أجل رفع دعوى الإلغاء

مقال بعنوان:أجل رفع دعوى الإلغاء

أجل رفع دعوى الإلغاء

مقدمة: 

يعد القرار الإداري من أهم أساليب مباشرة الوظيفة العمومية، ومظهرا من أبرز مظاهر السلطات والامتيازات القانونية التي تتمتع بها الإدارة، فهو وسيلة الإدارة المفضلة في القيام بوظيفتها لما يحققه من سرعة وفاعلية العمل الإداري، وذلك راجع لما يتميز به من انفرادية في إحداث الآثار القانونية المُلزمة للأفراد. ومقابل ذلك كان من الضروري محاولة البحث عن وسيلة مناسبة تخول لجهاز القضاء، ليتحقق بواسطتها التوازن بين امتيازات الإدارة في إصدار القرارات الإدارية، والحفاظ على حقوق المخاطبين بهذه القرارات.
في هذا الإطار، ظهرت دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة بشكل تدريجي في القضاء الفرنسي[1]، بخلاف المغرب الذي أخذ بها أول مرة، بمقتضى نص تشريعي[2]، وجعل منها آلية قضائية، مخولة للمخاطبين بالقرارات الإدارية، لأجل مخاصمة هذه الأخيرة، الأمر الذي أضفى على هذه الدعوى الطابع العيني، إذ أنها تعتبر مناسبة "لمحاكمة" القرار الإداري، تحت طائلة الحكم بإلغائه إذا ثبتت عدم مشروعيته.
إلا أنه لقبول دعوى الإلغاء، ينبغي على رافعها احترام مجموعة من الشكليات والشروط، من بينها:
أولا: الشرط المتعلق بالقرار المراد إلغائه، إذ يجب أن توجه دعوى الإلغاء ضد مقرر إداري، تتوافر فيه عناصر القرار الإداري، ومنتج لأثار قانونية؛
ثانيا:يجب على رافع الدعوى أن يرفع دعواه أمام المحكمة المختصة، وبالتالي فدعوى الإلغاء تمارس ابتدائيا، إما أمام المحاكم الإدارية[3]، أو أمام محكمة النقض،[4] وفي حالات أخرى قد تمارس أمام المحاكم الابتدائية أو القضاء الاستعجالي[5]؛
ثالثا: شرط انعدام الدعوى الموازية.
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون 90/41 أنه "لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل".
لكن يبقى "أخطر" شرط، هو ذلك المرتبط بعامل الزمن، والمسمى بشرط أجل إقامة دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.
وخطورة هذا الشرط تتمثل في كون فواته، يترتب عنه سقوط الحق في إقامة الدعوى[6].فالشرط المذكور يجد سنده في عدة مبررات، أهمها تحصين العمل الإداري، ودعم استقرار الأوضاع القانونية، أو ما يصطلح عليه بالأمن القانوني.
مما سبق تضح أهمية أجل الطعن في دعوى الإلغاء، لاتصاله بالنظام العام[7]، وارتباطه الوثيق بالحق في إقامة الدعوى بصفة عامة، وبالتالي كان ضروريا إحاطة هذا الشرط بمجموعة من الضوابط القانونية، فكيف يتم ضبط أجل دعوى الإلغاء؟
للإجابة على هذه الإشكالية، نطرح الإشكاليات الفرعية الآتية، كيف يتم احتساب أجل الطعن في دعوى الإلغاء؟ وما هي عوارضه؟




المبحث الأول: كيفية احتساب أجل الطعن في دعوى الإلغاء 

لاحتساب أجل الطعن في دعوى الإلغاء، يجب بداية تحديد مدة أجل الطعن (المطلب الأول)، ثم معرفة لحظة سريان هذه المدة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مدة الطعن في أجل دعوى الإلغاء: 

لتحديد أجل الطعن في دعوى الإلغاء، ينبغي الرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة لممارسة دعوى الإلغاء، وتنقسم هذه المقتضيات إلى نصوص عامة وأخرى خاصة.

الفقرة الأولى: النصوص العامة المحددة لمدة أجل الطعن في دعوى الإلغاء: 

كما هو معلوم عرف المغرب دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة أول مرة، بمناسبة إنشاء المجلس الأعلى، إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 14 من الظهير المنشئ له على أنه، "يجب أن يرفع الطلب إلى المجلس الأعلى فب ظرف شهرين اثنين ابتداء من تاريخ نشر المقرر المطعون فيه أو تاريخ تبليغه"، وقد تمسك المجلس الأعلى منذ بداياته بشرط الأجل في العديد من قراراته[8].
أما حاليا فيطبق الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه: "تقدم طلبات إلغاء مقررات السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة داخل أجل ستين يوما من يوم نشر أو تبليغ المقرر المطعون فيه".وبالنظر إلى مقتضيات المادة 9 من القانون 90-41، نستشف أن الأجل المذكور على الحالات التي لا زالت تدخل ضمن الاختصاص النوعي لمحكمة النقض، وهي كالأتي:
ü المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة؛
ü قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية.
أما المادة 8 من القانون 90-41 فقد أعطت الولاية العامة للنظر في دعاوى الإلغاء للشطط في استعمال السلطة للمحاكم الإدارية، لكن المادة 23 من نفس القانون لم تختلف عن الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، إذ بدورها حددت أجل الطعن في ستين (60) يوما.
وخلاصة القول، فالمادة 23 من القانون 90-41، والفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، يشكلان القاعدة العامة لتحديد أجل الطعن في دعوى الإلغاء، وذلك حسب ما أكد الاجتهاد القضائي من خلال بعض الأحكام التي اعتبر أنه "في حالة عدم وجود نص خاص يحدد أجل الطعن يتعين تقديم الطعن داخل الأجل العام المحدد بمقتضى المادة 23 من القانون 90-41 ضمانا لاستقرار الأوضاع الإدارية"[9].

الفقرة الثانية: النصوص الخاصة المحددة لمدة أجل الطعن في دعوى الإلغاء: 

من بين النصوص الخاصة التي حددت أجل الطعن في دعوى الإلغاء في المقررات الإدارية، القانون رقم05/42[10] القاضي بسن بعض الإجراءات المتعلقة بالعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة، المنقولة ملكيتها عملا بأحكام ظهيري 26/9/1963 و2 مارس 1973، إن صدور هذا النص جاء للحد من كثرة الدعاوى التي ارتبطت بهذا النوع من العقارات خصوصا تلك المقدمة من طرف الأجانب.
وعليه نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 05/42، أن اجل تقديم طلبات الإلغاء القرارات الوزارية المشار إليها في الفقرة الأولى من نفس المادة، والتي تم نشرها قبل تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، يحدد في ستين (60) يوما ابتداء من هذا التاريخ.
إن هذا القانون قد ينظر إليه أنه بمثابة تمديد لأجل الطعن بالإلغاء في المقررات المذكورة، ما دام لم يعتمد في بدأ سريان الأجل على تاريخ نشرها، وإنما على تاريخ نشر هذا القانون، وهذا الأمر ما تبناه القضاء الإداري المغربي في بعض أحكامه[11].
إذا نظرنا إلى القانون السابق ذكره على انه يمدد أجل الطعن بالإلغاء، فإن القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب، يحدد مجموعة من الآجال المختلفة، المتراوحة بين 48 ساعة[12] و15 يوما[13].

المطلب الثاني : وسائل الإعلام بالقرارات الإدارية 

إذا كان توقيع القرار الإداري يعد العنصر الحاسم الذي يتم بواسطته تحديد لحظة صدور القرار الإداري، وبالتالي احتساب أجل سحب القرار الإداري، فإن أجل الطعن لا يرتبط بتاريخ صدوره وإنما يبتدئ من تاريخ حصول العلم به من طرف المخاطبين به.
والعلم بالقرار الإداري لا يتحقق دون إشهاره من طرف الإدارة (الفقرة الأولى)، أو حدوث العلم اليقيني به من طرف المخاطبين به (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الوسائل القانونية للإعلام بالمقررات الإدارية 

يبدأ سريان أجل الطعن بالإلغاء في القرار الإداري من تاريخ تبليغه لصاحب الشأن إذا كان القرار فرديا أو نشره إن كان القرار ذا مضمون عام أي القرار التنظيمي.
النشر:
يقصد بوسيلة النشر إخبار المعنيين بالأمر بالمقررات التنفيذية المتخذة ضدهم. فالنشر هو إخطار عدد من الأفراد غير محددين ولا تعرف هويتهم بالقرار[14]، كإدراجه في الجريدة الرسمية أو إلصاق مضمون القرار في سبورة ما، وفي أمكنة معينة أو إتباع طريقة القراءة أو المناداة في ساحات عمومية أو نشره في الصحف الوطنية والمحلية أو قراءة مضمونه عبر الوسائل السمعية والبصرية بل إن القانون قد يفرض اتباع طريقة معينة في نشر القرارات الادارية[15]، كأن ينص على انفراد الجريدة الرسمية بالنشر فالفصل 25 من النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية ينص على أنه "يجب ان تنشر تسميات الموظفين وترقياتهم في الجريدة الرسمية".
والمادة 76 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي تنص على أنه " ... يجب تعليق القرارات التي يصدرها الرئيس، باستثناء القرارات الواجب تبليغها إلى المعنيين بالأمر، بمقر الجماعة أو نشرها في الصحف أو تبليغها إلى المعنيين بالأمر بكل وسيلة ملائمة أخرى ...".
فالقاعدة العامة المتبعة تتلخص في كون وسيلة نشر القرارات الادارية التنظيمية أو المراسيم لاتتم إلا في الجريدة الرسمية، إلا أنه وبحكم انعدام نص عام ينظم النشر، تبقى وسائل إعلام الجمهور المشار إليها سابقا صحيحة.
ولكي يؤدي النشر مهمته على أحسن وجه ينبغي أن ينشر القرار الأشياء الجوهرية وإن اقتضى الحال إضافة ملحقاته حتى يتسنى لذوي المصلحة الإلمام بمحتوياته لأن الاحتجاج لاينبغي أن يتجاوز القدر المنشور، ولأن نشر جزء منه يحمل الادارة كافة النتائج السلبية لهذا النشر المبتور، كما لايحتج به قبل تاريخ نشره، ففي قرار النقابة المهنية للنواب العاملين للتأمين قضت الغرفة الادارية بالمجلس الأعلى "..وأن كل مايترتب على تأخير النشر هو عدم قابلية القرار للاحتجاج به قبل تاريخ نشره" .
وهكذا، فمتى تم النشر بشكل قانوني فإنه يؤدي إلى بدء سريان أجل الطعن بالإلغاء[16]،
التبليغ:
يقصد بوسيلة التبليغ إخبار الأشخاص بصفة شخصية بالقرارات الفردية التنفيذية المتخذة ضدهم من قبل السلطات الإدارية.
فالتبليغ هو الوسيلة الطبيعية لإعلام الأفراد بالقرارات الادارية الفردية وإحاطتهم بها علما وتعرف القرارات الفردية بكونها هي التي تخاطب شخص أو أشخاص محددين بأسمائهم وذواتهم كما هو الحال بالنسبة لقرارات التعيين والترقية أو النقل أو منح رخصة ما، فمثل هذه القرارات لايكفي نشرها لافتراض العلم بها بل لابد من تبليغها للمخاطبين بها.
ويشترط في التبليغ حتى ينتج أثره في سريان أجل الطعن أن يكون شاملا لكافة عناصر القرار الإداري، وأن يتحقق فيه مقومات التبليغ الصحيح من حيث الجهة الصادر عنها القرار أو الشخص الموجه إليه، كما يتطلب أن يتم التبليغ للشخص في موطنه الحقيقي وفي حالة تعدد الأشخاص الموجه إليهم القرار فإنه يجب أن يعلموا جميعا بأشخاصهم بمضمون القرار، أما في حالة إذا كان القرار المراد تبليغه موجه إلى شخص معنوي فيكون التبليغ إلى الممثل القانوني وذلك في المقر الاجتماعي للشركة.
والتبليغ ليس له شكل خاص كقاعدة عامة وأن الإدارة لاتلزم باتباع وسيلة معينة لإبلاغ قراراتها إلى ذوي الشأن، ماعدا إذا حدد المشرع وسيلة معينة وإجراءات ثابتة لتبليغ القرارات للمخاطبين بها عندئذ يجب على الإدارة إتباعها والتقيد بها تحت طائلة البطلان. ولتحقيق العلم بالقرارات الإدارية فقد يتم التبليغ بواسطة المفوض القضائي أو بواسطة موظف إداري مختص أو عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو أن يتم التبليغ شفويا للموظف بواسطة رئيسه المباشر أو بتسليم القرار الصادر إلى المعني بالأمر مباشرة أو إلى من ينوب عنه قانونا أو المقيمين معه.
ويتميز العلم بواسطة التبليغ أنه علم حقيقي وثابت في حق المبلغ إليه بخلاف العلم بواسطة أسلوب النشر فهو فرضي فيفترض أن يطلع المعني على القرار وينفذ في حقه بعد النشر، ولو لم يطلع عليه. ومادام التبليغ يعتبر امتدادا للقرار الإداري إذ يكتسب هذا الأخير الحجية في ابتداء حساب مدة الطعن ، ولأن عبء الإثبات دائما ما يكون على الإدارة التي أصدرت القرار فإن من المستحسن أن تصدر الإدارة القرار وتبلغه يشكل مكتوب لتحقق الغاية من القرار وتسهيل التعامل معه من قبل الإدارة والأفراد والقضاء.
ولإثبات حصول التبليغ يتعين على صاحب المصلحة أن يوقع على أصل القرار وعند الاقتضاء ملحقاته، وقد يكتفي بمحضر التبليغ الذي يحرره الموظف المنوط به القيام بعملية التبليغ، وغالبا ما يتمسك به الاجتهاد القضائي الاداري المغربي خصوصا في القرارات الفردية[17].

الفقرة الثانية: الوسيلة القضائية للعلم بالمقررات الإدارية 

لاعتبارات عملية بحتة وتكريسا لدوره الإنشائي، ابتدع مجلس الدولة الفرنسي فكرة العلم اليقيني بالقرار الإداري.[18] والذي يراد أن يكون صاحب الشأن على علم تام و يقيني و شامل لكافة محتويات القرار و لجميع عناصره التي يستطيع على أساسها تبيان مركزها القانوني حيال القرار و تحديد موقفه إزاءه و طريقة الطعن فيه ،و ذلك حتى تتحقق الغاية من وراء ذلك العلم عندئذ يمكن أن يقوم العلم اليقيني مقام التبليغ و النشر الذي نص عليه المشرع ...
وفي هذا الإطار فقد اشترط مجلس الدولة الفرنسي شروطا للأخذ بفكرة العلم اليقيني بالقرار وهي :
+أن يكون العلم يقينيا لا افتراضيا؛
+ أن يكون العلم شاملا بموضوع القرار و محتواه و أسبابه ؛
+ ثبوت العلم في تاريخ محدود حتى يتسنى تحديد سريان أجل الطعن في مشروعية القرار الإداري بشكل قاطع .
وفي هذا الإطار صدر قرار محكمة النقض عدد 672 الذي جاء فيه :" حيث جاء في تعليل المحكمة أن المدعي قد علم بهذا القرار من تاريخ تسجيله بإدارة الثانوية التي يعمل بها يوم 14/06/1999 أي قبل نهاية الموسم الدراسي لسنة 1998.1999 أو على أبعد تقدير في بداية الموسم الدراسي 1999.2000 أي ابتداء من 1999-09-16 و هو ما أكدته محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قضية ناشط سعيد ضد الجماعة القروية لآبت يوسف و علي و من معها بتاريخ 16/09/2009، الذي جاء فيه :"لكن وخلافا لما يتمسك به الطرف المستأنف فإن الثابت من وثائق الملف تحقق علم المستأنف اليقيني بالقرار المطعون فيه و مضمونه و الجهة التي أصدرته بشكل ترتفع معه كل جهالة بعناصره و مقوماته منذ 2005.5.11 تاريخ حصوله على نسخة طبقة الأصل من القرار، الأمر الذي يجعل دعواه المقدمة بتاريخ 2007.6.18 خارج الأجل القانوني وهو ما لاحظه الحكم المستأنف عن صواب فكان واجب التأييد"[19].
وهو نفس التأكيد الوارد في قرارها عدد :2306 الصادر بتاريخ 11-11-2009 الذي ورد فيه :
" وحيث إن سنوات الاقتطاع من الراتب هي 1993-1994-1995 ،و بما أن الدعوى تروم إلى إلغاء قرارات الاقتطاع ،فإن الطاعن كان على علم يقيني بهذا الاقتطاع منذ حصوله ،فكان عليه تقديم تلك الدعوى داخل أجل 60 يوما المنصوص عليها في المادة 23 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية ، و أن تقديمها خارج هذا الأجل أي بعد مرور أكثر من 10 سنوات يجعل الدعوى معيبة شكلا ومآلها عدم القبول وهو ما قضى به الحكم المستأنف عن صواب مما يتعين تأييده''[20].
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بأكادير بقولها:''حيث أن واقعة تبليغ القرار الطعين من جديد إلى الطرف الطاعن بعد أن كان على علم به وممارسة الطعن القضائي كما هو ثابت من الحكم المشار إليه أعلاه لا يخول له الحق في فتح آجال جديدة لممارسة دعوى الإلغاء من جديد استنادا إلى قاعدة استقرار الأوضاع القانونية مما يتعين بالتالي التصريح بعدم قبول الطعن ''
وهو الأمر الذي أكده حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم :1363 الذي جاء فيه :"وحيث أنه مما لا ينازع فيه المدعي استفادته من المغادرة الطوعية بتاريخ 30 غشت 2005 وأنه تم تحديد التعويض المستحق له بناء على وضعيته الأخيرة كمتصرف وهي الوضعية التي كان عالما بها ولم ينازع فيها بل قام بتنفيذها ،وأن مطالبته الحالية بتسوية وضعيته الإدارية وترقيته ابتداء من سنة 2003 لا تستقيم ومبدأ استقرار الأوضاع الذي يقتضي إلغاء قرارات سابقة بما فيها قرار المغادرة الطوعية واستصدار قرارات جديدة ومن تم المساس بمبدأ استقرار الأوضاع مما يتعين معه عدم قبول الطلب"[21]
وقد يحدث العلم بأي قرينة أو واقعة أو وثيقة تفيد علم صاحب الشأن بالقرار الإداري و مثاله: باتخاذ صاحب الشأن أي بمسعى فردي منه ،كما قد يقع عمله صدفة بصدوره و بمضمونه عن طريق شخص آخر قبل أن تبلغه به الإدارة ،وقد يحدث أيضا هذا العلم إذا قامت الإدارة باتخاذ إجراء في مواجهة صاحب الشأن لتنفيذ القرار قبل تبليغه به ،وقد يتقدم صاحب الشأن بتظلم ضد القرار يشرح فيه تفاصيل و مضمون القرار ،وقد يقوم بتنفيذ القرار تنفيذا ماديا فيعد التنفيذ قرينة على علمه به ، ففي هذه الحالات وغيرها يتحقق علم صاحب الشأن بالقرار الإداري . و من ثم ينزل العلم اليقيني بالقرار الإداري منزلة تبليغه أما إذ لم يظهر الدليل فلا يعتبر عاما يقينيا و إنما يعتبر علما ضمنيا أو افتراضيا[22] .
ويقع عبئ إثبات علم صاحب الشأن بالقرار الإداري على جهة الإدارة مصدرة كما هو الشأن في التبليغ و النشر ، فهي الخصم الذي يدفع بعدم قبول الدعوة شكلا لفوات الأجل بل إن القضاء يتشدد في تقبل الأدلة التي تقدمها هذه الأخيرة لإثبات تبليغها . لذا فعجز الإدارة عن إثبات وسيلة العلم اليقيني بالقرار المطعون فيه لصاحب الشأن ودفعه بخلاف ذلك وينكر علمه بتبليغه القرار ما يؤدي إلى قبول الدعوة ورد دفع الإدارة بعدم قبول الدعوة لفوات الميعاد نتيجة ذلك العلم اليقيني .

المبحث الثاني: عوارض أجل الطعن في دعوى الإلغاء 

القاعدة العامة هي أن دعوى الإلغاء لا يمكن رفعها إلا في الفترة الزمنية التي حددها المشرع، ذلك أن حق رفعها يسقط إذا انقطعت هذه المدة دون أن يلجأ فيها إلى القضاء للطعن في القرار المشوب بإحدى عيوب الشرعية ويكتسب بذلك القرار حصانته القانونية ضد الرقابة القضائية، لكن الأمر ليس على إطلاقه فقد كرّس القضاء الإداري دوره الفعا في حماية حقوق الإنسان من خلال تليينه لهذه القاعدة وذلك بتحديده الحالات التي يتوقف أو ينقطع فيها سريان آجال الطعن (مطلب أول) وكذلك الحالات التي ينحل فيها سريان الطعن بأجل محدد (مطلب ثان).

المطلب الأول: حالات وقف سريان أجل الطعن بالإلغاء وانقطاعه 

الأصل أن القضاء مقيد بالآجال التي حددها القانون، فلا يملك الخروج عنها إلا بنص قانوني أو عند حدوث طارئ معين، فيمتد الأجل آنئذ لأسباب قانونية أو قضائية محددة وبالتالي يمتد هذا الأجل سواء بوقفه أو بقطعه.[23]
فما هي حالات وقف سريان أجل الطعن؟ (الفقرة الأولى) وما هي حالات انقطاع أجل الطعن؟ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: حالات وقف سريان أجل الطعن

يقصد بوقف أجل الطعن هو احتساب المدة السابقة التي انقطعت ضمن الأجل المحدد ورفع الدعوى بعد زوال سبب الوقف ويترتب عليه احتساب ما انقضى من اجل الطعن، بمعنى أن سريان ميعاد الطعن بالإلغاء عند حدوث طارئ معين، ويواصل سريان ذلك الميعاد بزوال الظرف الطارئ، وذلك من نفس النقطة التي توقف عندها.[24]
وحالات وقف سريان أجل الطعن متعددة، وعموما قد استقر القضاء الإداري على تحديد الحالات التي تستدعي وقف سريان آجال الطعن في القرارات الإدارية المعنية في:
الحالات الأولى: القوة القاهرة
لطالما اعتبر مجلس الدولة الفرنسي منذ زمن بعيد وأيده في ذلك مجلس الدولة المصري وكذا الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا، القوة القاهرة من أهم أسباب وقف الأجل على الرغم من كون المشرع المغربي لم ينص صراحة على اعتبارها كذلك. ومع ذلك فاستنادا إلى قواعد المنطق والمبادئ العامة للقانون وما تقتضيه نظرية الضرورة والظروف الاستثنائية فإن القوة القاهرة تعد خروجا عن الأصل العام المتمثل في وجوب احترام أجل رفع دعوى الإلغاء.
وتعرف القوة القاهرة بوجود الطاعن في حالة استحالة مطلقة، لابد له فيها (خارج عن إرادته)، تمنعه من رفع الدعوى، بسبب حدث غير متوقع، ومستحيل الدفع، أو عذر قهري خارج عن إرادة الشخص، يمنعه من رفع دعواه إلى القضاء.
فعند ظهور مثل هذه الظروف الخارجة عن إرادة صاحب الشأن، فإن المشرع يمنحه مهلة إضافية، بحيث لا تستأنف هذه المدة سريانها إلا من تاريخ زوال القوة القاهرة، مع ملاحظة أن الفترة التي انقضت من مدة الطعن بالإلغاء قبل حدوث القوة القاهرة لا تسقط من حساب هذه المدة.
وتشمل حالات القوة القاهرة احتلال الدولة، واندلاع الحرب، وحظر تجوال، أو أي فعل يلحق بصاحب الشأن ظرفا، يحول دون استعمال حقه في الطعن، كحبسه أو اعتقاله بشكل يحرمه من الدفاع عن حقوقه، وكوارث طبيعية، كالزلزال أو الفيضانان أو انهيارات أرضية أدت إلى انقطاع المواصلات بين المدن، وحالت دون وصول صاحب الشأن إلى المحكمة المختصة لتقديم دعواه في الأجل المحدد ومن تطبيقات ذلك ما قضت به محكمة العليا المصرية في أحد قراراتها بقولها: ''إن تغيب الموظف عن أعمال وظيفته بسبب توقيفه من قبل قاضي الجزاء يعتبر قوة قاهرة ذلك أن الغياب بسبب القوة القاهرة يكون خارجاً عن إرادة الموظّف ولا يشكل سببا غير مشروع." وكذا ما جاء في قرار محكمة القضاء الإداري المصرية الصادر بتاريخ 13/01/1959 الذي جاء فيه: " إن حالة الاعتداء على مدينة بورسعيد سنة 1962 واحتلالها هي من الظروف القاهرة التي تعد سببا لمد مدة الطعن المنصوص عليها في القانون."
الحالة الثانية: وفاة صاحب الشأن أو فقدان أهليته
من الثابت في فقه وقانون المسطرة أن وفاة أحد طرفي النزاع يؤدي تلقائيا إلى وقف الخصومة بينهما وهكذا فإذا حدثت الوفاة خلال جريان المسطرة أو بعد صدور الحكم في الدعوى أو بعد صدور القرار الإداري المعيب فإنها تؤدي إلى وقف آجال الطعن ويبقى هذا الأجل موقوفا.
لحين تبليغ هذا القرار إلى أحد ورثته الشرعيين، وعندئذ يستأنف أجل الطعن سريانه حتى نهاية المدة المتبقية له سابقا ودون إضافة مدة جديدة إليه.
وبالإضافة إلى حالة الوفاة المشار إليها أعلاه، توجد حالة أخرى توجب وقف سريان الطعن في القرار الإداري المعيب وهي حالة فقدان أهلية صاحب الشأن كإصابته بالجنون أو العته أو بأية عاهة عقلية.[25]باعتبار أن فقدان أهلية أحد طرفي النزاع بسبب الجنون أو العته أو غيرها خلال النظر في الدعوى تؤدي حتما إلى وقف الخصومة بين المتنازعين، شريطة أن يثبت فقدان الأهلية[26] بمقتضى وثائق رسمية صادرة عن المستشفى الذي كان المريض نزيلا به للعلاج وهذا يغني المحكمة عن اللجوء إلى خبرة طبية بشأنه.[27]
وترتيبا على ذلك، فمتى ثبت للقضاء وجود قوة قاهرة تحول دون قيام الطاعن برفع دعواه داخل الأجل، تتوقف مدة الطعن ولا يبدأ سريانها إلا بعد زوال أسباب القوة القاهرة التي حالت بين المدعي وبين مقدرته في مباشرة الدعوى أمام القضاء، ويعتبر هذا التوقف مؤقتا بطبيعته ويزول بزوال المانع، وفي هذه الحالة تحتسب مدة الستين يوما المتطلبة لرفع دعوى الإلغاء بجمع المدة التي سبقت توقف سـريان أجل الطعن مع المدة المتبقية بعد هذا التوقف.[28]


الفقرة الثانية: حالات انقطاع سريان أجل رفع دعوى الإلغاء

يقصد بقطع سريان ميعاد الطعن إلغاء المدة السابقة لحدوث طارئ معين، وبدأ مدة جديدة كاملة بعد انقضاء سبب القطع،[29] وذلك من تاريخ زوال أسباب الإنقطاع وهذا يعني عدم احتساب المدة المتبقية وتعتبر كأنها لم تكن.
وحالات القطع كثيرة ومتنوعة منها ما نص عليها القانون صراحة ومنها ما استخلصت من أحكام القضاء، ويشكل كل من التظلم الإداري ورفع دعوى إلى المحكمة غير مختصة وكذلك طلب المساعدة القضائية أهم حالات انقطاع سريان أجل رفع دعوى الإلغاء.
التظلم الإداري:
يقصد بالتظلم الإداري ذلك الطلب أو شكوى أو التماس يتقدم به صاحب الشأن إما إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار، تظلم ولائي استعطافي، وإما أن يقدمه للجهة الرئاسية ويسمى تظلما رئاسيا.
وعموما يبقى التظلم الإداري قبل سلوك طريق الطعن القضائي مسألة اختيارية غير ملزمة الفصل 360 الفقرة الثانية من ق م م،[30] بحيث يمكن للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي مباشرة قبل مروره عن طريق التظلم الإداري.
أما إذا كانت النصوص القانونية تنص على مسطرة خصوصية للطعن الإداري، فإن دعوى الإلغاء لا تقبل إلا بعد اتباع المسطرة وفق الفصل 360 من ق م م، والحكمة من هذا التظلم هو تخويل الإدارة فسحة لمراجعة قراراتها غير المشروعة وحل المنازعات المتعلقة بها بطريقة ودية.
وقد عمل الاجتهاد القضائي على وضع جملة من الشروط الواجب توفرها في التظلم الإداري لكي ينتج أثره في قطع الطعن بالإلغاء، وهذه الشروط ممثلة في:
+ أن يقدم التظلم من صاحب الشأن، الذي مسّ القرار مصلحته أو مركزه القانوني، أو من يمثله قانونا؛
+ أن يقدم التظلم بعد صدور القرار الإداري حتى تتمكن الإدارة من إعادة النظر في قرار صدر فعلا واتضحت معالمه؛
+ أن يقوم التظلم الرئاسي أو الاستعطافي قبل انقضاء أجل الطعن بالإلغاء المحدد في 60 يوما الموالية للعلم بالقرار.
+ أن يقدم التظلم إلى مصدر القرار أو إلى سلطته الرئاسية؛
+ أن يثبت المدعي توصل الجهة المتظلم إليها؛
+ أن ينصب التظلم على قرار معين بذاته؛
+ أن ينصب التظلم على قرار قابل للتظلم منه، بمعنى أن تكون هناك فائدة مرجوة من ورائه وإلا انعدم أثره في قطع سريان أجل الطعن بالإلغاء.[31]
طلب المساعدة القضائية:
يقصد بالمساعدة القضائية، أن يتقدم المدعي بطلب إلى المحكمة قصد إعفائه من أداء الرسوم القضائية أو بتعيين محام للدفاع عنه نظرا لعسره.
وبما أن دعوى الإلغاء معفية من الأداء فإنه لا يتصور لجوء طالب الإلغاء إلى المحكمة للمطالبة بإعفائه من أداء الرسوم وإنما لتعيين محام مادامت المسطرة أمام المحكمة الإدارية مسطرة كتابية، وتستلزم تنصيب محام للدفاع عنه تطبيقا لمقتضيات المادة الثالثة من قانون 90.41 .
وقد نص الفصل 358 من قانون المسطرة المدنية، في فقرته الأخيرة على التالي: "يوقف أجل الطعن ابتداء من إيداع طلب المساعدة القضائية بكتابة ضبط المجلس الأعلى ويسري هذا الأجل من جديد من يوم تبليغ مقرر مكتب المساعدة القضائية للوكيل المعين تلقائيا ومن يوم تبليغ قرار الرفض للطرف عند اتخاذه." وهذا ما أكدته الفقرتان الخامسة والسادسة من الفصل السادس من المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية،[32] وكذا الفقرة الأخيرة من المادة 3 من القانون 90.41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، بأنه يجوز لرئيس المحكمة الإدارية، أن يمنح المساعدة القضائية طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال.
وطلب المساعدة القضائية يؤدي إلى قطع سريان أجل رفع دعوى الإلغاء وبالتالي على الطاعن الانتظار إلى غاية التوصل بجواب مكتب المساعدة القضائية، سواء بالقبول أو الرفض، حتى يمكنه رفع دعوى الإلغاء خلال الستين يوما تبتدئ من تاريخ العلم بالقرار المتعلق بالمساعدة القضائية.[33]
وفي هذا الشأن قضت محكمة الاستئناف بالرباط في أحد قراراتها بتاريخ 24/06/2009 بما يلي: "وإن ثبت علم الطاعن بقرار عزله بتاريخ 10/04/2007 فإن ثبوت تقديمه لطلب المساعدة القضائية بتاريخ 06/05/2007 إلى السيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط تجعله يستفيد من توقيف الأجل طبقا لمقتضيات الفصل السادس من الفقرة الخامسة من قانون نوفمبر 1966 المتعلق بالمساعدة القضائية والتي تنص على ما يلي: "يوقف الأجل المنصوص عليه في الفصل 12 من الظهير الشريف الصادر في 2 ربيع الأول 1377 هـ 1957/9/27 بشأن المجلس الأعلى ابتداء من يوم إيداع طلب المساعدة القضائية بالنيابة العامة للمجلس الأعلى ويعمل من جديد بهذا الأجل ابتداء من اليوم الذي تم به على الطريقة الإدارية أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل تبليغ مقرر قبول أو رفض المكتب المساعدة القضائية إلى الطرف الذي قدم طلب المساعدة القضائية.
وحيث ثبت من خلال الاطلاع على ملف المساعدة القضائية صدور المقرر بقبول الطلب بقطع النظر عن استفادة الطالب فعليا من المساعدة القضائية أم لا ويتعين معه إلغاء الحكم المستأنف وبعد التصدي الحكم بقبول الطلب.[34]
وعموما، فطلب المساعدة القضائية الذي ينتج أثره في قطع الأجل هو الطلب الأول شأنه في ذلك شأن التظلم، فإذا رفض هذا الطلب وتقدم صاحب الشأن بطلب أخر فإن الطلب الثاني لا ينتج أثره في قطع الأجل ويبدأ هذا الأخير سريانه من تاريخ صدور قرار رفض الطلب الأول، كما يشترط ان يقدم طلب المساعدة القضائية خلال المدة المقررة للطعن بالإلغاء، فإذا لم ترفع خلال هذه المدة يكون صاحب الشأن قد فوت على نفسه فرصة الطعن ولا تقبل دعواه شكلا. وهذا ما سارت عليه مختلف المحاكم الإدارية، نورد من بينها حكم المحكمة الإدارية بأكادير الذي جاء في حيثياته: "وحيث أنه على فرض أن تاريخ توصل الطاعن بالقرار كان هو 18/05/2000 فإن الطاعن وجه تظلما إلى الكاتب العام للعمالة توصل به بتاريخ 12/07/2000 وبالتالي كان الطاعن ملزما بتقديم طلبه هذا قبل 11/11/2000 وليس 4/4/2003 علما أن طلب المساعدة القضائية المقدم من طرفه لا يمكنه أن يكون سببا في قطع ميعاد الطعن بالإلغاء لأنه لم يقدم إلا بتاريخ 13/11/2002 أي خارج الأجل القانوني للطعن بالإلغاء الشيء الذي يكون معه الدفع المثار بهذا الخصوص مبني على أساس سليم من الواقع والقانون ويتعين الاستجابة له.[35]
رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة:
إن الأخذ بنظام القضاء المزدوج في أغلب الأنظمة القضائية الحديثة يؤدي إلى الخطأ في توجيه الدعوى، فما أثر ذلك على أجل الطعن بالإلغاء؟
لقد استقر قضاء مجلس الدولة سواء في فرنسا أم في مصر على أن رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة، يؤدي إلى قطع مدة الطعن الذي يتعين رفع الدعوى خلالها، لأنه في واقع الأمر أبلغ من التظلمات الإدارية وطلبات المساعدة القضائية في الدلالة على رغبة صاحب الحق في اقتضائه.
وعليه فقد درج قضاء محكمة النقض، على قبول الدعاوى خارج الآجال القضائية إذا سبق للمدعي أن رفع دعواه أمام جهة قضائية غير مختصة مهما كانت درجتها ومتى رفع أمامها الدعوى في الأجل القضائي المحدد عملا بالمادة 25 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية.
ومن ثم فرفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة يؤدي إلى قطع أجل الطعن القضائي وحساب أجل طعن جديد يبدأ من تاريخ صدور حكم المحكمة بعدم الاختصاص شريطة أن تقدم الدعوى إلى محكمة غير مختصة أثناء أجل الطعن القضائي الأصلي، أي خلال مدة الستين يوما من تاريخ نشر القرار أو إعلانه أو العلم به علما يقينيا.
طلب تعليل القرارات الإدارية الضمنية
تنص المادة الخامسة من القانون 01.03 المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية[36]، على أنه " عندما تلتزم السلطات الإدارية السكوت من خلال القرارات الإدارية الضمنية السلبية التي تصدرها، يحق للمعني بالأمر تقديم طلب داخل أجل الثلاثين (30) يوما الموالية لانصرام الأجل القانوني للطعن لاطلاعه على أسباب القرار الضمني السالف، و تكون الادارة حينئد ملزمة بالرد داخل أجل 15 يوما من تاريخ التوصل بالطلب.

المطلب الثاني :حالات انحلال الطعن من اجل محدد

إذا كان الأصل أن انقضاء اجل دعوى الإلغاء يؤدي إلى عدم قبولها شكلا و أن هذا القرار قد يحصن من الإلغاء وأصبح موضوعا للدفع بعدم القبول، إلا أن هذه القاعدة ليست بالنهائية و لا بالمطلقة، إذ قرر القضاء الإداري عدة استثناءات على هذا الأصل تسمح بالطعن في بعض القرارات على الرغم من فوات اجل الطعن و تشمل هذه الاستثناءات القرارات و الحالات الاتي بيانها :
1 القرارات المستمرة
يقصد بالقرارات المستمرة هو القرار الإداري الذي يتجدد أثره باستمرار مثل قرار الاعتقال المستمر، و قرار المنع من السفر و غيرها من القرارات ذات الأثر المستمر في الزمان، و تظل مؤثرة في المراكز القانونية للمخاطبين بها مادامت قائمة و سارية المفعول، و بالتالي فلا تنتهي بنفسها و لا تتوقف أثارها القانونية بيوم محدد .
و نظر لخطورة هذا النوع من القرارات و ما يمكن أن تسببه من أضرار يصعب درؤها، فقد تم استثناؤها من اجل الطعن بالإلغاء، و هذا ما قضى به المجلس الأعلى سابقا ( محكمة النقض حاليا ) في احد قراراته بقوله " لكن حيث يتضح من خلال وثائق الملف أن إيقاف راتب المستأنف ضده قد تم بتاريخ 31-07-2001 و انه رفع تظلما إداريا من اجل صرف مرتبه توصلت به الإدارة المستأنفة بتاريخ 5-9-2001 و لم تجب و لا نزاع في ذلك فأصبح طلبه مرفوضا ضمنيا بعد مرور 60 يوما عملا بالمادة 23 من القانون 41-90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية، فان الطعن موجه ضد قرار مؤثر في الوضعية القانونية للموظف و قابل للطعن بالإلغاء لأنه لم يتبع بأي قرار أخر فظل قرارا منفردا و مؤثرا بذاته مما يجعل ما أثير بغير أساس[37]، و التالي يبقى اجل الطعن فيه مفتوحا .
2 – القرارات الإدارية السلبية
يقصد بالقرار السلبي هو سكوت الإدارة آو السلطة الوطنية المؤهلة قانونا و بإرادتها المنفردة عن إصدار قرار إداري و التزامها الصمت اتجاه بعض الطلبات التي يتقدم بها ذو الشأن .
و حيت أن دعوى الإلغاء لا تقبل إلا ضد القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية والتي لها طابعا تنفيذيا و هو ما لا يتحقق إلا في القرارات الايجابية، كالقرار الصادر بترقية موظف أو عزله ...
و بما أن القرار الإداري السلبي هو القرار الذي لا يتضمن أي إجراء تنفيذي فهو ينفد بنفسه و ينتج أثاره عند إصداره في الحال، وهو بذلك لا يتقيد بأجل 60 يوما للطعن بالإلغاء على اعتبار انه قرار مستمر في أثاره، و أن باب الطعن فيه يظل مفتوحا طالما تستمر حالة الامتناع من جانب الإدارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا أو قرارا ضمنيا بالرفض مما يجعل الآجال مفتوحا فهو بذلك غير مقيد بأجل الطعن [38] .
3- القرارات المنعدمة
القرارات المنعدمة هي تلك القرارات التي شابها عيب جسيم حولها إلى مجرد عمل مادي بحت أي افقدها صفة القرار الإداري و من تم لا تجري عليها الحصانة القانونية المقررة للقرارات الإدارية وبالتالي يجوز الطعن فيها دون التقيد بأي اجل، و منه يستطيع الأفراد الوقاية من أثار هذا العمل المادي الضار، و هذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا بقولها " أما إذا نزل القرار إلى حد غصب السلطة وانحدر بذلك إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الأثر قانونا، فلا يتمتع بأي حصانة و لا يزيل عيبه بفوات اجل الطعن فيه و لا يكون قابلا للتنفيذ بالطريق المباشر، بل لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة [39] .
و بناء عليه، فان انعدام القرار الإداري يفقده صفة العمل القانوني و يحوله إلى مجرد عمل مادي , مما يبرر طلب إلغائه دون التقيد بأجل الطعن بالإلغاء .
4 – حالة ظهور المصلحة بعد انقضاء اجل انقضاء الطعن
من المبادئ المستقرة في مجال التقاضي ألا دعوى بغير مصلحة , فالمصلحة هي مبرر و جود الدعوى بالنسبة لصاحبها , و المصلحة في الدعوى هي المنفعة التي يمكن أن يحصل عليها رافعها في حالة الاستجابة لطلبه , و قد تتمثل المصلحة في حماية حقه في الحصول على التعويض المادي أو الأدبي إذا ما توافرت تلك الأسباب القانونية .
و يشترط في المصلحة اللازمة لقبول دعوى الإلغاء, أن تكون شخصية مباشرة و محققة و حالة [40] ومنه فعادة تطهر مصلحة المخاطب بالقرار الإداري بمجرد صدوره, إذ ينتج أثره في مواجهته, و بالتالي تكون مصلحته في الطعن قائمة و مبررة تمكنه من تقديم طلب الطعن في القرار الإداري المشوب بأحد عيوب الشرعية حسب تقديره داخل اجل الطعن القانونية. و مثاله صدور قرار النقل أو العزل أو غيرها من القرارات النافذة في حق الأفراد بمجرد صدورها و تنتج أثرها القانوني .
لكن, ثمة قرارات قد لا تؤثر بداية بصفة مباشرة في احد الأشخاص و بعد مرور فترة من الزمن تظهر مصلحتهم في إلغائها و يكون القرار عندئد قد تحصن بفوات اجل الطعن بالإلغاء .
و حماية لهؤلاء و صيانة للحقوق و الحريات فقد قدر القضاء وجود حالات لا تظهر فيها مصلحة المعني بالأمر بمجرد صدورها, ففي مثل هذه الحالة فظهور المصلحة بعد فوات اجل الطعن بالإلغاء تقتضي قبول طلبات الإلغاء شكلا, لكون مصلحتهم تأخر ظهورها إلى ما بعد فوات الآجل .
و عليه فمتى ظهرت المصلحة و توافرت فيها جملة من الشروط استجيب للطلب و هي:
1 – أن تكون المصلحة شخصية و مباشرة ؛
2 –أن تكون المصلحة حقيقية و محتملة ؛
3 –أن تكون المصلحة مشروعة.

خاتمة:

وعموما فأجل الطعن في دعوى الإلغاء يظل شرطا جوهريا، يترتب على عدم التقيد به سقوط الحق، لذلك أحاطه المشرع بمجموعة من الضمانات التي تجعله معلوما لدى المخاطبين به، وذلك قصد تمكينهم من الدفاع عن موقفهم من هذه القرارات، إلا أن تحديد الأجل لم يحل دون إعطاء الأفراد بعض الآليات غير القضائية لتجنب أثار هذه القرارات. وعليه فالمشرع حرص على أن لا توثر هذه المساطر غير القضائية على حق الأفراد في الاستفادة من الأجل القانوني، لكن دون الإفراط في تمديد الآجال لضمان استقرار الأوضاع القانونية والإدارية.


______________________________________________________________________________

الهوامش:

[1]- عبد الواحد القريشي، القضاء الإداري ودولة الحق والقانون بالمغرب، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الطبعة الأولى 2009، ص.19.
[2]- ظهير شريف رقم 1-57-223 صادر في 2 ربيع الأول 1377 (12 شتنبر 1957)، الجريدة الرسمية بتاريخ 18 أكتوبر 1957.
[3]- المادة الثامنة من القانون 90/41، المحدث بموجبه محاكم إدارية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.255 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993)، الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ جمادى الأولى 1414 (3 نوفمبر 1993)، ص.2168.
[4]- الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، الصادر بالمصادقة عليه ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974).
[5]- القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، اصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 196.03.1 بتاريخ 16 رمضان 1424 (11نوفمبر 2003)، الجريدة الرسمية عدد 5160 بتاريخ 13 نوفمبر 2003، ص.3817.
[6]- نصت المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها عدد 995 الصادر بتاريخ 24/10/2013 ف الملف رقم 23/1912/2013، المنشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية، عدد 116،2014، ص.315. و الذي نص على أن " أجل الطعن في المقرر الإداري هو أجل إسقاط وليس تقادم....".
[7]- القرار عدد 117 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، بتاريخ 30/1/1992، أورده محمد المنتصر الداودي، القضاء الإداري، دار أبي قراقر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2014، ص.161.
[8]- القرار رقم 553 الصادر في 17 ذي الحجة 1385 موافق 8 أبريل 1966 في الملف 21617، منشور بقرارات المجلس الأعلى، الغرفة الإدارية 1966-1970، الطبعة الأولى يناير 1983، ص.22.
[9]- حكم رقم 5-99-6 ش الصادر عن المحكمة الإدارية بمكناس بتاريخ 10/6/1999، النشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية، عدد 30، يناير-فبراير 2000، ص.141.
[10]- القانون رقم 05/42 القاضي بسن بعض الإجراءات المتعلقة بالعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة، المنقولة ملكيتها عملا بأحكام ظهيري 26/9/1963 و2 مارس، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.06.14 بتاريخ 15 محرم 1427 (14 فبراير 2006)، الجريدة الرسمية عدد 540- فاتح صفر 1427 (2 مارس 2006).
[11]- الحكم رقم 2511 الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 25/8/2014 في الملف عدد 242/7110/2014، ( أنظر الملاحق).
- الحكم عدد 505 الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 1/7/2014 في الملف عدد 21/7110/2014.
[12]- تنص الفقرة الاولى من المادة 23 من القانون 02.03 على أنه "يمكن للأجنبي الذي صدر في حقه قرار الاقتياد إلى الحدود، أن يطلب خلال أجل الثماني والأربعين ساعة التي تلي تبليغه إليه..."
[13]- تنص الفقرة الأولى من المادة 20من القانون 02.03 على أنه " يمكن للأجنبي الذي رفض طلبه الرامي إلى الحصول عل سند إقامة أو تجديده أو سحب منه هذا السند الطعن داخل أجل خمسة عشر يوما...".
[14]- القرار عدد 257 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 27/7/1979 في الملف الإداري 71900. ( أنظر الملحق).
[15]- الحلابي الكتاني،"إجراءات الدعوى الادارية"، الطبعة الاولى 2001 ص 158
[16]- نادية احديدو،"شرط أجل رفع دعوى الإلغاء على ضوء الاجتهاد القضائي"، مجلة المنارة ،عدد خاص 2014،ص105
[17]- القرار عدد 378 الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش بتاريخ 4/5/2011 في الملف عدد 68/2010 غ. ( أنظر الملحق).
- القرار عدد 561 بتاريخ 21/12/1995، أورده المنتصر الداودي، مرجع سابق، ص.22.
[18]- الحكم عدد 465 الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 2/10/2002 في الملف 108/2002غ. (أنظر الملاحق).
- الحكم 29 الصادر عن المحكمة الإدارية بمكناس في الملف 153/2010/5، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية، عدد 104، ماي 2012، ص.231.
[19]- القرار عدد: 1872 المؤرخ في 16/09/2009 ملف عدد 69/09/5
[20]- القرار عدد: 2306 المؤرخ في 11/11/09 في ملف عدد 220/08/05 بين السيد نشيط عز الدين والدولة المغربية ومن معها
[21]- حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1363، في ملف رقم 703/8/2009 الصادر بتاريخ 11/05/2010
[22]- نادية احديدو، المرجع السابق، ص 109
[23] نادية أحديدو، شرط أجل رفع دعوى الإلغاء على ضوء الإجتهاد القضائي، مقال بمجلة المنارة، ص 101، عدد خاص، سنة 2014.
[24]نادية أحديدو، مرجع سابق، ص 111.
[25]وفي هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية لوجدة في حكم لها بتاريخ: 04/08/1998 الذي جاء فيه إن المرض العقلي يعتبر قوة قاهرة بوقف سريان أجل الطعن. ونفس التأكيد جاء في حكم المحكمة الإدارية بمكناس رقم 43/89 الصادر بتاريخ 04/03/1998.
[26] قرار المجلس الأعلى سابقا الصادر بتاريخ: 22/01/1962 بين روتيفونتي ضد المدير العام للأمن الوطني.
[27]قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش رقم 68/4/2008 الصادر بتاريخ 16/04/2008 في ملف رقم 5/2/15/01.
[28]ثورية العيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة، مرجع سابق، ص 29.
[29] مليكة الصروخ، العمل الإداري، دار القلم، الطبعة الأولى، 2012، ص 398.
[30]الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية.
[31]نادية أحديدوا، نفس المرجع السابق، ص 112 – 113.
[32]مولاي إدريس الحلابي الكتاني، إجراءات الدعوى الإدارية، الطبعة الأولى، 2002، ص 191.
[33]ثورية لعيوني، القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة، مرجع سابق، ص 153.
[34] قرار محكمة الاستئناف بالرباط عدد 1604 المؤرخ في 24/06/2009 ملف عدد 38/09/5 غير منشور. عن: نادية أحديدو، مقال منشور بالمجلة المشار إليها، عدد خاص، سنة 2014.
[35]حكم المحكمة الإدارية بأكادير 02/2004 تاريخ 08/01/2004 ملف رقم 24/003 م خ.
[36]- القانون رقم 01.03 المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الادارية، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 202.02.1 بتاريخ 23 يوليوز 2002، الجريدة الرسمية عدد 5029 بتاريخ 12/8/2002.
[37] القرار عدد : 883 المؤرخ في 30-11-2005 ملف إداري عدد : 2199-4-1-2004 بين الوكيل القضائي للمملكة ضد محمد بوخريص, غير منشور .
[38]قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 703 المؤرخ في : 28/5/2008 في ملف عدد 171/07/5 بين السيد احمد مطيب ومن معه ضد السيد : المحافظ عن الأملاك العقارية بوسكورة .
قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 364 الصادر بتاريخ 4/5/2011 في الملف 5.658/1.10. (أنظر الملحق).
[39]حكم صادر في 14 يناير 1956, مجموعة السنة الأولى, ص : 370, أشار إليه في مؤلف عبد الغني بسيوني عبد الله ولاية القضاء الإداري على أعمال الإدارة, منشاة المعاريف الاسكندرية 1983, ص 51 .
[40]د.ثورية لعيوني, القضاء الإداري و رقابته على أعمال الإدارة, مرجع سابق, ص 138 .
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -