سلطة القاضي المدني في إثبات الأدلة

مقال بعنوان: سلطة القاضي المدني في إثبات الأدلة وفق التشريع المغربي

سلطة القاضي المدني في إثبات الأدلة وفق التشريع المغربي

مقدمة
إن الله لم يخلق الإنسان عبثاً ولم يتركه سدى، بل زوده بمنهج حياة يحول دون أن يطغى بعضهم على بعض، وذلك عن طريق إرسال الرسل وإنزال الكتب التي تتضمن أحكاماً قاضية فيما يثار بينهم من منازعات. وهذه الأحكام لا تعتد بأن يكون الشخص قاضي نفسه بل توجب عليه الالتجاء إلى سلطة القضاء، أي أنها لا تقر مبدأ القوة تنشئ الحق وتحميه، عند المنازعة في حق له أو لغيره.وتلزمه بإقامة الدليل على وجود مصدر اختصاصه بالحق لدفع إنكار الغير له
ولا جناح أن السلطة المخولة في الفصل في المنازعات لا توفر الحماية لحق متنازع فيه، إذا كان عارياً من دليل إثبات مصدره. فالإثبات يعد بمثابة الأساس الذي يحقق الحماية القانونية للحقوق. فالحق يتجرد من قيمته ما لم يقم الدليل عليه، والدليل هو قوام حياة الحق وأساس الانتفاع الهاديبه .
يقصد بالإثبات هو "إقامة المدعى الدليل على ما يدعيه على نحو يحدث أثراً قانونياً " فالمدعى في الخصومة هو كل من يدعى عكس الظاهر سواءْ أكان كذلك بداءة أم كان كذلك في أي مرحلة من مراحل الدعوى.
و على هذا الاساس فإن الإثبات هو وسيلة من وسائل الإقناع التي يقدمها الأشخاص للدفاع عن واقعة معينة تستلزم ذلك فهو إقامة الدليل على وجود واقعة ما أو حقيقة قيام الحق و هو كل الطرق التي يستعملها الخصم لإقناع القاضي بصحة ما يدعيه و صحة أقواله وإدعاءاته .
و بذلك لا يتأتى لشخص الحصول على حق ادعى به أمام القضاء إلا إذا أقام الدليل على وجوده أو أقام بالمقابل خصمه أدلة نفي وجود ذلك الحق .
وهذه الطرق قد تكون محددة أو غير محددة فهي تختلف من نظام إلى آخر ففي النظام الحر للإثبات لا يتبع القاضي طرقا ووسائل للإثبات تقيد نشاطه في التحري عن الحقائق بكل الوسائل فله كامل الحرية في نظر الوقائع المعروضة من الخصوم.
أما في النظام المقيد تحصر وسائل الإثبات وطرقها وتعين تعيينا دقيقا وتحدد قيمة كل واحدة منها إذ لا يجوز للخصوم إثبات حقوقهم بغير هذه الوسائل والقانون في الوقت ذاته أعطى لكل دليل قيمته التي يشاء. وبين النظامين السابقين نشأ نظام مختلط ترك قسما من الحرية في توجيه الخصوم واستكمال الأدلة الناقصة وإيضاح ما وقع فيه من غموض بالوقائع لكن قيده المشرع بقيمة كل دليل قانوني على حدا ، إذ بين المشرع لكل دليل حجيته. وعليه يتضح أن موقف القاضي من أدلة الإثبات ايجابي في المذهب الحر لأنه يتمتع بسلطة تقديرية واسعة إزاء طرق وأدلة الإثبات وفي المذهب المقيد ذو موقف سلبي بحيث لا يتجاوز دوره تطبيق الأدلة كما يقدمها الخصوم ويقدرها حسب القيمة التي حددها القانون لكل دليل ، أما المذهب المختلط فالقاضي يتخذ موقفا وسطا يسمح له بتقدير بعض الأدلة التي جعل له فيها المشرع حرية التقدير ولم يقيده بحجيتها أما الباقي من أدلة الإثبات قيدت ورصدت لها حجية معينة لا يجوز للقاضي أعمال سلطته التقديرية بشأنها لذا يتبين أن القاضي عليه تأسيس قناعته على الأدلة الثبوتية التي قررها القانون ولا عبرة بالطرق التي لا يقررها ومرد ذلك تغليب حاجة استقرار المعاملات بين الناس والمشرع الجزائري الذي تبنى نظام الإثبات المختلط جعل السلطة التقديرية للقاضي في تقدير طرق وأدلة الإثبات في الدعوى المدنية تبلغ حدها الأدنى فهو بذلك رسم طرقا محددة تحديدا دقيقا لإثبات الأوضاع المختلفة للروابط القانونية وجعل لكل طريق منها قيمتها الثبوتية .
ومما لا شك فيه أن القاضي المدني يعمل باستمرار سلطته التقديرية في طرق وأدلة الإثبات والتي تعتبر ذلك النشاط الذهني الذي يقوم به القاضي في فهم الوقائع المطروحة عليه فسلطته إزائها قد تكون مقيدة أو تقديرية فتكون مقيدة عندما توجد شروط معينة لمباشرتها وتكون تقديرية حينما يترك المشرع لها مجالا حرا للتقدير.
والسلطة التقديرية تجد أساسها الشكلي في جميع الحالات التي يخول فيها القانون للقاضي حرية التقدير خلال قيامه بالاستدلال وإعمال أدلة الإثبات وأن عدم الرقابة القضائية ليست سببا لقيام السلطة التقديرية ولكنه نتيجة التسليم بها.
فالقانون إن كان يلزم القاضي بحجية بعض الأدلة كالكتابة واليمين الحاسمة والإقرار والقرائن القانونية فذلك يجعل من سلطة القاضي اتجاهها مقيدة ومحدودة فكلما كان للدليل حجية قيدت سلطة القاضي في تقديره وكلما كان الدليل غير ذي حجة حررت سلطة القاضي تجاهها فيدرس كل حالة على حدا وفقا لملابساتها الخاصة ، ولكن الإشكال يثار من بابه الواسع في هذا المجال ، إن كانت أدلة الإثبات المدنية مقيدة لا يجوز الخروج عنها ولا يسمح الطرق العلمية للإثبات إلا في مجال محدود، وبناء على  ذلك يمكن طرح الإشكالية التالية :
ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺤﺩ ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﺃﻥ ﻴﺘﺩﺨل ﻓﻲ أﺩﻟﺔ ﺇﺜﺒﺎﺕ ﺍﻟﺩﻋﻭﻯ ؟، و ما مدى سلطته ﻓﻲ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﺤﺠﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺇﺜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ؟، ﺒﻤﻌﻨﻰ ﻀﺒﻁ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﺍﻹﺜﺒﺎﺕ ﻤﻥ ﺨـﻼل  كافة الادلة - ﺍﻟﻤﻠﺯﻤﺔ ﻭﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﻠﺯﻤﺔ-  ﻟﻨﺼل ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻡ ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﻤﺭﺤﻠﺔ إثبات الدعوى. ﻭﻤﺩﻯ ﺨﻀﻭﻋﻪ ﻟﺭﻗﺎﺒﺔ ﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻨﻘﺽ ﻓﻲ ذلك ؟
ﻭﺘﺘﻔﺭﻉ ﻋﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻹﺸﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﺍﻟﻔﺭﻋﻴﺔ ﺃﻫﻤﻬﺎ:
ﻫل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺴﻠﻁﺔ ﺍﻟﻤﺨﻭﻟﺔ ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ ﻻ ﺘﺘﻌﺩﻯ ﻤﺠﺎل ﺤﺭﺍﺴـﺔ ﺴـﻼﻤﺔ ﻭﺼـﺤﺔ ﺇﺠﺭﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺘﻘﺎﻀﻲ ﻓﺤﺴﺏ ؟ ﺃﻡ ﺃﻨﻪ ﻴﺘﺩﺨل ﻭﻴﺴﺎﻫﻡ ﺒﻨﺸﺎﻁه ﻟﻠﻜﺸﻑ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﻀـﺎﺌﻴﺔ  ﺇﻟﻰ ﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺨﺼﻭﻡ، ﻏﻴﺭ ﻤﺭﻫﻭﻥ ﺒﻤﻭﺍﻗﻑ ﺍﻟﺨﺼﻭﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻋﻭﻯ ؟  ﻫل ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﻤﺠﺭﺩ ﺤﻜﻡ ﻋﺎﺩل ﻴﺭﺠﺢ ﺍﻷﺩﻟـﺔ  ﻭﺍﻟﺤﺠـﺞ  ﺍﻟﺘـﻲ ﻴﻘـﺩﻤﻬﺎ   ﺍﻟﺨﺼﻭﻡ ﺃﻡ ﺃﻨﻪ ﻴﻤﻠﻙ ﺤﻕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﺒﺎﺘﺨﺎﺫ ﺃﻱ ﺇﺠﺭﺍﺀ ﻴﺴﺎﻋﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋـﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘـﺔ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺨﺼﻭﻡ.؟
و من أجل معالجة هذه الاشكاليات و غيرها من التساؤلات الفرعية ارتأينا أن اتباع التصميم التالي :

المبحث الأول : سلطة القاضي المقيدة في تقدير أدلة الإثبات
المطلب الأول : الأدلة ذات الحجية غير القاطعة 
المطلب الثاني : الأدلة ذات الحجية القاطعة 
المبحث الثاني : سلطة القاضي المطلقة في تقدير أدلة الإثبات
المطلب الأول : الأدلة ذات الحجية غير الملزمة
المطلب الثاني : أدلة إثبات أخرى

 المبحث الاول : سلطة القاضي المقيدة في تقدير أدلة الاثبات

إن القاضي في تقديره لجزء من أدلة الاثبات تكون سلطته التقديرية مقيدة بحيث لا يمكن إعمالها ، فهذه الادلة إما أن تكون قاطعة كالدليل الكتابي و الإقرار القضائي (المطلب الاول ) و إما أن تكون غير قاطعة أي تقبل إثبات العكس ، و تنحصر في اليمين الحاسمة و القرائن القانونية و ذلك ما سوف نعالجه في (مطلب ثاني)

المطلب الاول : الأدلة ذات الحجية غير القاطعة

المقصود بالأدلة ذات الحجية غير القاطعة هي كل دليل حدد المشرع حجيته القانونية بنص القانون ، و لم يترك المجال فيه للقاضي لإعمال سلطته التقديرية بشأنه  ، مع العلم أن الدليل الكتابي يكون قابل لإثبات العكس لذلك كانت حجيته غير قاطعة ، و هذه الادلة تنحصر في الكتابة ( فقرة أولى ) و الاقرار في (فقرة ثانية ).

الفقرة الاولى : سلطة القاضي في تقدير الدليل الكتابي

يقصد بالدليل الكتابي كل طريقة يبين بها المتقاضي حقيقة اتفاق ما أو واقعة قانونية تكون هي مصدر حقه الذي يدعيه أمام القاضي .  كما عرفه المشرع المغربي في الفصل 417 من قانون الالتزامات و العقود بأنه " ينتج الدليل الكتابي من ورقة رسمية أو عرفية و يمكن أن ينتج عن المراسلات و البرقيات و دفاتر الطرفين و كدا قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين على الوجه المطلوب و الفواتير المقبولة و المذكرات و الوثائق الخاصة أو عن طريق أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة كيفما كانت دعامتها و طريقة إرسالها .إذا لم يحدد القانون قواعد أخرى ولم تكن هناك اتفاقية صحيحة بين الاطراف قامت المحكمة بالبث في المنازعات المتعلقة بالدليل الكتابي بجميع الوسائل و كيفما كانت الدعامة المستعملة  .
و هو نفس التعريف الذي أورده المشرع الفرنسي في الفصل 1316 من القانون المدني الفرنسي ''
« La preuve littérale ou preuve par écrit résulte d’une suite de lettre  de caractères de chiffres ou de tous autre signes ou symboles dotés d’une signification intelligible quels que soient leur support et leur modalité de transmission. »
و الادلة الكتابية على العموم  تنقسم إلى سندات رسمية و عرفية ( أولا ) بالاضافة إلى بعض الادلة الكتابية الاخرى الخاصة (ثانيا )
أولا : السندات الرسمية و العرفية
+ الورقة الرسمية :
عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية في الفصل 418 من قانون الالتزامات و العقود على أنها " الورقة التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد و ذلك في الشكل الذي يحدده القانون و تكون رسمية أيضا :
الاوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم
الاحكام الصادرة من المحاكم المغربية و الاجنبية بمعنى أن هذه الاحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تتبثها ".
أما المشرع المصري فقد عرفها في الفصل 10 في قانون الاثبات بأنها هي الورقة التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن و ذلك طبقا للأوضاع القانونية و في حدود سلطته و اختصاصاته فإذا لم تكتسب هذه المحررات صفة الرسمية فلا يكون لها إلا قيمة المحررات العرفية متى كان دووا الشأن قد وقعوها بإمضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم .
أما المشرع البلجيكي فقد عرفها في المادة 1317 في القانون المدني البلجيكي بأنه هو ما يتلقاه الموظفون العموميون الذين لهم الحق في التوثيق في المكان الذي حرر فيه المحرر وفقا للشكليات و الاجراءات المطلوبة و يمكن إعداده على أي وسيط إذا أنجز و حفظ وفقا لشروط المححدة في قرار للملك بعد التداول في شأنه بمجلس الوزراء
كما عرفها المشرع الفرنسي كذلك في المادة 1317 من القانون المدني الفرنسي بأناه ما يتلقاه موظف عام له حق التوثيق في المكان الذي كتب فيه المحرر أو اعتبارا لطبيعته وفقا للشكليات و الاجراءات المطلوبة و الموظفون العموميون المعنيون ...)
بخصوص المشرع الأردني فقد عرفها في المادة 6 من قانون البينات الاردني على أن الورقة الرسمية هي السندات التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها طبقا للأوضاع القانونية و يحكم دون أن يكلف مبرزها إثبات ما نص عليه فيها و يعمل بها ما لم يثبت تزويرها ثم هناك السندات التي ينظمها أصحابها و يصدقها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقا للقانون و ينحصر العمل بها في التاريخ و التوقيع فقط .
أما بعض الفقه فقد عرفها بأنها كل ورقة صادرة من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة مختص بتحريرها من حيث نوعها ، ومن حيث مكان التحرير حسب القواعد المقررة قانونا يثبت فيها ما تلقاه من دوي الشأن أو ما تم على يديه .
و عليه فإن الورقة الرسمية   من الادلة التي منحها القانون الحجية المطلقة في الاثبات متى استكملت شروط صحتها القانونية .لأنها توفر للمعنيين بالأمر الامن و الثقة و الضمانات الكبيرة المنتظرة منها بحيث لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور و متى أنكر الخصم عليه هذه الحجية فإن عبئ الاثبات يقع عليه 
و بالنظر للقيمة القانونية و الحجية غير القاطعة للورقة الرسمية فإن سلطة القاضي في مجال ترجيح أدلة الاثبات عند وجود ورقة رسمية تبقى ضيقة و مقيدة.
و بالتالي فإن الورقة الرسمية تعتبر حجة فيما بين المتعاقدين و في مواجهة الغير ، و هذه الحجية تعني صحة افتراض مضمونه و لا يجوز لمن له الاهلية و الصفة و المصلحة نقض هذه الحجية الرسمية إلا بالطعن بالزور وفق الطرق المقررة قانونا   و هذه الحجية تطال أصل موضوع المحرر مثلما تطال نسخة منه بما تضمنه من بيانات سابقة و من بيانات تم تدوينها من طرف الموظف العمومي ممن له الصفة بمحضر أطراف العقد.
إذن قلنا في إطار ما سبق أن الورقة الرسمية لها حجية مطلقة في الاثبات وقلنا أنه لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور ، لذلك فإن مجال إعمال سلطة القاضي في تقديرها تبقى جد محدودة و ضيقة .
و رغم كون الورقة الرسمية لها حجية قوية في الاثبات ، فإنه يجوز للمحكمة التدخل من أجل تدارك أي خلل أو تصحيح عيب قد يطال شكل الورقة من قبيل تحديد الصفة الحقيقية لأحد أطراف العقد أو إصلاح غلط مادي لكن بشرط أن لا تتعارض هذه الجوانب مع بيانات أخرى مدونة بالورقة أو أن تكون مكملة أو مفسرة لها فإن للقاضي أن يبسط رقابته على حجية الورقة الرسمية و قيمتها في الاثبات . وهنا تجب الاشارة الى أن المجلس الاعلى بدوره جرد رسما عدليا من حجيته الرسمية بسبب عدم الاشهاد فيه على حضور أحد المتعاقدين
+ الورقة العرفية :
لم يعرف المشرع المغربي الورقة العرفية ولكنه تطرق إليها في الفصل 423 من قانون الالتزامات و العقود بأنها " الورقة التي لا تصلح لأن تكون رسمية بسبب عدم الاختصاص أو عدم أهلية الموظف أو بسبب عيب في الشكل تصلح لاعتبارها محررا عرفيا إذا كان موقعا عليها من الاطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة ".
كما أن بعض الفقه المغربي عرفها بكونها تلك الاوراق التي تصدر من ذوي الشأن بوصفهم أشخاصا عاديين و يوقع عليها أحدهم لأن تكون دليلا كتابيا.
أما بعض الفقه المصري فقد عرفها بكونها الاوراق التي تصدر من الافراد دون أن يتدخل في تحريرها موظف رسمي أو شخص مكلف بخدمة عامة
فالورقة العرفية إذن تتطلب شرطين أساسيين و هما التوقيع و الكتابة وأنه مادام قد تم صدور المحرر ممن وقعه و ثبتت حجيته على من أنكره فإن القاضي يكون ملزما بأن يقضي به . و الورقة العرفية يمكن إثبات عكسها بالكتابة و الاقرار و اليمين و البينة و القرائن القضائية.
كما أن المحررات التي يبرمها الموثقون و التي لا تتوفر على الشكليات التي يتطلبها القانون، تتحول إلى محررات عرفية في الاثبات بشرط أن تكون مكتوبة و موقعا عليها من طرف الملتزمين و يسري نفس الحكم متى كان الموثق القائم بالتحرير غير مختص أو ليست له أهلية لتلقي اتفاقات الاشخاص وفق ما تم النص عليه في الفصل 423 من قانون الالتزامات و العقود. و هو نفس التوجه الذي أيده العمل القضائي الذي جاء في أحد قراراته ما يلي : إن رسم الشراء المحتج به في النازلة غير جدير بالاعتبار لكونه ناقص الشكليات القانونية فلم يدرج العدلان بكناش الجيب و لا وقعت الاشارة فيه إلى تاريخ تضمينه بكناش المحكمة و رقمه فأفقد بذلك صفة الورقة الرسمية و لا يعتبر عقدا عرفيا لعدم التوقيع عليه من أطراف العلاقة.
و إذا كانت الورقة العرفية لها نفس حجية الورقة الرسمية في حالة ما إذا صدرت من طرف دوي الشأن و لم تكن هنالك أية منازعة في شأنها فإن سلطة القاضي في مجال ترجيح أدلة الاثبات عند وجود هذه الورقة العرفية تبقى ضيقة و مقيدة و محدودة .
ثانيا : بعض الادلة الكتابية الخاصة
إلى جانب الورقة الرسمية و الورقة العرفية باعتبارهما من الوسائل الفعالة في الإثبات ، نجد هناك بعض الادلة الكتابية الأخرى الخاصة التي تلعب دورها في الاثبات. غير أن الملاحظ عن هذه الادلة أنها لم تعد سلفا للإثبات و إنما هي عبارة عن أوراق و دفاتر و مذكرات و وثائق يحررها الناس بأنفسهم نتيجة معاملاتهم اليومية .
و المشرع المغربي تطرق إلى هذه الأدلة في الفصل 417 من قانون الالتزامات و العقود " إذا كان الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية فإنه ينتج أيضا من المراسلات و البرقيات و دفاتر الطرفين و كذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين عى الوجه المطلوب و الفواتير المقبولة و المذكرات و الوثائق الخاصة أو عن أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة كيفما كانت دعامتها و طريقة إرسالها " .
و من ضمن هذه الادلة نجد الرسائل و البرقيات و الدفاتر التجارية . فالرسائل أو الرسالة هي كل كتابة مخصصة لربط علاقة بين شخصين أو أكثر لغرض من الاغراض و هي ملك للمرسل بمجرد وصولها إليه.   لذلك فإن الرسالة تعتبر بمثابة ورقة عرفية كافية لإثبات الحق المدعى به   و الملاحظ أن هناك العديد من التشريعات لم تترك تقدير قيمة و حجية الرسالة في الاثبات لسلطة القاضي فسوت في هذه الحجية بينها و بين المحرر العرفي متى توفرت على الشروط المطلوبة ، و بالتالي فإن مجال إعمال السلطة التقديرية للقاضي في هذه الحالة يكون جد ضيق و محدود.
و ما قلناه على الرسائل ينطبق أيضا على البرقيات و الدفاتر التجارية و قوائم السماسرة و الفواتير المقبولة و الموقعة و غيرها من أدلة الإثبات الاخرى .

الفقرة الثانية : سلطة القاضي في تقدير الاقرار القضائي

عرف المشرع المغربي الاقرار القضائي في الفصل 405 من قانون الالتزامات و العقود بأنه الاعتراف الذي يقوم به أمام المحكمة الخصم أو نائبه المأذون له في ذلك إذنا خاصا . و الاقرار الحاصل أمام قاض غير مختص أو الصادر في دعوى أخرى يكون له نفس أثر الاقرار القضائي.
كما نص المشرع في المادة 410 من قانون الالتزامات و العقود بأن الاقرار القضائي حجة قاطعة على صاحبه و على ورثته و خلفائه و لا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا في الاحوال التي يصرح بها القانون ".
كما عرفه المشرع المصري في قانون الإثبات المصري في المادة 103 : بأن هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة .
 أما المادة 104 فنصت على أن الإقرار حجة قاطعة على المقر  ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجوده فى الوقائع الأخرى.
كما عرفه بعض الفقه  بكونه اعتراف شخص بادعاء يوجه إليه شخص آخر. أما بعض الفقه الفرنسي أمثال الفقيه الفرنسي  toullier   فقد عرفه بأنه " إقرار الطرف ليس شيئا آخر سوى شهادة المدين على نفسه بحقيقة الالتزام أو واقعة يتحملها ، إنه تصرف إرادي أو برضا الشخص المدين بواسطته يعترف بحقيقة الواقعة المتنازع حولها أو أخرى تفضي إلى إثباتها .إنها كلمة فعلا التي يدلي بها المدين الذي يعترف بحقيقة الفعل أو الدين المتعلق به.
فالإقرار القضائي هو وسيلة من وسائل الاثبات ليس لأنه يثبت أمرا متنازعا فيه بين خصمين فهو ليس بدليل استخلصه القاضي خارج إرادة طرفين النزاع بل فقط لأنه وسيلة يعتمدها القاضي للفصل في النزاع المعروض عليه لان هذا النزاع لا يمكن أن ينتهي إلا بإصدار مقرر قضائي.
و بالتالي فإن الاقرار هو نوع من الشهادة على النفس حيث أن الشخص يقر بإرادته المنفردة بواقعة منتجة لأثر قانوني على عاتقه ، و من الطبيعي أن يكون الاقرار الصادر في مجلس القضاء حجة على المقر يتعين على القاضي أن يأخذ به. و كما يقال الاقرار سيد الادلة لذلك فهو يتشابه مع الدليل الكتابي من حيث قوة الاثبات فكلاهما له حجية ملزمة لمن صدر عنه و حجية ملزمة للقاضي .
هكذا إذن يتضح أن قاضي الموضوع لا يملك أية سلطة في تقدير حجية الاقرار القضائي باعتباره من وسائل الاثبات القانونية حيث أن الفصول التي نظمت الاقرار بنوعيه القضائي و غير القضائي من 405 إلى 415 من قانون الالتزامات و العقود تضمنت مجموعة من القواعد الآمرة التي ألزم المشرع عن طريقها القاضي المدني بضرورة احترامها ، و لم يترك له في تطبيقها أي مجال لإعمال سلطته التقديرية.
و إذا كان القاضي المدني لا يملك أي هامش للحرية لإعمال سلطته التقديرية في حجية الاقرار القضائي نظرا لأن المشرع نظم هذه الحجية فحدد نطاقها و سن ضوابطها و فرض قواعدها الآمرة .فإنه مع ذلك تبقى للقاضي الحرية الكاملة في مجال تقدير كل تصريح يخرج عن نطاق الاقرار القضائي كما هو الحال بالنسبة للتصريحات المدلى بها للخبير أو للعدلين أو لمأمور إجراءات التنفيذ أو للمفوض القضائي.
و هذا يعني بشكل مختصر أن القاضي المدني لا يملك سلطة تقدير حجية الاقرار و يبقى له فقط الحق في أن يقدر قيمة الاقرار الحاصل أمامه كما له أن يقوم بتحديد معناه من غير أن تفرض عليه في هذا التقدير سلطة رقابة محكمة االنقض.
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد فقد اعتبر أن الاقرار الذي توفرت فيه جميع الشروط المتطلبة قانونا لانعقاده و صحته صار حجة قاطعة على المقر لا يجوز له العدول عنه و يتعين على القاضي أن يأخذ به و يحكم بمقتضاه فالإقرار ليس من الادلة التي يكون للقضاة سلطة تقدير حجيتها و إنما من الادلة التي يتقيد القاضي بحجيتها  ، و هو ما ضمنته المحكمة العليا في أحد قراراتها حيث جاء فيه " متى كان من المقرر قانونا أن الاقرار القضائي حجة قاطعة على المقر إن قاضي الموضوع لا يحتفظ باختصاصه في السلطة التقديرية اتجاه هذا الاقرار و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون و لما كان من الثابت في قضية الحال أن المطعون ضده اعترف صراحة أنه استولى على الغرفة المتنازع عليها دون علم أو موافقة المالك أمام القاضي الاول فإن القضاة بإلغائهم الحكم المستأنف لديهم و من جديد القضاء برفض طلب الطاعن الرامي إلى طرد المطعون ضده من الغرفة المتنازع عليها الكائنة بالعمارة التي يملكها يكونوا كما فعلوا خرقوا القانون و متى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه
إن الحديث عن مسألة حجية الاقارير في الاثبات تستدعي منا صراحة التمييز بين الاقرار القضائي و الاقرار غير القضائي : فالاقرار القضائي له حجة قاطعة كما قلنا في مواجهة المقر على نحو لا يمكن للقاضي أن يستبعده إلا إذا ثبت ما يخالفه بحجة لا سبيل لدحضها و تمتد حجيته المطلقة لتسري على الورثة من بعده و خلفائه الخاصين و العامين أم في مواجهة الغير فإنه لا يمكن أن يضرهم أو يرتب في حقوقهم التزاما إلا في الاحوال التي يصرح فيها القانون بذلك و قد أكد هذا الحكم الفصل 410 من قانون الالتزامات و العقود. أما الاقرار غير القضائي فهو خاضع للسلطة التقديرية للقاضي من حيث استنباطه لأنه لا يحصل أمام القاضي و إنما يستنتجه من خلال ما يقدم إليه من أدلة فالاقرار غير القضائي يجب إثباته لكن إذا قرر القاضي بعد إعمال هذه السلطة المضبوطة بالتعليل اعتباره إقرارا لتوفر شروطه و انعدام ما يقدح فيه فإنه يكون حجة قاطعة على المقر و خلفه العام و الخاص دون أن يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة و هو حجة على المقر و لو أدلى هذا بحجة تعارض ما أقر به شرط أن تكون هذه الحجة يكذبها الاقرار لا هي التي تكذبه.  و تأسيسا على ذلك جاء قرار لمحكمة النقض " لكن حيث إن الطاعن لم يعب على الحكم تحريفا للعبارات الواضحة من تصريحاته الواردة في رسم غير مطعون في صحته و أن قضاة الاستئناف استمدوا من هذه التصريحات الصادرة من عن من يحتاج بها ما يثبت أن أرض النزاع كانت في الاصل على ملك المأمون و أنهم رجحوا هذا الاقرار على فحوى الملكيات المدلى بها من طرف طالب التحفيظ مما يجعلهم قدروا بما لهم من كامل السلطة الحجج المعروضة عليهم و من تم تكون الوسيلة الاولى غير مرتكزة على أساس.
و يمكن للمحكمة أن تستنتج الاقرار ليس فقط من العبارات الواضحة الصادرة به بل أيضا من فحوى الكلام .فإذا قال المدعى عليه بأن المدعي لم يعد مالكا فذلك إقرار منه بأنه كان مالكا . و ثبت ذلك الاصل . فكان على من يدعي حدوث أمر عارض إثبات ادعائه فالاصل بقاء ما كان على ما كان عليه و تأسيسا على ذلك جاء قرار محكمة النقض أنه : حثا أن جواب المدعى عليه المبين أعلاه هو إقرار منه ضمني بتملك المدعي لشقص الذي يعتمده في طلب شفعة المدعى فيه عملا بقول الشيخ خليل مسبوكا بكلام شارحه للعلامة الزرقاني أوهبته لي أو بعته .فإقرار من المدعى عليه و عليه يثبت البيع أو الهبة و هو المكلف بإثبات أن المدعي لم يعد مالكا لذلك الجزء الذي يشفع به و المحكمة عكست ذلك فجاء بذلك قرارها فيه خرق للقانون االداخلي و معللا تعليلا فاسدا الموازي لانعدامه...."
والإقــرار من أقوى الأدلة ، ويشبه في قوته الدليل الكتابي ، فكلاهما له حجة ملزمة لمن صدر منه ، وحجيته ملزمة للقاضي أيضا فعليه أن يحكم بمقتضاه من تلقاء نفسه بقبول دعوى المدعي المقر له ، فلا يملك القاضي أحالة الدعوى على التحقيق لإثبات عكسه ، بل ولا يجوز له  توجيه اليمين الحاسمة إلى الخصم عن واقعة اقر بها.
فالاقرار القضائي إذا وقع صحيحا منتجا لكافة آثاره القانونية فلا يمكن الرجوع فيه على الاطلاق و لا يمكن تجزئته و هو ما أكده المشرع المغربي في الفصل 414 من قانون الالتزامات و العقود.
غير أنه يمكن الرجوع في الاقرار إذا كان صوريا كأن يتواطأ المقر مع المقر له على الاضرار بحقوق الدائنين مثلا فإذا أثبت صوريته بطل الاقرار . كما يمكن للمقر الرجوع في الاقرار و يطلب عدم الاخذ به. نظرا لما وقع فيه غلط في الواقع لا في القانون و عليه فالعثور على مخالصة بالدين يخول للورثة الرجوع في الاقرار بالدين على مورثهم لكونهم كانوا يجهلون واقعة الوفاء من جانب مورثهم و هذا ما أشار له الفصل 414 من قانون الالتزامات و العقود.
و مما لا شك فيه أن الهدف من عدم رجوع المقر في إقراره أنه لا يستطيع أن يضيف إليه بعد صدوره واقعة جديدة يقصد أن تعتبر جزء منه و مكملة له إذا كان من شأن هذه الواقعة أن تعدل من مضمونه أو أن تعطل دلالته.
و تكمن فلسفة المشرع في كون الاقرار حجة تكاد تكون قطعية على ثبوت الحق على المقر لأن العادة تقضي بأن العاقل لا يقر إلا بما هو في ذمته أو بما ارتكبه من أعمال و لذلك يبعد جدا أن يكذب الانسان على نفسه و لهذا لا يتهم الشخص فيما أقر به خصوصا إذا كان هو من يتحمل نتيجة إقراره و لهذا يقال إن الاقرار سيد الادلة و يقول الفقهاء إذا أقر الخصم ارتفع النزاع.
و نفس الشيء ما أشار إليه المشرع العراقي في المادة 68 من قانون الإثبات العراقي على انه : " يلتزم المقر بإقراره إلا إذا كذب بحكم ".  ويستفاد من نص المادة أعلاه أن الإقرار حجة قاطعة ويلتزم المقر بإقراره ، وليس له أن يقدم دليلا لإثبات عكس ما اقر به ، كما يلتزم القاضي بالحكم وفقا لمقتضى الإقرار دون أن يكون له في ذلك سلطة تقديرية و هو ما أيدته محكمة التمييز العراقية بهذا الشأن :"حيث أن الإقرار حجة قاطعة ضد المقر ولا يملك الرجوع عنه قانونا مما يوجب رد دعواه المقامة بطلب أبطال السند العادي لكونها سعي واقع من قبله في نقض ما تم من جهته . فالإقرار إذا توفرت شروط صحته ، عد دليلا كاملا وملزما وحاسما للنزاع ، فالإقرار حجة قاطعة يقصد به قطع النزاع نهائيا، ذلك أن إقرار الخصم ضد مصلحته الشخصية يجعل احتمال صدقه أرجح على احتمال كذبه خاصة وانه يصدر أمام المحكمة مما ينبه المقر إلى أهمية أقواله التي يدلي بها.

المطلب الثاني : مظاهر التقييد على مستوى القرائن القانونية القاطعة :

تعتبر القرائن القانونية و اليمين الحاسمة من وسائل الاثبات ذات الحجية المطلقة . و بالتالي هما من الوسائل التي تحد من سلطة القاضي و تقصرها . فما هي أوجه قصور و محدودية سلطة القاضي من خلال هاتين الوسيلتين :

الفقرة الاولى :قصور سلطة القاضي في الاثبات من خلال القراءن القانونية القاطعة 

عرف المشرع المغربي القرائن القانونية من خلال الفصل 449 من ق.ل.ع و الذي نص على انها دلائل يستخلص منها القانون او القاضي ووجود وقائع مجهولة ,وقد عرف المشرع التونسي القرائن بصفة عامة في الفصل 479من مجلة الالتزامات و العقود  بانها ما يستدل به القانون او المحاكم على اشياء مجهولة .اما المشرع المصري لم يعطي تعريفا للقرينة القانونية , لكن يستنبط من خلال المادة 89 من قانون البيانات حيث نص على ان " القرينة التي ينص عليها القانون تغني من تقررت من تقررت هذه القرينة لمصلحته , عن اي طريقة اخرى من طرق الاثبات .على انه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ,ما لم ينص القانون بغير ذلك ".
اما القانون الفرنسي فقد نص في المادة 1349 من المجلة المدنية الفرنسية بكونها "النتائج التي يستخلصها القانون او القاضي من واقعة معلومة لواقعة مجهولة .
اذن فالقرينة القانونية هي ما يستنبطه المشرع او القاضي من امر معلوم للدلالة على امر مجهول   .
و يستفاد من هذه التعاريف ان القرائن على نوعين ,قرائن قانونية اي تلك المقررة بمقتضى القانون  يكون التشريع حاصرا لها .اما الالنوع الثاني فهي القرائن القضائية  اي التي لا يكون بها نص قانوني .فتبقى المحكمة موكولة لاستنباطها, كما  سنعالجها فيما بعد .
1_ حجية القرينة القانونية القاطعة في الاثبات :
ينص الفصل 450 من قانون الالتزامات و العقود  على ان القرينة هي التي يربطها القانون بافعال او وقائع معينة كما يلي:
-التصرفات التي يقضي القانون ببطلانها بالنظر الى مجرد صفاتها لافتراض وقوعها محالفة لاحكامه.
- الحالات التي ينص فيها القانون على ان الالتزام او التحلل منه ينتج  من ظروف معينة كالتقادم .
- الحجية التي يمنحها الاقانون للشيء المقضي.
كما ينص القانون المدني الفرنسي في الفصل 1350 على نفس الحالات زيادة لحالة اخرى
و هي القوة او الحجية التي يمنحها القانون لاقرار الطزف او ليمينه .
اما قانون الاثبات المصري ينص على ان القرينة القانوني تغني من تقررت لمصلحته  عن اي طريقة اخرى من طرق الاثبات , على انه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ,ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.
و عليه فالقرينة القانونية هي استنباط القاضي لامز غير ثابت من امز ثابت . و يظهر من خلال ذلك ان القرينة القانون هي من نص القانون .حيث لا يمكن ان تكون قرينة قانونية  بغير نص قانوني .
ومنه يمكن ان نتوصل على ان القرينة القانونية لها عنصر اساسي و هو النص القانوني ,حيث هناك مجموعة  من النصوص خاصة بكل قرينة على حدا.
فاذا ثبت قيام الواقعة اساس القرينة القانونية تعين على القاضي ان يحكم بحكم القرينة .فيجعلها اساسا لحكمه .حتى لو بدا له عدم مطابقتها للواقع في القضية المعروضة .و الا كان حكمه قابلا للنقض. فالدلالة التي تنطوي عليها القرينة يفرضها القانون , و ليس للقاضي تقدير مدى مطابقتها لحقيقة الواقع  . ومن تقررت لمصلحته يجوز له التمسك بها .
و هو ما جاء في الفصل 453 من قانون الالتزامات و العقود   و المادة 1352 من القانون المدني الفرنسي  . و تنقسم القرائن القانونية غلى قسمين : قرائن بسيطة تقيل إثبات العكس و قرائن قانونية لا تقبل إثبات العكس و هي القرائن القطعية .
فالقرائن القانونية البسيطة هي التي يجوز إثبات ما يخالفها ، و تكون مبنية على الراجح و المشهور و المألوف في الحياة العملية ، و ليس اليقين المؤكد.
أما القرينة القانونية القاطعة فهي التي لا يجوز إثبات عكس ما تقضي به كما في حالة مسؤولية حارس البناء إذا كان الضرر اللاحق بالضحية نتيجة تهدم البناء ، يقوم على قرينة قانونية قاطعة و هي الخطأ و التقصير المفترض من جانب مالك البناء  .
كم ينص المشرع المصري في المادة 917 من القانون المدني على أن تصرف شخص لأحد ورثته و احتفظ بأية طريقة كانت بالعين المتصرف فيها ، و كيف ما كان ذلك التصرف فهو يعتبر مضافا إلى ما بعد مماته و تسري عليه أحكام الوصية و هذا كله ما لم يقم دليل على خلاف ذلك.
و قد حدد الفصل 451 من قانون الالتزامات و العقود المغربي قرينة قانونية أخرى وهي قرينة الاحكام القضائية حيث تعتبر حجة فيما فصل فيه من نزاع. بعد مرورها من المساطر السابقة لخروجه إلى حيز الوجود. و قد حدد للحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به شروط قبل الحديث عن هذه الشروط يجب الحديث عن ماهية ماهية الشيء لمقضي به .
فالحجية تثبت للحكم القضائي الفاصل في الدعوى بصفة قطعية ، حتى ولو كان قابلا للطعن بإحدى طرق الطعن العادية للحكم القطعي غير النهائي. حيث يبقى حجة ما لم يتم إلغائه بالطعن فيه فتزول حجيته .
فالاحكام التي يصدرها القضاء تكون حجة فيما فصلت فيه ، أي يكون مطابقا للحقيقة . و إذا كان النظر في نزاع سبق الفصل فيه بحكم قضائي يمتنع فيه القاضي عن النظر فيه .
و قد خرج المشرع المغربي كنظيره الفرنسي بحجية الأمر المقضي به من كونها قاعدة موضوعية إلى جعلها قرينة قانونية .
و يجدر التمييز بين حجية الامر المقضي به و بين قوة الامر المقضي به، فهذا الاخير هو رتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائيا. غير قابل للطعن فيه بطريقة من طرق الطعن العادية .
و الحكمة التي رمى إليها المشرع في القرينة القانونية المرتبطة بسبقية البث في النزاع هي إعطاء للاحكام القضائية حرمتها و تحقيق الصالح العام و وضع حد للخصومات و تحايل من له مصلحة على القانون ، و منع طرح نفس الدعوى على القضاء من جديد و بذلك الحيلولة دون صدور أحكام متضاربة في نفس الموضوع ، و الحفاظ على استقرار المعاملات و تحقيق الامن القضائي .
إن حرص المشرع على القرائن القانونية راجع في حالة تعدر الاثبات ، سيما في بعض الحالات التي يكون إثباتها معقدا و مستحيلا على الخصوم كما هو الحال في حالة المسؤولية القائمة على خطأ مفترض لا على الخطأ الواجب الاثبات من جانب حارس الاشياء لصعوبة إثبات ذلك من طرف المتضرر .
2- محدودية سلطة القاضي في تقدير حجية القرينة القانونية القاطعة .
القرائن القانونية تعتبر نصوص ملزمة للقاضي ، فالمشرع هو الطي يستنبط تلك الحالات و القاضي لا دخل له في تقديرها أو ملائمتها أو القياس عليها ، بل يجب البحث عنها في القانون و غير ذلك لا يدخل في حيز تعريفها و مظاهرها ، فهي قواعد آمرة ملزمة للقاضي كما أنها ملزمة لأطراف الخصومة
لذلك فسلطة القاضي تضيق عند كل قرينة قانونية و هو ملزم بإثارتها من تلقاء نفسه ، و هو ما عبر المشرع الفرنسي في الفصل 1350 من القانون المدني الفرنسي . و الفصل 253 من قانون الالتزامات  لعقود المغربي .
و القاضي ملزم بتطبيق مثل هذه القرائن القانونية القاطعة . و محكمة النقض تتدخل لمراقبتها في حالة ما إذا كان القضاة ينزلون القرائن القانونية على النوازل و يرفضون الحجية التي يسندها القانون للحجية القانونية القطعية المقررة بنصوص قانونية. مبينة شروط وجودها ، و أيضا تراقب تقدير توفر هذه الشروط لأنها من المساءل القانونية .
إذن من خلال ما سبق ذكره فالقرينة القانونية هي نصوص ملزمة للقاضي و لأطراف الخصومة من خلال قواعد آمرة تمثل النظام العام ، كما على القاضي إثارته من تلقاء نفسه و لو لم يدفع بها الخصوم ، و هو تحت رقابة محكمة النقض في ذلك. لأن الأمر يتعلق بمسألة قانونية مرتبطة وجوبا بمدى تطبيق القانون و تنزيله على النزاع المراد الفصل فيه ، استنادا على قرينة قانونية قاطعة لا تقبل العكس ، و هذا ما يجعل تدخله و سلطته جد ضيق و محدود و ذلك لأن الحالت التي تشكل قرائن قانونية حددها القانون على غرار ما قضى به المشرع الفرنسي في المادة 1350 من القانون المدني. و المادتين 136 و 137 من قانون المدني المصري التي نص فيهما على أن للعقد سببا مشروعا ، فإذا ذكر هذا السبب في العقد اعتبر هو السبب الحقيقي الذي يلتزم المدين على أساسه و إن ادعى المدين صورية السبب وجب عليه إقامة الدليل على الصورية.

الفقرة الثانية : اليمين الحاسمة و تقييدها لسلطة القاضي في الاثبات

اليمين هو اتخاذ الله تعالى شاهدا على صحة ما يقوله الحالف أو على صحة ما يقوله الخصم الآخر ، و هنا يمكن الحديث عن اليمبن الحاسمة كوسيلة من وسائل الاثبات ، يلجأ إليها طرفا الخصومة عندما لا يمكن إثبات ما يدعيه بدليل. فيلجأ إليها لاحتكام ضمير الخصم في الدعوى.بتوجيهه يمينا إليه يحسم بها النزاع فتسمى يمينا حاسمة .
و تعتبر اليمين من أهم قواعد الاثبات في الشريعة الاسلامية و هي وسيلة يعتمدها القاضي في الحكم للفصل في النزاع و إنهائه ،
أما في التشريع المغربي فقد قسم اليمين إلى نوعين : يمين حاسمة و يمين متممة و جعلهما المشرع في الفصل 404 من قانون الالتزامات و العقود وسيلة من وسائل الاثبات من غير أن ينظمها .، بل ترك تنظيمها لقانون المسطرة المدنية في الفصل 85 بالنسبة لليمين الحاسمة ثم الفصول 86 و 87 و 88 بالنسبة لليمين المتممة.
كما نص عليه القانون المدني الفرنسي في الفصل 1357  و ما يهمنا في هذا الصدد هو اليمين الحاسمة باعتبارها إحدى مظاهر تقييد سلطة القاضي في الاثبات ، و أنها ذات حجية مطلقة .
1-حجية اليمين الحاسمة في الاثبات
اليمين الحاسمة هي وسيلة إثبات ذات حجية مطلقة ، و لا يلجأ إليها الخصم إلا إذ لم يوجد لديه الدليل في إثبات ما يدعيه ، ليحتكم إلى ضمير خصمه و ذمته ، إذ لا يجوز توجيهها إذا كان له الدليل القانوني . كما نص عليه الفصل  1360 من القانون المدني الفرنسي و المادة 114  من القانون الاثبات المصري.
فهي ليست إجراء مسطري لكن هي عمل ديني ، و هي حاسمة لأنها تحسم الخصومة من أساسها.  فهي ليست دليلا يقدمه طرف الدعوى على صحة ما يدعيه و إنما هي وسيلة احتياطية يلجأ إليها عندما عندما يعوزه الدليل إذ أنه ليس من مصلحته توجيه اليمين لخصمه متى توفر له دليل قانوني باعتبار أنه يرتب على توجيه اليمين التنازل على طرق الاثبات
فعندما ما يتعذر على الطرف الاخر إثبات ادعائه بما يسمح القانون و لا يقر له خصمه بصحة ما يدعيه و لا يبقى أمامه سوى الاحتكام إلى ضمير خصمه فيوجه إليه اليمين الحاسمة لحسم النزاع. و يجوز توجيهها في أي مرحلة من مراحل التقاضي كما يجوز لمن وجهت إيه اليمين أن يردها على من وجهها.
 و ينص الفصل 85 من قانون المسطرة المدنية على الحضورية في آداء اليمين الحاسمة فقد ذهب القضاء إلى أنه ليس من الضروري اداءها بنفس الجلسة التي صدر فيها الحكم بل يمكن أداؤها بجلسة لاحقة.
و هكذا ما وجهت اليمين الحاسمة إلى الخصم نكون أمام 4 حالات :
+ الحالة الاولى : أن يحلف من وجهت إليه اليمين من غير أي تحفظ ولا منازعة و عندما يحسم النزاع من غير أي تحفظ و لا منازعة و عندما يحسم النزاع بخصوص الموضوع الذي انصبت عليه اليمين فحينها تكون لحلف اليمين حجية تلزم الخصوم و القاضي الذي عليه حينئد أن يصدر الحكم لفائدة من حلف.
+ الحالة الثانية : أن ينازع من وجهت له اليمين الحاسمة في جوازها أو في تعلقها بالدعوى ، فإذا قبلت المحكمة منازعته ، رفضت طلب توجيه اليمين ، و إذا ردت منازعتهم حكمت بتحليفه .
+ الحالة الثالثة : أن يرد من وجهت له اليمين على من وجهها إليه أي بطلب منه ، هو أن يحلف و على من ردت عليه اليمين أن يحلف اليمين فيكسب الدعوى .و إما أن ينكل عنها فيخسر دعواه
+ الحالة الرابعة : أن ينكل من وجهت إليه اليمين عن اداءها ، و عندها يخسر الدعوى إذ يرتب عن النكول حسم النزاع لفائدة من وجه اليمين .
و للمين الحاسمة شروط منها ما ينصرف إلى محل اليمين و منها مت ينصب على الاطراف و منها ما يرتبط بأداء اليمين و هذه الشروط يمكن ادراجها كالاتي :
- وجب تأدية اليمين بجلسة المحكمة و لا يمكن تأديتها خارج الجلسة ، سواء كانت جلسة منعقدة لمناقشة دعوى موضوع المطالبة القضائية جارية أو لاجراء بحث في موضوع النزاع ، أو جلسة أمام قاضي أو هيئة قضائية منتدبة للتنقل إلى من وجهت لإيه اليمين الحاسمة إذا عاقه مانع مشروع لحضور لجلسة المحكمة .
- أن يتم توجيه اليمين الحاسمة من الطرف في الدعوى إلى خصمه ، إذ لا يوجهها لا القاضي من تلقاء نفسه و لا الاجنبي عن النزاع الرائج أمام القضاء .  و لكن يوجهها من له الحق في موضوع الحلف .
- أن يكون موضوع اليمين لا يخالف النظام العام
- أن تحدد الوقائع التي تشكل محلا لليمين الحاسمة من طرف من يوجهها ، و ان يكون هذا المحل مما يجوز التصرف فيه مهما كانت قيمة الحق المدعى به
- أن تكون اليمين الحاسمة متعلقة بالدعوى و منتجة فيها.أي أن يكون موضوعها محددا و متنازعا فيه .
- أن يهذف من يوجهها لخصمه إلى وضع حد لانهاء النزاع بصفة نهائية ، و هو بذلك يتنازل عن الاحتجاج بأية وسيلة أخرى .
- لا يملك من يوجهها لخصمه حق التراجع عن توجيهها متى طلبها و لبت المحكمة طلبه ، و استعداد الخصم لاداءها . و هو ما أشارت إليه المادة 1364 من القانون المدني الفرنسي.
بالنسبة لرد اليمين الحاسمة أجمع الفقه في فرنسا و مصر على أنه يجب توفر عدة شروط لرد اليمين الحاسمة  و هي كالاتي :
1-أن تكون الواقعة مشتركة بين طرفي الدعوى .
2-أن تتوفر الاهلية الكاملة فيمكن بردها و أن لا يشوب إرادته أي سبب من عيوب الرضا .
3-أن يتعلق رد اليمين الحاسمة على نفس الواقعة التي وجهت من أجلها و لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة في الاصل ردها ثابتة على من ردها عليه لانه إذا كان رد اليمين الحاسمة عن واقعة غير الواقعة التي وجهت بشأنها اليمين فإن ردها يعتبر توجيها ليمين جديدة و يجوز لمن ردت له أن يردها على خصمه مرة ثانية و قد حدد المشرع المغربي صيغة اليمين القانونية بصيغة " أقسم بالله ".
2-محدودية سلطة القاضي في تقدير حجية اليمين الحاسمة
انطلاقا من حق اليمين الحاسمة حق للخصم و هي وسيلة إثبات دات حجية مطلقة و للخصمأن يتمسك بها متى شاء فإن ذلك يعني أنه لا حق للقاضي أن يوجهها إلى الخصوم متى شاء و من تلقاء نفسه فإن فعل ذلك فحكمه يكون عرضة للنقض و متى حلف الخصم الذي وجهت إليه اليمين الحاسمة فإنها تصبح حجة قاطعة تلزم القاضي و ليس له أي سلطة في شرح و تكييف مضمونها و لا في تقدير حجيتها بل هو مقيد بترتيب الاثار القانونية عليها في الدعوى المعروضة عليه.
و للإشارة فان اليمين الحاسمة ذات حجية نسبية بحيث أن هذه الحجية تقتصر على طرفي الدعوى و الورثة و الدئنين و لا يمكن على وجه الاطلاق أن تسري على الاغيار و الغير و هذا ما زكته مجموعة من القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض المصرية  .
و إذا كان المبدأ يقر على أن القاضي لا يمكنه توجيه اليمين الحاسمة من تلقاء نفسه باعتبار أن هذا الحق لأطراف الدعوى و خلفائهم العام و خلفهم الخاص فقط. لكن هناك إمكانية بذلك يحق فيها القاضي حق مراقبتها و ذلك بأن يتدخل بإعمال سلطته التقديرية لرفض توجيه اليمين الحاسمة إلى الخصم متى تبين له أن شرط من الشروط قد تخلف و من قبل هذا ما إذا كان في موضوع النازلة محل اليمين مخالفة للنظام العام أو أنه غير متعلق بغير الشخص الخصم الموجه له أو أن اليمين غير منتج و لا حاسم في الدعوى و من قبيل هذا أن يكون الباحث فيها سوء نية .
و الجدير بالاشارة إلى أن المشرع أوكل في الفصلين 454 و 455 من ق ل ع أن القرائن التي لم يقررها القانون و الخالية من اللبس التي حصل التوافق بينهما لحكمة القاضي و لات تقبل إلا أذا تمت تزكيتها باليمين من طرف من تمسك بها متى ارتأى القاضي وجوب آدائها .و نستشف مما سبق أن دور القاضي في اليمين الحاسمة دور محدود و لا يملك سلطة اتجاه اليمين بعض الحالات الضيقة المشار إليها أعلاه سابقا .

المبحث الثاني : سلطة القاضي المطلقة في تقدير أدلة الإثبات

إن القاضي في تقديره لجزء من أدلة الإثبات الأخرى تكون سلطته محررة ، بحيث يمكن إعمالها وهذه الأدلة تكون غير ذات حجية وتنحصر هذه الأدلة في : شهادة الشهود ، واليمين المتممة ، والقرائن القضائية .

المطلب الأول : الأدلة ذات الحجية غير الملزمة

ستنطرق في هذا المطلب إلى شهادة الشهود واليمين المتممة ثم القرائن القضائية في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى : شهادة الشهود واليمين المتممة

•شهادة الشهود
تعتبر شهادة الشهود من بين وسائل الإثبات التي نظمها المشرع المغربي في كل من قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية ، وفي هذا الإطار فإن المشرع المغربي لم يعمل على إعطاء تعريف للشهادة ، في حين عرف الفقه شهادة الشهود بكونها قيام شخص من غير أطراف الخصومة بالإخبار في مجلس القضاء بما يعرفه شخصيا حول حقيقة وقائع تصلح محلا للإثبات ، وعليه فالشهادة هي تصريح يدلي به الشخص أمام القضاء يتعلق بواقعة صدرت عن غيره وترتب عليها حق لهذا الغير . ويجب أن تكون الواقعة محل الشهادة قد وصلت إلى علم الشاهد أو سمعه أو بصره بصورة مباشرة ، أما إذا وصلت إلى علمه بواسطة الغير فشهد بها نقلا عن هذا الغير فتعتبر شهادة سماع يستأنس بها على اعتبار أن البحث يجب أن يتم في إطار الوقائع التي يمكن معاينتها من طرف الشهود ، والتي يبدو التثبت منها مقبولا ومفيدا في تحقيق الدعوى بحسب الفصل 71 من ق.م.م  .
ومن أهم شروط الشهادة أن يكون الشاهد من الغير بحيث لا تجوز شهادة أحد أطراف الخصومة أو من يمثله كالمحامي أو الوصي أو المقدم ، ويجب أن يكون الشاهد أهلا للشهادة وغير ممنوع من أدائها ، كما أنه لابد وأن تكون المعلومات التي يخبر بها المحكمة قد تحصل عليها بحواسه الخاصة وان تنصب الشهادة على الوقائع المتعلقة بالدعوى والمراد التحقق منها  .
وعليه تعتبر الأبحاث التي يجريها القاضي من خلال الاستماع إلى شهادة الشهود من إجراءات التحقيق الهامة لأنها تعطيه الفرصة للإلمام بعناصر الدعوى وبأدق تفاصيلها ، وذلك بتوجيه مايراه مناسبا من الأسئلة والاستفسارات المنتجة في الدعوى حتى يصدر حكما معللا تعليلا كافيا ومؤسسا على اليقين بناء على ما باشره من بحث بصفة شخصية ومباشرة .
قد يلجأ الخصم الذي يدعي حقا أمام القضاء ويقع عليه عبء إثبات إدعائه، إلـى الإستعانة بشهادة الشهود، لتكملة الأدلة الأخرى المقدمة في الدعوى، أو لتكوين دليـل فيها، وذلك متى كانت تلك الواقعة تقبل الإثبات بشهادة الشهود، أو أن يكون الخصم قد طلب ذلك ولم يعترض خصمه على الإثبات بمقتضاها، حيث يعـد عـدم الإعتـراض تنازلا ضمنيا من الخصم للإثبات بشهادة الشهود، لعدم تعلق قواعد الإثبـات بالنظـام العام.
وهكذا فالإثبات بشهادة الشهود يمكن أن يتم في الحالات التي ينصب موضوعها على وقائع مادية وأفعال قانونية لاتتجاوز قيمتها 10.000 درهم " الفصل 443 من ق.ل.ع " إضافة إلى الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود استثناء ، ومنها " الحالة التي يراد فيها إثبات وقائع من شأنها أن تبين أن تبين مدلول شروط العقد الغامضة أو المبهمة ، أو تحدد مداها ، أو تقيم الدليل على تنفيذها " الفصل 444 من قانون. ل.ع " ، وكذا الحالة التي فيها بداية حجة بالكتابة " الفصل 447 من قانون. ل.ع " ، وأيضا الحالة التي يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي للالتزام له أو للتحلل من التزام عليه نتيجة حادث فجاﺉي أو قوة قاهرة أو سرقة وأيضا الحالة التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها الالتزامات ناشئة عن أشباه العقود وعن الجرائم ، والحالة التي يراد فيها إثبات وجود غلط مادي في كتابة الحجة ، أو حالة الوقائع المكونة للإكراه أو الصورية أو الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني ، وكذلك الأمر بين التجار فيما يخص الصفقات التي لا تتطلب في العادة الدليل الكتابي لإثباتها . وعليه فإن تقدير الحالات التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على الدليل الكتابي موصول لحكمة القاضي " الفصل 448 من ق.ل.ع ".
إن للقاضي سلطة واسعة وحرية كاملة في قبول أو رفض طلب الاستماع إلى الشهود ، وأيضا في تقدير حجية شهادة الشهود واستخلاص النتائج الضرورية من البحث ، فهو غير ملزم بتأسيس حكمه على شهادة الشهود إلا ذا اقتنع بدلالتها ، كما أن تقدير أقوال الشهود يرجع لسلطته التقديرية دون أن يخضع في تقديره
لرقابة محكمة النقض ،  إضافة إلى ذلك إذا كان الحكم التمهيدي الصادر بالاستماع إلى الشهود لايكتسب قوة الشيء المقضي به ، فإن التراجع عنه من طرف القاضي يبقى قائما على اعتبار أنه يدخل في نطاق سلطته التقديرية ، وذلك متى تبين له أن هناك أسبابا أخرى تبرر وتؤسس الحكم الفاصل في النزاع ، وهي سلطة لا رقابة لمحكمة النقض عليها .
إلا أنه يتعين على المحكمة أن تعلل موقفها متى اعتمدت شهادة البعض من الشهود دون البعض الآخر ، أو متى اعتبرت شهادة شاهد كافية دون الشاهد الآخر ، أو تم اعتماد جزء من شهادته دون الجزء الآخر أو تبنت شهادة شاهد استمعت إليه على سبيل الاستئناس دون أداء اليمين القانونية على شهادة شاهد أداها أو قامت بالترجيح بين شهادات عدة شهود .
ولقد نصت المادة 203 من قانون المرافعات الفرنسي على حق القاضي في أي وقت سماع من يرى سماعه من الشهود،  وقضت محكمة النقض الفرنسية  بأن سلطته في ذلك هي سلطة تقديرية مطلقة
ففي الغالب  يكون الشهود لم يعدوا الشهادة من قبل إذا توخوا الأمانة في شهادتهم ،  فهم لا يشهدون إلا على الوقائع التي يكونوا قد رأوها أو سمعوها ، و قد تكون هذه الوقائع  متعلقة بالحق المدعى به وقد لا تكون وهذا متروك لتقدير القاضي ، وهو في هذا المجال يتمتع بسلطة واسعة لا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض، أما فيما  يخص مسألة جواز الإثبات بالبينة أو عدم جوازه فيعد من المسائل القانونية التي حدد المشرع طرق الإثبات بها ، وبين متى يجوز استعمال كل منها،  وبالتالي إذا كانت الوقائع مما لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود وجب على القاضي أن يرفضها ، وعدم  إجابة الخصوم طلب الإثبات بها.
كما أن المادة  213  من قانون المرافعات الفرنسي أعطت للقاضي الحق في أن يستمع إلى الشهود ويستجوبهم عن كل الوقائع التي يجيز القانون إثباتها بشهادة الشهود وعن أية وقائع أخرى ولو لم يشر إليها قرار الإحالة للتحقيق   .
وبالنسبة للمشرع المصري فقد نص في المادة 70/1 من قانون الإثبات المصري علي أن : "للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجوز فيها ذلك متى رأت في ذلك فائدة ".
وبالتالي فإن المشرع  أعطى للقاضي حرية تامة في إعطاء البينات أية قيمة يراها مناسبة، وسلطته في هذا المجال مطلقة، وقد استقرت على ذلك أحكام القضاء .
ومن بين النتائج المترتبة على ذلك.
1) لا عبرة يتعدد الشهادات التي يدلى بها أم القاضي فكما يقال: "الدليل يوزن ولا يعد"، فالقاضي – بما له من سلطة تقديرية – يمكن له أن يؤسس حكمه على شهادة واحدة يطمئن إليها بالرغم من وجود عدد أكبر من الشهادات المتعارضة.
2) لا يلزم القاضي بكون الشهادات متطابقة فيما بينها لقبولها والاعتماد عليها فهو يستطيع مع ذلك اللجوء إلى طريقة أخرى من طرق الإثبات لتأسيس حكمه كالخبرة، أو المعاينة.
3) لا يجبر القاضي على تفسير موقفه عندما يفضل شهادة على أخرى، فهو حر في أن يسند قناعه على ما يستخلصه من محتوى الشهادة المفضلة.
4) أن سلطة القاضي في اختيار الشهادة التي تقنعه لا يخضع فيها لرقابة المحكمة العليا وهذه السلطة الواسعة في التقدير الممنوحة للقضاة مردها إلى أن القانون جعل منزلة شهادة الشهود أقل من منزلة الكتابة في الإثبات.
بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع الأردني جعل الشهادة أو البينة ، تخضع لتقدير القاضي بمعنى أن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها هو مما تستقل به محكمة الموضوع ولا سلطان لأحد عليها في ذلك إلا أن تخرج تلك الأقوال إلى غير ما يؤدي إليها مدلولها ، وهي غير مقيدة بالرأي الذي يبديه الشاهد تعليقا على ما رآه أو سمعه ، فلها أن تأخذ ببعض أقواله مما ترتاح إليه وتثق به دون البعض الآخر ، بل لها أن تأخذ بمعنى الشهادة دون معنى آخر تحتمله أيضا متى كان المعنى الذي أخذت به لا يتجافى مع عبارتها كذلك فإن ترجيح شهادة شاهد على آخر هو من إطلاقات قاضي الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانه وليس بملزم أن يبين أسباب هذا الترجيح ما دام لم يخرج بأقوال الشاهد عما يؤدي إليه مدلولها  ،وتنص المادة 33 من قانون البينات الأردني على " تقدر المحكمة قيمة شهادة الشهود من حيث عدالتهم وسلوكهم وتصرفهم وغير ذلك من ظروف القضية دون حاجة إلى التزكية وإذا لم توافق الشهادة الدعوى أو لم تتفق أقوال الشهود بعضها مع بعض أخذت المحكمة من الشهادة بالقدر الذي تقتنع بصحته  "
•اليمين المتممة
تعتبر اليمين  المتممة وسيلة من وسائل إثبات الوقائع المادية ، وتبعا لذلك فقد نص عليها المشرع المغربي في الفصلين 404 من ق .ل. ع و 87 من ق .م.م وقد صدرت بشأنها عدة قرارات من طرف محكمة النقض ، منها ما يوضح مسطرة وشكلية أدائها ، ومنها ما يميزها عن الإقرار الضمني بكونه واقعة مادية .
وهذه اليمين هي مظهر من المظاهر التي تعكس مدى التأثير السلبي لتعدد مصادر الإثبات على سلطة القاضي في وصوله إلى الحقيقة ، وهو تعدد موضوعي على اعتبار أن تنظيمه كوسيلة إثبات قد ورد في ق .ل.ع وأيضا تعدد شكلي على اعتبار أن مصدر تنظيمه هو ق.م.م .
وعليه فإن اليمين المتممة يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد أطراف الخصومة بهدف استكمال أسباب قناعته من خلال الوقائع المعروضة عليه متى كان الدليل المحتج به غير كاف ، فهي التي تتمم حجة ناقصة لا تكفي لإقامة الدليل لصالح من توفرت له ، ويوجهها القاضي للخصم الذي يتوفر على بداية حجة ، كما أن الشخص الذي توجه إليه اليمين المتممة قد يكون هو المدعي وقد يكون هو المدعى عليه من غير أن تطبق ، في هذه الحالة ، قاعدة " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " .
ويتم توجيه اليمين المتممة بمقتضى حكم تمهيدي يبين زمان ومكان أدائها مع الوقائع التي سيلقى القاضي اليمين بشأنها . وقد يثور الأشكال أحيانا حول تحديد الطبيعة القانونية والوصف الحقيقي لليمين التي يتم توجيهها في الدعوى بالنظر إلى الآثار المترتبة عنها والحكم البات في النزاع ، هل هي حاسمة يملك توجيهها للخصوم ، أم متممة يوجهها القاضي إلى أحد طرفي الخصومة ؟
ولقد أكد العمل القضائي بهذا الخصوص ، أن المحكمة ملزمة بتوجيه اليمين الحاسمة حتى ولو وصفها من وجهها بأنها متممة ، إذ أن العبرة ، حسب الفصل الثالث من ق.م.م بتطبيق القانون على الدعوى ولو لم يطلب أطرافها ذلك صراحة .
ذلك أنه تبقى للقاضي السلطة المطلقة في قبول الطلب أو رفضه من غير أن يخضع في سلطته لرقابة محكمة النقض ، إلا أنه عليه أن يسبب موقفه تسبيبا كافيا ، كما أن توجيه اليمين المتممة يجب أن يكون بشأن واقعة تمسك بها أحد الخصوم إذ أنه يمتنع على القاضي أن يعرض واقعة جديدة ويوجه يمينا متممة بشأنها .
وفي هذا الإطار فإن قاضي الموضوع هو من يملك حرية توجيه اليمين المتممة من غير أن يتقيد بطلب أطراف الدعوى ، وهو الذي يقوم باختيار من يقوم بأداء اليمين بحسب ظروف الدعوى وملابساتها
ووسائل الإثبات المقدمة فيها ، وله أن يوجه اليمين المتممة في أي مرحلة من مراحل التقاضي الابتدائية والاستينافية .
وتعتبر حجية اليمين المتممة أقل من حجية اليمين الحاسمة ، فهي مجرد إجراء تحقيق يتوقف عليه البث في النازلة ، وبناء على ذلك يكون القاضي قناعته الكافية في الملف ، بحيث تبقى نتائجها في جميع الأحوال غير ملزمة له لأنه من حقه أن لا يحكم دوما لمصلحة من حلف اليمين المتممة .
ويبقى دائما على القاضي  أن يبين في حكمه أساس توجيه اليمين المتممة ويسبب ذلك تسبيبا كافيا وإلا كان قراره معيبا بعيب عدم التسبيب ، و للإشارة فإن الخصم الذي يوجه له القاضي اليمين المتممة لا يجوز له أن يردها على خصمه وفي مقابل ذلك فقد نصت المادة 1368 من التقنين المدني الفرنسي على أن :"اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد الخصمين لا يجوز ردها من هذا الخصم على الخصم الآخر. "
« Le serment déféré d’office par le juge à l’une des parties ne peut être par elle référé à l’autre. »
ولقد اعتبر المشرع المصري اليمين المتممة إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة منه في تحري الحقيقة ليستكمل به دليلا ناقصا في الدعوي ، وهذه اليمين وان كانت لا تحسم النزاع إلا أن للقاضي بعد حلفها أن يقضي علي أساسها باعتبارها مكملة لعناصر الإثبات الأخرى القائمة في الدعوى ليبني على ذلك حكمه في موضوعها أو في قيمة ما يحكم به .
نصت المادة 119  من قانون الإثبات المصري على أنه : "للقاضي أن يوجه اليمين المتممة من تلقاء نفسه إلى أي من الخصمين ليبنى على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو في قيمة ما يحكم به .
ويشترط في توجيه هذه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل  "
 كما أنه لا يجوز للخصم الذي وجه إليه القاضي اليمين المتممة أن يردها على الخصم الأخر .
وهو نفس النهج الذي اعتمده المشرع الأردني الذي اعتبر أن اليمين المتممة هي يمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لأي من الخصمين دون أن يتقيد بطلب الخصوم و للقاضي السلطة التامة في تقدير ما إذا كانت هناك حاجة لتوجيهها ليستكمل بها اقتناعه إذا لم يقدم الخصم دليلا كافيا على دعواه ، واليمين المتممة على خلاف اليمين الحاسمة تعتبر مجرد واقعة مادية ،ويشترط لتوجيه اليمين المتممة إلا يكون في الدعوى دليل كامل وإلا تعين على القاضي أن يبنى على أساسه ، ويشترط أيضا إلا تكون الدعوى خالية من أي
دليل ، ذلك لأن اليمين المتممة يوجهها القاضي ليستكمل بها دليل ناقص في الدعوى .
فاليمين المتممة إذن لا تحسم النزاع لأنها ليست إلا إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة
منه في تحري الحقيقة فالقاضي من بعد توجيه هذه اليمين يكون مطلق الخيار في أن يقضي
على أساس اليمين التي أديت أو على أساس عناصر إثبات أخرى اجتمعت له قبل حلف هذه
اليمين أو بعد حلفها ، واليمين المتممة على عكس اليمين الحاسمة لا يجوز ردها على الخصم  .
 ولقد نصت المادة70 من قانون البينات الأردني على أن :
"للمحكمة ، من تلقاء نفسها ، أن توجه اليمين المتممة إلى أي من الخصمين لإصدار حكمها في موضوع الدعوى أو في قيمة ما تحكم به شريطة أن لا يكون في الدعوى دليل كامل وان لا تكون الدعوى خالية من أي دليل.
لا يجوز للخصم الذي وجهت إليه المحكمة اليمين المتممة أن يردها على خصمه.
للمحكمة أن ترجع عن توجيه اليمين المتممة قبل حلفها.

الفقرة الثانية : القرائن القضائية

عرف المشرع المغربي القرائن في الفصل 449 من ق.ل.ع بأنها " دلائل يتخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة " يقابله في ذلك الفصل 1349 من القانون المدني الفرنسي إذن فالقرائن أدلة غير مباشرة بحيث أن الإثبات فيها لا يقع على الواقعة ذاتها مصدر الحق ، بل على واقعة أخرى إذا كان من الممكن استخلاص منها الواقعة المراد إثباتها .
« Les présomptions sont des conséquences que la loi ou le magistrat titre d’un fait connu à un fait inconnu »
ولقد أخذ بهذا التعريف الذي أتى به القانون المدني الفرنسي قانون الالتزامات والعقود التونسي في مادته 479 أما غالبية القوانين الوضعية فلم تعرف القرينة بل اكتفت بتنظيم أحكامها بحيث نظمها المشرع المصري في المادتين 99 و100 من قانون الإثبات المصري  .
ولقد نصت المادة  43 من قانون البينات الأردني على أن : القرائن القضائية هي القرائن التي لم ينص عليها القانون ويستخلصها القاضي من ظروف الدعوى ويقتنع بأن لها دلالة معينة ويترك لتقدير القاضي استنباط هذه القرائن لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة .
وتنقسم القرائن إلى نوعين قرائن قضائية يستنبطها قاضي الموضوع من وقائع الدعوى المعروضة عليه وقرائن قانونية يقوم المشرع بتحديد دلالتها باستنباط أو افتراض ثبوت واقعة من ثبوت أخرى والنص عليها في صيغة عامة ومجردة على نحو يمكن تطبيقها عندما تتوفر شروطها في حالات مماثلة
ويتضح من خلال نص الفصلين 454 و 455 من ق.ل.ع أن القرينة القضائية هي التي تترك لتقدير القاضي يستخلصها من ظروف القضية وملابساتها .
فالقاضي يستنبط القرينة القضائية من واقعة معلومة في الدعوى فيستدل بها على الأمر المجهول المراد إثباته ، فهي تبدو كعلاقة بين واقعتين إحداهما ثابتة والأخرى مجهولة وتسمح بالانتقال من الأولى من الثانية .
وعليه فإن القرينة القضائية من الأدلة التي لم يحدد القانون حجيتها ، وأوكلها لمطلق تقدير القاضي ، كما أن استنباطها يعد من سلطة القاضي الموضوع ، إذ يجوز الاعتماد على ما يستخلصه من تحقيقات أجريت في غيبة الخصوم ، أو من محضر استدلالات ، أو من شهادة شاهد لم يؤد اليمين ، متى كان استنباطه سائغا وهو ما أكده المجلس الأعلى من خلال عدة قرارات صادرة عنه ، وهو ما سارت أيضا محكمة النقض المصرية .
وإذا كان القاضي يملك سلطة تقديرية واسعة في مجال القرائن القضائية ، فإن له سلطة في اختيار أية واقعة لكي يستنبط منها القرائن ، وله أن يستبعد القرينة الضعيفة غير المنتجة ليعتمد على القرينة القوية المنتجة فتقدير القرائن يعتبر مسألة تتعلق بالواقع تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون أن تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض ، شريطة أن يؤدي استنباط القرينة إلى النتيجة التي انتهى إليها قاضي الموضوع  .
وعليه فإن القاضي في هذا الإطار لا يتقيد بما يعرض عليه في الدعوة من حجج وأدلة ، فله أن يستنبط القرائن من التحقيقات التي أجريت في غيبة  الأطراف ، أو سبق تقديمها في دعوى أخرى ، أو تم حفظ الشكاية التي بنيت عليها ، ولقد ذهب الفقه في فرنسا إلى أن القاضي عند أخذه بالقرائن القضائية عليه أن
يرجع إلى علمه الشخصي ببعض وقائع الدعوى ، فإذا كانت المادة 100 من قانون الإثبات المصري تترك للقاضي سلطة استنباط كل قرينة يقررها القانون ، وذلك في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود ، فإن العمل القضائي المغربي سار على اعتبار الشهادة اللفيفية قرينة فعلية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع فحجية القرينة القضائية في الإثبات كالحجية التي تحوزها شهادة الشهود بحيث يتوقف الأخذ بها من عدمه على مدى اقتناع قاضي الموضوع بها .
غير أن المشرع إذا كان قد أجاز للقاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون ، فإنه يتعين على هذا الأخير أن لا يعتمد القرائن القضائية في غير موضع يجيزه القانون وان يستند في حكمه إلى الأسباب التي أدت إلى إثبات القرائن أو إلى نفيها ، وإلا خضع لرقابة محكمة النقض لأن الموضوع يصبح مرتبطا بمسألة قانونية .
وتجدر الإشارة إلى أن استنباط القرائن القضائية وتقييم حجيتها ومدى تأثيرها على مسار الحكم الصادر في النزاع مسألة موضوعية تدخل في إطار السلطة التقديرية لقاضي الموضوع وتخرج عن رقابة محكمة النقض ، وهو ما قرره المجلس الأعلى في قرار صادر عن غرفتين.

المطلب الثاني : أدلة إثبات أخرى

الفقرة الاولى : الخبرة

الخبرة تلك الوسيلة التي قررها المشرع لمساعدة القاضي لكي يبث في النزاع إذا كان يندرج ضمنه ما يحتاج إلى طلب استشارة تقنية من شخص ذي كفاءة، و قد نظمها المشرع في الفصول من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية و ذلك ضمن الباب الثالث المتعلق بإجراءات التحقيق بالاضافة إلى هذه الفصول المنظمة لهذا الاجراء نجد في المقابل قانونا آخر و يتعلق الامر بالقانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين.
تعتبر الخبرة إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في الفصول من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية و هي عبارة عن استشارة فنية أو تقنية يلجأ إليها القاضي خلال انتدابه لخبير متخصص يستعين بخبرته في مجال إثبات النزاع المعروض عليه ،  و فقد يصعب أحيانا على القاضي أن يباشر التحقيق في النزاع المعروض عليه بشأن واقعة كليا أو جزئيا بصفة شخصية و مباشرة لذلك يجوز له الاستعانة بالخبراء المختصين في كل المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب نقطة فنية معينة أو كان الفصل في النزاع يتوقف على معرفة معلومات فنية في أي فرع من فروع المعرفة إذ ليس على القاضي أن يكون خبيرا في كل المواد و الامور التقنية المطروحة عليه بل يفترض فيه أن يكون ملما بالمبادئ القانونية و القواعد الفقهية و الاحكام القضائية التي هي من صميم وظيفته لذا يمكنه تعيين خبير و لكن هذا لا يمكن أن يكون في أي حال من الاحوال منح من صلاحيات القاضي للخبراء مثل سماع الشهود أو إجراء تحقيق فللقاضي الحرية في ندب الخبير دون التنازل له عن صلاحياته المخولة له قانونا .
غير أن الاستعانة بالخبير لا تعني البتة التدخل في الأمور القانونية أو التدخل في سلطة القاضي،فعمل الخبير ينحصر و يتحدد فقط في الامور الفنية و التقنية
و الالتجاء إلى الخبرة ازداد انتشارا في الحياة العملية ليس فقط لتشعب المعارف الانسانية و صعوبة إلمام الحاكم ، و إنما أيضا رغبة من الحكام في كثير من الاحيان في الإعراض عن القيام بمهمة المعاينة و إلقائها على الخبراء و هذا اتجاه ضار يسير بميل الحاكم إلى الاخذ برأي الخبير و يحول هؤلاء في الواقع إلى حكام  . كما أن الاعتماد على الخبرة قد يؤدي في بعض الاحيان إلى انسياق القاضي وراء نتائج الخبرة  . إلا أن هذا الرأي غير مبرر على الاطلاق على اعتبار أن القاضي تبقى له السلطة التقديرية الواسعة للاطمئنان إلى نتائج الخبرة أو عدم قبولها . مادام هو الذي يعين الخبير و هو الذي يأمر بإجراء الخبرة بناء على حكم تمهيدي في القضية .
و الخبرة كإجراء من إجراءات التحقيق لا يِؤمر بها أمام قضاء الموضوع بناءا على طلب أصلي بل يؤمر بها في إطار دعوى الموضوع الرائجة . و هو ما أكده المجلس الاعلى من خلال عدة قرارات صادرة عنه.
و للقاضي وحده سلطة تقدير مدى ضرورة اللجوء إلى الخبرة من عدمها و لا معقب عليه في الامر أو عدم الامر بها و لا في قبول الطلب المقدم بشأنها أو رفضه. فله يرجع تقدير عدم اللجوء إلى الخبرة في موضوع لا يحتاج بطبيعته إلى الاستعانة بخبير أو في مسائل غير متنازع عليها أو لا تحتاج إلى إثبات أو في وقائع غير منتجة في الدعوى. و قد سبق لمحكمة النقض المصرية أن عالجت هذا الاشكال حيث جاء في أحد قراراتها أن تعيين الخبير في الدعوى من الرخص المخولة لقاضي الموضوع وله وحده تقدير لزوم أو عدم لزوم هذا الاجراء و لا معقب عليه في ذلك متى كان رفضه إجابة طلب تعيين الخبير قائما على أسباب مبررة له نقض مدني 16/9/1948.
فقاضي الموضوع لا يخضع لرقابة محكمة النقض في حالة ما إذا استجاب لطلب الخبرة المقدم له. فإلا نه يبقى ملزما بتبرير موقفه الصادر برفض الاستجابة لطلب الخبرة بأسباب مقبولة و مبررة حتى لا يعتبر رفضه غير المبرر إخلالا بحق الدفاع . و هنا نسجل قرار لمحكمة النقض المصرية حيث جاء فيه : إذا كان طلب التحقيق بواسطة أرباب الخبرة جائزا قانونا و كان هذا التحقيق هو الوسيلة الوحيدة للخصم في إثبات مدعاه فلا يجوز للمحكمة رفضه بلا سبب مقبول فإذا الناظر أن الربع في السنين التي يطلب المستحق حقا فيها يضيق عن أن يسع هذا الاستحقاق كاملا و قدم للمحكمة حساب تلك السنين و هو حساب معتمد من لجنة معينة بكتاب الوقف و طلب إلى المحكمة تعيين خبير لفحصه للتثبت من صحة ادعائه فلم تعبأ المحكمة بطلبه بل قضت ضمنا بلا سبب ظاهر مقبول كل هذا الرفض مصادرة للناظرة في وسيلته الوحيدة في الاثبات التي هي حق له لا يسوغ قانونا حرمانه منه و صح طعنه من هذه الجهة في الحكم.
 كما أن القاضي غير ملزم بالاخذ بالخبرة حتى بعد إنجازها و هو ما أشار المجلس الاعلى حيث جاء في أحد قراراته ما يلي :أن الخبرة غير ملزمة للمحكمة و إذا تعددت الخبرات فللمحكمة في إطار سلطتها التقديرية اختيار الخبرة التي تراها مفيدة...) .
و هناك قرار آخر أيضا للمجلس الاعلى جاء فيه : يكون تقرير الخبرة عنصرا من عناصر الاثبات التي تخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع دون رقابة عليهم من المجلس الاعلى ما لم ينع عليهم أي تحريف لها
نفس الشيء ما أكدته محكمة النقض المصرية : و إن كانت لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير رأي الخبير دون معقب عليها باعتبار أن رأيه لا يخرج عن كونه عنصرا من عناصر الاثبات و أن لها أن تأخذ بتقديره متى اقتنعت بسلامة و كفاية أبحاثه إلا أن أخذها بتقرير الخبير مشروط بأن تبني المحكمة كيف أفاد الخبير معنى ما استخلصته منه.
كما أن هناك قرار آخر لمحكمة النقض المصرية حيث جاء فيه :  إن الطبيب ليس هو من يعطي الوصف القانوني للحالة المرضية التي يشاهدها بل الشأن في ذلك للقاضي الذي يملك أن يقيم قضاءه بطلان العقود لعته المتصرف على ما يطمئن إليه من شهادة الشهود و القرائن و لو كانت مخالفة لرأي الطبيب إذ للقاضي مطلق الحق في تقدير ما يدلي به الخبراء من آراء "
و إذا كانت للقاضي سلطة تقديرية في الاستجابة لطلب الخبرة فإنه في بعض الحالات الاخرى تكون الخبرة إجراء لا مناص منه مثلا كدعاوى المطالبة بإجراء قسمة عينية في مال عقار مشاع أو بإبطال تصرف قانوني للغبن أو بتعويض عن حوادث السير أو حوادث الشغل أو التحجير بقيام موجباته و أسبابه بقصد التأكد منها ، أو بإثبات النسب إلى جانب ما نص عليه الفصلان 202 و 209 من قانون الالتزامات و العقود بخصوص بيع المال المنقول و المال العقار لقاصر إلى غيرها من الحالات التي يتعذر فيها على المحكمة الفصل في موضوع النزاع دون اللجوء إلى الخبرة التي تصبح في هذا الصدد مسألة قانونية تطالها مراقبة محكمة النقض  .
إن الحديث عن الخبرة يجرنا لتحديد طبيعته القانونية . فهناك من التشريعات من اعتبر الخبرة وسيلة إثبات كالتشريع الفرنسي و التشريع البلجيكي و التشريع المصري . و هناك من التشريعات من اعتبرها مجرد إجراء من إجراءات التحقيق أي مجرد إجراء يساعد القاضي على تنوير مسألة فنية معينة. و من هذه التشريعات هناك التشريع المغربي و التشريع الايطالي. إلا أن بعض الفقه المغربي اعتبر أن الخبرة وسيلة من وسائل الاثبات.
و من أجل توضيح الطبيعة القانونية للخبرة سواء باعتبارها وسيلة إثبات أو باعتبارها إجراء من إجراءات التحقيق ، فلابد أن نتصدى لها على المستوى التشريعي لكل من القانون المصري و الفرنسي و البلجيكي و المغربي على حد سواء .
على مستوى القانون المصري نلاحظ أن المشرع المصري لجأ إلى جمع شتات القواعد الموضوعية و الاجرائية معا في تقنين واحد و مستقل تجنبا للصعوبات التي تنجم عن تشتيت مواد الاثبات بين القانون المدني و قانون المرافعات. حيث تضمن قانون الاثبات المصري 8 أبواب و أورد الخبرة في الباب الثامن بعد الاحكام العامة و الادلة الكتابية و شهادة الشهود و القرائن و حجية الامر المقضي به و الاقرار و الاستجواب و المعاينة و بالتالي يتضح أن المشرع المصري جعل من الخبرة وسيلة من وسائل الاثبات.
بخصوص المشرع الفرنسي نلاحظ أنه بدوره جعل من الخبرة وسيلة من وسائل الاثبات حينما قام بإدخال الخبرة ضمن القواعد الاجرائية التي نص عليها قانون المرافعات الفرنسي الجديد الذي صدر سنة 1975 في الفصول من 263 إلى 283.
أما بخصوص القانون البلجيكي فهو أيضا اعتبر الخبرة وسيلة من وسائل الاثبات حينما ألحقها بالفصل السادس من الجزء الخاص بالاثبات في المواد من 962 إلى 991.
يمكن القول على العموم تقدير الخبرة تخضع للسلطة التقديرية للقاضي و أساس هذه السلطة الممنوحة للقاضي إنما يستمدها من المبدأ المتمثل في حرية القاضي في تكوين عقيدته أو قناعته.
و قد سبق للمحكمة العليا بالجزائر أن أيدت هذا الطرح حيث جاء في أحد قرارتها : " إن الخبرة كغيرها من أدلة الإثبات خاضعة لتقدير قضاة الموضوع ".
و هناك قرار آخر صدر عنها أيضا : " من المقرر قانونا أن القضاء بتفضيل خبرة عن أخرى يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع التي خولها لهم القانون، ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وانعدام الأساس القانوني في غير محله ويتعين"
•حجية الخبرة بعد إنجازها :
عند انتهاء الخبير من إنجاز المهمة المنوطة به في إطار الضوابط القانونية المنظمة لسير عمل الخبرة القضائية، يدع تقريره والذي غالبا ما يكون مكتوبا بكتابة الضبط للمحكمة المختصة التي تتولى التأشير عليه، وبه يضمن الخبير كل الملاحظات العلمية أو الفنية والخلاصة التي توصل إليها حسب ما ورد في الأمر التمهيدي والإجابة على الأسئلة الفنية المحددة من طرف قاضي الموضوع، والمشرع المغربي لم ينظم شكلية معينة للحلة التي يجب أن تصاغ فيها تقرير الخبرة ³ وإنما اكتفى بالإشارة فقط من خلال مقتضيات المادة 60 من قانون المسطرة المدنية إلى ما يلي : "إذا كان التقرير مكتوبا حدد القاضي الأجل الذي يجب على الخبيران أن يضعه فيه وتبلغ كتابة الضبط الأفراد بمجرد وضع التقرير المذكور بها، لأخذ نسخة منه.
إذا كان التقرير شفويا حدد القاضي تاريخ الجلسة التي سيستدعي لها الأطراف بصفة قانونية ويقدم الخبير تقريره الذي يضمن في محضر مستقل.
يمكن للأطراف أخذ نسخة من ذلك المحضر وتقديم استنتاجاتهم حوله عند الاقتضاء"
وأشار المشرع كذلك في المادة 64 من قانون المسطرة المدنية إلى إمكانية القاضي إذا لم يجد في تقرير الخبرة الأجوبة على النقط التي طرحها على الخبير أن يأمر بإرجاع التقرير إليه قصد إتمام المهمة، كما يمكنه تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف استدعاؤه لحضور الجلسة التي سيستدعي لها جميع الأطراف لتقديم الإيضاحات والمعلومات اللازمة التي تضمن في محضر يوضع رهن إشارة الأطراف .
وأعتقد أنه كان يتعين على المشرع المغربي أن يقوم بدمج المادتين في مادة واحدة تتولى تنظيم أحكام إيداع تقرير بكتابة الضبط والتأكد من استيفائه كل الشروط القانونية والإجابة الدقيقة على مضمون الأمر التمهيدي، آنئذ تمكين الأطراف بنسخة منه قصد التعقيب عليه وذلك من أجل ضمان البت في القضايا التي تقرر فيها إجراء الخبرة في أمد وجيز وتفادي البطء وتطويل الإجراءات المسطرية .
وهكذا فإن تقرير الخبرة يكون دائما محلا لمناقشة أطراف النزاع وموضوعا لطعونهم ولذلك يمكن مثلا لمن قدم التقرير في مصلحته أن يستند إلى ما تضمنه من أبحاث وحجج وآراء وما توصل إليه الخبير من نتائج وما اشتمل عليه محضر الأعمال من الأقوال والملاحظات للتدليل على صحة ادعائه وسندا له كما يكون لهذا الخصم أن يفسر ما غمض من عبارات التقرير بما يتفق مع مصلحته في الدعوى المثارة أمام المحكمة .
أما الخصم الآخر فله الحق أيضا في مناقشة مضامين هذا التقرير فيفند ما جاء فيه مبرزا ما يحتوي عليه من تناقض بين أجزائه أو خطأ في بياناته أو فساد في الرأي أو الاستدلال أو في الاستنباط وله أن يطعن في المقدرة العلمية أو الفنية للخبير انطلاقا من الهفوات التي يشملها تقريره، ولمحكمة الموضوع كذلك الحق في مناقشة تقرير الخبرة على النحو الذي أشارت إليه المادة 64 من قانون المسطرة المدنية .
وفي هذا الصدد يمكن أن نتساءل عن مدى حجية تقرير الخبرة من حيث الإثبات؟ ومتى يتقرر بطلان تقرير الخبرة القضائية وماهي سلطة المحكمة إزاء تقرير الخبير؟ وما هو مركز الخبرة أمام محكمة الاستئناف كدرجة ثانية من درجات التقاضي وأمام المجلس الأعلى باعتباره محكمة قانون؟
إن التقرير الذي ينجزه الخبير بناء على انتداب من المحكمة كقاعدة عامة له قوة ألإثبات التي تكون عادة للأوراق الرسمية في شأن ما أثبته هذا الخبير من الوقائع التي شاهدها أو سمعها أو علمها أو استنتجها في حدود الاختصاصات التي أوكلت إليه. فمادام الخبير يقوم بمهمته في التحقيق والتقصي والبحث بمثابة الوثيقة الرسمية التي لا يمكن إثبات عكس ما ضمن بها مبدئيا إلا عن طريق الطعن بالتزوير خاصة وأن الخبير لا يباشر مهمته هذه إلا بعد تأديته لليمين القانونية. وهكذا فتقرير الخبير حجة في الإثبات بشأن مختلف بياناته المتعلقة بتاريخه وبحضور الخصوم في الدعوى أمامه أو تخلفهم عن ذلك الحضور، وبجميع الأمور المادية التي حققها الخبير والأعمال الشخصية التي أنجزها في حدود المأمورية الفنية أو العلمية التي انتدب من أجلها، ومن غير المعقول والمنطق قبول شهادة الشهود للتدليل على خلاف تلك البيانات، وقد جاء في قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 23 شتنبر 1995 :" لكن حيث إنما جاء بهذا الفرع خلاف الواقع ذلك أن الخبير وهو شخص محلف يشهد في تقريره بأنه قام باستدعاء المشغلين لحضور عملية الخبرة فامتنعوا عن الحضور بدعوى أنهم وضعوا تصريحهم المشار إليه بالقضية بمكتب الضبط بتاريخ 17 فبراير 1977 بالإضافة إلى أن الخبرة حسب تنصيصات القرار قد بلغت للمشغلين الطاعنين فلم يطعنوا فيها بأي مطعن قانوني مما جعل هذا الفرع خلاف الواقع الأمر الذي يجب عدم قبوله" .
غير أنه ما عبر عنه أطراف النزاع من أقوال أو ملاحظات أو مؤاخذات وأثبته الخبير القضائي في التقرير الذي أعده فالراجح أن تكون لمحكمة الموضوع السلطة الكاملة في تقريرها عند تكوين اعتقادها بشأنها، أما ما يخرج عن نطاق اختصاص الخبير ولا يمت بصلة بمأموريته فيمكن دحضه بكافة وسائل الإثبات.
مما لا شك فيه أن ما يتوصل إليه الخبير من نتائج فنية أو علمية ويضمنها في صلب تقريره لا تكون له القوة المطلقة وإنما يحق لأطراف الدعوى دائما إثبات خطئه أو سهوه أو عدم مطابقته للواقع ولهم في ذلك اللجوء إلى كافة وسائل الإثبات الممكنة وخاصة متى اطمأن قاضي الموضوع إلى ذلك الإثبات، وعمليا كثيرا ما يلجأ المتقاضون في هذا الإطار إلى طلب إجراء خبرة مضادة محاولة منهم لكشف خلاف ما قرره الخبير أو على الأقل إبراز الهفوات والثغرات التي لامست التقرير المنجز والمعترض عليه، والأكثر من ذلك فإنه لا يوجد من يمنع قاضي الموضوع من اللجوء إلى خبرة جديدة، إذا لم يقتنع بالخبرة الأولى وذلك انسجاما مع المقتضيات القانونية المنظمة للنظام القانوني للخبرة في التشريع المغربي والمنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية .
القيود الواردة على سلطة القاضي في تقدير رأي الخبير :
إن مبدأ حرية القاضي في الأخذ بالخبرة أو عدم الأخذ بها قد لا يكون مطلقا، ذلك أنه في حالة اتفاق الأطراف مسبقا وبكل حرية على الالتزام بما يتوصل إليه الخبير فإن القاضي لا يمكنه مخالفة ذلك، لأن الأطراف أحرار في التصرف في حقوقهم، كما أنه في حالة موافقة جميع الأطراف على نتائج الخبرة بعد إنجازها فإن القاضي لا يمكنه رفض تلك الخبرة خاصة من الناحية الموضوعية . و لا يمكن للقاضي وهو يتفحص المعلومات والبيانات التقنية الواردة في الخبرة أن يرجح رأيه الشخصي على رأي الخبير في المسائل التقنية، ففي مجال تقدير الضرر الجسماني الناتج عن حادث مرور لا يسوغ لقضاة الموضوع أن يعيدوا النظر في نتائج الخبرة بتقرير تخفيض نسبة العجز الجزئي الدائم مثلا المحدد من الخبير إلا عن طريق خبرة أخرى . كما أن القاضي و إن كانت له صلاحية تفسير الخبرة إلا أنه يتعين عليه أن لا يحرف مضمون هذه الخبرة، وقد عرف القضاء حالات عديدة تم فيها إلغاء الأحكام والقرارات بسبب تحريفها  لتقارير الخبرة أو لخطئها في فهم مضمونها.
وتجدر الإشارة إلى أن الاختلالات الواضحة في تقارير الخبراء وعدم التقيد بالنقط الفنية المحددة في الأمر التمهيدي أو الإجابة عنها بشكل غامض . يجعل الخبرات المنجزة على هذا النحو مشوبة بطابعها المعيب وهذا ينعكس سلبا على أطراف الخصومة والسير العادي للملفات المعروضة على القضاء وتصريف قضايا المتقاضين في آجال معقولة، وفي هذا الصدد نص القرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 435 بتاريخ 8/10/2003 ملف شرعي عدد : 473/2/1/2002 " أن هذه الخبرة إنما حددت نصيب كل مجموعة بالأمتار دون أن تفرز نصيب كل واحد من الورثة أطراف النزاع بحدوده وتبين الطرق والممرات المؤدية إليه وتوضح ذلك بأي رسم هندسي يبين ما ذكر فإن القرار المطعون فيه لما اعتمد على مشروع الخبرة المذكور رغم ما شابه من غموض وإبهام وقضى وفقه، فإنه يكون ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه مما يعرضه للنقض."
إن سلطة المحكمة في اعتماد تقرير الخبرة مقيدة بقواعد الإثبات التي حددها القانون، فلا ينبغي لها تجاوزها أو مخالفتها، فإذا قدر المشرع ضرورة الإثبات بدليل معين فإنه يمتنع على القاضي أن يجيز الإثبات بدليل في غير الحالات التي يجيز فيها القانون الإثبات بمقتضاه ويتعين على القاضي أن يبين في حكمه الدليل الفني الذي يستند إليه في تقرير وجود أو عدم وجود الواقعة الفنية ، مع بيان مؤداه حتى يتحدد الدليل الذي كونت منه المحكمة اقتناعها بوجهة نظرها، لأن حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص الوقائع مشروط أن تفصح المحكمة عن مصادر الأدلة،و إذ لم يبين القاضي الدليل الذي استند عليه  في استيقاء المعلومات الفنية فإنه يكون قد قضى بعلمه الشخصي وهذا أمر غير جائز بإجماع الفقه والقضاء، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل الفنية التي تحتاج إلى رأي وخبرة أهل الاختصاص بعلمها بل يجب عليها الرجوع إلى رأي أهل الخبرة.

الفقرة الثانية : المعاينة و الانتقال الى عين المكان

في هذه الفقرة سنعالج و سيلة المعاينة و الانتقال الى عين المكان كوسيلة من وسائل الاتبات من حيث دورهما في الاتبات ، و سلطة القاضي الواسعة في تقدير حجيتها :
أولا : دور معاينة و الانتقال الى عين المكان في الاتبات
عالج المشرع المغربي و سيلة معاينة الأماكن كإجراء تحقيق في الفصول 65 الى   70 من  القانون الالتزامات و العقود ، و المعاينة هي مشاهدة المحكمة بنفسها لحل النواع على الطبيعة حتي تتمكن  من تكوين فهم واقعي صحيح للقضية المعر وضة عليها ليساعدها على الفصل فيها ، إذا لم توجد أوراق الدعوى ما يكفي لذلك
‘ن إجراء الانتقال الى عين المكان أو المعاينة أجراء يباشره القاضي بصفة شخصية و مباشرة و بالمعاينة يمكن للقاضي أن يستجلية كل العناصر المرتبطة بالنزاع ، و بمشاهدته على أرض الواقع ما يرتبط بنقط الخصومة بصورة مكشوفة تساعده في تعليل حكمه و تبرير منطوقه ، كما هو الحال بالنسبة للبحث الذي يجره في مكتبه بين أطراف النزاع و الذي من خلاله يستهدف الوصول الى حقيقة النزاع ، ومن ثم فالمعاينة تمكن القاضي من الأضطلاع على وقائع لم يكون بإستطاعته  الأضطلاع عليها داخل الجلسة .
من خلال ما سبق الدور الإجابي للقاضي في تعامله مع هذه الوسيلة ، وهو ما أكده العمل القضائي من خلال عدة قرارات صدرت في الموضوع  ,و بواسطتها يستطيع القاضي استجلاء حقيقة النزاع و معرفة ملابسات الدعوى و تكوين قناعته ,و ينص الفصل 68 من قانون المسطرة المدنية على ان اذا كان موضوع الانتقال يتطلب معلومات لا يتوفر عليها القاضي امر فينفس الحكم بتعيين خبير لمصاحبته اثناء المعاينة و ابداء رأيه و ذلك بمقتضى حكم تمهيدي كاجراء من اجراءات التحقيق ,فان المشرع المصري نص من خلال المادة 133 من قانون الاثبات على مقتضى جديد لا يتوفر في قانون المسطرة المدنية مفاده جواز رفع الدعوى الاصلية امام قاضي الامور المستعجلة بطلب الانتقال لاجراء معاينة و اثبات حالة يخشى ضياع معالمها او يحتمل ان تصبح محل نزاع امام القضاء او لرفع  ضرر حال لدرك خطر محدق و داهم قد يتعدر تفاديه مستقبلا,و له ان يعقد جلسة لسماع ملاحضات الخصوم في ضوئ تقرير الخبير
2_اتساع سلطة القاضي في تقدير حجية المعاينة و الانتقال الى عين المكان.
لا يمكن للقاضي المدني ان يحكم بعلمه الشخصي و في غياب اطراف الخصومة  من غيز احترام حقوقهم في الدفاع .فان معاينته و انتقاله الى مكان النزاع المعروض عليهبعد تحديد اليوم و الساعة,يتمان بحضور جميع الاطراف و من ينوب عنهم ,و ايضا بحضور كاتب الضبط المكلف بانجاز محضر قانوني يضمن فيه كل وقائع الاجراء ، ويبقي للمحكمة سلطة تقديرية في الأمر تلقائيا باجراء معاينة الأماكن أو الوقوف على معاينة المكان ، أو رفض الطلب يتقدم به بهذا الخصوص أطراف الدعوى ، و يبقي عليها تعليل رفض الطلب اذا تقدم به أحد خصوم الدعوى لمعاينة المكان .
و ينص الفصل 96 من قانون المسطرة المدنية أن يجوز للقاضي علاوة على ذلك أن يستمع أثناء الانتقال الى الاشخاص الدين يعينهم و أن يقوم بمحضرهم للعمليات التي يرها مفيدة ذلك دون وساطة  الغير  وذك من خلال الاتصال المباشر بالأطراف و بشهود و هذا كله بغية التوصل الى حل بين أطراف الخصومة .
وهكذا فالقاضي أن يستخلاص من معاينة بعض الوقائع مجموعة من القرائن القاطعة التي تساعده في الإثبات  و هذه النتيجة تكون بحضور أطراف الخصومة و تحت رقابتهم ، و عند الأقتضاء بحضور الخبير يعينه لمرافقته .
و تكون هذه الإجراءات الحجية ثبوتية أي التي ضمنت في مضر قانوني سواء بين أطراف الخصومة أو اتجاه الجهات القضائية ، اد أن للقاضي أن يعتمدها في اتبات النزاع المعروض عليه كدليل من أدالة الاتبات .
و للقاضي السلطة التقديرية الواسعة في قيام بالمعاينة من عدمه ، أو في قبول الطلب المقدم بشأنها أو رفضه مادا تأكد أن القيام بها غير مجدي للنزاع ، أو في الأمر بها أ اتجاد القرار بالعدول عنها متى طهرت وسائل الاتبات أخرى ، أو وجدت ضمن أوراق الدعوى ما يكفيه للفصل فيها .
وللقاضي أن لا يعتمد على الاستنتاجات التي انتهى اليها في اجراء المعينة متى توفرت في يده أسباب أخرى يستند اليها لظهور الحقيقة وبناء الحكم و تعليله بها ، وكل هذا تحت رقابة محكمة النقض .
وقد جاء الفرع الثالث من الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلق بإجراءات التحقق التي يملك فيها القاضي سلطة واسعة في تقدير الواقائع و الاعتماد على سلطتهم و ما يره مناسبا و منتجا لتبيان حقيقة النزاع و جوهره و اصدار حكمه البث فيه .
و لا يجب أن يتم إغفال أن محضر المعاينة التي يقوم بها القاضي يعتبر في جميع الأحوال دليلا قائما في الدعوى يتحتم ان يقول كلمته فيها ،و اذا كان من سلطته استبعاده  متى توفرت اسباب اخرى لاثبات الدعوى اقتنع بها و اسس حكمه عليها ،فانه متى ضرب صفحا عن نتيجة المعاينة فاستبعدها من غير ان تتوفر لديه ادلة اخرى في اثبات الدعوى ، وجب عليه  ان يعلل موقفه و الا تعرض حكمه للنقض لعدم التعليل و التسبيب.

خاتمة 
ﺘﻨﺎﻭﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﺴﻠﻁﺔ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﻓﻲ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﺃﺩﻟﺔ ﺍﻹﺜﺒﺎﺕ ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺍﻹﺸﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﺤﻭل ﻤﻭﻀﻭﻉ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ﺘﺩﻭﺭ ﺤﻭل ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺩﻭﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﻭﻡ ﺒﻪ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﺃﺩﻟﺔ ﺍﻹﺜﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺩ ﻴﺄﻤﺭ ﺒﺎﺘﺨﺎﺫﻫﺎ، ﻭﻫﻲ ﻤﺭﺤﻠﺔ ﻤﻌﻘﺩﺓ ﻭﺸﺎﺌﻜﺔ ﻤﻥ ﻤﺭﺍﺤل ﺴﻴﺭ ﺍﻟﺨﺼﻭﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ.  ﻭﺃﺼﺒﺢ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﻌﺏ ﺍﻟﻴﻭﻡ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﻤﺠﺭﺩ ﺤﻜﻡ ﻴﺭﺠﺢ ﻜﻔﺔ ﺃﺤﺩ ﺃﻁﺭﺍﻑ ﺍﻟﻨﺯﺍﻉ  ، ﻓﻲ ﻀﻭﺀ ﻤﺎ ﻁﺭﺡ ﻋﻠﻴﻪ ﻤﻥ ﺃﺩﻟﺔ ﻭﺃﺴﺎﻨﻴﺩ ﺩﻭﻥ ﺇﻋﻤﺎل ﻟﻔﻜﺭﻩ ﻭﺘﻘﺩﻴﺭﻩ ﺇﺯﺍﺀ ﺘﻠﻙ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻭﺫﻟﻙ ﻟﺘﻐﻴﺭ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺤﻴﺎﺩ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ ﻟﻠﺨﺼﻭﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ.  ﺇﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻙ ﻭﺒﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻴﺸﻜل ﻤﺭﻓﻘﺎ ﻋﺎﻤﺎ ﻭﻻ ﺒﺩ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ ﺼﻼﺤﻴﺎﺕ ﻭﻨﻔﻭﺫ ﻭﺍﺴﻊ ﻋﻨﺩ ﺒﺤﺜﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺤﺘﻰ ﻴﺠﻌﻠﻬﺎ ﻤﻁﺎﺒﻘﺔ ﻗﺩﺭ ﺍﻹﻤﻜﺎﻥ ﻤﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺌﻴﺔ، ﻜﻤﺎ ﻻﺒﺩ ﻤﻥ ﺘﺨﻠﻴﺼﻪ ﻤﻥ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻴﻭﺩ ﺍﻹﺠﺭﺍﺌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻤﻥ ﺸﺄﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺘﻌﺭﻗل ﻤﺒﺎﺩﺭ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﻓﻲ ﺴﺒﻴل ﺒﺤﺜﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.  ﻜﻤﺎ ﺃﻨﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻥ ﻤﺨﻠﻔﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﻴﺩ ﺇﻟﻰ ﺤﺩ ﺸﺒﻪ ﺘﺎﻡ ﺴﻠﻁﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺠﺔ ﺘﻬﻤﻴﺵ ﺩﻭﺭﻩ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺒل ﻴﻘﺭ ﺒﺴﻴﻁﺭﺓ ﺸﺒﻪ ﻤﻁﻠﻘﺔ ﻟﻠﺨﺼﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺩﻋﻭﻯ ﺒﺠﺎﻨﺒﻴﻬﺎ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻲ ﻭﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻲ ﺍﺴﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﻤﺒﺩﺃ ﺃﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻹﺠﺭﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻭﻫﻭ ﻤﺒﺩﺃ ﺤﻴﺎﺩ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ .
ﻓﻼ ﺒﺩ ﻤﻥ ﻤﻭﺍﻜﺒﺔ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﻴﺔ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﻁﻲ ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ ﺴﻠﻁﺎﺕ ﻭﺍﺴﻌﺔ ﺘﺨﻭل ﻟﻪ ﺍﻹﺠﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻀﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻭﻕ ﻷﺼﺤﺎﺒﻬﺎ، ﻜﻤﺎ ﺘﻘﺭ ﻟﻪ ﺒﺄﺩﻭﺍﺭ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻹﻴﺠﺎﺩ ﺤﻠﻭل ﺃﻜﺜﺭ ﻋﺩﻻ ﻭﺇﻨﺼﺎﻓﺎ ﻓﺎﻹﺠﺘﻬﺎﺩ ﻻ ﻴﺯﺍل ﻴﺅﺩﻱ ﺩﻭﺭﺍ ﻤﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﻤﺔ ﺴﻭﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎل ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﺌﻲ .

_____________________________
الهوامش:
1- سلطة القاضي في تقدير أدلة الاثبات في المواد المدنية ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص  ص 6
2- يحي بكوش أدلة الاثبات في القانون المدني الجزائري و الفقه الاسلامي – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر طبعة الثانية ص 71
3- تم تعديل المادة 1317 بالقانون 32/11-03-2003
4- أحمد نشأت ، رسالة الاثبات الطبعة السابعة 1998 دار الفكر العربي الجزء الاول ص 182 اورده سعيد بناني في كتابه تحت عنوان الاثبات في المنازعات المدنية دراسة عملية و علمية على ضوء القانون المغربي و الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض الطبعة الاولى 2014 مكتبة دار السلام الرباط ص 134
5- L’acte authentique est celui a été reçu par officiers publics ayant le droit d’instrumenter dans le lieu ou l’acte a été rédigé et avec les solennités requise . le loi 25 ventôse an 9 contenant organisation du notariat.
6- عبد الكريم شهبون الشافي في شرح قانون الالتزامات و العقود المغربي الكتاب الاول الالتزامات بوجه عام الجزء الثالث مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الاولى 1999 الصفحة 312
7- بنسالم أوديجا .سلطة القاضي في الاثبات في المادة المدنية أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال الرباط السنة الجامعية 2014/2015 ص 32
8- بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 36
9- قرار صادر عن الغرفة الشرعية بتاريخ 22/7/1997 تحت عدد 500 في الملف العقاري رقم 92/5578 منشور بمجلة القضاء المجلس الاعلى العدد 52 الصفحة 112 إذ ورد فيه " لابد من الاشهاد على طرفي الالتزام بمقتضى الالتزام و الاشهاد على طرف دون الطرف الاخر لا يكفي لقيام الالتزام و تبوته و لذلك فإن رسم الرهن الذي يشهد فيه الراهن به دون المرتهن لا يكفي حجة في إثبات الرهن "
10- ادريس العلوي العبدلاوي وسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي.الطبعة الاولى 1977 ص 84
11- محمد حسين منصور  الاثبات التقليدي و الالكتروني دار الفكر الجامعي الاسكندرية طباعة 2010 ص 75
12- قرار صادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 6/12/1988 تحت عدد 1486 في الملف الشرعي رقم 5522/97 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى العدد 42-43 ص 132
13- عبد الرزاق السنهوري الوسيط في القانون المدني الجديد الجزء 2 دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان ص 246
14- يحي بكوش مرجع سابق ص 161 
15- عبد الرزاق السنهوري مرجع سابق ص 473
16- L’aveu de la partie que l’on appelle aussi en droit confession n’ast pas autre chose que le témoingnage que le débiteur rend a la vérité d’une obligation ou d’un fait qui s’y rapporte c’est un acte de sa voionté ou de son consentement par lequel il déclare reconnait pour vrai soit le fait en contestation soit un autre qui peut service de premier ou conduire a cette preuve c’est en un mot le oui de débiteur qui reconnait pour vrai le fait ou la dette dont il s’agit …msr C.B.M. toullier le droit civil français suivant l’ordre du code cinquiéme edition 1842 tome dixieme page 246
17- خالد سعيد الاثبات في المنازعات المدنية دراسة علمية و عملية على ضوء الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض الطبعة الاولى 2014 مكتبة دار السلام – الرباط ص82 
18- بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 207
19- بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 49
20- سامر تركاوي الادلة الملزمة للقاضي في المواد المدنية . بحث منشور على الموقع الالكتروني التالي http://www.damascusbar.org/AlMuntada/showthread.php?t=16538 تم الاطلاع عليه يوم 17/01/2017 
21- القرار رقم 40402 المؤرخ في 17/06/1987 المجلة القضائية لسنة 1990 العدد الرابع.
22- خالد سعيد مرجع سابق ص 106
23- قرار عدد 128 بتاريخ 05/03/1965 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 7 دجنبر 2000 ص 24 أورده خالد سعيد مرجع سابق                ص 106.
24- قرار بتاريخ 25/03/1986 قضاء المجلس الاعلى الاصدار الرقمي عدد 40 دجنبر 2000 ص 142 أورده خالد سعيد مرجع سابق ص 106
25- عبد المنعم عبد الوهاب محمد . الاقرارا في الاثبات المدني .أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص جامعة سانت كليمنتس السنة الجامعية 2014 ص 143 .
26- ادريس العلوي العبدلاوي مرجع سابق ص 169 
27- محمد بن معجوز وسائل الاثبات في الفقه الاسلامي الطبعة الاولى 1984 بدون دكر المطبعة ص 41
28- قرار عدد 514 هيئة موسعة أولى 1988 في 30/01/1989 
29- عبد المنعم عبد الوهاب محمد مرجع سابق ص 142
30- ادريس العلوي العبدلاوي مرجع سابق ص 129
31- ادريس العلوي العبدلاوي مرجع سابق ص 134
32- ينص الفصل 453 من قانون الالتزامات و العقود على مايلي : القرينة القانونية تعفي لمن تقررت لمصلحته من كل لإثبات .و لا يقبل أي إثبات يخالف القرينة القانونية 
33- الفصل 1352 من القانون المدني الفرنسي
34- بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 53
35- الفصل 1350 قانون المدني الفرنسي 
36- الفصل 253 من قانون الالتزامات و العقود بأنه : إذا كان الملتزم به إرادا مرتبا أو وجيبة كراء أو غيرها من الاداءات الدورية ، فإن التوصيل الذي يعطى من غير تحفظ عن قسط معين يقوم قرينة على حصول الوفاء بالاقساط المستحقة عن مدد سابقة لحصوله.
37- مادة 136 و 137 من قانون مدني مصر
38- فصول 85 و 86 و 87 من ق م م  
39- فصل 1357 قانون مدني فرنسي 
40- فصل 114 قانون مدني مصري 
41- قرار المجلس الاعلى بتاريخ 01/06/1994 تحت عدد 1934 في الملف 91/3559 أورده بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 56
42- بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 56
43- بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 59
44- La partie qui a déféré ou rféré le serement ne peut plus de rétracter lorsque l’daberb a dévlaré qu’il est prét a faire ce derment
45- قرار محكمة النقض المصرية رقم 2651 لسنة 63 ق جلسة 26/11/2000 إذ ورد فيه ينحصر أثر اليمين على حسم النزاع فيما انصبت عليه و يعتبر مضمونها حجة ملزمة للقاضي و يسقط حق من وجهها في أي دليل آخر و يبقى الجزء الذي لم ترد عليه دون حسم تسري عليه القواعد العامة في الاثبات و هو نفس التوجه القضائي الذي سارت عليه المحكمة مند سنوات على غرار القرار البات في الطعن رقم 423 لسنة 26 ق جلسة 12/04/1962 السنة 13 ص 455 إذ ورد فيه أن حجية اليمين الحاسمة قاصرة على من وجهها و من وجهت إليه و لا بتعدى أثرها إلى غير الخصوم ة ينبني على ذلك أنه إذا شاب اليمين الموجهى إلى أحد الخصوم بطلان فلا يمتد أثر هذا البطلان إلى غيره ممن وجهت إليه اليمين الموجهة صحيحة كما أنه ليس لغير من وجهت اليمين الحاسمة إليهأن ينازع فيها أو يعرض على نوجيهها و كل ما للغير هو ألا يحاج بأثر هذه اليمين. "
46- بنسالم اوديجا ، مرجع سابق ،  ص 81 .
47- قدوري نور الهدى ،  مذكرة لنيل شهادة الماستر تخصص إدارة الأعمال ، تحت عنوان سلطة القاضي في تقدير أدلة الإثبات في المواد المدنية ، كلية الحقوق والعلوم السياسية  الجزائر ، السنة الجامعية 2014 – 2015 ، ص 44 .  
48 - قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 28 فبراير 1979 مجموعة المرافعات دالوز ص 4 طبعة 75 سنة 1983 .  
49 - مجموعة مرافعات دالوز صفحة 30 طبعة 75 لسنة 1983 .  
50 -عبد الرزاق السنهوري، الوجيز في شرح القانون المدني ، الجزء 2 ،-ص 312   .
51 - مصطفى محمود فراج ، طرق الإثبات في القانون الأردني ، سنة 2001 ، ص 29 .  
52 - الدكتور بنسالم اوديجا ، م.س ، ص 101 .  
53 - المادة 1368 من القانون المدني الفرنسي .
54 - المادة 119 من قانون الإثبات المصري .
55 - مصطفى محمود فراج ، م.س ، ص 44 .  
56 - الدكتور بنسالم اوديجا ، م.س ، ص91 .  
57 - قرار مؤرخ في 27/04/2005 تحت عدد 490 مكرر في الملف التجاري رقم 04/1059 ،منشور بقرارات المجلس الأعلى بغرفتين او بجميع الغرف لإدريس بلمحجوب الجزء الثالث الصفحة 274 وما يليها .  
58 - رضوان أرطيم الخبرة القضائية و دورها في حل المنازعات العقارية رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة محمد الاول كلية العلوم القانونية و الاقتصاية و الاجتماعية وجدة. السنة الجامعية 2011/2012 ص 1.
59 - بنسالم أوديجا مرجع سابق ص 103 
  Jean BEYNEL‚ Expertise‚ Expert et procédure‚ Journal des Notaires et des Avocats ‚ Paris‚ 1989‚ p 31.
60- آدم وهيب النداوي دور الحاكم المدني في الاثبات دراسة مقارنة الطبعة الاولى 2001 مكتبة روعة للطباعة عمان الاردن ص 373
61- Daniel BOURCIER‚ Monique DEBOIS‚ Les paradoxes de l’expertise‚ Institut Synthelabo‚ Paris‚ 1999‚ p 55.
62- قرار المجلس الاعلى بتاريخ 13 مارس 1985 تحت عدد 612 في الملف رقم 504 منشور بمجلة المحامي العدد 7 لسنة 1986 ص 85 قضى بما يلي : حيث أن الخبرة التي أمرت بها المحكمة أسندت إلى عريفين لا تثبت مستندات الملف أنهمت مدرجان بجدول الخبراء الرسميين فكان يجب لذلك اداؤهما اليمين القانونية قبل إنجاز مهمتهما و هو ما لا تتيثه المستندات في حين أن التقرير المنجز من طرفهما لا يتضمن أنها استدعيا الاطراف طبقا للقانون للحضور إلى الخبرة فجاءت لكل ذلك مخالفة لمقتضيات الفصلين 59 و 63 من ق م م  و أن المحكمة باعتمادها خبرة غير قانونية تكون قد خرقت المقتضضين القانونيين المذكورين و عرضت قرارها للنقض هذا مع العلم أنه يثار مشكل اداء اليمين من لدن الخبير المعنوي أي غير الشخص الطبيعي لما يتعلق الامر بمؤسسة فنية أة تقنية أو بمختبر جيني متخصص أو بمركز استشفائي فرئيس المؤسسة أو مدير المركز هو عاجة من يؤدي اليمين القانونية و لكن الخبرة تنجز من طرف فننين و تقنيين يعملون تحت إمرته.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -