوهرية فالأمر إذن يعود إلى القاضي لفحص كل حالة على حدى للتوفيق بين متطلبات الشرعية واستقرار العلاقات التعاقدية.

([37]) قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 9/11/1986 في الملف الإداري 730/86، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد مزدوج 42-43، ص204، أشار إليه محمد صقلي حسيني، المرجع السابق، ص50.
([38]) القرار عدد 254/63، صادر في 14 يناير 1963، ملف إداري عدد 10268/62، قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية 1958-1997، مرجع سابق، ص53.
([39]) حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 3 بتاريخ 13/01/1999، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 31 مارس-أبريل 2000، ص108.
([40]) الجيلاني أمزيد، مباحث في مستجدات القضاء الإداري، الآفاق الجديدة لمنازعات الصفقات العمومية، مرجع سابق، ص178.
([41]) د. يحي الجمل، القضاء الإداري، سنة 1990م، ص532.
د. فؤاد العطار، رقابة القضاء لأعمال الإدارة.
([42]) المحكمة الإدارية العليا، جلسة 30/12/1983م، مجموعة أحكام السنة 29، ص204.
[43] ثورية العيوني – القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة – مطبعة دار النشر الجسور 40- الطبعة الأولى 2005؛ ص300
[44] مرجع سابق، ص 301
[45] منشور ب م.م.إ.م عدد 88، ص 150
[46] ثورة العيوني، م س، ص 302
[47] مذكور عند أشرف محمد خليل حماد، نظرية القرارات الإدارية القابلة للانفصال في مجال العقود الإدارية –دراسة مقارنة-،الطبعة الأولى،طبعة 2010، دار الفكر الجامعي، ص 128
[48] مذكور عند أشرف محمد خليل حماد، حسين درويش عبد العال، النظرية العامة للعقود الإدارية، الجزء الثاني، الطبعة الأولى لسنة 1958، ص 204
[49] أشرف محمد خليل حماد، م.س، ص 134
[50] انظر رسالة (Pequignot) رسالته، النظرية العامة للعقد الإداري، ص583 ، نقلا عن سليمان الطماوي، الأسس العامة للعقد الإداري، دار الفكر العربي، طبعة 1991، ص216، وثورية العيوني، م.س، ص 303
[51] CE 8/3/1985, Les amis de la terre, A.J.D.A , 1985
مذكور لدى ثورية العيوني، م.س، ص 304
[52] ثورية العيوني، م.س، ص 306
[53] C.E 4/2/1955 – Ville de Saverne – R.p.73
[54] الدكتور سليمان الطماوي – العقود 1984 – ص 193 – مذكور لدى الأستاذة ثورية العيوني – القضاء الإداري
[55] س، ص150
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -