يعتبر ارتكاب الجريمة مساسا وانتهاكا لمجموع القيم التي يتولى حمايتها خطاب القاعدة القانونية الجنائية، بحيث تعد أحد مظاهر رفض الانصياع لأوامر القانون الجنائي، وما يجب أن يكون عليه سلوك الفرد، لأن ارتكاب الجريمة يمس بالنظام العام مما يشكل أساس مشروعية توقيع العقوبات الجنائية على فعل يوصف بجريمة، الشيء الذي يستدعي نهج مجموعة من المساطر لحماية حقوق الأفراد و المجتمع على حد سواء.
ومما لاشك فيه أن تفعيل هذه المساطر(القضائية وغير القضائية) يستوجب انخراط مجموعة من الآجهزة طيلة مراحل البحث والتحقيق، وهذا الآخير الذي يعتبر الحجر الآساس الذي تقوم عليه مؤسسة قاضي التحقيق.
ويملك قاضي التحقيق سلطات واسعة للتقرير في حرية المواطنين وفي ممتلكاتهم، ويباشر مهامه من خلال مجموعة النصوص القانونية المعقدة باستعمال علمه وخبرته، إضافة إلى أخلاقياته المهنية وضميره الذي يكسب مهمته عظمتها الحقيقية.
ويعود الامتداد التاريخي لمؤسسة قاضي التحقيق في المغرب يمكن التمييز بين مرحلتين ، ما قبل الاستعمار والتي لم تعرف هده المؤسسة، وكان يتولى وظيفة القاضي الجنائي القضاة الشرعيون، أما في الفترة الاستعمارية، تميزت بتطبيق قانون المحاكمات الجنائية أمام المحاكم العصرية الذي منح ضمانات وافرة للمتهم ، ثم تطورت هذه المؤسسة في إطار قانون 10 فبراير 1959 وخاصة في التعديلات اللاحقة به التي تعرف بظهير الإجراءات الانتقالية و المؤرخة في 28 شتنبر 1974، إلا أن هذا الظهير وقع إلغائه بمقتضى القانون رقم 22.10.
والملاحظ أن هذا القانون تبني مرحلة التحقيق الإعدادي وجعلها ثنائية كضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم التي نص عليها المشرع دستوريا في الفصل 23 " قرينة البراءة والحق المحاكم العادلة مضمونان ".
وقد عالج المشرع في قانون المسطرة الجنائية مؤسسة قاضي التحقيق في قسمين وهما الثالث من الباب الآول ( من المادة 83 حتى 230 من ق م ج) تناول فيه المشرع إجراءات التي خولها قاضي التحقيق اتخاذها والآوامر التي مكنه من إصدارها أما القسم الرابع فقد خصصه للغرفة الجنحية التي كلفها بالسهر و الإشراف على انجاز هذا التحقيق و التدقيق في مدى صحته و مطابقته للقانون المواد من 231 إلى 250 من ق م ج.
وتتجلى أهمية مرحلة التحقيق في تأثيرها على المرحلة التي تليها و هي مرحلة المحاكمة فكلما كانت إجراءات التحقيق تتميز بالنزاهة و الشفافية و تنجز وفق ما سطر لها قانونا كان ذلك في مصلحة المحاكمة العادلة، وإذا كان المشرع راهن على ترسيخ بذلك مع التطور الحقوقي الذي عرفه العالم و احتراما للاتفاقيات الدولية المندد بكل الخروقات لحقوق الإنسان ، فان هذا لن يتحقق إلى عن طريق تفعيل مؤسسة قاض ي التحقيق.
من خلال ما سبق و بعد ملامستنا لأهمية الموضوع يمكن طرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد استطاعت مؤسسة قاضي التحقيق الحفاظ على التوازن بين حق المتهم في التمتع بضمانات المحاكمة العادلة وبين حق المجتمع و الضحية في توقيع العقاب ؟
و لدارسة الإشكالية التي يثيرها الموضوع ارتأينا اعتماد التصميم التالي :