المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة

مقال بعنوان: المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة

المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة

 مقدمة
المسؤولية بوجه عام هي الحالة التي يرتكب فيها شخص أمرا يستوجب المؤاخذة عليه، ونقصد بمسؤولية المرفق الصحي العمومي مسؤوليته عن الأعمال والأنشطة التي يؤديها المرفق عن طريق الأطباء وأعوانهم وغيرهم من الموظفين والمستخدمين التابعين له، والتي تسبب أضرارا للمرضى المنتفعين من الأعمال الطبية والعلاجية وغيرها مما يقدمه المرفق الصحي.
وليس هناك نص خاص في القانون المغربي بخصوصي مسؤولية مرافق الصحة، وإنما هناك فقط نصوص عامة تطبق على المرفق الصحي العمومي كما تطبق على غيره من المرافق العامة الأخرى منها ما يتعلق بالجوهر وهما الفصلان 79 و80 من ق.ل.ع ومنها ما يتعلق بالاختصاص كالمادة 8 من قانون المحاكم الإدارية. على عكس النظام الفرنسي التي يتوفر على مدونة خاصة بالمرفق الصحي ونظرا لتزايد الأخطاء الطبية وتكاثرها إما لعدم إكترات بعض الأطباء أو مساعديهم أو جهلهم بأصول المهنة، وقواعدها العلمية وإما للغموض الذي يحيط بطبيعة العمل الطبي وتقنياته، أصبح موضوع المسؤولية الإدارية عن المرفق الطبي من المواضيع الجديرة بالبحث والدراسة، ويطرح بصدده عدة إشكاليات منها ما يطرحه الواقع العملي لمهنة الطب وتتمثل في صعوبة تميز الخطأ الشخصي للطبيب عن الخطأ المرفقي لارتباط وظيفة هذا الأخير بعمل الطبيب، ولعل أبرز إشكالية يمكن معالجتها في هذا الموضوع هي على أي أساس يمكن معه تحميل المرفق الصحي مسؤولية الأضرار الناتجة عن الأعمال الطبية، وكيف تعامل القضاء الإداري المغربي مع هذا النوع من المسؤولية، على ضوء النصوص القانونية المنظمة لذلك؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد على التصميم التالي:
سوف نعالج في المبحث الأول طبيعة العمل الطبي في مرفق الصحة العمومي ونعالج في المبحث الثاني أساس المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة


المبحث الأول : طبيعة العمل الطبي في مرفق الصحة العمومي
لمناقشة هدا المبحث ارتأينا تقسيمه إلى مطلبين يعلق الأول بالخدمات الطبية و شبه الطبية لمرفق الصحة، على أساس التطرق في المطلب الثاني لمناقشة طبيعة الالتزام الطبيب.


المطلب الأول: الخدمات الطبية و شبه الطبية لمرفق الصحة

إن تحديد لمفهوم أو تعريف مسبق للخدمة الطبية من الأهمية العلمية البالغة بسب التطور الذي لحق بهذا المفهوم، و كدا الشروط التي يقتضيها، الشيء الذي يساهم توضيح مفهوم طبيعة الالتزام الواقع بين الطبيب بشكل يجعل تقرير المسؤولية منعدمة أمر يسيرا.لقد اختلفت الاجتهادات الفقهية و القضائية حول مفهوم العمل الطبي، وذلك لما يعرفه هذا الأخير من تقدم مستمر.

الفقه بين مضيق وموسع للعمل الطبي
اهتم الفقه بوضع تعريف ملائم للعمل الطبي, حيث اختلفت الآراء الفقهية حيال تعريفها, أدى إلى بروز اتجاهين تبنى الأول تعريفا ضيقا, حيث قصر مفهوم العمل الطبي على العلاج, في حين وسع الاتجاه الثاني من نطاق هذا العمل.



1-الاتجاه المضيق للعمل الطبي

ضيق هذا الاتجاه من تعريف العمل الطبي على مرحلة العلاج, ومن بين هؤلاء الفقهاء, سافاتييه51 في شرحه للقانون الطبي الذي عرفه على أنه: "العمل الذي يقوم به شخص متخصص من أجل شفاء الغير ,والذي يستند إلى الأصول والقواعد الطبية المقررة في علم الطب,فاللجوء الى العلم مت أجل شفاء المريض الذي يميز الطب عن الشعوذة"1


ذهب رأي أخر إلى إن العمل الطبي: "كل نشاط يتفق في كيفية وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب,ويتجه في ذاته وفق المجرى العادي للأمور إلى شفاء المريض"2
حاول هذاالإتجاه إيجاد تعريف دقيق وشامل للعمل طبي, لكن يعاب عليه كونه قصر العمل الطبي على العلاج دون ذكرها للأعمال الطبية الأخرى التي تكون الغاية منها المحافظة على صحة وسلامة جسم الانسان كما أنها أغفلت الإشارة الى مراحل العمل الطبية الاخرى سواء السابقة للعلاج كالفحص والتشخيص واللاحقة له كالرقابة
ادت الأسباب السالفة الذكر الى ظهور اتجاه اخر من الفقه يوسع من نطاق العمل الطبي, ويرى إن هذا الأخير يشمل مراحل متعددة تتمثل في الفحص, التشخيص, العلاج والرقابة.


2 -الاتجاه الموسع للعمل الطبي

ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى إن مفهوم العمل الطبي يشمل جميع مراحله, من فحص وتشخيص وعلاج وهذا ما نلمسه من التعريفات التي قيلت في هذا الشأن, ونذكر منها تعريف الدكتور محمود نجيب الحسيني علي: "ذلك النشاط الذي يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب, إي وفق المجرى العادي للأمور إلى شفاء المريض والأصل في العمل الطبي إن يكون علاجيا,إي يستهدف التخلص من المرض أو تخفيف من حدته, او مجرد تخفيف من الأمه ,ولكن يعد كذلك من من الأعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة أو مجرد الوقاية من المرض1 كما عرفه على انه

"الأعمال الطبية تشمل جميع حالات التدخل الطبي لتحسين الحالة الصحية للمريض أو عضو من أعضاءه وذلك فهي تشمل أعمال الجراحة وأيضا طب التجميل, كما تشمل جميع الأعمال الأخرى اللازمة لمزاولة المهنة كحيازة المواد المخدرة التي يتطلبها العلاج و التدخل الجراحي "3

موقف القضاء من العمل الطبي:

يتبين من خلال أحكام القضاء الفرنسي إن تعريف العمل الطبي قد تطورت تطورا ملحوظا, فقد كان ينظر إلى العمل الطبي على أنه عمل علاجي فقط , وعلى هذا الأساس قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه يعد مرتكبا لجريمة الممارسة الطبية غير المشروعة لمهنة الطب من يقوم بعلاج المرضى دون أن يكون مرخصا لد بذلك وهو الحكم الصادر سنة 41929


وما لبث أن تطورت نظرة القضاء الفرنسي في أحكامه,حيث توصل إلى أن العمل الطبي يشمل إلى جانب العلاج التشخيص 1 استمر القضاء الفرنسي في تطويره إلى أن وصل إلى أن العمل الطبي يشمل أيضا الفحوصات والتحاليل الطبية. وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية في الحكم الصادر في 27 ماي 1957 بمعاقبة من يقوم بإجراء الفحوص الطبية والتحاليل أوالتشخيص أو علاج الأمراض بدون ترخيص 2

المطلب الثاني: مناقشة طبيعة الالتزام الطبيب


إذا كان الالتزام ببذل عناية لا يوجب على المدين تحقيق نتيجة معينة،ويوجب عليه أن يبذل الجهد للوصول إلى هدف معين سواء تحقق هذا الهدف أو لم يتحقق فإن الالتزام بتحقيق نتيجة يفرض عليه أن يحقق هدفا أو نتيجة معينة هي محل الالتزام.

ولتسليط الضوء نناقش طبيعة الالتزام من حيث التزام الطبيب ببذل عناية(أ)على أساس مناقشة الالتزام بتحقيق نتيجة (ب ).




أ-التزام الطبيب ببذل عناية

عن التزام الطبيب كقاعدة عامة هو التزام ببدل عناية يقوم على أساسا بذل الطبيب نحو مريضه العناية و اليقظة المستندة و المطابقة للمعطيات العلمية والتقنية،فالطبيب لا يلتزم بشفاء المريض لأن الأمر يتوقف على عدة اعتبارات،كما أن الطبيب لا يلتزم بأي نتائج أخرى

و بناء عليه،فإن الطبيب لا يلتزم سوى ببذل العناية اللازمة وهو التزام يتم تقديره وفقا لمعيار السلوك المعتاد، وكذا على فكرة الاحتمال، التي تهيمن على الممارسة المهنية في المستشفى و حالة المريض.
وقد أكد القضاء بدوره هذه القاعدة و اعتبر في اكتر من مناسبة ان التزام الواقع على عاتق الأطباء هو التزام ببذل عناية كأصل عام،حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية الرباط بما يلي"صحيح إن الأطباء في حاجة إلى الطمأنينة والثقة والحرية في مزاولة أعمالهم لكن طبيعة عملهم الذي هو التزام ببذل عناية لتحقق غاية لاينبغي أن يلغي حاجة المريض إلى الحماية عن أخطائهم و حقه في التعويض عن الأضرار بسببها[3].




ب-التزام الطبيب بتحقيق نتيجة

في هذا الاستثناء يتحول التزام الطبيب من التزام ببذل عناية إلى تحقيق نتيجة،وذلك عندما تكون الأعمال الطبية التي يقوم بها الطبيب تكتسب معطيات علمية تمكن من الوصول على نتائج مؤكدة.

وتتمثل أهم مجالات أعمال التزام الطبيب بتحقيق نتيجة في العمليات الجراحية الروتينية و التحاليل المخبرية و حفظ الدم و الأعضاء و إعدادها للزراعة،حيث يلزم إخضاعها لكافة الاختبارات المعروفة المستقر عليها،فإذا ما لحقت عدوى بالمريض أثناء التلقيح معنى ذلك أن هذه الاختبارات لم تجر على الوجه المطلوب.
و قد جرت العادة على اعتبار التزام الطبيب بتحقيق نتيجة، يتمثل أساسا في التزاماته المتصلة بالواجبات الإنسانية و الأخلاقية للطبيب،و الالتزامات المتصلة بالأعمال الفنية، فإن الالتزامات الأخلاقية فتتمثل بإعلام المريض و الحصول على موافقته و كذا حفاظه على السر المهني و متابعته لعلاج المريض، وكذلك الشأن بالنسبة للالتزامات بتحقيق نتيجة متصلة ببعض الأعمال الفنية للطبيب ذلك ان هذه الأعمال لامجال فيها لفكرة الاحتمال و منها استعمال الأدوات و الأجهزة و الفحوص المخبرية بمناسبة التشخيص أو العلاج كتحليل الدم فإذا كانت نتائج هذه الفحوص غير صحيحة فيعتبر خطا الطبيب،الشيء الذي دفع مجلس الدولة الفرنسي يقضي بما يلي"التزام الطبيب المخصص هنا يكون التزاما بنتيجة إذ عليه أن يضمن عدم ترتيب أية أثار ضارة على عملية نقل الدم بالنسبة للمتبرعين بدمائهم".




المبحث الثاني : أساس المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة


سنحاول أن نتطرق في هذا المبحث المتعلق بأساس المسؤولية الإدارية لمرفق الصحة
إلى عنصرين أساسين في دراسة الموضوع، و الأمر يتعلق بالخطأ (المطلب الأول) ، ثم الحالة التي لا ترتكب فيها الإدارة أي خطأ (المطلب الثاني)


المطلب الأول : مسؤولية الإدارية لمرفق الصحة بناء على الخطأ

عرف المشرع من خلال الفقرة الثالثة من الفصل 78 من ق ل ع والتي جاء فيه : الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.
ولقد ابتدع القضاء الإداري تفرقة جوهرية وعملية بين ما يسمى بالخطأ الشخصي للموظف والخطأ المرفقي

+ الخطأ الشخصي :
تعرض المشرع المغربي لفكرة الخطأ الشخصي في الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه "مستخدمو الدولة والبلديات مسئولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموطنين المسؤولين عنها".
وحسب هذا الفصل فالطبيب الموظف مسئول شخصيا كما ذكر بصفة أصلية، ويبقى مع ذلك حلول الدولة معلقا على سبيل الاحتياط في انتظار التأكد من يسر أو عسر هذا الموظف المحكوم عليه بتعويض الضرر فإذا ما تبث عسره حلت الدولة محله في الأداء بحكم القانون وليس في المسئولية بحيث يحصل المتضرر على حقوقه سواء في نطاق الفصل 79 من ق.ل.ع بشقيه "أي المسئولية بدون خطآ" أو في نطاق الفصل 80 من ق.ل.ع بناء على الخطأ الشخصي للموظف أي أن حلول الدولة محل الطبيب الموظف يكون في أداء التعويض فقط، وليس حلولا في المسئولية.
وقد أكد المجلس الأعلى ذلك في عدة قرارات حيث جاء في أحدها ما يلي: "لا تضمن الإدارات حسب التشريع الجاري به العمل أخطاء أعوانها الشخصية إلا في حالة عسر هؤلاء"[1] كما جاء في قرار أخر" إن طلبات المدعي الرامية إلى مطالبة الدولة بأداء المبلغ المحكوم به على المحكوم عليه (الموظف المعسر)[2] تعتبر في محلها تطبيق للفصل 80 من ق..ل.ع.
وقد عرف القضاء في أكثر من مناسبة الخطأ الشخصي، حيث جاء في إحدى حيثيات قرار صادر في المجلس الأعلى: "حيث إن الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي ينفل بقدر كاف عن المرفق العمومي الذي يشتغل به الموظف بحيث يمكن تقدير وجوده دون إجراء أي تقييم لسير المرفق"[3]
وقد استقر القضاء على أن مسئولية الطبيب في مجال القطاع الخاص بمناسبة ارتكابه الخطأ إنما هي مسئولية تقصيرية عن العمل غير المشروع وأنها مسئولية ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، أما في القطاع العام فإن دعوى التعويض التي يرفعها المريض ضد الطبيب الذي يعمل في مستشفى عام هي دعوى تعويض عن عمل مادي قوامها مسولية الدولة عن أعمالها المادية في نفاق القانون العام فإذا ما شكل الخطأ المرتكب في طرف الطبيب الموفق بمستشفى عام، خطأ شخصيا منفصلا عن أداء الخدمة المحلية المكلف بأدائها وغريب عن عمله داخل المرفق المحي، كان بذلك هذا الطبيب الموظف قد ارتكب خطأ شخصيا يسأل عنه من ماله الخاص طبقا لمقتضيات الفصل 80 ق.ل.ع وذلك مثل الأخطاء الشخصية التي يرتكبها أطباء المستشفيات العامة أثناء قيامهم بالفحص الخاص لحسابهم، فيكون هنا القضاء العادي هو المختص للبث في تعويض الضرر المترتب عن خطأ الطبيب وتنطبق عليه القواعد العامة في المسئولية المدنية للطبيب[4]، ولا يكون مرفق الصحة العمومي مسئولا بصفة أصلية وإنما فقط بصفته يحل محل الطبيب أو الموظف المسئول شخصيا بعد تحقق شروط المنصوص عليها في الفصل 80 من ق.ل.ع وهي:
1 أن يرتكب الطبيب الموظف أو غيره من أعوان وموظفي المستشفيات الصحية العامة) خطأ شخصيا؛
2 أن يرتكبه أثناء ممارسته لوظيفته؛
3 أن يثبت إعساره.
هكذا إذن يتضح من خلال تحليل الفصل 80 من ق.ل.ع أن مسئولية المرفق المحي عن الأخطاء الشخصية التي يرتكبها الموظفون التابعون له، ليست مسئولية أصلية بمعنى أنه لا يمكن مطالبته إلا بعد ثبوت المسئولية الشخصية للطبيب الموظف من جهة، وهذا ثبوت إعساره عن أداء التعويض المحكوم به عليه من جهة أخرى، فهي إذن بمثابة الضامن له في الأداء، وقد برر واضع قانون ق.ل بالخطأ المفترض من جانب الإدارة وهو الخطأ في اختيار الموظف[5].
أما دعوى التعويض عن الضرر يجب أن ترفع ضد الطبيب وليس ضد المرفق المحي أو الدولة فالتعويض يؤدي في ماله الخاص وليس من ميزانية الدولة طالما أن الأمر يتعلق بخطأ شخصي لا علاقة للمرفق الصحي أو المستشفى به، إلا إذا ثبت الطبيب المسئول عن الضرر إعساره، في هذه الحالة فقط يمكن أن تحل محله الدولة في الأداء مع إمكانية الرجوع عليه فيما بعد. وقد اشترط المشرع المغربي من خلال الفصل 80 من ق.ل.ع في الخطأ الشخصي المقترف من طرف الموظف في المرفق العمومي (الطبيب في المرفق المحي) أن يرقى إلى درجة الخطأ الجسيم أو التدليس وأضاف إليها معيار ثالثا هو أن يكون الخطأ منفصلا عن الوظيفة وهي المعايير.
التي لخصها المجلس الأعلى كما يلي :" يعتبر خطأ الموظف شخصيا إن كان لا علاقة له إطلاقا بعمله الوظيفي أو كان الفعل الضار يندرج ضمن واجبات الموظف إلا انه على قدر من الجسامة و صدر عنه عمدا أو بنية الإضرار بالغير".[6]

+ الخطأ ألمرفقي:
إدا كان الخطأ الشخصي يثير مساءلة الموظف شخصيا و ترفع دعوى المسؤولية عليه و يتحمل هو تبعات هدا الخطأ في ماله الخاص دون أن يكون له حق الرجوع على جهة الإدارة بأي صورة من الصور حتى ولو تبت أن خطأه قد تم بمناسبة تأدية الوظيفة أو بوسائل صخرتها له وظيفته فأساء استخدامها مما يجعل خطأه يوصف بالخطأ الشخصي فإن الخطأ ألمرفقي يؤدي إلى نتائج مغاييرة تماما أد تتحمل جهة الإدارة تابعة هدا الخطأ و للمتضرر مقاضاة جهة الإدارة نفسها أمام القضاء الذي يحكم عليها متى توافرت سائر الشروط المسؤولية ألازمة لجبر الضرر الذي وقع و ألم الضحية .
هكذا يمكن القول أن الخطأ ألمرفقي هو دلك الخطأ الذي يرتكبه موظف تابع للمرفق الصحي أو المستشفى سواء كان طبيبا أو ممرضا أو غير هما من مستخدمين أثناء قيامه بوظيفته لا كنه لا ينسب إليه و إنما ينسب إلى المرفق الصحي العمومي ,وتكون مسؤولية هدا الأخير مطلقة ويلتزم وحده بتعويض دون الموظف الذي لا يمكن مساءلته سواء أمام متضرر أو الإدارة .
ومن اهم التطبيقات القضائية التي اعتمدت على الخطأ ألمرفقي بإقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي نذكر قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه "حيث إن الدولة مسؤولية عن ضرر الحاصل مباشرة عن سير إدارتها و عن الخطأ المصلحية المرتكبة من طرف موظفيها
حيث انه لقيام المسؤولية ينبغي تأكد من نسبة ضرر إلى سير مرفق عمومي و كون الطبيب لم يقم بواجب عناية و بدل الجهد الملقى على عاتقه.[7]
وكذلك حكم المحكمة الإدارية بمكناس الذي جاء فيه " حيث إن استعمال دواء الكروتيزون لمدة طويلة وفي فترات متقطعة و بدون اتخاذ إحتياطات لازمة... وإنما يعكس عدم تبصر الأطباء المعالجين و عدم انتباههم لما يشكل خطأ مرفقي لمستخدمي وزارة الصحة .
و حيث إن عنصر الخطأ تابت في نازلة الحال و هو خطا مصلحي ناتج عن وصف دواء معين بكمية كبيرة.[8]
ولقيام خطا مصلحي وبالتالي قيام مسؤولية الدولة يجب تحقيق مجموعة من الشروط منها أن ينسب الخطأ إلى المرفق العمومي و إن يخضع للقانون العام و ليس أحكام القانون الخاص و ان تكون قواعد المسؤولية الناجمة عنه مستقلة عن قواعد المسؤولية المدنية معروفة في القانون الخاص.
ويجد الخطأ الطبي ألمرفقي مصدره في نشاط الإدارة بحيث ينسب إلى المرفق الصحي أو المستشفى كلما توافرت شروطه و حالته فترفع دعوى التعويض عن الضرر الذي تسبب فيه المرفق ضد الدولة فتطبق علية قواعد القانون الإداري و يكون الاختصاص المحاكم الإدارية و يؤدي تعويض من ميزانية الدولة .
و إدا كان الخطأ ألمرفقي يتمثل في الإخلال المرفق الصحي أو المستشفى بالتزاماته فان أنواع وصور هدا الخطأ تتنوع بتنوع التزامات هدا المرفق و بتنوع صور الإخلال بها و قد اعتاد الفقه و القضاء على تقسيم الخطأ ألمرفقي إلى ثلاث عوائق تتمثل الأولى في سوء أداء المرفق للخدمة و الثانية في عدم قيام المرفق بأداء هده الخدمة بينما تمثل الثالثة في بطئ في أداء الخدمة.

المطلب الثاني : مسؤولية الإدارية لمرفق الصحة بدون خطأ
استنادا إلى نظرية المخاطر فالمريض الذي تعرض لأضرار في مرفق الصحة العمومي من حقه أن يطلب من المحكمة أن تحكم له بتعويض عن هذا الضرر ولو لم يصدر من مرفق الصحة أي خطأ طبي وبالتالي فعناصر المسؤولية طبقا لنظرية المخاطر تتمثل في وجود ضرر وعلاقة سببية هذا ما أقرته إدارية أكادير في حكم لها 3/5 بتاريخ 08/6/2000 فقد صرحت بأن الشروط الموضوعية لدعوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام في وجود ضررا وعلاقة سببية بين الضرر أوصافا معينة وتكون مسؤولية الدولة ثابتة سواء كان ذلك بخطأ منها أو بدون خطأ وفي نفس الاتجاه أكده قرار المجلس الأعلى عدد 736 بتاريخ 27/10/2004 حيث إن الثابت من الخبرة التي أمرت بها المحكمة والتشريح الطبي المدلى به أن سبب وفاة الهالك يعود لإنتفاخ في الرئتين وحساسيته نتيجة تناوله الدواء الذي تم وصفه إليه وهو الأمر الذي لم يتمكن المرفق الصحي من تقديره قبل الشروع في الدواء مما يجعل مسؤولية المرفق المذكور تابثة ولا يشترط الفصل 79 من ق.ل.ع المحتج به تبوث الخطأ البشري كما ورد في السبب إنما يكفي لقيام هذه المسؤولية حصول ضرر مع وجود علاقة سببية بين هذا الضرر والمرفق العام.
ومن أبرز مظاهر تطبيق نظرية المخاطر الأضرار الناتجة عن استعمال الأمن. أما بالنسبة للمرفق الصحي فيثمتل في استعمال علاج خطير كأن يكون هناك خطر جسيم نتيجة سوء تقديم علاج، فيجب ألا يتحمل المريض وحده هذا الخطر بل إنه يقتسمه مع المرفق الذي طبقه تطبيقا غير ملائم[9].
ويعتبر مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة من الحالات التي تندرج في إطار مسؤولية الدولة بدون خطأ والتي تهم أساسا الأشغال العمومية ومسؤولية الدولة عن القرارات الإدارية مما يكون معها هذا الأساس مستبعدا في مجال المسؤولية الطبية، ويبقى الأساس الذي يمكن معه القول بإمكانية قيام مسؤولية الدولة بدون خطأ هي مسؤولية بناء على المخاطر.
- تأرجح القضاء في تأسيس المسؤولية الإدارية في المرفق الصحي.
يؤسس القضاء الإداري مسؤولية المرفق الصحي بين قواعد المسؤولية بناء على الخطأ وتارة أخرى يعفي المتضرر من إثبات الخطأ متبنيا بذلك فكرة المخاطر، ولعل مرد ذلك هو الفصل 79 الذي آثار نقاشا كبير في الفقه والقضاء عند وضعه أول الأمر إلى يومنا هذا.
وهكذا فقد ذهب الفقيه الفرنسي دولو بادير إلى القول بأن الغاية الأولى من الفصل 79 هي تكريس مبدأ مسؤولية السلطة العمومية، وترك بالتالي الباب مفتوحا أمام القضاء ليجتهد في التأويل وفي البحث عن الأساس القانوني لهذه المسؤولية تماما كما هو الشأن في القضاء الفرنسي.
وهكذا أصبح القضاء يجتهد في البحث عن أساس مسؤولية المرافق العمومية بوجه عام، لكنه لم يذهب بعيدا في اجتهاده إلى أكثر من تبني المواقف التي اتخذها القضاء الفرنسي.
وقد تمت صياغة هذا التأويل فيما بعد في إحدى حيثيات أحد قرارات محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 13 مارس 1951 جاء فيه "حيث إن أساس المسؤولية الإدارية لا يمكن البحث عنه في الفصل 79 من ق.ل.ع الذي جاء فقط من أجل إقرار مسؤولية الجماعات إلا أن القضاء تراجع عن هذا التوجه في إقرار المسؤولية على أساس الخطأ من خلال قرار صادر عن الغرفتين المدنية والإدارية مجتمعين بتاريخ 03 يوليوز 1968، وقد خصص الرئيس الأول للمجلس الأعلى المرحوم أبا حنيني في خطبة للتعليق على هذا الاجتهاد القضائي حيث قال "الظاهر الذي يؤخذ عن هذا النص هو أن ضمان الدولة للضرر واجب بمجرد ما يكون ناشئا بصفة مباشرة من العمل الذي تقوم به الإدارة أو من عدم القيام بالعمل المنوط بمرافقها، فموجب المسؤولية إذاك عنصران : الأول حصول الضرر والثاني نسبة إلى سير المرافق العمومية، ولا يشترط النص عنصرا ثالثا كوجوب إثبات التفريط.
وبالرجوع إلى الأحكام القضائية الحديثة المتعلقة بالمسؤولية الإدارية في مرفق الصحة، يتضح أن القضاء مازال يتأرجح بين المسؤولية بناء على خطأ والمسؤولية بدون خطأ في انتظار حسم المشرع لهذا الإشكال بنص صريح يحدد معايير تأسيس المسؤولية الإدارية.

+ الإثبات في المسؤولية الطبية
إن الإعمال الجامد لقاعدة أن عبء الإثبات يقع على المدعي في مجال دعاوى المسؤولية المرفوعة اتجاه المستشفى العام، وبالنظر إلى ظروف الممارسة الطبية كمهنة تقنية، يجعل مهمة المريض شبه مستحيلة، وربما يؤدي إلى عدم انعقاد مسؤوليتهما إطلاقا على نحو يؤدي إلى تمتعها بحصانة واقعية. ويجعل من الصعب نسبة الخطأ إليها. [10]
لقد كرس الاجتهاد القضائي الإداري المبدأ العام في مجال الإثبات، وذلك بإلزام المريض بإثبات خطأ المرفق الصحي العمومي وهكذا ففي قرار للمجلس الأعلى اعتبر أن مسؤولية الدولة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها لا تفترض بل لابد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى موظفيها، وأن القرار المطعون فيه عندما قضى بمسؤولية الدولة بدون إثبات الخطأ من المضرور، كان غير مبني على أساس ومعرضا للنقض ومن حيثيات هذا القرار: " طبقا للفصل 79 من ق.ل.ع فإن مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها أو عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها لا تفترض، وإنما لابد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى أحد موظفيها، والملف الحالي خال مما يفيد نسبة الخطأ المصلحي إلى الهيئة الطبية لمستشفى ابن زهير بمراكش التابع للدولة........[11]
وأمام صعوبة إثبات الخطأ من طرف المريض، أخذ القضاء الإداري المغربي بالمسؤولية الموضوعية، والتي يكفي فيها وجود الضرر ونسبته إلى المرفق الصحي العمومي لقيام مسؤوليته، فالخطأ في هذا النوع من المسؤولية مفترض ويعفي المريض المتضرر من إثباته وذلك عكس المسؤولية الخطئية التي تخضع للقواعد العامة للإثبات، والتي توجب على مدعي الخطأ إثباته[12]، ففي المسؤولية الموضوعية ينتقل عبأ الإثبات من المريض إلى المرفق الصحي فيتعين عليه حينئذ إثبات السبب الأجنبي الذي ينفي عنها الخطأ ويعفيها من التعويض فقد ذهب القضاء في عدة مناسبات، في اتجاه افتراض خطأ الدولة وإعفاء المريض من إثبات الخطأ الطبي، كما جاء قرار للمجلس الأعلى: " وحيث إن التصرف الذي أقدم عليه مركز تحاقن الدم ينطوي على خطأ جسيم ليس في حاجة إلى إثبات، لأن أوراق الملف ومستنداته ووقائع الدعوى، لا تدع مجالا للشك في ثبوت مسؤولية أحد المرافق التابعة للدولة، مما يكون معه الدفع بخصوص عدم قيام المسؤولية غير مرتكز على أساس[13].

خـــــــاتــمة
نخلص إذن إلى أن القضاء المغربي، أعمل القواعد العامة كأصل عام في إثبات الخطأ الطبي المنسوب إلى المرفق الصحي العام، وذلك بتحميل المتضرر عبء إثبات الضرر والخطأ الناتج عن المرفق الصحي العمومي والعلاقة السببية بينهما إلا أنه واستثاء من القواعد العامة في الإثبات فإن القضاء لجأ إلى التخفيف من عبء الإثبات على المتضرر وذلك عندما تبنى المسؤولية الموضوعية، بأن جعل خطأ الدولة مفترضا دون حاجة إلى إثبات.

______________________________________________________________________________

الهوامش:
[1] قرار عدد 185 بتاريخ 2/5/1962.
[2] قرار عدد 835 بتاريخ 26/10/1971
[3] قرار عدد 458 بتاريخ 07/06/2006 ملف عدد 2522 /4/2/2003 إداري.
[4] أحمد محمود جمعة، منازعات التعويض في مجال القانون العام" المرجع السابق ص 76.
[5] أحمد أدريوش، "مسؤولية الطبيب المدني" عرض مقدم لندوة المسؤولية الطبية في الفقه والقضاء والقانون لندوات الشعرية لمحكمة الاستئناف بالرباط الجمعة 28/9/2011 ص 14.
[6] - قرار رقم 3035 بتاريخ 1986-09-17 ملف مدني رقم 95676 الغرفة المدنية للمجلس الاعلى منشور بمجلة القضاء و القانون ع 38 .
[7] -قرار رقم 3292 بتاريخ 23-10-93 ملف رقم 5509.
[8] -حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 12-93-8 ت بتاريخ 27-7-1995 ملف رقم 12-94-05
[9] - ذ. طنجي الشرقاوي أمينة "المرجع السابق" ص 75.
[10] - محمد حسن القاسم، إثبات الخطأ في المجال الطبي، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2004، ص 58.
[11] - قرار المجلس الأعلى عدد 2391 بتاريخ 26 ماي 1994.
[12] - جميلة بونيت: مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء الاجتهاد القضائي المغربي، لنيل الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط، السنة الجامعية 2008-2009، ص 92.
[13] - قرار المجلس الأعلى عدد 267 بتاريخ 36/3/1998. 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -