انتظارات المتقاضين من حكامة القضاء

عرض بعنوان: انتظارات المتقاضي في ما له صلة بحكامة القضاء PDF

عرض بعنوان: انتظارات المتقاضي في ما له صلة بحكامة القضاء PDF

مقدمة
إن الهدف من وجود القضاء هو تحقيق العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه وحماية هذه الحقوق من كل تسلط أو تعدي، ولا يخفى على أحد دور تحقيق العدل بين الناس في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وقد قامت الشريعة الإسلامية على أساس العدل حيث جعل هللا سبحانه وتعالى من صفاته العدل. وفي هذا السياق جاءت آيات قرآنية كثيرة تحث على العدل حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "، وفي مقابل هذا فقد حذر الله سبحانه وتعالى من الظلم في آيات كثيرة من كتابه العزيز وجعله سببا في زوال الأمم وهلاكها فكم من أمة هلكت بسبب جورها وظلمها، حيث جاء في كتابه العزيز " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا"، وقال أيضا " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين".
وقد شكلت حماية المتقاضي ومحاولة تحقيق آماله وتطلعاته في جهاز القضاء أولوية من أولويات الدولة، وذلك نظرا لأهميتها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، إضافة إلى ترسيخ التوجه الذي تبنته الدولة في سبيل بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون وهو ما جاء في تصدير دستور فاتح يوليوز 2011.
والمتقاضي هو كل من يلج للقضاء و العدالة من أجل المطالبة بحقوقه أو الدفاع عن مصالحه، وقد شكلت الخطب الملكية الحجر الأساس في سبيل تحسين ضمانات المتقاضي، ووضع السبل للوصول لحقوقه، وهذا ما يتضح من خلال مجموعة من الخطب من بينها خطاب للملك الراحل الحسن الثاني الذي جاء فيه ما يلي: " من المعلوم أن القضاء أصبح يواجه تحديات جديدة سواء بالنسبة للمغرب أو غيره من البلدان، تحتم عليه ألا يتوانى عن المبادرة في مواجهتها إذا ما أراد أن يستمر في أداء رسالته النبيلة، وأن يكون قادرا على مواكبة التحولات الاقتصادية و الاجتماعية، كما أن عليه بصفة خاصة أن يأخذ بعين الاعتبار تسارع و تعقد هذه التحولات، ليتمكن من معالجتها بما يلزم من استجابة وكفاية".
كما يجب أن نشير إلى أن الملك محمد السادس أيضا قد ألقى مجموعة من الخطب التي توجب على القضاء القيام برسالته النبيلة وهي حماية حقوق وحريات الإفراد والجماعات وضمان أمنهم وسالمتهم، حيث جاء في إحدى خطبه: " وهللا تعالى نسأل أن يعينكم- معشر القضاة- على إقامة العدل بكل ما يتطلبه من استقلال واستقامة وكفاية، واجتهاد وحماية ألمن وسالمة وحرمة المواطنين وكيان الأمة والدولة من كل عمل إجرامي أو إرهابي. فتلك سبيلكم إلى استحقاق شرف النيابة عن جلالتنا في تحمل مسؤولية القضاء، التي نناشدكم أن تتقوا هللا في جسامة أمانتها. وذلك طريقكم لترسيخ ثقة المتقاضين ومصالحتهم مع القضاء، وإشاعة العدل الذي جعلناه قوام مذهبنا في الحكم، وغايته وعماد ما ننشده لشعبنا الحر الأبي من تطور ديمقراطي، وتماسك اجتماعي وتقدم اقتصادي والسالم عليكم ورحمة هللا". كما نص في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الوالية التشريعية الثامنة سنة 2010 " :وإننا نتوخى من (جعل القضاء في خدمة المواطن)، قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهة أحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون، في إحقاق الحقوق ورفع المظالم".
وهذا قدم ميثاق إصلاح منظومة العدالة الكثير للمتقاضي حيث جعل من بين أهدافه الست الإستراتيجية الكبرى هدف تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والذي تفرعت عنه بدوره ست أهداف فرعية كلها تصب في منحى تقوية وحماية المتقاضي من قبيل، نهج سياسة جنائية جديدة، تطوير سياسة التجريم، إرساء سياسة عقابية ناجعة، تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، ضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية، تحديث آليات العدالة الجنائية، وقد وضع الميثاق أيضا آليات مهمة لتنفيذ هذه الأهداف على أرض الواقع والوصول إلى النتائج المتوخاة منها.
بالإضافة إلى ذلك جاءت هيبة الإنصاف و المصالحة في ضوء إصلاح منظومة العدالة بمجموعة من التوصيات من بينها تقوية الضمانات الدستورية الخاصة بمبدأ قرينة البراءة، وضمان الحق في محاكمة عادلة ورصدا للتطور التاريخي الذي عرفه هذا الموضوع من خلال الدساتير الست التي شهدها المغرب يتبين أن جل هذه الدساتير منذ دستور 1962 إلى غاية دستور 2011 عرفت تطورا ملحوظا، ومن خلاله تم التنصيص على مجموعة من الضمانات للمتقاضين، حيث نص دستور 2011 في الفصل 118 "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون ".
وكذلك جاء الفصل الثالث و الثلاثون من دستور 1992 مقتصرا على أنه يعين الملك القضاة طبقا لشروط المنصوص عليها في الفصل 82.
كما أن دستور 1962 جاء مكتفيا بنص على أعضاء المجلس الأعلى للقضاء و أن هذا الأخير يسهر على تطبيق الضمانات المخولة للقضاة في الفصل 87.
بخلال دستور 1996 الذي نجده ينص في بابه السابع المخصص للقضاء والذي افرد له ستة فصول دون التطرق لحقوق المتقاضين مكتفيا بالنص على تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء وأن هذا الأخير يقوم بالسهر على تطبيق الضمانات المخولة للقضاة.
وعلى نفس النهج سارت مجموعة من الاتفاقيات الدولية منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والذي يعتبر قانونا دوليا عرفيا أو مبادئ عامة وأساسية تعتنقها الإنسانية، حيث تضمنت مجموعة من مواده أحكام عامة حول الحق في التقاضي وضماناتها منها ما نصت عليه المادة 8 منه " لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أي أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون". إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 والبروتوكولان الاختياريان لسنة 1966 و 1989 الذي تضمن مجموعة من المقتضيات المتعلقة بالمحاكمة العادلة نذكر منها على سبيل المثال ما جاءت به المادة 14 منه التي جاء فيها: " الناس سواء أمام القضاء ومن حق كل فرد لدى الفصل في أي تهمة جزائية توجه لديه لحقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية منشأة بحكم ديمقراطي...".
ونفس الأهمية كرستها التشريعات الدولية المعاصرة في دساتيرها لحماية حق التقاضي وضمانه حيث نص الدستور البحريني في المادة 20-أ " المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ووفقا للقانون".
وكذلك نص الدستور الأمريكي على مجموعة من الضمانات للمتقاضين تعكس انتظاراتهم التي جاء بها تعديل 1992 الذي لحق دستور 1789 كحظر إقامة الدعوى القضائية على نفس التهمة أكثر من مرة و الحق في محاكمة في مدة زمنية مناسبة.
وكذلك الدستور التركي المعدل في سنة 2011 و تعديل 2017 نص على مجموعة من الحقوق للمتقاضين في المادة 19 منها الحق في الإفراج قبل المحاكمة و الحق في محاكمة في مدة زمنية مناسبة.
ويلعب المتقاضي دورا مهما في منظومة العدالة إذ يعتبر القلب النابض لها ومحركها الأساسي فلا يمكننا الحديث عن سلطة قضائية ولا عن مهن قانونية وقضائية مساعدة بدون وجود المتقاضي رغم كونه الطرف الضعيف في هذه المنظومة، وعليه فإنه يشكل مورد رزق لكافة المهن الحرة في المنظومة إذ بدونه ستشرد عائلات وستفقد استقرارها الاجتماعي، كما أنه يشكل مورد لا يستهان به مداخيل الدولة من خلال ما يتم دفعه في الرسوم القضائية والإجراءات القضائية عموما، ومن هذا المنطلق يتحتم استشعار مكانته ودوره في هذه المنظومة وتحقيق تطلعاته وآماله في جهاز القضاء بما يكفل تحقيق توازن شالم يضمن الاستقرار والحماية لكل الفئات المتدخلة في منظومة العدالة.
وضمن هذا السياق تبرز أهمية الموضوع المتمظهرة في أن التحقيق الفعلي لانتظارات المتقاضي من جهاز القضاء خاصة ومن منظومة العدالة بشكل عام سينعكس إيجابا على خلق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وعليه تحقيق دولة ديمقراطية حديثة تقوم على الحق والقانون.
فإلى أي حد استطاع التشريع والقضاء تحقيق انتظارات وتطلعات المتقاضي في القضاء وتكريس حكامة قضائية فعالة؟
من هنا يمكن القول إن التشريع والقضاء قد تمكنا من تحقيق مستوى مقبول لتطلعات وانتظارات المتقاضي إلا أن هذا المستوى لازال يعاني من مجموعة من النواقص و الإكراهات خاصة على مستوى التطبيق والتي تحد من تحقيق حكامة قضائية متكالمة.
وسنحاول معالجة موضوعنا باعتماد التصميم التالي:

المبحث الأول: الضمانات التشريعية والقضائية للمتقاضي ودورهما في تحقيق الحكامة القضائية
المطلب الأول: أهمية الضمانات التشريعية
الفقرة الأولى: على مستوى الدستور
الفقرة الثانية: على مستوى القوانين العادية
المطلب الثاني: الضمانات في مواجهة القاضي
الفقرة الأولى: عدم صلاحية القاضي ورده
الفقرة الثانية: الحق في التعويض عن الخطأ القضائي
المبحث الثاني: الإكراهات التي تواجه مختلف الفاعلين القضائيين وسبل تجاوزها بما يضمن حكامة قضائية للمتقاضين
المطلب الأول: الإكراهات التي تواجه المتقاضين وجهاز القضاء في تحقيق حكامة قضائية
الفقرة الأولى: الإكراهات المرتبطة بالمتقاضين وانعكاساتها على انتظاراتهم من القضاء
الفقرة الثانية: الإكراهات المرتبطة بالجهاز القضائي وانعكاساتها على انتظارات المتقاضين
المطلب الثاني: واجبات الدولة اتجاه المتقاضين وسبل تجاوز الإكراهات التي تواجها
الفقرة الأولى: واجبات الدولة اتجاه المتقاضين بما يضمن حكامة قضائية
الفقرة الثانية: الإدارة الإلكترونية ودورها في تقريب القضاء من المتقاضين 


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -