النظام شبه القضائي في التأديب

مقال بعنوان: النظام شبه القضائي في التأديب

الإطار العام للمسؤولية المدنية في القانون المغربي المحاضرة الأولى


مقدمة:

لكي تستطيع الإدارة تحقيق أهدافها فهي تحتاج لعدة وسائل، سواء كانت وسائل قانونية أو مادية أو بشرية، فبالإضافة إلى التوفر على هذه الوسائل فالإدارة ملزمة بالحرص على حسن تدبيرها، وتعتبر الوسائل البشرية من أهم الوسائل التي يقع على الإدارة عبء تدبيرها، وذلك عن طريق عدة آليات، كالتحفيز والتأديب.
فوفق هذا القول ينصرف إلى الذهن بكون أمر سلطة التأديب هو أمر موكول للإدارة، إلا أن الواقع يؤكد أن الأمر ليس كذلك دوما، فهناك ثلاث أنظمة تأديبية مختلفة باختلاف المتدخلين في المحاكمة التأديبية، ففي النظام الإداري يوكل أمر سلطة التأديب فيه إلى السلطات الرئاسية، وفي النظام القضائي نجد الأمر موكول إلى القضاء وذلك في شكل محاكم تأديبية، أما بالنسبة للنظام شبه القضائي فأمر سلطة التأديب يخول إلى السلطات الرئاسية مع إلزامها باستشارة هيئات أو لجان قبل توقيع الجزاء.
ويمكن اعتبار النظام شبه القضائي في التأديب بمثابة الشكل المتطور للنظام الإداري في التأديب الذي كان سائدا في فرنسا إبان العهد النابليوني، حيث كان الرئيس الإداري يملك سلطات واسعة في تعيين الموظفين وترقيتهم وتأديبهم، وفي مقابل ذلك لا نجد أي ضمانات قانونية لحمايتهم، إلا أن هذا الأمر لم يستمر طويلا ففي سنة 1873 عينت اللجنة الوطنية، لجنة لإعداد تقرير عن نظام الوظائف العامة، التي خلصت إلى النقط التالية :
1. أن توقيع العقوبات البسيطة يكون من اختصاص الجهة الرئاسية؛
2. تقرير بعض الضمانات الإجرائية لصالح الموظفين مثل ضرورة إعلام الموظف بالحضور؛
3. أن توقيع الجزاءات الخطيرة كالفصل من الخدمة يكون بمعرفة السلطة الإدارية أو مجلس التأديب.
واستمر هذا التطور إلى أن صدر القانون رقم 634 بتاريخ 1983 الذي عهد بسلطة التأديب إلى السلطة التي تملك الحق في التعيين، مع إلزامها بالتقيد ببعض الضمانات التأديبية للموظف كاستشارة لجنة تأديبية.
مما سبق تتضح أهمية هذا النظام، إذ أن ظهوره جاء كنتيجة لتطور ضمانات الموظف، هذه الأخيرة (الضمانات) التي أعطاها الدستور المغربي مكانة خاصة، عن طريق جعلها اختصاصا تشريعيا محجوز حصرا لفائدة نواب الأمة بالبرلمان، وذلك منذ أول دستور سنة 1962 في الفصل 48، إلى الدستور الحالي في الفصل 71.
إذا كان النظام شبه القضائي في التأديب يستمد قيمته وأهميته كونه ظهر كاستجابة لتقوية الضمانات التأديبية للموظف، فما هو موقع هذا النظام ضمن باقي أنظمة التأديب الأخرى؟ وما هي طبيعته ومميزاته؟ وهل استطاع الموازنة بين تحقيق الفاعلية (فاعلية العمل الإداري) والضمان (الضمانات التأديبية للموظف)؟
لمعالجة هذه الاشكالية سنعتمد التصميم التالي:

المبحث الأول: مرتكزات النظام شبه القضائي

المطلب الأول: أسس النظام شبه القضائ

المطلب الثاني: الضمانات التأديبية في النظام شبه القضائي

المبحث الثاني: تطبيقات النظام الشبه قضائي لسلطة التأديب بين فرنسا والمغرب

المطلب الأول: السلطات الإدارية في التأديب

المطلب الثاني: الرقابة القضائية في مجال التأديب




المبحث الأول: مرتكزات النظام الشبه قضائي

مما لا شك فيه أن السلطة التأديبية هي إحدى فروع السلطة الرئاسية، ذلك انه لا جدوى من سلطة الإشراف والتوجيه التي يتمتع بها الرئيس الإداري ما لم يكن هناك ضمان لطاعة المرؤوسين لتوجيهاته،[1] ويشكل النظام الشبه قضائي آلية للممارسة هذه السلطة "سلطة التأديب" فما هو أساس هذا النظام؟ وماهي ضماناته؟

المطلب الأول: أسس النظام الشبه قضائي

حتى يتسنى لنا فهم النظام الشبه قضائي لسلطة التأديب، كان لزاما البحث في الأسس التي يستند إليها والتي دفعت بالعديد من الأنظمة إلى الأخذ به، ذلك انه يجد سنده في طبيعة العلاقة بين طرفين أحدهما الإدارة وثانيهما الموظف (الفقرة الأولى)، ثم يظهر لنا الأساس الثاني من خلال مميزات هذا النظام التي تهدف إلى الحد من السلطة الرئاسية في مجال التأديب (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: مضمون علاقة الموظف بالإدارة وانعكاساتها على النظام الشبه قضائي

قبل الخوض في طبيعة العلاقة بين الموظف والإدارة كأساس للنظام الشبه قضائي، يجب التذكير أن هذا النظام لا يمثل تطورا حقيقيا في نظام التأديب الرئاسي نحو النظام القضائي، ولكنه يمثل فقط ضمانات تقترب من الضمانات القضائية والهدف منها هو الحد من تعسف السلطة الرئاسية.[2]
وعموما وبالرجوع إلى التاريخ فقد ساد الإعتقاد في فترة من الفترات بأن علاقة الموظف بجهة الإدارة هي علاقة تعاقدية وأن الموظف تبعا لذلك في مركز قانوني ذاتي أي مركز تعاقدي، لكن فساد هذا التكييف دفع الفقه والقضاء إلى اعتبارها علاقة تنظيمية[3]. فما هو مضمون العلاقة التضامنية وما هي تجلياتها في النظام الشبه قضائي؟
1. مضمون العلاقة النظامية
بالاضطلاع على الأنظمة الأساسية للوظيفة في كل الدول التي تأخذ بالنظام الشبه قضائي للتأديب، نجد هذه الأنظمة تكرس لعلاقة نظامية بين المشغِل والمشغَل، هذا ما كرسه قضاء مجلس الدولة الفرنسي الذي لم يلجأ إلى فكرة العقد لتبرير فصل الموظف كما كان يفعل في السابق بل أسس قضاءه على الطبيعة النظامية أو الموضوعية لمركز الموظف العمومي وذلك ما ظهر من خلال حكم بتاريخ 22 أكتوبر 1937 أن الموظف العام "بقبوله الوظيفة التي قلدت له" يكون خضع لكل الالتزامات النابعة من ضرورات المرفق العام وتنازل عن كل قدرة لا تتمشى مع الاستمرار الجوهري للحياة القومية و… بالإضراب، فإن العمال المتولين المرافق العامة لا يرتكبون خطأ فرديا، ولكن يضعون أنفسهم بواسطة عمل جماعي خارج تطبيق التشريعات واللوائح المنظمة من أجل ضمان وممارسة الواجبات الخاصة بهم في مواجهة السلطات العامة.[4]
وقد أكد الفقه على وجود هذه رابطة نظامية تطبع علاقة الموظف بالإدارة وهو ما أكده الفقيه "جيز" Jeze وقرر بأن تعيين هو بمثابة تصرف شرطي من جانب الإدارة يترتب عليه اندماج المُعين في زمرة الموظفين ويرى بأن قرار التعيين لا ينشأ مركز الموظف النظامي حيث إن هذا المركز سابق في الوجود على قرار التعيين ومحدد بالقوانين واللوائح وبطريقة عامة وغير شخصية.[5]
أما الفقيه محمد سليمان الطماوي فقد أكد أن "رابطة الموظف بالإدارة أبعد من أن تكون من روابط القانون الخاص التعاقدية، فالرابطة التعاقدية في ظل القانون الخاص يحكمها مبدأ أساسي وهو مبدأ العقد شريعة المتعاقدين"، وهذا المبدأ يخرج على القاعدة الأساسية الضابطة لسير المرافق العامة إلا بموافقة الموظف نفسه لأنه الطرف الأخر في العقد.[6]
وقد يبدوا مما تقدم أن هذه العلاقة التنظيمية تطلق فيها الإدارة يدها وحريتها في مواجهة الموظف وتكبل هذا الأخير برغبات وتصرفات الإدارة أيا كانت، إلا أن الأمر ليس كذلك، لأن العلاقة التنظيمية كما تسري على الموظف بمزاياها وقيودها فإنها تسري كذلك على الإدارة بمزاياها وقيودها.[7]
وبالتالي فتكييف مركز الموظف على أنه نظامي قد يترتب نتائج عديدة، فما هي تجليات هذا التكييف على النظام الشبه قضائي؟
2. آثار العلاقة النظامية في النظام الشبه قضائي
من بين أول الآثار التي تنتجها لنا هذه العلاقة النظامية هي خضوع هذا الموظف إلى نظام قانوني موجود سلفا، وبالاضطلاع على الأنظمة الأساسية للدولة التي تعمل بالنظام الشبه قضائي في التأديب نجدها تأخذ بآلية المسار المهني الذي يؤسس لمبدأ إشراك الموظف في تدبير شؤونه داخل الإدارة.[8]
وبالتالي فهذا المركز النظامي للموظف العمومي يقيد كذلك سلطة الإدارة فلا تستطيع التصرف تجاه أحد الموظفين العموميين من خلال ما هو قائما وساريا سواء بشكل صريح أو ضمني، فالعلاقة النظامية وإن كانت تختلف جذريا عن العلاقة التعاقدية إلا أنها كذلك تقيد طرفيها وتلزمهما معا بأحكامها بحيث لا يجوز مخالفتها إلا إذا سلكت الإدارة الطريق القانوني المقرر لتعديل العلاقة.
وبالتالي فإن خضوع الموظف والإدارة لإطار قانوني موضع سلفا، يؤسس لنظام المسار المهني، يجبر الإدارة على الأخذ بالنظام الشبه قضائي في مجال التأديب وهو ما يظهر من خلال وجود هيئات أخرى، إلى جانب السلطة الرئاسية تتقاسم معها سلطة التأديب حيث أن النظام الشبه قضائي يأخذ إحدى الصور الثلاثة:
1 – إنشاء المشرع بجانب الإدارة هيئة مستقلة يتعين استطلاع رأيها قبل إصدار الجزاء، ويكون رأيها غير ملزم للسلطة الرئاسية، ومع ذلك تعد هذه الاستشارة إجراء جوهرياً يترتب على إغفالها بطلان القرار الصادر بالعقوبة إضافة إلى ذلك إلزام الإدارة بأخذ رأي هيئة أكثر منها حيادا تعتبر ضمانة لا تتوفر للموظف في ظل النظام الإداري لسلطة التأديب.
2 – وقد ينشئ المشرع بجانب الإدارة هيئة مستقلة يتعين استطلاع رأيها قبل توقيع الجزاء، ويكون رأيها ملزما، أي يتعين على الإدارة احترامه والتقيد به، وأن لها حق تعديل الرأي المقترح فيكون ذلك بتخفيف العقوبة المقترحة لا بتشديدها.
3 – وأخيرا قد يوكل المشرع للإدارة سلطة توقيع بعض الجزاءات الخفيفة، على أن يتولى توقيع الجزاءات الأكثر جسامة مجالس تأديبية غالبية أعضائها من رجال الإدارة مع وجود عناصر قضائية في تشكيلها وتصدر هذه المجالس قراراتها بصورة نهائية وليس مجرد رأي أو مشورة.[9]
ومن هنا يظهر أن العلاقة النظامية هي علاقة مقيدة لكل من الموظف والإدارة، فلا يحق لكل منهما التصرف على خلاف ما هو قائم، وبذلك فهي إحدى أهم الأسس التي يستند إليها النظام الشبه قضائي في مجال التأديب وذلك عن طريق وجود هيئات أخرى إلى جانب الإدارة تمارس مهام التأديب.

الفقرة الثانية: مميزات النظام الشبه قضائي

إن تعدد الأنظمة التأديبية هو نتاج لرغبة المشرع في خلق نوع من التوازن بين الفاعلية والضمان والرغبة لتحقيق التنسيق والموازنة بين المصلحتين العامة والخاصة في المجال الوظيفي (مصلحة الإدارة من ناحية الفاعلية ومصلحة الموظف من ناحية الضمان).[10]
وقد ظهر النظام الشبه القضائي في هذا الاتجاه, يستند إلى مميزات متعددة تدرج أهمها في النقط التالية:
- يتميز هذا النظام بتغليب منطق الضمان في مجال التأديب ومحاولة إضفاء الصبغة القضائية عليه للحد من السلطة التقديرية الواسعة للسلطات الرئاسية ذات الطابع الشخصي، وتحويلها إلى طابع أكثر من موضوعية من خلال إشراك هيئات أخرى.
- يتميز أيضا بمحاولة التوفيق بين المصلحة العامة المتمثلة في ضرورة تمتع الإدارة بقدر من الاستقلال وحرية التقدير وبين مصلحة الأفراد المتمثلة في حماية الحقوق والحريات العامة وذلك بإلزام الإدارة بمبدأ المشروعية وألا تتجاوز حدوده التي عينها المشرع.
- ويتميز أيضا بالفصل التدريجي بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم وذلك بتنظيم تدخل الهيئات الاستشارية المكلفة بإبداء الرأي قبل صدور الحكم من السلطة الرئاسية.[11]
- إسناد القضاء دور الرقابة في مجال التأديبي فالقضاء في هذا النظام يراقب ما تصدره السلطة الرئاسية من عقوبات حتى لا تسيء هذه الجهات الرئاسية سلطاتها التقديرية في التأديب.[12]

المطلب الثاني: الضمانات التأديبية في النظام شبه القضائي

من الأسس التي يقوم عليها النظام شبه القضائي في التأديب هي الضمانات العديدة المقررة للموظفين عند تعرضهم للتأديب، والتي تجد سندها إما في التشريعات الوظيفية أو في الاجتهادات القضائية. من هنا سار من المستقر عليه في الفقه والقضاء المقارن، أن إحاطة الموظف بضمانات تأديبية قبل وأثناء وبعد إصدار العقوبة التأديبية من الأمور التي تقتضيها المبادئ القانونية وتمليها قواعد العدالة دونما حاجة إلى نصوص تقررها.
وسنعمل على دراسة الضمانات التأديبية التي يتمتع بها الموظف في مواجهة السلطات التأديبية، نظرا للخطورة التي تنطوي عليها بعض العقوبات التأديبية والتي قد تصل إلى حد إنهاء العلاقة الوظيفية، ودلك من خلال التطرق الى الضوابط الأساسية لتوقيع الجزاء التأديبي سواء فيما يخص الضمانات السابقة على توقيع العقوبة التأديبية ( الفقرة الأولى )، أو الضمانات التي تصاحب وتلحق توقيع العقوبة التأديبية من طرف الإدارة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الضمانات السابقة على توقيع العقوبة التأديبية

لقد استقر الفقه والقضاء على ضرورة إحاطة الموظف عند تعرضه للعقوبة التأديبية بقدر من الضمانات التي تمليها المبادئ والقواعد القانونية في كافة المحاكمات الجنائية والتأديبية أيا كان مجالها[13].
وتتمثل هده الضمانات في ضرورة مواجهة الموظف بالتهم المنسوبة إليه واستجوابه أو إستفساره، وتمكينه من الدفاع عن نفسه، وعرضه على المجلس التأديبي بالنسبة للعقوبات الجسيمة.
أولا: مواجهة الموظف بالمخالفات المنسوبة إليه:
يقصد بالمواجهة، إخطار الموظف بما ينسب إليه من تهم قصد الإدلاء بأوجه دفاعه،وحتى يكون الإخطار مجديا، يجب إعطاء الموظف مهلة كافية حتى يستطيع أن يقدم ملاحظاته وكدا إطلاعه كاملا على جميع أوراق ومستندات ملفه الإداري.
+ إعلام الموظف وإعطائه أجلا لإعداد دفاعه:
من الضمانات الجوهرية للموظف المتهم إعلامه بما سيتخذ ضده من إجراءات تأديبية وبالتهم المنسوبة إليه، وفي هدا الإطار ذهب مجلس الدولة الفرنسي في حكم له في قضية foerst بتاريخ 1953 الى ضرورة إعلام المتهم بكل التهم الموجهة إليه، وإلى أن إغفال أي إتهام يعيب القرار ويجعله قابلا للبطلان، وإلا كان إتهاما غير جوهري أو غيرمؤثر[14].
ولايشترط مجلس الدولة لهدا الاخطار شكلا معينا كأصل عام ويكفي لاستيفائه أن ينبه الموظف إلى الاجراء التأديبي الدي سيتخد ضده. أما المجلس الاعلى فقد قضى بهدا الخصوص في قضية عبد القادر الشجعي بتاريخ 20/04/1979 بأن " ...حقوق الدفاع من المبادئ الاساسية للقانون تقضي على الادارة قبل إصدارها المقرر المطعون فيه إتخاد ما يلزم من الاجراءات لإطلاع المعني بالامر على المخالفات المنسوبة إليه وتمكينه من تحقيق دفاعه عن نفسه، ودلك حتى في حالة عدم وجود أي نص تشريعي أو تنظيمي متعلق بالضمانات التأديبية..."
ويقع على الادارة عبئ إثبات إخطار الموظف في موطنه حتى في حالة تغيير لمكان إقامته ،ولا يعفيها من ذلك صعوبة تنفيذ الإخطار ، إلا اذا كان هناك خطأ من جانب الموظف نفسه ، كأن يغير مكان إقامته دون إشعار الادارة بذلك .
وقد أكد المجلس الاعلى على ضرورة ان تتضمن رسالة الاعلام بوضوح الاخطاء المنسوب للموظف المتهم والعقوبات المحتملة وبالتالي النتائج التي يمكن ان تترتب على قرار التأديب ) قرار المجلس الاعلى في قضية المأموني مولاي الشريف بتاريخ 06/05/1997(
ويعد اجراء الاخطار ضروريا في النظام التأديبي لجميع أعوان الدولة بغض النظر عن نظامهم القانوني حيث فرضه القضاء بالنسبة للأعوان المؤقتين والمتعاقدين وجميع الاصناف الاخرى للأعوان العموميين .
ويقتضي الإشعار إعلام الموظف المعني بالأمر بالمخالفات المنسوبة إليه وتاريخ إنعقاد المجلس التأديبي وإخطاره بإمكانية الإطلاع على ملفه وتعيين محامي لمؤازرته خلال انعقاد المجلس التأديبي ، ويجب أن تكون المهلة الفاصلة بين انعقاد المجلس التأديبي وتاريخ الاستدعاء كافية لإعداد دفاع المعني بالأمر ، ويمكن ان يكون الاستدعاء بوسائل التبليغ المحددة في الفصل 36 ومايليه من قانون المسطرة المدنية .
+ الاطلاع على الملف :
إطلاع الموظف على ملفه الوظيفي قبل كل اجراء تأديبي يتخذ ضده هو ضمانة هامة وفعالة تتيح للموظف التعرف على ملاحظات وإشارات جهة الادارة التي تدونها في الملف.
في فرنسا يستمد الموظف هذا الحق بمقتضى نصوص قانون 17 -07-1978 المتعلقة بحرية الاطلاع على الوثائق الادارية التي تخول للموظف الحق في كل الاحوال بالاطلاع على الملف ، وقد خولة المادة 19 من قانون 13-06-1983 كذلك حق الموظف الذي تتخذ ضده الاجراءات التأديبية في الاطلاع على الملف، كذلك يجب على الادراة إخطار الموظف بذلك .
" ويجب أن يطلب الموظف بنفسه الاطلاع على الملف ، ولا تلتزم الادارة بإطلاعه على الملف من تلقاء نفسها ومن مبادرة منها " حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية choux بتاريخ 27-04-1966 .
أما في المغرب فقد نص الفصل 67 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على هذا الحق " للموظف المتهم الحق في أن يطلع على ملفه الشخصي بتمامه ،وعلى جميع الوثائق الملحقة وذلك بمجرد ما تقام عليه دعوى التأديب ..."
ولقد ذهب القضاء المغربي الى ان الإطلاع على الملف يجب ان يشمل جميع عناصره بشكل كامل حسب ما ورد في الفصل 67 من النظام الاساسي العام وذلك ما أكده في عدة احكام، منها حكم المجلس الاعلى في قضية علي الزيوني مع وزير التربية الوطنية بتاريخ 17-04-1984.
أما بالنسبة لشكل الاطلاع ، فانه يمكن استخلاصه من خلال موقف القضاء من فكرة العلم المفترض connaissance aquise التي كثيرا ما تلجأ الادارة الى إثارتها لتبرير عدم إعلام المعني بالأمر بالتهم الموجه إليه ، وبالتالي عدم إطلاعه على ملفه ورغم أخد القضاء بنظرية " العلم المفترض" الا انه وضع لها حدود وضوابط بحيث لم يجعل لها الا تطبيقات محدودة ، وهذا ما يستنتج من خلال قضية الماموني مولاي الشريف بتاريخ 1977 ، حيث صرح القضاء بأنه حتى يمكن الاستناد الى نظرية العلم المفترض في مواجهة الطاعن وبالتالي اعتباره قد فقد حق الاطلاع على الملف، بعدم طلبه ذلك ، فإنه يجب ان يكون على علم كامل وصحيح بالاجراء المعرض له ، ومصدره ، وكذا أسبابه .
وإغفال هذه الضمانة الأساسية يؤدي حتما لإلغاء القرارالتأديبي المتخذ ولو ان إغفال احترامها لم يكن له أي تأثير على القرار ولو ان المتابع تأديبا كان عالما بكافة المؤاخذات الموجهة اليه ، وذلك حسبما أقره مجلس الدولة الفرنسية في قراره الصادر بتاريخ 30/10/1981 قضية الطب النفساني للأطفال ، وأشار مجلس الدولة ان هذه الوسيلة ليست من النظام العام ولابد من اثارتها من طرف الطاعن[15].
ثانيا: ضمانة البحث واجراء تحقيق
تقتضي المخالفة التأديبية في بعض الأحيان البحث واجراء تحقيق بشانها قبل تقرير احالة المعني بالامر على المجلس التأديبي والغاية من هذا التحقيق هو التأكد من صحة الأفعال المنسوبة الى الموظف واسنادها اليه ، حيث يتم الاستماع اليه وللشهود متى تطلب الامر ذلك وقد يتم اللجوء الى الخبرة ولكافة اجراءات التحقيق القانونية وغالبا ما تستند هذه المهمة للأدارة المعنية نفسها عن طريق جهاز التفتيش لديها كما هو الشان في المغرب[16] .
وفضلا عن التحقيق الذي تقوم به الادارة التابع لها الموظف فان النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية زيادة في التحقيق أعطى للمجلس التأديبي ضمن مقتضيات الفصل 68 إمكانية إجراء بحث ان لم يكتف بالمعلومات المعطات له عن الاعمال المؤاخذ عليها المعني بالامر او عن الضروف التي ارتكبت فيها تلك الاعمال، وهو مايشكل ضمانة اضافية يستحسن اللجوء اليها لتفادي بعض الانزلاقات التي قد يعرفها التحقيق الادراي الأولي .
وبما ان وجود الموظف اثناء التحقيق قد يؤثر على سير التحقيق باختلاس مستندات معينة او التأثير على الشهود بعدم الادلاء بشهادتهم اتجاهه فان المشرع قد مكن السلطة التأديبية من صلاحية توقيفه توقيف احتياطي 4 أشهر لمصلحة التحقيق ، وعدم قبول استقالته لان قبول الاستقالة تنهي علاقة الموظف بالادارة ومن ثم يصعب على السطلة التأديبية مباشرة التأديب لإنقطاع الصلة بينه وبينها.
ثالثا : حق الدفاع :
يعد حق الدفاع من الحقوق الطبيعية المعترف بها لكل متهم ، لذلك تحرص دساتير مختلف الدول على النص عليه صراحة باعتباره من الضمانات التي يقوم عليها مبدأ العدالة وذهب الاستاذ benoit jeauneau الى تأكيد ازدهار حق الدفاع امام السلطات الادارية، حيث بين التطور الكبير الذي لحق بهذا المبدأ والذي بدأ بقرار ledo chauvski الصادر في 19/06/1903 الى حكم aramu بتاريخ 1945 ،وطبقا لنصوص هذا القرار اصبح لا يجوز توقيع جزاء تأديبي في فرنسا الا اذا سمح للموظف المتهم من تقديم دفاعه وبالتالي يجب ان يكون على علم تام مقدما بالخطأ المنسوب اليه وبالعقوبة المقترحة ضده [17].
وبذلك استقر كل من الفقه والقضاء على اعتبار ان حق الدفاع وخاصة تمكين الموظف من الاطلاع على ملفه التأديبي من المبادئ العامة للقانون، وان الاخلال به يؤدي الى اتسام القرار بعدم المشروعية الموجبة للالغاء حتى وان لم ينص عليه القانون .
ولقد ذهبت المحكمة الادارية لمنظمة العدل الدولية الى التنصيص على ضرورة احترام حقوق الدفاع في حالة عدم النص عليها في القانون وذلك في حكم kissaum بتاريخ 11/09/1964 كما ان المحكمة القضائية للمنظمات الاوروبية في قضية malvice التي قررت انه وفقا للقاعدة العامة في القانون الاداري السارية المفعول على الدول الأعضاء في المنظمة الاقتصادية الاوربية يجب على المنظمة ان تمكن الموظف التابع لها من تقديم دفاعه قبل اصدار الجزاء التأديبي.
وقد نص المشرع المغربي على حق الدفاع في الفقرة 2 من الفصل 67 من النظام الأساسي العام ، وألزم الادارة باحترامه في جميع العقوبات التأدبيية . الا ان المشرع اشترط بالنسبة لعقوبتي الانذار والتوبيخ اللتان توقعهما السلطة التأديبية دون استشارة المجلس التأديبي الحصول على بيانات وتوضيحات المعني بالامر قبل توقيعها من طرف السلطة التأديبية وذلك بخلاف باقي العقوبات التي تعتبر استشارة المجلس التأديبي الزامية قبل توقيعها. وحق الدفاع قد يكون شخصيا ومن طرف النائب او الوكيل عن المعني بالامر( محامي او ممثل النقابة) وذلك اما شفويا او بمذكرة كتابية خاصة اذا لم يتمكن الموظف المتهم من المثول امام المجلس التأديبي او لدى المحقق بسبب المرض او الاعتقال. وفي هذا الصدد اعطى المشرع المغربي للموظف المتهم الحق في تقديم دفاعه وملاحظاته امام المجلس التاديبي كتابة او شفويا.
رابعا : عرض الملف على اللجان الاستشارية :
تمثل اللجان الاستشارية الضمان السابق على تطبيق الجزاء بالنظر الى الموضوع والمساءلة التأديبية لتبدي رأيها بحفظ التحقيق او البراءة او بتحديد الجزاء المناسب ولا يطالب بهذا المثول الا في مايخص الحكم باشد العقوبات لان السلطة التأدبية غير ملزمة باستدعاء المعني بالامر من اجل الحكم بالانذار او التوبيخ .
كذلك فان اللجنة الادارية متساوية الاعضاء المجتمعة في شكل مجلس تاديبي فيجب ان تتالف بكيفية لا تضم معها أي عضو تقل درجته عن درجة الموظف المعروض عليها وترفع القضية الى المجلس التأديبي بموجب تقرير كتابي يتضمن بيان الافعال المنسوبة الى الموظف والظروف التي تم فيها ارتكابها، ويصدر المجلس التأديبي رأيا يتضمن اقتراحات مدعمة في العقوبة خلال أجل شهر يبتدأ من اليوم الذي رفعت القضية اليه ويمتد هذا الاجل الى 3 أشهر عن القيام ببحث .

الفقرة الثانية: الضمانات المصاحبة واللاحقة على توقيع العقوبة التأديبية

بالاضافة الى الضمانات السابقة لإصدار مقرر التأديب يتمتع الموظف المتابع بضمانات تأديبية مصاحبة لاصدارهدا المقرر، ولا يقف الامر عن هدا الحد بل يتجاوزه ليضمن للموظف محل التأديب ضمانات اخرى لاحقة لاصدار العقوبة وذلك لحماية الموظف في مختلف مراحل التاديب.
اولا : الضمانات المصاحبة لتوقيع الجزاء
وتتمثل هذ الضمانات في الحياد
+ الحياد
يقصد بالحياد ان من يبدي رأيه يمتنع عليه الاشتراك في نظر القضية والحكم فيها وذلك ضمانا لحيدة عضو المجلس التاديبي الذي يجلس من المتهم مجلس الحكم وبين سلطة الاتهام حتى يطمئن الى عدالة قاضيه وتجرده من التأثر بعقيدة سبق ان كونها عن المتهم موضوع المحاكمة، بمعنى انه يجب على كل من يجلس مجلس القضاء ألا يكون قد كتب او إستمع او تكلم حتى تصفوا نفسه.
واذا كان المشرع المغربي في النظام الاساسي العام وكذا في المرسوم المنظم للجان الادارية المتساوية الأعضاء لم يتحدث عن عنصر الحياد خلال الحديث عن مسطرة تأديب الموظفين فانه لا مانع من الاستأناس بمقتضيات الفصل 295 ومايليه من قانون المسطرة المدنية المنظمة للتجريح[18].
وقد ذهبت المحكمة الادارية بالدار البيضاء في احد قرارتها الى أنه من مقومات المحاكمة التأديبية ضرورة توفر عنصر الحياد في الجهاز التاديبي حتى يمكن الاطمئنان لقراره فحضور المسؤول الذي حرر التقرير التاديبي في مواجهة الموظف وكذا احد الشهود على المخالفة الادارية بصفتهم اعضاء في المجلس التاديبي يشكل مسا بعنصر الحياد يستوجب الغاء القرار التاديبي بسبب مخالف5ة القواعد العامة للمحاكمات.
وفي قرار اخر اكدت المحكمة الادارية بالدار البيضاء نفس المبدأ بقولها، تشكيل المجلس التاديبي بعدد اقل من الاعضاء المحددين قانونا وعدم الادلاء بما يفيد استدعاء باقي الاعضاء المشكلين للمجلس المذكور يكشل مخالفة قانونية ومسا بأحد الضمانات الاساسية المخولة للمتابعة التاديبية وان مبدأ الحياد يقتضي بان كل من يتولى التحقيق في المخالفة التاديبية او اتصل باي مرحلة من مراحل الاتهام ليس له الحق في حضور المحاكمة التادبيبة.
كما أن قرار المجلس الاعلى في الملف الاداري عدد 48/4/1/2002 بتاريخ 10 أبريل 2003، أكد على انه " لايمكن الاطمئنان الى حياد اللجنة الادارية المتساوية الاعضاء كمجلس تأديبي إذا كانت مشكلة من عضو هو في نفس الوقت ضحية المخالفة التأديبية موضوع المتابعة، بالاضافة الى عضو ثان كان أحد الشهود".
ثانيا: الضمانات اللاحقة على توقيع العقوبة
وتتجلى الضمانات اللاحقة لتوقيع العقوبة التأديبية في ثبوت حق المتابع تأديبا في ممارسة مسطرة التظلم الاداري للجهة الادارية مصدرة القرار او للسلطة الادارية التي تعلوها ، وكذلك امكانية اللجوء الى القضاء للمطالبة بالغاء القرار التأديبي.
1-التظلم الاداري :
التظلم وسيلة اختيارية يتعرض بواسطتها المعني بالأمر على القرار الاداري عن طريق مراسلة الجهة مصدرة القرار ويسمى تظلما استعطافيا او السلطة الرئاسية ويسمى تظلما رئاسيا بقصد التراجع عن موقفها والتأكد من مشروعية هذا القرار تفاديا لالغاءه من طرف القضاء وتحميل الادارة المصاريف القضائية والتعويض.

+ التظلم الاستعطافي : ويتم بتقديم طلب من صاحب المصلحة الى مصدر القرار يخبره فيه بالخطأ الذي ارتكبه، فيطلب منه تبعا لذلك اعادة النظر في قراره،وذلك اما بسحبه او الغائه او تعديله.
+ التظلم الرئاسي: ويتم بتظلم صاحب المصلحة الى رئيس مصدر القرار، من القرار الذي اصدره في حقه، والذي يتسم بعدم المشروعية ،فيتولى رئيس مصدر القرار بعد ذلك البحث في التظلم ، فاذا تبين صحة ما يطلبه المتضرر ، فانه يقضي بسحب القرار او الغائه او تعديله بما يجعله مطابقا للقانون، وقد يتولى الرئيس الأعلى ذلك من تلقاء نفسه دون تظلم من صاحب المصلحة بمقتضى مايملكه من سلطة رئاسية على مصدر القرار.
وقد نظم المشرع مسطرة التظلم في المادة 23 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الاداراية حيث اشار الى انه " ...يجب ان تقدم طلبات الغاء القرارات الصادرة عن السلطات الادارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل 60 يوما يبتدئ من نشر او تبليغ القرار .... ويجوز للمعنيين بالامر ان يقدموا قبل انقضاء الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة ، تظلما من القرار الى مصدره او رئيسه ، وفي هذه الصورة يمكن رفع طلب الالغاء الى المحكمة الدارية داخل اجل 60 يوما يبتدئ من تبليغ القرار الصادر صراحة برفض التظلم الاداري كليا او جزئيا.
والأصل في التظلم انه جوازي للمعني بالأمر سلوكه باللجوء للجهة الادارية للعدول عن قرارها قبل سلوك مسطرة الطعن القضائي الا انه في بعض الاحيان قد يكون وجوبا اذا ما اشترط المشرع ضرورة اللجوء اليه قبل اللجوء للطعن بالالغاء في القرار الاداري ومن ذلك مثالا ماورد في الفقرة 3 من المادة 48 من الميثاق الجماعي.
وتجدر الاشارة هنا الى انه في فرنسا يتم التظلم حتى امام المجلس الاعلى للوظيفة العمومية.
2-الدعوى القضائية :
وتتمثل هذه الضمانات في دعوى الالغاء ودعوى التعويض
+ دعوى الالغاء
وهي أنجع أنواع الرقابة القضائية على الادارة او أكثرها ضمانا لحقوق الموظفين. لكونها تمكن من ان يتجه الى جهة قضائية لالغاء قرار اداري غير مشروع صادر عن سلطة ادارية.
وقد خصص المشرع لدعوى الالغاء مقتضيات الباب الثالث من القانون رقم 90.41 حيث اشارت المادة 20 الى ان " كل قرار اداري صدر من جهة غير مختصة او لعيب في شكله اولانحراف في استعمال السلطة او لانعدام التعليل او لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعال السلطة، يحق للمتضرر الطعن فيه امام الجهة القضائية الادارية المختصة ".
ودعوى الالغاء هي التي يرفعها احد الافراد او إحدى الهيئات امام القضاء الاداري بغية إلغاء قرار اداري مخالف للقانون ويمكن ان توجه الى أي قرار اداري دون حاجة الى نص لانها تعتبر دعوى القانون العام فيما يخص القرارات الادارية.
ولقبول دعوى الالغاء بسبب تجاوز السلطة لابد من توافر بعض الشروط منها مايرتبط بطبيعة القرار محل الطعن بالالغاء ومنها مايتصل بشخص الطاعن وهناك شروط اجرائية تعني أجل الطعن بالالغاء وممارسة مسطرة التظلم من اوجب المشرع سلوكها، والقاضي الاداري ملزم بمراقبة توفر هذه الشروط قبل البت في مشروعية القرار الاداري، ومن خصائص دعوى الالغاء أنها ليست دعوى بين خصوم ولكنها دعوى ضد مقرر اداري بقصد التوصل الى إلغائه.
+ دعوى التعويض :
واذا تم الغاء القرارات التاديبية لعدم مشروعيتها وتبين ان الموظف قد تضرر منها بطريقة تعسفية يجوز له ان يطلب التعويض عن الاضرار التي لحقة به بسبب العقوبة غير المشروعة في اطار دعوى التعويض.
وفي مايتعلق بالتعويض فان قيمته تحدد تبعا لدرجة جسامة الضرر وتبعا للقيمة السائدة وقت صدور الحكم.

المبحث الثاني: تطبيقات النظام الشبه قضائي لسلطة التأديب بين فرنسا والمغرب

تتســــم السلطة التأديبية في الوظيفة العمــــومية في كل من فــــرنسا والمـــغرب بالطابــــع الشبـــه قضـــائي، ذلـــك أن حــق الســـلطة الرئاســــية فـــي تطــــبيق الجـــزاء ليـــس مــــطلقا بـــل مقـــيد عـــن طـــــريق استــــطلاع رأي هيــــئة معـــينة قبــــل إصـــــدار الجزاءات الجـــــــسيمة، وكـــــل ذلــــك تـــحت رقـــابـــة القـــضـــاء.[19] فــــكيف تـــتـــوزع سلـــطات التـــأديب فــــي هـذا النــــظـــام؟ ومــــاهـــي اختــصاصـــاتـــها؟ ومــــا هــــو دور القــــضـــاء فـــي مـــجـــال التـــأديـــب فـــي الـــوظيــــفة العـــموميــــة فـــي كـــل مـــن المـــغرب وفــــرنســــا؟

المطلب الأول: السلطات الإدارية في التأديب

لقــــد استقــــر الوضــــع فـــي المـــغرب شـــأنه شـــأن فــــرنســــا بـــخصـــوص تـــكييـــف عــــلاقة المـــوظف بالإدارة عـــلـــى أساس الـــعـــلاقة التـــنظيمية التـــي تـــحدد أوضــــاعــــها القــــوانين واللـــوائــــح،[20] الأمــــر الـــذي تـــرتـــب علـــيه الاعـــتـــراف للــــموظف ببــــعض الـــحقـــوق،[21] فـــي مـــقابل ذلك فــــرضـــت علـــيه واجبـــات وأي خـــروج عـــنها يـــمثل ذنـــبا تأديبيــــــا يــــعرض المــــوظف للتــــأديب. فـــــما هـــــي ســـلطـــات التـــأديـــب ؟ ومـــا هــــي اخـــتصـــاصـــاتـــها؟

الفقرة الأولى: تحديد سلطات التأديب في النظام شبه القضائي

1 – السلطة الرئاسية
لقد حدد النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الفرنسي الجديد الصادر بتاريخ 14 يوليوز 1984 السلطة التأديبية وفقا للمادة 19 بالسلطة التي تملك حق التعيين، فهي تصدر وحدها بعض الجزاءات الخفيفة كالإنذار واللوم دون الاستشارة المسبقة لهيئة مجتمعة كمجلس تأديبي،[22] ونفس الأمر في المغرب ذلك أن السلطات الرئاسية توقع العقوبات التأديبية الخفيفة، كالإنذار والتوبيخ.
ويأتي الوزير على رأس السلم الاداري في وزارته، فهو بمثابة رب العمل بالنسبة لكافة العاملين في وزارته، ونظرا للاختصاصات الواسعة فقد صار أمر توقيع الجزاء بيد الرؤساء الإداريين التابعين له لكن بالمقارنة مع النظام الفرنسي الجديد نجده حذف فكرة التفويض في الإختصاص التأديبي.[23]
2 – في المجالس التأديبية
في فرنسا يمكن تصنيف هذه المجالس إلى اللجان الإدارية المشتركة التي يكون رأيها ضروري في العقوبات الجسيمة، وكذلك المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي يسهر على حماية الضمانات الأساسية للموظفين.[24]
· اللجان الإدارية المشتركة
في فرنسا تُنشأ هذه اللجان المشتركة في كل إدارة بالنسبة لكل مجموعة من الموظفين وذلك بقرار من رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص. ويممكن إنشاء لجنة إدارية متوازية واحدة لعدد من المجموعات.[25] بينما في المغرب تشكل بقرار من الوزير المختص وتتضمن عدد متساوي من ممثلين عن الإدارة وممثلين عن الأفراد وإلى جانبهم أعضاء احتياطيون من نفس العدد فممثلوا الإدارة يعينون بقرار وزاري أما ممثلوا الأفراد فينتخبون عن طريق الإقتراع السري اللائحي،[26] ويترأس هذه اللجان ممثل عن الإدارة ولا يجوز عند ممارسة اللجنة اختصاصاتها التأديبي أن تضم عضوا درجته أدنى من درجة الموظف المتهم. وهذه اللجان تمارس مهامها لمدة 6 سنوات في المغرب طبقا للمرسوم رقم 2.59.02000 الفصل الخامس منه، لكن في النظام الفرنسي وكالة اعضاء هذه اللجان ثلاثة سنوات فقط. أما بخصوص آجال إصدار قراراتها فهو متطابق بين البلدين وهو محدد في شهر واحد يمكن تمديده إلى ثلاثة أشهر في الحالات التي تتطلب التحقيق.[27]
وفي حالة المتابعة الجنائية أمام القضاء يمكن للمجلس التأديبي أن يؤجل الادلاء برأيه إلى حين صدور حكم المحكمة والامر سواء بين المغرب وفرنسا.
وعموما يتم اللجوء إلى هذه اللجان بتقرير صادر من السلطة المختصة بالتأديب يبين نوع المخالفة المرتكبة من قبل الموظف وظروف ارتكابها.[28]
وتصدر هذه اللجان رأيها الاستشاري معللا بالأسباب ومحددا العـــقوبة الواجب اتخاذها بحق الموظف المذنب، ويرسل إلى سلطة التأديب.
· المجلس الأعلى للوظيفة العموميـــــــــة
إذا كـــان المجلـــــس الأعلــــــى للوظيـــــفة العموميـــــة المغربــــي ثم إحداثه بمجوب قانون رقم 99-75 المتمم والمغير للظهير الشريف رقم 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، فإن نظيره الفرنسي ثم إحداثه بموجب المادة 19 من القانون الصادر في 19 من اكتوبر 1942.
وعموما وعلى حد السواء فإن هذا المجلس يترأسه الوزير الأول أو من يعوضه ويضم ممثلي عن الإدارة والجماعات المحلية وممثلين عن الموظفين، وفي فرنسا يكون اللجوء إلى هذا المجلس إلزاميا في مجال التأديب ويصدر آراء وتوصيات لا تقيد السلطة المختصة بالتأديب في شيء ورأيها غير ملزم.[29]

الفقرة الثانية: إختصاصات سلطة التأديب

ينص الفصل 65 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في المغرب على أن الاختصاص التأديبي بيد السلطة التي تملك حق التسمية (التعيين). فهي التي تقوم بتوقيع العقوبات البسيطة بمفردها دون استشارة المجلس التأديبي، وتلتزم باستشارة المجلس التأديبي في حالة إعتزامها تطبيق العقوبات الجسيمة ( الفصل 66 من ظهير 24 فبراير 1958، المادة 19 من قانون 163 يوليوز 1983).
وسنتعرض لإختصاصات كل من السلطة الرئاسية في التأديب (أولا)، وكذلك لإختصاصات المجالس التأديبية (ثانيا).
أولا: إختصاصات السلطات الادارية في التأديب
تتحدد السلطة الرئاسية بالسلطة التي تملك حق تسمية الموظف (أي تعيينه)،وهذا ما أكده الفصل 65 من ظهير 24 فبراير 1958 وكذلك المادة 19 من قانون 13 يوليوز 1983 المتعلق بحقوق وواجبات الموظفين. ولقد منح المشرع في كلا القانونين إختصاصات واسعة للسلطة الرئاسية في تكييف الخطأ المهني وتحديد العقوبة المناسبة له من بين العقوبات التأديبية المحددة على سبيل الحصر، وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة وهي كالتالي:
الفصل 66 من ظهير 24 فبراير 1958:

  • الانذار
  • التوبيخ
  • الحذف من لائحة الترقي
  • الانحدار من الطبقة
  • القهقرة من الرتبة
  • العزل من غير توقيف حق التقاعد
  • العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد
وهناك عقوبتان تكتسيان صبغة خصوصية، وهما:

  • الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية وذلك لمدة لاتتجاوز 6 أشهر
  • الاحالة الحتمية على التقاعد
وفي فرنسا فالعقوبات التأديبية مازالت منظمة بالمادة 30 من قانون 4 فبراير 1959، وهي مرتبة كالتالي حسب تزايد الخطورة:
· الانذار
· التوبيخ
· الحذف من لائحة الترقي
· تأخير الاقدمية
· خفض المرتبة
· النقل التلقائي
· خفض الدرجة
· الاحالة على المعاش
· العزل مع حفظ حق المعاش
· العزل مع الحرمان من الحق في المعاش.
ويقع الانذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي، أما العقوبات الاخرى فتتخذ بعد إستشارة المجلس التأديبي الذي تحال عليه القضية من طرف السلطة التي لها حق التأديب، وذلك بتقرير كتابي يتضمن بوضوح الاعمال التي يعاقب عليها الموظف، وإن إقتضى الحال الظروف التي ارتكبت فيها.
1- الانذار: يعتبر من أدنى درجات العقوبات التأديبية في السلم التصاعدي لهذه العقوبات، وهو نوع من التحذير الوقائي الذي تمارسه الادارة في مواجهة موظفيها، ولا يترتب عنه أي أثر تبعي يتصل بالعلاوات أو الترقيات[30].
ونفس الشيء بالنسبة لفرنسا فأول عقوبة في سلم العقوبات التأديبية هي الانذار.
2- التوبيخ: وهو جزاء أكثر خصوصية من الانذار، ويتم تسجيله في ملف الموظف ليكون دليلا على عدم كفاءته وإهماله لواجباته[31]. وقد يتخذ التوبيخ صورة مشددة اذا وجه للمعني بالامر في حضرة زملائه. كذلك نفس الشيء بالنسبة لفرنسا فالتوبيخ هو ثاني عقوبة من ناحية التدرج.
ويتم توقيع هاتان العقوبتان من طرف السلطة الرئاسية بدون استشارة المجلس التأديبي، لأنهما يندرجان ضمن العقوبات البسيطة أما بالنسبة للعقوبات الجسيمة فإنها لاتوقع إلا بعد استشارة المجلس التأديبي وهي العقوبات التالية:
3- الحذف من لائحة الترقي: ويترتب عنها حرمان الموظف من فرصة الترقية بالنسبة للعام الذي أعدت له قائمة الترقيات، ولايتم توقيعها إلا بعد إستشارة المجلس التأديبي.
4- الانحدار من الطبقة: ويترتب عنها نقل الموظف من الطبقة أو الفئة التي يشغلها إلى الطبقة أو الفئة الوظيفية الادنى منها مباشرة، ويترتب عن تطبيق هذه العقوبة ضرر مالي يلحق الموظف على إثر توقيعها.
5- القهقرة من الرتبة: وتسعى هذه العقوبة الى تنزيل الموظف من درجته الحالية إلى أعلى فئة بالدرجة الأدنى مباشرة لدرجته السابقة وبنفس أقدميته فيها.
6- العزل من غير توقيف حق التقاعد: تعتبر هذه العقوبة من بين العقوبات التأديبية الجسيمة، فالعزل عبارة عن جزاء مادي وأدبي في آن واحد، وذلك حق الموظف المرتكب لخطأ جسيم، فتزيل عنه ولاية الوظيفة بصفة نهائية، وتحرمه من الاستمرار في شغلها أو العودة إليها مدى الحياة، والحق الوحيد الذي يظل يتمتع به هو حقه في المعاش.
7- العزل المصحوب بوقف حق التقاعد: وهي أقسى درجات العقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها على الموظف، فهي لاتمس الموظف المعني بالامر فقط بل تمس أفراد عائلته أيضا من جراء الاضرار التي تلحقهم نتيجة تطبيقها.

ولقد أضاف المشرع الى قائمة العقوبات نوعين من العقوبات تكتسيان صبغة خصوصية وهما:
+ الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية لمدة لاتتجاوز 6 أشهر: وهي عقوبة ذات طابع مالي تسعى إلى حرمان الموظف مؤقتا من كل أجرة، ولهذه العقوبة آثار سيئة، خصوصا وأن راتب الموظف يعتبر بالنسبة له المورد الاصلي لحياته وحياة أسرته. لكن المشرع جعل هذا الحرمان مؤقتا، فوضع له حد أقصى وهو 6 أشهر، كما استثنى المشرع التعويضات العائلية.
+ الإحالة الحتمية على التقاعد: تتضمن هذه العقوبة إنهاء علاقة الموظف بالادارة، لكنه يحتفظ بمعاشه مقدرا على الأسس القائمة عند توقيع هذه العقوبة، ولايمكن تطبيقها إلا إذا كان الموظف مستوفيا للشروط المقررة في تشريع التقاعد. ويرى جانب من الفقه[32] أن هذه العقوبة مساوية لعقوبة العزل من غير توقيف حق التقاعد وبالتالي فإنها ليست سوى تكرار لها.
ونجد بعض الاختلافات البسيطة مقارنة بفرنسا حيث نجد في الرتبة الرابعة من حيث التدرج، عقوبة تأخير الأقدمية، ومن أثارها أن يؤخر الموظف المخطئ من أقدميته خلال مدة معينة في درجة محددة، وذلك بمنعه من أن تتوفر فيه الشروط التأسيسية لادراجه في جدول الترقية.
وكذلك نجد في المرتبة السادسة من حيث الجسامة، عقوبة النقل التلقائي، وهي تغيير نوع أو مكان العمل الذي يقوم به الموظف المخطئ، وقد يترتب على ذلك تغيير محل اقامته[33].
إن سلطة التأديب في النظام شبه القضائي ( المغرب، فرنسا) هي بيد السلطة الرئاسية، فالسلطة الرئاسية تتمتع باختصاصات واسعة في توقيع العقوبة التأديبية بالنسبة للعقوبات البسيطة، كالانذار والتوبيخ فلها اختصاص حصري في توقيعهما، أما بالنسبة للعقوبات الجسيمة فإنها لاتوقعها الا بعد استشارة المجالس التأديبية التي لها رأي استشاري ملزم، وبدون إستشارتها تكون العقوبة باطلة لإخلال في الاجراءات.
وبعد التطرق لإختصاصات السلطة الئاسية في كل من المغرب وفرنسا، سنعالج اختصاصات المجالس التأديبية في هذين النموذجين.
ثانيا: إختصاصات المجالس التأديبية
سنتناول تباعا إختصاصات اللجان الادارية المتساوية الاعضاء، ثم إختصاصات المجلس الاعلى للوظيفة العمومية.
1-اختصاصات اللجان الادارية المتساوية الاعضاء:
أعطى المشرع للجان الادارية المتساوية الاعضاء حق التدخل بالصفة الاستشارية في جميع أنواع العقوبات المنصوص عليها في الفصل 66 من ظهير 24 فبراير 1958، ماعدا عقوبتي الانذار والتوبيخ.
وتقوم اللجنة الادارية المتساوية الاعضاء بدور المجلس التأديبي (الفصل 65)، وهي لاتنظر في القضية إلا بعد أن تحال إليها من طرف السلطة التي لها حق التأديب، وذلك بتقرير كتابي يتضمن بوضوح الأعمال التي يعاقب عليها الموظف وإن اقتضى الحال الظروف التي ارتكبت فيها (الفصل 66).
وتنظر هذه اللجنة في موضوع التأديب وفق إجراءات شبيهة بالاجراءات القضائية، بحيث يكون للموظف المتهم الحق في أن يطلع على ملفه الشخصي بتمامه، وعلى جميع الوثائق الملحقة به، وذلك بمجرد ما تقام عليه دعوى التأديب، ويمكن أن يقدم إلى المجلس التأديبي ملاحظات كتابية أو شفهية، وأن يحضر بعض الشهود، وان يحضر معه مدافعا باختياره، وللإدارة كذلك حق إحضار الشهود (الفصل 67).
وللمجلس التأديبي حق طلب إجراء بحث في حالة عدم الإكتفاء بالمعلومات المعطاة له عن الاعمال المؤاخذ عليها المعني بالامر، او عن الظروف التي ارتكبت فيها تلك الاعمال (الفصل 68).
وتبعا لهذه الاجراءات التي يتخذها المجلس التأديبي يعطي رأيه معللا بالاسباب في العقوبة التي تبين له وجوب اتخاذها على الموظف المخطئ، ويوجه هذا الرأي الى السلطة التي لها حق التأديب (الفصل 69)، وذلك في أجل شهر واحد إبتداء من يوم رفع النازلة إليه.
ويمتد هذا الأجل الى 3 أشهر عند القيام ببحث، أما في حالة المتابعة لدى محكمة زجرية فإنه يمكن للمجلس التأديبي تأجيل الادلاء برأيه الى صدور الحكم من تلك المحكمة (الفصل 70).
كما أن السلطة المختصة بالتأديب لايجوز لها ان تصدر عقوبة اشد من العقوبة التي يقترحها المجلس التأديبي، اللهم الا اذا وافق على ذلك رئيس الحكومة.
كما تختص اللجنة الادارية المتساوية الاعضاء بالنظر في جميع أنواع العقوبات التي تصدر على الموظف المتمرن، ماعدا عقوبتي الانذار والتوبيخ، ونظرا لبساطة الآثار المترتبة عليهما، وتتخذ هذه اللجنة نفس المسطرو المحددة بالنسبة للموظفين المرسمين في النظام الاساسي للوظيفة العمومية ( الفصلين 5 و7 من المرسوم الملكي الصادر في 17 ماي 1968 المتعلق بتحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمرنين بالادارات العمومية).
يتبين مما سبق ان اختصاصات اللجان الادارية المتساوية الاعضاء كثيرة ومتعددة، وقد اقتصرنا على تلك المتعلقة بالتأديب، وهي لاتصدر فيها قرارات نهائية بل استشارية غير ملزمة، يجوز للسلطة الرئاسية عدم التقيد بها، سواء أكان بتخفيف العقوبة أم بتشديدها إذا وافق على ذلك رئيس الحكومة.
ونفس الشيء نجده في فرنسا، فللجان الادارية المشتركة حق التدخل بصفة استشارية في جميع انواع العقوبات المنصوص عليها في المادة 30 من قانون 4 فبراير 1959، ماعدا عقوبتي الانذار والتوبيخ (المادة 19 من قانون 13 يوليوز 1983).
وتنظر هذه اللجنة في موضوع التأديب وفق إجراءات شبيهة بالاجراءات القضائية، فلها حق سماع الشهود، وان يبدي المتهم وجهة نظره أمامها، وله الحق في استعمال وسائل دفاعه كتابيا أو شفويا.
وعلى المجلس التأديبي أن يبدي رأيه من خلال مدة شهر، تمتد الى 3 أشهر إذا تطلب ذلك ضرورة التحقيق ( الفصل 5 من المرسوم رقم 311 الصادر في 4 فبراير 1959 ) وهي لاتصدر في موضوع التأديب قرارات نهائية بل استشارية غير ملزمة.
إذن فيما يخص اختصاصات اللجان الادارية المتساوية الاعضاء فانها متشابهة سواء فيما يخص المغرب أو فرنسا.
2-اختصاصات المجلس الأعلى للوظيفة العمومية:
يلجأ الموظف بعد موافقة اللجنة الادارية المشتركة الى المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بالتظلم من القرار الصادر في حقه بالجزاء التأديبي عند اختلاف الرأي في هذا الجزاء المقترح بين الجهة الرئاسية في التأديب واللجنة الادارية المشتركة، وذلك بتشديد الجهة الرئاسية للجزاء المقترح من اللجنة الادارية المشتركة.
ويكون التظلم خلال مدة شهر من تاريخ إعلام الموظف بالجزاء، وينظر المجلس الاعلى للوظيفة العامة في القضية بعد الاطلاع على قرار اللجنة الادارية المشتركة وملاحظات الادارة والموظف، ويمكن ان يأمر بالتحقيق في القضية[34].
ويصدر هذا المجلس في التظلم رأيا صريحا بأنه لامحل للمتابعة في التحقيق أو أن يصدر مجرد توصية برفع أو تعديل العقوبة (الفصل 10 من المرسوم رقم 311 الصادر في 4 فبرار 1959 )
والطعن أمام المجلس الاعلى للوظيفة العامة لايوقف تنفيذ العقوبة، ولكنه يوقف مدة الطعن القضائي فيكون ذلك من صالح الموظف، إذ لايبدأ في احتساب مدة الطعن القضائي إلا من يوم إبلاغ المعني بالامر برأ المجلس الاعلى للوظفة العامة، وهذا الرأي لايلزم الجهة الرئاسية في التأديب فهو رأي غير ملزم غير أنه من النادر قيام هذه الجهة بتوقيع عقوبة أشد من تلك التي اقترحها المجلس خوفا من حدوث فتنة نقابية داخل المرفق[35].
أما فيما يتعلق بالمغرب فان القانون رقم 75.99 المتعلق بالمجلس الاعلى للوظيفة العمومية والصادر في 26 دجنبر 2000، فإن له مجموعة من الاختصاصات محددة على سبل الحصر وهي:

  • الادلاء برأيه في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالموظفين الخاضعن للنظام الاساسي العام للوظيفة العمومية.
  • إبداء رأيه حول توجهات السياسة الحكومية في مجال التكوين المستمر لموظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية.
  • اقتراح جميع التدابير التي من شأنها تطور منظومة الموارد البشرية.
وبالتالي يلاحظ من هذه الاختصاصات خلوها من أي اختصاص يتعلق بالتأديب في المغرب وبالتالي لايعتبر مجلس تأديبي على عكس ماهو عليه الامر في فرنسا إذ يعتبر المجلس الاعلى للوظيفة العامة من المجالس التأديبية.

المطلب الثاني: الرقابة القضائية في مجال التأديب

الفقرة الأولى: الرقابة على المسطرة التأديبية

سنتناول هده الرقابة من خلال نقطتين تتعلق الأولى بإقرار حق الدفاع للموظف، والثانية بضرورة الإحالة على المجلس التأديبي.
أولا:الرقابة على حق الدفاع
لقد استقرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض) على إقرار حق الدفاع للموظف، و اعتباره من الضمانات الأساسية التي يتعين احترامها من طرف الإدارة، ففي قرار صادر بتاريخ 11 مارس 1966 تحت عدد 545 في الملف الإداري رقم 19581 اعتبرت الغرفة الإدارية " أن امتناع الإدارة عن تمكين محامي الطاعن من الاطلاع على ملفه الإداري بدعوى أنه سر، يشكل اخلالا جوهريا بحقوق الدفاع" و نتيجة لذلك قضت بإلغاء القرار الإداري الصادر عن وزير الاشغال العمومية القاضي بعزل الطاعن لاخلاله بحقوق الدفاع.
و في قرار صادر بتاريخ 14 فبراير 1991 تحت عدد 57 عن المجلس الأعلى (الغرفة الإدارية) قضى بإلغاء القرار الإداري الذي نص على شطب السيد (ع.م) من اطر مصلحة الوقاية المدنية بالدار البيضاء، وأكد المجلس المذكور أن هدا الإلغاء جاء بناء على كون الإدارة لم تدل بما يفيد اطلاع هذا الموضف على ملفه الشخصي، و التعرف على المخالفات المنسوبة اليه، و هذا يعني حسب المجلس الأعلى أن "الطاعن لم يتمتع بالضمانات الكافية قبل اتخاذ عقوبة العزل في حقه، و أنه حرم من حقوق الدفاع، مما يجعل القرار الإداري المطعون فيه متسما بالشطط في استعمال السلطة مما يترتب عنه الإلغاء، فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط في الحكم الصادر عنها بتاريخ 20/06/1995 تحت عدد 192 في قضية (ش.أ) ضدد وزير التربية الوطنية أن" القرار الإداري المستند الى محضر مجلس تأديبي لم تراع فيه الضمانات الخاصة بحقوق الدفاع يكون معرضا للالغاء، طبقا لمقتضيات الفصول 65 الى 75 من النظام الأساسي للوضيفة العمومية".[36]

تانيا : الرقابة على إحالة الموظف أمام المجلس التأديبي
تعتبر إحالة الموظف الذي ارتكب خطأ تاديبيا أمام المجلس التأديبي ضمانة أساسية بالنسبة اليه، اذ أنه و بالرغم من أن حق التأديب هو مخول للسلطة الرئاسية التي تملك الحق في التسمية، فانه يتعين على هده السلطة أخذ رأي هيئة معينة هي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء،التي تنعقد بصفتها مجلس تأديب قبل اقدام الإدارة على إصدارها قرار بالجزاء (الفصل 65 من قانون الوضيفة العمومية).
وقد ذهب القضاء الإداري في المغرب الى اعتبار إحالة الموظف أمام المجلس التأديبي شكلية أساسية لا يمكن أن يستقيم القرار التأديبي بدونها، و الا كان عرضة للإلغاء، فقد جاء في قرار صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 1968/05/31 في الملف الإداري رقم 25.052 في قضية (ش.م) ما يلي:" ان الطالب يطلب بسبب الشطط في استعمال السلطة الغاء القرار الصادر عن وزير الشبيبة و الرياضة، القاضي بعزله كمعلم مرسم، و أن الطاعن يعيب على القرار خرقه الفصل 65 من قانون الوظيفة العمومية، ذلك ان الإدارة لم تستحضره امام مجلس التأديب ليدافع عن حقوقه قبل انزال العقوبة المتخذة في حقه...." فقضى المجلس الأعلى بناء على ذلك بإلغاء القرار المذكور معللا موقفه ب " ان مقتضيات الفصلين 66و 67 من ظهير 24/02/1958 بمتابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية تحتم احترام الضمانات التأديبية قبل اتخاذ أي عقوبة ضد الموظفين.... و بما انه لا يوجد بالملف ما يثبت مراعات الإدارة للضمانات التأدبية المنصوص عليها قانونيا قبل اصدار قرار العزل في حق الطاعن، مما يجعل القرار المطعون فيه مشوبا بالشطط في استعمال السلطة".
واكد المجلس الأعلى كذلك ان تشكيلة المجلس التأديبي يجب أن تكون متساوية بين ممثلي الإدارة و الموظفين الاخرين، و في هذا الاطاراعتبرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أن أي لجنة لم تتوفر فيها صيغة التساوي طبقا لمقتضيات الفصل 11 من ظهير 24 فبراير 1958 بين ممثلي الإدارة و ممثلي الموظفين، و التي حرص المشرع على اشتراطها ضمانا لحقوق الموظفين، يعتبر قرارها غير شرعي و يتعين الغاؤه(قرار عدد 195 بتاريخ 22 يونيو 1973).
و لم يقتصر القضاء الإداري على احاطة الموظف بضمان عرضه على المجلس التأديبي بالنسبة للعقوبات الموجبة لذلك، بل انه اتجه كذلك نحو تقييد سلطة الإدارة عند اتخادها عقوبتي الإنذار و التوبيخ باقراره لجملة من الضمانات، تتمتل بالأساس في ضرورة استفسار المعني بالامر قبل اصدار هاتين العقوبتين تحت طائلة بطلان القرار الإداري الذي لم يراع هده الشكلية، فقد جاء في قرار عن المجلس الأعلى بتاريخ 1989/04/27 في الملف الإداري رقم 7213 ما يلي:" يقع الإنذار و التوبيخ بمقرر معلل، تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي، لكن بعد استفسار المعني بالامر ،هدا الاستفسار يعد اجراءا أساسيا، و في النازلة في الرسالة التي وجهتها الطاعنة الى الجهة المختصة التي كانت مجرد شكاية، جاءت قبل أن تكون هناك أي مسطرة تأديبية فلا تعتبر بيانا عما نسب اليها، فيكون بالتالي القرار المطعون فيه الذي اعتبرها بمثابة البيان الدي يقرره الفصل 66 المذكور متسما بالشطط في استعمال السلطة".[37]

الفقرة الثانية:الرقابة على تطبيق العقوبة التأديبية

أولا: التأكد من استشارة المجلس التأديبي
اقر القضاء الإداري عددا من الضمانات التي ترتبط بكيفية أساسية بالعقوبات ذات الصبغة الخطيرة، و المقصود بها تلك التي يتعين فيها استشارة المجلس التأديبي.
و في هدا السياق اعتبر ان قرار توقيف الموظف عن العمل، الذي تصدره سلطة التأديب في حالة ارتكابه هفوة خطيرة عملا بمقتضيات الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، يعتبر قرارا غير نهائي، و بالتالي لا يجوز الطعن فيه عن طريق دعوى الإلغاء، فقد ورد في قرار للمجلس الأعلى تحت عدد 554 صادر في 20/05/1966 في الملف الإداري رقم 19582 ما يلي :" ان للسلطة المختصة ان توقف الموظف عن عمله فورا، و بصفة احتياطية في حالة ارتكابه مخالفة جسيمة، و ان هدا التدبير لا يشكل في حد ذاته عقوبة تأديبية ، و انما هو اجراء تمهيدي و مؤقت في انتظار نتائج التحقيق، لهدا قضى المجلس برفض الطلب".
لكن هدا الاتجاه سرعان ما عملت المحاكم الإدارية على تطويره من خلال تأكيدها على أن قرار التوقيف يعد قرارا إداريا و نهائيا و مؤثرا في المركز القانوني للطاعن ادا لم تتم إحالة هذا الأخير على المجلس التاديبي داخل اجل أربعة اشهر من تاريخ التوقيف، و هو موقف سليم في نظرنا لان طول مدة التوقيف المؤقت يترتب عنه ضياع لحقوق الموظف، و في هذا الاطار اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس في حكم صادر عنها بتاريخ 11/04/1996 تحت عدد 96/10 ان :" عدم إحالة الموظف المعرض للتوقيف داخل أربعة اشهر على المجلس التأديبي طبقا لمقتضيات الفصل 73 من قانون الوظيفة العمومية، يجعل القرار مشوبا بعيب مخالفة القانون و بالتالي معرضا للالغاء".
و في نفس السياق اقر المجلس الأعلى ان قرار المجلس التاديبي يجب ان يصدر داخل الاجل القانوني لاحالة الموظف عليه، و المحدد في أربعة اشهر، و الا اعتبر كل عمل مخالف لذلك غير مشروع و بالتالي يتعين الغاؤه، و هذا ما أكده القرار رقم 159 بتاريخ 18 شتنبر 1986 الذي جاء فيه:"و حيث ان الطاعن تم توقيفه عن عمله من تاريخ 1983/05/10، و لم يحل على المجلس التاديبي الا في 1984/03/12، أي بعد مرور عشرة اشهر من تاريخ التوقيف عن العمل المذكور، و هذا فيه مخالفة لمقتضيات المادة 73 من ظهير 24 فبراير 1958 الذي ينص على أن و ضعية المعني بالامر يجب تسويتها نهائيا داخل أربعة اشهر من تاريخ التوقيف عن العمل "، و تبعا لذلك قضى المجلس الأعلى بإلغاء القرار المطعون فيه.
و أحاط القضاء الإداري كذلك الموظف الذي يتعرض لعقوبة العزل أو الفصل من الوظيفة بضمانة أساسية تكمن في ضرورة تعليل قرار العزل الصادر باقتراح من المجلس التأديبي، حيث ان القاضي يثير ذلك بصفة تلقائية و دون طلب من المدعي، و هذا يتطلب استناد قرار العزل الى وقائع ثابتة ثبوتا قطعيا و يقينا و ليس الى مجرد وقائع عامة مبنية على مجرد الشك، كما أن ذلك يستدعي مراعات ضمانة الإنذار باستئناف العمل المنصوص عليه في الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية الذي لا يجوز الطعن فيه بدعوى الإلغاء، لانه مجرد اجراء ممهد لاصدار عقوبة العزل لا علاقة له بعقوبة الإنذار، و لا يشكل بالتالي قرارا إداريا، و تطبيقا لذلك ألغت المحكمة الإدارية بالرباط قرارا يقضي بعزل الطاعن لكونه لم يحترم هده الضمانة مما يجعله مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة. كما اكد القضاء الإداري كذلك على وجوب اشعار الموظف بالالتحاق بالعمل في حالة تركه للوظيفة، و ذلك عن طريق توجيه انذار له من أجل الالتحاق بعمله خلال السبعة أيام الموالية لتبليغ الإنذار اليه قبل اقدام الإدارة على اتخاذ قرار العزل في حقه دون احالته الى المجلس التاديبي طبقا للفصل 45 مكرر من القانون الأساسي للوظيفة العمومية، و هدا ما ذهبت اليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، حيث اعتبرت ان الإنذار يعتبر اجراءا جوهريا يترتب على عدم مراعاته البطلان.
ثانيا : رقابة التناسب
ابتدع مجلس الدولة الفرنسي نظرية الخطأ الواضح أو البين في التقدير ،كمرحلة لتقدير التناسب ،حيث كان القاضي الإداري الفرنسي قبل 1960يمارس رقابة من حد أدنى تشمل الشرعية الخارجية للقرار (الاختصاص و الشكل و المسطرة ) وكذلك رقابة على بعض عناصر الشرعية الداخلية (الصحة المادية للوقائع ، الخطأ في القانون والإنحراف في استعمال السلطة).[38]
وبعد هذه المرحلة ،أصبح القاضي الإداري يراقب السلطة التقديرية للإدارة ، تطبيقا لنظرية الخطأ الواضح في التقدير أي مراقبة عدم التناسب البين بين الوقائع والقرار ،ومجال التأديب يقوم برقابة اختيار العقوبة المتخدة في حق الموظف ومدى ملائمتها لخطورة الخطأ المرتكب ونظرية الخطأ الواضح في التقدير تشترط وجود قدر كبير وواضح من الخطأ إلى درجة تظهر تجاهلا واضحا لأبسط المسلمات في ظل حقائق موضوعية ومتعارف عليها وقد كان أول حكم عمل خلاله مجلس الدولة الفرنسي رقابته بخصوص تقدير ملائمة تصرف الإدارة ،و الذي شكل نقلة نوعية في تعامله مع سلطة الإدارة التقديرية هو الحكم الصادر في يونيو 1978 في قضية السيد لوبون[39].
بعد هذه النقلة النوعية التي أحدثها حكم LE BON أصبحت رقابة الخطأ الواضح في التقدير تنتشر بسرعة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي إذ لم تمر أسابيع قليلة حتى أصدر المجلس قرارا بمناسبة قضية SIEUR VINOLAY والذي يعتبر أول تطبيق ايجابي لنظرية الخطأ الواضح بخصوص تقدير الملائمة أو التناسب ، حيث ألغى المجلس الجزاء التأديبي الموقع على مدير للخدمات بغرفة الزراعة والقاضي بفصله عن العمل لما نسب إليه من إهمال وعدم عناية في أدائه لوظيفته حيت قضى هذا الحكم بأن التفاوت بين الأخطاء المقترفة من قبل السيد VINOLAY و المتمثلة في القسوة والصرامة في معاملته لمرؤوسيه وبث عقوبة العزل من العمل يعد تفاوتا صارخا وبينا ولايمكن الإجراء المتخد ضد المدعي دون خطأ واضح في التقدير.
وبانتقالنا إلى نظرية الغلو المغربية ،نستشف أن تطبيق هذه النظرية في مجال التأديب تتشابه مع نظرية الخطأ الواضح أو البين الفرنسية مع وجود بعض الفوارق في تطبيق النظريتين ، حيث يمكن القول على أن القاضي المغربي طبق نظرية الغلو في مجال التأديب الموظفين شأنه شأن القاضي الإداري الفرنسي ،انطلاقا من أول حكم استعمل مصطلح الغلو في التقدير هو الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23 مارس 1995 .حيت جاء فيه " إن للإدارة سلطة تقديرية في اتخاد العقوبة المناسبة في حق الموظف حسب خطورة الأفعال المنسوبة إليه ،ومدى تأتيرها داخل المرفق العام...وأن هذه السلطة التقديرية لارقابة للقضاء عليها ما لم يشبها غلو في التقدير".ولقد تم تأيد هذا الحكم بقرار لاحق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 13/12/1997 والذي اعتبر من قبل الفقه ايدانا بميلاد قضاء جديد وتحول كبير في مسار قضائنا الإداري.
وقد توالت الأحكام حيت أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط كذلك حكما في قضية يوشيكي عبد الله ضد المدير العام للأمن الوطني .
كما ذهبت إدارية مكناس بتاريخ 6/1995 فيما يتعلق برقابة ظاهرة الملاءمة حيث جاء فيه "للقاضي الإداري أن يفحص ظاهرة الملاءمة كي يتأكد من خلو القرار الإداري من أي عيب من عيوب عدم الشرعية دون أن يمس هذه الملائمة في حد داتها "
كذلك حكم صادر عن إدارية وجدة بتاريخ 31/10/2000 تحت عدد 2000-257 خديجة صبرينة بوتشليش ضد رئيس جماعة اعز ازن.
ومايمكن تسجيله من خصوصيات يتميز بها المغرب عن مصر و فرنسا في رقابة الملائمة هو الإتجاه الوسط الذي اتخدته الغرفة الإدارية والمحاكم الإدارية من خلال ارتكازها على عدة أسس منها:
-التصدي للملائمة حالة بحالة ،وليس بناء على نظرية متناسقة و متكاملة
-الحذر الشديد في التصدي للملائمة
-الأخذ بعين الإعتبار كل الظروف والملابسات المحيطة بكل قضية على حدة
-الرقابة على ظاهرة الملائمة .
- وفي جميع الأحوال تعتبر هذه القفزة النوعية جديرة بالتشجيع والتنويه ،وهي مجرد بداية في اتجاه تحديث وتطوير قضائنا الإداري ،حتى يستجيب لتطلعات الموظفين من أجل الوصول إلى تطبيق عدالة تراعي مبادئ دولة الحق و القانون [40].

خاتمة :

خاتمة القول أنه بعد أن عرضنا لأسس النظام الشبه قضائي و الضمانات التي يحققها و كذا تطبيقاته و في الأخير عرضنا للرقابة التي يمارسها القضاء الإداري في مجال التأديب ،فاننا نقف عند مجموعة من النقط بخصوص النظام الشبه القضائي و مدى تجاوزه للنظامين الإداري و القضائي على مستوى الفاعلية و الضمان، و كذا انعكاساته على حسن أداء الموظف لمهامه، حيث ان هدا النظام من خلال ما عرضناه يوفر عدد كبير من الضمانات للموظف العام و يجعله يطمئن الى حد ما على مستقبله الوظيفي من خلال ما يوفره له المسار المهني المغلق من ارتياح ، هدا من جهة و من جهة أخرى وجود ممثلين للموظفين في المجلس التأديبي بحيث لا يتصور ان يميل الموظف الى الإدارة و هو يعرف انه قد يتعرض كذلك للتأديب في أي لحظة، الى جانب أن الموظف يمكنه اللجوء الى القضاء من اجل الغاء القرار التأديبي بما يوفره القضاء من ضمانات أي ان منطق الضمان يتجسد في جميع مستويات النضام الشبه قضائي في التأديب و هو ما يجعل الموظف يؤدي مهامه في جو من الاطمئنان يساعد على حسن أداء المهام.




______________________________________________________________________________
الهوامش:

[1]أحمدنور الدين، مجلة كتابة الضبط، العدد 15، سنة 2006، ص 26، مكتبة دار السلام.
[2]مليكة الصروخ، سلطة التأديب في الوظيفة العامة، مطبعة الجبلاوي، 1984، ص 104.
[3]فوزت فرحات، القانون الإداري العام، طبعة 2004، ص 296.
[4]حكم مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 22 أكتوبر 1937 أورده حسن محمد عثمان في كتاب أصول القانون الإداري، منشورات الحلبي الحقوقية، ص 715.
[5]Jeze, les principes générales du Droit Administratif.
نقلا عن د عبد الحميد أبو زيد، المرجع في القانون الإداري، الطبعة الثانية، 2007، ص 202.
[6]محمد سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري المصري والمقارنة، طبعة الثالثة، دار الفكر العربي، ص 451.
[7]سامي جمال الدين، أصول القانون الإداري، منشأة المعارف الإسكندرية، طبعة 2004، ص 254.
[8]عبد الخالق علاوي، اصلاح النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وتطوير منظومة تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية، مقال بمجلة REMALD عدد 93، سنة 2010، ص 102.
[9]د نوفان العقيل العجارمة، سلطة تأديب الموظف العام، دراسة مقارنة، دار الثقافة، طبعة 2007، ص 87.
[10]مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 140 – 141.
[11]مليكة الصروخ، نفس المرجع السابق، ص 111.
[12]مليكة الصروخ، نفس المرجع السابق، ص 141.
[13] - أحمد لواء الدين،"ضمانات تأديب الموظف في القطاع العام"، مجلة كتابة الضبط،العدد 15،2006، ص45
[14]- أحمد لواء الدين،"ضمانات تأديب الموظف في القطاع العام"، مجلة كتابة الضبط،العدد 15،2006، ص46
[15] -عبد الغني يفوت،"الضمانات الاساسية في مجال التأديب"، مجلة محاكمة، العدد7-8،2010،ص22
[16] - عبد الغني يفوت،"الضمانات الاساسية في مجال التأديب"، مجلة محاكمة، العدد7-8،2010،ص23
[17] - أحمد لواء الدين،"ضمانات تأديب الموظف في القطاع العام"، مجلة كتابة الضبط،العدد 15،2006، ص53
[18] - عبد الغني يفوت،"الضمانات الاساسية في مجال التأديب"، مجلة محاكمة، العدد7-8،2010،ص25
[19]مليكة الصروخ، نفس المرجع السابق، ص 350.
[20]الفصل 3 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 الموافق لـ 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
[21]الفصل 2 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 الموافق لـ 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
[22]مليكة الصاروخ، مرجع سابق، ص 358.
[23]نوفان العقيل العجارمة، نفس المرجع السابق، ص 90.
[24]قانون 99-75 المتمم والمغير للظهير الشريف رقم 1.58.008 بمثابة قانون محدث للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية.
[25]مليكة الصروخ، نفس المرجع السابق، ص 191.
[26]المرسوم رقم 2.59.020 المتعلق بتطبيق الفصل 11 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بخصوص اللجان الإدارية المتساوية الاعضاء.
[27]مليكة الصروخ نفس المرجع السابق، ص 199.
[28]الفصل 66 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 4 شعبان 1377 الموافق لـ 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
[29]سليمان الصماوي، مرجع سابق، ص 455.
[30] - مليكة الصروخ،" سلطة تأديب الموظف العام بين الادارة والقضاء-دراسة مقارنة"، الطبعة الاولى، مطبعة الجبلاوي، 1984، ص363
[31] - مليكة الصروخ، نفس المرجع، 363
[32] - مليكة الصروخ، نفس المرجع،ص 369
[33] - مليكة الصروخ، نفس المرجع، ص 199
[34] - مليكة الصروخ، المرجع السابق، ص 205
[35] - مليكة الصروخ، نفس المرجع، ص 206
[36]عبد الجليل عينوسي، رقابة القضاء الإداري على النظام التاديبي للموظف العمومي، مجلة القانون المغربي ،العدد17 ابريل 2011
[37]عبد الجليل عينوسي، مرجع سابق.
[38]عبد اللطيف العمراني ،القضاء الإداري المغربي ومراقبة الملائمة في مجال التأديب، منشورات REMALD
، عدد 47، 2004 سلسلة "مواضيع الساعة ص 120
[39]وتتلخص وقائع هذا الحكم في أن السيد لوبون وهو مدرس بأكاديمية تولوز رفع دعواه أمام المحكمة الإدارية لنفس المدينة طالبا إلغاء القرار التأديبي القاضي لإحالته على المعاش فرفضت المحكمة الإدارية دفوعات المدعي فقام هذا الأخير بالطعن في الحكم أمام مجلس الدولة الفرنسي الذي قرر"أنه لايتضح من الأوراق أن الجزاء الموقع على المدعي بالإحالة على المعاش بدون طلب يقوم على خطأ واضح في التقدير وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه قام على أسبابه الكافية المبررة له "
[40]بنجلون عصام ، مرجع سابق ص 309 و 310

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -