مقال بعنوان: تأديب القضاة في القانون المغربي

تأديب القضاة

مقدمة :
العدل هو الغاية العامة و المقصد الأسمى لكل حكم ديمقراطي ، و العدل في مجالنا القضائي يفترض وجود سلطة مستقلة عن غيرها من السلطات في الدولة، تتولى صــيانة الحقوق و حماية الحريات و ضمان الأمن و الاستقرار و الاطمئنان و النماء، و إعلاء لسيادة القانون و دعما للمشروعية.وبــذلك فـالـقـضـاة هــم الأشـــخاص الذين أوكل إليهم المشرع صلاحيات البث و الفصل في المنازعات و تطبيق القانون وفرض احترامه و جعل حدا لآثار الانتهاكات التي يتعرض لها ، إنهم العنصر البشري الأول و الأساسي في التنظيم القضائي[1].وقد شرف الله نبيه محمد صلى الله عليه و سلم حقه في الحكم فقال تعالى مخاطبا إياه: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله و لا تكن للخائبين خصيما [2]..و من هنا تبرز أهمية مهنة القضاء و الدور الموكول إلى القاضي، باعتباره المسؤول على حسن سير هذا الجهاز ، لذا قال عنه الرسول صلى الله عليه و سلم في حديث " القضاة ثلاثة : واحد في الجنة و اثنان في النار فأما في الجنة فرجل عرف الحق فحكم له ، و أما اللذان في النار : فرجل عرف الحق ، فجار في الحكم ، فهو في النار و رجل قضى في الناس على جهل " [3].و إذا كان العدل في مقوله ابن خلدون هو أساس الملك فلا بد من التأكيد على أن استقلال القضاء هو أساس العدل ، وهذا يعني أن استقلال القضاء و القاضي مرتبط ارتباطا عضويا برسالة العدالة بحيث لا يمكن أن يكون القضاء إلا إذا كان مستقلا تحيطه ضمانات ترمي في مجملها إلى توفير الحياة الآمنة الكريمة للقاضي وكافة السبل الفنية و المادية التي شخصه على أداء رسالته المقدسة على أكمل وجه، وتلك التي تكفل وضع قواعد موضوعية تحكم تعيينه و نقله و ترقيته و انتدابه و تأديبه وعزله و تحميه من مؤامرات السلطة التنفيذية وضغوطها و تدخلاتها[4].وقد عرفت وضعية القاضي في المغرب تنظيما مختلفا ابتدأ بإعمال قواعد الدين الإسلامي و العلاقة المباشرة ما بين الحاكم و القاضي اللذين يعنيهم الحاكم إلى تنظيم عصري لجهاز القضاء ابتداء من دخول الحماية إلى المغرب و إسناد مهمة و مراقبة تنظيم القضاء إلى وزارة العدل التي أنشئت بأمر ملكي بتاريخ 21 أكتوبر 1912[5].و القضاة في الأصل موظفون عموميون يخضعون من حيث المبدأ لأحكام قانون الوظيفة العمومية ، إلا أنهم لا يخضعون للمقتضيات العامة التي تنظم وضعية الموظف العمومي المتمثلة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر بظهير 24 فبراير 1958 .إلا أن طبيعة عملهم و صلاحياتهم ، استدعت وضع نظام أساسي خاص يطلق عليه النظام الأساسي لرجال القضاة ، و أول نظام وضع في هذا الصدد كان سنة 1957، و بقي العمل به إلى سنة 1974 حيث استبدل بنظام جديد يتوافق مع التحولات التي عرفها القطاع[6].و القضاة باعتبار طبيعتهم البشرية ، قد يخطئون كغيرهم من الناس، فإذا ارتكب القاضي إخلال مهنيا بواجباته العامة أو قام بأعمال تتنافى مع وضعيته و مع الكرامة و الوقار المفروضين فيه ، فإنه يتعرض للمساءلة التأديبية [7].فالمتابعة التأديبية للقاضي هي تلك الاجراءات المتبعة بسبب المسؤولية الناتجة عن إهمال و إخلال القاضي بمراعاة و احترام المقتضيات و الواجبات الوظيفية سواء عند امتناع القاضي للقيام بأعمال و تصرفات نص القانون صراحة على وجوب القيام بها، أو إقدامه للقيام بأفعال يحظر القانون على القاضي القيام بها.و من أجل توفير الضمانات الضرورية للقضاة أثناء متابعتهم تأديبيا نج الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 حدد المؤسسة التأديبية في المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يمارس السلطة التأديبية استنادا إلى الفصل 13 من الدستور و الفصول 58 إلى 63 من النظام الاساسي لرجال القضاة.وبذلك فإن القاضي باعتباره إنسان كباقي البشر يصيب و قد يخطئ ، غير أن هذا الخطأ قد يكون مشفوعا بالعمد و سوء النية مما يقتضي معه متابعته و تأديبه و ذلك حسب درجة و نية الإخلال المنسوب غليه.إذن ما هي الأسس القانونية لتأديب القضاة ؟ و كيف يتم تحريك المتابعة التأديبية للقضاة وفق المستجدات التي عرفها المغرب على ضوء دستور 2011 الجديد ؟ و هل استطاع المغرب تحقيق المحاكمة العادلة في مجال تأديب القضاة؟من خلال الإجابة عن هذه الإشكالات اعتمد التصميم التالي :

المبحث الأول : المخالفات و العقوبات المتعلقة بالقضاة
المطلب الأول : المخالفات و مجال تأديب القضاة.
المطلب الثاني : العقوبات التأديبية
المبحث الثاني : مسطرة تأديب القضاة وضماناتهم
المطلب الأول : مسطرة تأديب القضاة
المطلب الثاني : الضمانات القانونية لتأديب القضاة

المبحث الأول : المخالفات و العقوبات المتعلقة بالقضاة

قد يتعثر القاضي في مساره المهني أو حياته الخاصة بارتكابه مجموعة من المخالفات الناتجة عن الطبيعة البشرية . فارتكابهما يشكل أساسا لإقرار مسؤولية مهنية و بالتالي تفتح أطوار تأديبية و معاقبة. فما هي المخالفات التي تشكل مصدرا للمتابعة التأديبية و ما هي العقوبات المفعلة في حقه هذا ما سوف نتطرق إليه من خلال المطلب الأول : المخالفات و المطلب الثاني العقوبات.

المطلب الأول : المخالفات و مجال تأديب القضاة.

إن القاضي باعتباره إنسانا كباقي البشر قد يصيب و قد يخطئ غير أن هذا الخطأ قد يكون مشفوعا بالعمد و سوء النية مما يقتضي معه مساءلة هذا القاضي و تأديبه و ذلك بحسب درجة و نسبة الاخلال المنسوب غليه و يمكن تعريف الأخطاء التأديبية المرتكبة من طرف القضاة بأنها كل تصرف يخرج عن مقتضيات وظيفته و ما توجبه سواء أتاه أثناء أدائه لها أو بمناسبتها أو خارج عن ذلك أو كان الفعل خروجا عن القوانين و القيم و التقاليد و الأعراف المحظورة المؤطرة لمهنة القضاء[8].
إلا أنه لا يمكن تصور متابعة تأديبية لأحد القضاة دون وجود نص قانوني يحدد المخالفات و العقوبات عليها و في هذا الصدد نجد الفصل 58 و 62 من النظام الاساسي للقضاة بحيث ينص الفصل 62 من فقرته الأولى " يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار لوزير العدل إذ توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطير".
و بهذا فالخطأ الصادر عن القاضي الذي يمكن وصفه بالخطير هو ذلك الذي يبرر في شكل أفعال مادية كالغش و التدليس و العذر و التحييز في ممارسة المهام القضائية أو الارتشاء مما يلاحظ أن القانون صريح في التصدي لمساءلة القضاة.
لذلك نظم دعوى المخاصمة في الفصول 391 و 401 من قانون المسطرة المدنية و بهذا يكون الخطأ الخطير الصادر عن القاضي الذي ينتهي بمتابعة جنائية ، وذلك الخطأ الذي تتوفر فيه شروط دعوى المخاصمة . كذلك الحال بالنسبة للقانون الفرنسي الذي اعتبر إفشاء السر المهني و الكشف لبعض الوثائق تمكن من معرفة أشخاص متهمين في إطار التحقيق ، و رفض العدالة . كالحالة التي يرفض فيها القاضي الإجابة عن الطلبات أو لا يقيم الدعاوى بالسرعة الكافية و الوقت المناسب.

أما الخط|أ البسيط غير المرتبط بالمتابعة الجنائية و غير مرتبط بعناصر وشروط دعوى المخاصمة مثال الأخطاء الغير الخطيرة كتغيب عن العمل دون مبرر نشر مقال في مجلة مع الإشارة إلى صفته القضائية دون ترخيص مسبق من طرف وزير العدل عدم تصريح بالممتلكات ، نطق بالحكم قبل تحريره...

و ارتباطا بمفهوم الخطأ التأديبي من الضروري معرفة حقوق وواجبات القضاة التي قد يشكل الخروج عنها أخطاء موجبة للعقوبة التأديبية المفروضة على القاضي ...فقد بوظيفته بل تتصل أيضا بحياته الخاصة من حيث الالتزامات في كون ولاية القضاء تتطلب صفات معينة تتعلق بسلوك القاضي و انطلاقا من الفصل 58 من النظام الاساسي للقضاة الذي يتطرق للمخالفات التي يمكن أن تنبني عليها المتابعة التأديبية حيث نص " أنه كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو الشرف أو الوقار أو الكرامة خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية".فمن خلال هذا الفصل يمكن تحدي ماهية هذا الخطأ و التي تحدد أساسا من خلال الاخلال بالواجبات المهنية و الاخلال بالكرامة و الوقار و الشرف.

1- صور الإخلال بالواجبات المهنية
قد تختلف صور الإخلال بالواجبات لكنها كلها تصب في إطار واحد هو الاخلال بالواجبات المهنية التي حددها الفصل 19 من النظام الأساسي للقضاة حيث أن هذا الإخلال قد يتمثل في 1 عدم المحافظة على سرية المداولات 2 اطلاع الأغيار على نسخ أو ملخص الوثائق أو المعلومات التي تتعلق بملفات الدعوى في غير الأحوال المنصوص عليها في القانون 3 عرقلة أو إيقاف تسيير الحكم 4 استباد الأدلة بهدف تبرئة متهم مذنب سواء من رجال السياسة أو المجتمع 5 تلاعب القاضي في مواعيد القضايا لصالح أحد الأطراف.إضافة إلى ما سبق هناك مجموعة من الواجبات التي إذا تم تجاوزها تشكل مخالفة :- يحافظ القضاة على صفات الوقار و الكرامة التي تتطلبها مهامهم كما يمنع عليهم كل نشاط سياسي وكل موقف يكتسي صبغة سياسية و يمنع عليهم ايضا كل عمل من شأنه إيقاف أو عرقلة سير المحاكم.- يمنع القضاة أن يباشروا خارج مهامهم ولو بصفة عرضية نشاط أي كان نوعه بإجراء أو بدونه.- يتقيد القاضي بمحافظته على سرية المداولات- يرتدي القضاة البدلة الخاصة بهم- لا يحق للقاضي الامتناع عن الحكم أو إصدار قرار و يجب البت في كل قضية رفعت إلى المحكمة.أما بالنسبة للمخالفات التأديبية و فقا لمدونة المحاكم المالية :فتنص المادة 225 من مدونة المحاكم المالية " على أنه يعتبر كل إخلال من قاضي المحاكم المالية بواجباته أو بالشرف أو الوقار أو الكرامة أو بقواعد كتمان السر المهني أو عدم التقيد بالتزام من شأنه أن يعرضه لعقوبة تأديبية ".من خلال هذه المادة يلاحظ تشابه بين التحديد التشريعي لرجال القضاة و لقضاة المحاكم المالية من خلال تحديده للواجبات المهنية التي حددت في المواد 181 و 182 على سبيل الحصر كمزاولة نشاط سياسي أو نشاط خاص بصفته المهنية أو امتلاك مصالح تجري عليها رقابة المحاسبة سواء كانت بملكية شخصية أو بواسطة الغير.كما أضاف وجوب التزام قاضي المحاكم المالية بالمحافظة على سرية المداولات و التحريات و عدم اطلاع الغير على نسخ و ملخصات الوثائق أو اطلاعهم على معلومات تتعلق بهذه المحاكم في غير الأحوال المنصوص عليها قانونا يترتب عنه خضوعه للمساءلة التأديبية.

2- صور الإخلال بالشرف أو الكرامة:
ليس من السهل على الناس أن يخضعوا في منازعتهم و خصوصياتهم لأحكام الإنسان ما لم يكن ذا هيبة وجلال و رفعة ووقار في نفوسهم مكانة سامية و احترام كبير لأن الحكم من صفات الله عن عز وجل " أن الحكم لله" الآيات ؟ لذلك وجب أن يتصف القاضي بهذه الصفات المعنوية السامية[9] .
غير أن تحديد ما هية كل من الشرف و الوقار و الكرامة، ليس له مقياس ثابت مجرد بل هي صفات لمجموعة من المبادئ السامية و المثل العليا التي تواثر الناس على رجالها في ضوء في ضوء ما تفرضه قواعد الدين و مبادئ الأخلاق و القانون السائد في المجتمع و مفهوم الشرف و الوقار و الكرامة التي تخضع لمعيار ذاتي بل هو مفهوم اجتماعي لما تواضع عليه الناس في مجتمع معين وهو لذلك ينبع المجتمع في تطور[10] و يختلف مدلوله باختلاف الزمان و المكان و تبعا لاختلاف العادات و التقاليد و المعتقدات و بالرجوع إلى الفصل 58 من النظام الاساسي للقضاة فإننا نجده قد أشار بشكل عام إلى أن كل إخلال بالشرف و الوقار و الكرامة من قبل القاضي فإنه بشكل خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية. و نفس الأمر بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي نص في مادته 43 من القانون المتعلق بتنظيم القضاة لسنة 1958 ينص " لكل تقصير من طرف القاضي وواجباته تجاه منصبه و شرفه و اللياقة و الكرامة هو بمثابة خطأ تأديبي".
أو ارتكاب لفعل من شأنه أن يفقده الثقة و الاعتبار سواء كان داخل العمل أو خارجه[11] لهذا فالمشرع المغربي لم يعرف الخطأ المخل بهذه المبادئ تاركا بذلك المجال للسلطة التأديبية سواء القضائية أو غير القضائية.
و بالانتقال إلى التحديد القاضي لماهية الخطأ و خاصة المرتبط بالإخلال بالشرف و الوقار إضافة إلى مسؤولين كبار من جهاز القضاء بعد إثارة السيدة فضيحة يكشفها عن تسجيلات مرئية وصوتية لقضاة ورجال السلطة ومشاهد مخلة بالشرف إضافة لتضمينها اعترافات للبعض منهم عن كواليس معالجة بعض الملفات المعروضة على أنظار المحاكم وكشف تفاصيل خطيرة تتعلق بتقاضيهم الرشوة مع استعراض أسماء أصحاب القضايا المتقاضى عنها[12] .

إضافة إلى قضية " الخادمة زينب الشطيط" البالغ من العمر 11 سنة التي عرفت أطوارها صدور قرار من المجلس الأعلى للقضاء بتوفيق القاضي " خالد يشونى" عن العمل سنتين مع إحالة إلى غرفة الجنايات باستئنافية فاس بتهمة تعذيب خادمة[13] .

و كآخر قضية لمنير الرماش أكبر تاجر مخدرات بتطوان تعود اطوارها إلى سنة 2003 التي كشفت عن تورط عدد من القضاة فيها حيث تم عزل 9 قضاة من مــحـكــمة الاســتـئـنـاف بــتـطــوان وذلك بعد أن تمت متابعتهم في التهم المنسوبة إليهم و المتعلقة" بجرائم الارتشاء و المشاركة و في ذلك استغلال النفوذ و التستر على مجرم و إفشاء السر المهني و الاتجار في المخدرات و بهذا وجب على القضاة الحفاظ على صفات الوقار و الكرامة التي تتطلبها مهامهم .
لذلك بعض الالتزامات المفروضة على القضاة تتناسب مع طبيعة وظيفته كمنع القاضي من ممارسة كل أعمال تمس بسمعة القضاة و هيبته ووقاره.
و تبقى التزامات القضاة ذات صبغة مزدوجة تجمع بين النفع و الضرر لجهاز القضاء كالاشتغال بالعمل السياسي الذي حضره المشرع الفرنسي و المصري لما يمثله من ضمانة للمتقاضين ضد الانحياز إلى أحد الخصوم. غير أنه ذات الوقت يعتبر قيدا على حرية التعبير لرجال القضاء لذا كان من الواجب حصره في أضيق نطاق ممكن خاصة إذا علمنا أن كل مناحي الحياة مرتبطة بحرية التعبير كما هو منصوص عليه في دستور 2011 في الفصل 111 الفقرة الأولى.
- صور الاخلال بشرف و الكرامة و الوقار لقضاة المحاكم العالية.نص عليها الفصل 1802 التي حددت ضرورة حفاظ القاضي على صفات الوقار النزاهة و الكرامة التي تقتضيها طبيعة مهامهم و هي نفس صور الاخلال بالشرف و الوقار و كرامة رجال القضاة العادين لتوحيد الطابع الإنساني و تحكم نوات الأفراد و دناتها لدى البعض منهم.


المطلب الثاني : العقوبات التأديبية

إن إعطاء القاضي استقلالية متطابقة لمبدأ إستقلال القضاء و إعطائه مجموعة من الضمانات المهمة ، لا يعني حيازة القاضي لوظيفته و بقاؤه فيها رغم إسائه استعمالها و ارتكاب اخطاء أدت إلى الإخلال بها و إنما إمكانية محاسبته و عقابه تبقى قائمة دوما و ابدا.و تماشيا مع ذلك نجد المشرع المغربي سواء في النظام الأساسي للقضاة أو في مدونة المحاكم المالية قد حدد مجموعة من العقوبات التأديبية الخاصة بكل فئة على حدة.

أ ـ العقوبات التأديبية المنصوص عليها في النظام الأساسي لرجال القضاء:
برجوعنا على النظام الأساسي لرجال القضاء نجد الفصل 59 من هذا الأخير[14] ينص على نوعين من العقوبات من الدرجة الأولى و عقوبات من الدرجة الثانية ففيما يخص العقوبات من الدرجة الأولى يندرج ضمنها :

1 الإنذار
2 التوبيخ
3 التأخير عن الترقية من مرتبة إلى رتبة أعلى لمدة لا تتجاوز سنتين
4 الحذف من لائحة الأهلية.

أما العقوبات من الدرجة الثانية فهي:
1 الإقصاء المؤقت لمدة لا تتجاوز ستة أشهر مع الحرمان من أي رتب باستثناء التعويضات العائلية. 
2 التدرج من الدرجة 
3 العزل مع حفظ الحقوق في التقاعد هذه بالإضافة إلى أنه يمكن أن تكون العقوبات الأخيرتان من الدرجة الأولى والعقوبتان الأوليتان من الدرجة الثانية مصحوبة بالنقل التلقائي.
إضافة إلى الفصل 59 أعلاه الذي حدد العقوبات التأديبية بشكل صريح نجد الفصل 58 من النظام الأساسي لرجال القضاء يتطرق للمخالفات التي يمكن أن تنبني عليها المتابعة التأديبية وذلك بشكل عام حيث نص على أنه " يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو الشرف أو الوقار أو الكرامة خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة".
وكذلك ما نص عليه الفصل 13 من نفس القانون على أنه" يحافظ القضاة في جميع الأحوال على صفات الوقار و الكرامة التي تتطلبها مهامهم و يمنع على الهيئة القضائية كل نشاط سياسي و كذلك كل موقف يكتسي صبغة سياسية"إذن ما يمكن استنتاجه هذه العقوبات التي حددها الفصل 59 من النظام الأساسي على أنها مستمدة من العقوبات التأديبية المتعلقة بالموظفين المنصوص عليها في الفصل 66 من القانون المتعلق بالوظيفة العمومية.

ب ـ أما فيما يخص العقوبات التأديبية المطبقة على قضاة المالية :
لقد نصت المادة 226 [15] من مدونة المحاكم المالية على العقوبات التأديبية التي تطبق على هذا النوع من القضاة وذلك وفق درجتين أولى وثانية ، و قد سارت هذه المادة على نفس النهج المعتمد في المادة 59 من النظام الأساسي لرجال القضاء بتقسيمها للعقوبات التأديبية إلى درجتين لكن الاختلاف الحاصل هو أن عقوبات الدرجة الأولى بالنسبة لقضاة المحاكم المالية تضم خمسة عقوبات حيث تم اعتبار عقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز ستة اشهر مع حرمان من أي رتب باستثناء التعويضات العائلية من عقوبات الدرجة الأولى على خلال عقوبات الدرجة الأولى من النظام الأساسي لرجال القضاء.

المبحث الثاني : مسطرة تأديب القضاة وضماناتهم

مما لا شك فيه أن التأديب موضوع له أهمية قصوى في حياة القاضي على اعتبار أنه في مشواره المهني معرض لأن يكون موضوع شكايات متعددة بالنظر لطبيعة مهامه، و على هذا الأساس سنتطرق في هذا المبحث إلى مسطرة تأديب القضاة (المطلب الأول) ثم  الضمانات القانونية التي يتمتع بها القضاة (المطلب الثاني)

المطلب الأول : مسطرة تأديب القضاة

 مسطرة تأديب القضاة:
إن المسطرة التأديبية تنظمها مقتضيات الباب 5 من القانون الأساسي لرجال القضاة من الفصول 52 إلى 63 منه.
أما بالنسبة لفتح المتابعة التأديبية في حق القضاة لا يتم إلا بناء على تقارير ينجزها القضاة المفتشون و القضاة المسؤولون على مستوى المحاكم . كما أن تعيين القاضي المقرر المعهود إليه ببحث ما ينسب للقاضي من إخلال بواجبه المهني أو الاخلاقي لا يتم إلا بعد استشارة الأعضاء الدائمين بالمجلس الاعلى للقضاء و على أن يكون المقرر من درجة أعلى من درجة القاضي المبحوث في قضيته[16].
وكذلك يمكن الإضافة في نفس الإطار أن القاضي المقرر مطالب بانجاز تقريره في اقرب الآجال من أجل إحالة ملف القاضي المتابع على المجلس الأعلى للقضاء.
و هذا تفاديا لبقاء وضعيته معلقة لمدة طويلة ، و إذا لم يبث في القضية داخل 4 أشهر فإن المشرع يوجب صرف مرتب القاضي و يعطيه الحق في استرجاع مرتبه الكلي أو الجزئي الذي سبق إيقاف دفعه.
و إذا كان القاضي موقوفا و لم تتم تسوية وضعيته داخل مدة 4 اشهر فإنه يجب لزوما أن يرفع عنه التوقيف و يرجع لمزاولة مهامه القضائية.
كما تجدر الإشارة في نفس الاتجاه على أن يحق للقاضي الإطلاع على ملفه التأديبي و على جميع مستندات البحث باستثناء نظرية المقرر[17].
وكذلك لا تتخذ أية عقوبة أي مواجهة أي قاضي تمت متابعته إلا بعد الاستماع إليه و تمكينه من الاطلاع عن متابعته بكل ما يتضمنه من وثائق و مراسلات سرية ، 8 أيام على الأقل قبل التاريخ المحدد لانعقاد جلسة المجلس الأعلى للقضاء التي ينظر خلالها في قضيته.
كما يمكن أن يقدم دفاعه كتابة أو ينوب عنه محاميا أو قاضيا ، كما يجوز الحكم في غيابه إذا لم يتم تبليغه بميعاد الجلسة بشكل قانوني. 
و جلسات الدعوى التأديبية تنعقد بحضور جميع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء[18].
أما بالنسبة للمراحل التي تمر منها المحاكمة التأديبية فهي كالتالي:
  •  ينادي رئيس الجلسة وهو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية على القاضي المقرر يقدم أمام المجلس بكافة أعضائه مبدئيا عرضا حول الوقائع المتابع من أجلها القاضي و نتائج البحث الذي قام به و اقتراحاته .
  • ينادي الرئيس على القاضي المتابع للمثول أمام المجلس بمعية دفاعه ومساعده من زملائه القضاه إن اختيار أحد منهم ويوجه غليه التهمة المنسوبة إليه طالبا منه أن يعرض موقفه ثم تتم مناقشته من أجل ذلك.
  • خضوع القاضي المتابع لاستنطاقه من خلال مجموعة من الاسئلة التي تصب في موضوع المتابعة وتوجه من طرف رئيس المجلس.
  • إعطاء الكلمة للدفاع لتقديم مرافعته مكفولا بجميع الضمانات و المبادئ القانونية
  • الإعلان عن اختتام المناقشة حيث ينسحب المتابع تأديبيا صحبة دفاعه.

لتستمر الجلسة السرية منعقدة للمداولة في مشروع الحل التأديبي فإذا استقر الرأي على البراءة أو عدم ثبوت المخالفات أو على المؤخذة يتم تحديد نوع العقوبة حسب ما هو مبين في النظام الأساسي لرجال القضاء . بحيث الفصل 6 منه ينص على كيفية صدور العقوبة التأديبية ، بحيث عقوبة الدرجة الأولى تصدر بمقتضى قرار لوزير العدل بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء أما عقوبة الدرجة الثانية فتصدر بمقتضى ظهير.

أما بالنسبة لاجراءات المسطرة التأديبية في حق قضاة المحاكم المالية : يقوم القاضي المقرر في البداية بإجراء بحث عند الاقتضاء ، يستمع المقرر اثناء التحقيق إلى القاضي المتابع و إلى الشهود ، و يقوم بجميع أعمال التحري المقيدة، و بعد ذلك إذا تبين له بأن التحقيق غير ضروري أو أنه قد انتهى يتم الانتقال لمرحلة لاحقة في التبليغ و هــي الـتـبـلـيـغ بحيث يتم إخبار القاضي المتابع بتاريخ انعقاد المجلس لمناقشة ملفه، و ذلك قبل الموعد ب 15 يوما على الأقل.

الضمانات المخولة للقاضي المتابع تأديبيا:
- يمكن له الاطلاع في عين المكان على ملفه تأديبي ما عدا رأي المقرر
- يجوز له الاستعانة بزميل له أو محام للاطلاع على الملف التأديبي .
أما بالنسبة لاجراءات جلسات المحاكمة التأديبية فهي كالآتي :
- يفسخ بعد ذلك المجال للقاضي المتابع تأديبيا لتقديم توضيحاته أو وسائل دفاعه عن الأفعال المنسوبة غليه .
- يــمـكن للـمجلس بترخيص من رئيسه الاستماع على الشهود الذين يستدعيهم و الذين يذكرهم القاضي المتابع .
- يمكن للمجلس أن يأمر بإجراء بحث تكميلي قبل البث في القضية .
- يصدر المجلس رايه بعد التداول ، الذي يكون سريا دون حضور المقرر بأغلبية أصوات أعضائه، و و في حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس
أما فيما يتعلق بصدور العقوبة التأديبية فنصت المادة 222 من مدونة المحاكم المالية على أن العقوبات من الدرجة الثانية تصدر بموجب ظهير بناء على اقتراح معلل من مجلس قضاء المحاكم المالية ، أما العقوبات التأديبية من الدرجة الأولى تصدر بموجب أمر للرئيس الأول بعد موافقة المجلس ، غير أن الرئيس لا يمكنه أن يصدر عقوبة أشد من العقوبة التي اقترحها المجلس.
و في الأخير يمكن الإشارة كذلك إلى مسطرة تأديب القضاة في فرنسا بالنسبة لقضاة الحكم [19] يخضع نظام التأديب في فرنسا لمقتضيات الفقرة 1.4/4 و ما يليها من قانون التنظيم القضائي ، حيث تنص المادة المذكورة على أن أي إخلال من جانب القاضي في واجبات التخلي بالشرف و الأمانة و الكرامة ...وكذلك فبالنسبة للهيئة التأديبية في فرنسا تسمى باللجنة الوطنية التأديبية و يرأس هذه اللجنة القاضي الذي يراس المحكمة العليا و تضم عضوين من قضاة مجلس الدولة و قاضيان من قضاة المحاكم الاستئناف يعينها الرئيس الأول لمحكمة النقض بناء على اقتراح هذه اللجنة أيضا أمينا يعين من لدن الأمين العام لدى الرئاسة الأولى لمحكمة نقض .
أما فيما يتعلق بتأديب قضاة النيابة العامة فتختلف عن تأديب قضاة الدعم، بحيث لا يخضعون لسلطة التأديبية للمجلس الأعلى [20] بحيث استقر القضاء الفرنسي على أن تأديب أعضاء النيابة العامة تخضع لرقابة مجلس الدولة سواء كانت رقابة من حيث الشكل و الاجراءات أو من حيث تسبب الجزاء التأديبي[21]

السلطة المكلفة بتحريك المتابعة
تكشف قراءة مقتضيات النظام الأساسي لرجال القضاء الدور الكبير الذي يلعبه وزير العدل في مسطرة تأديب القضاة إذ يبقى له حق تحريك المتابعة ، و تكيف الافعال المنسوبة إلى القاضي المعني بالأمر مع إشعار المجلس الأعلى للقضاء بذلك طبقا للفصل 61[22].
و الملاحظ أن سلطة وزير العدل مطلقة بحيث أن استشارة المجلس الأعلى للقضاء لا يمكنها أن تغير في المتابعة أو تلغيها قبل الإحالة أو المحاكمة، ذلك أن أعضاء المجلس وخاصة المنتخبين منهم ، لا يصل إالى علمهم أحيانا خبر ذلك إلا بعد توصل القاضي بقرار الإحالة [23]، فالاستشارة التي يجريها وزير العدل مع هؤلاء الأعضاء لا تتعدى تعيين المقرر حسب مقتضيات الفصل 61.
وهذا الأمر يجعل سلطة وزير العدل في المتابعة مطلقة ومحضة ضد أي رقابة إذ يمارس هذه الصلاحيات بنص القانون كسلطة حكومية و ليس كنائب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء[24].
و هنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك الأمر كان محط انتقادات لاذعة و اعتبره البعض أمرا خطيرا جدا يضرب في الصميم استقلالية القضاء و يعصف بجوهر الضمانات المجمع عليها في المحاكمة [25] لكونه بالإضافة إلى ما سبق يتلقى حادة شـكــايات الـمـحـامـيـن حــيــث يــأمــر ( أولا يأمر باجراء تفتيش حول مضمون الشكاية و باعتبار أن المفتشية تابعة لوزارة العدل كجهاز تنفيذي فإنه لا يمكن الكلام بعد عن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
إضافة إلى ذلك فالصياغة المستعملة في الفصل 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء ينص على أنه ينهي إلى المجلس للقضاء الافعال المنسوبة للقاضي.. بحيث تقيدا وزير العدل يقوم فقط بإجراء المجلس الأعلى للقضاء بإجراء المتابعة دون أن تكون له أية رقابة ، ويظهر أن المشرع لم يضع في الحساب النتائج الوخيمة المتابعة على نفسية القاضي و خاصة تلك التي تنتهي بالبراءة .
فــإذا مــا رجعنا إلىلا دستور المملكة لسنة 2011 و بالأخص الفصل 107 الذي ينص على أن " السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و الفصل 108 الذي ينص على أنه " لا يخول قضاء الأحكام و لا ينقلون إلا بمقتضى الــقــانـــون " و الفصل 113 الذي ينص بدوره على أنه " يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و لا سيما فيما يخص استقلالهم و تعيينهم و ترقيتهم و تقاعدهم و تأديبهم و مقارنتها بالفصل 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء نستنتج بأن محتوى هذا الفصل لا ينسجم مع الأساس الدستوري بالإضافة لكونه يضرب عرض الحائط مبدأ أفضل السلط و استقلالية القضاء.
و لهذا وضع إطار يجمع بين ما هو دستوري و ما هو تنظيمي ، و لتفادي الانتقادات يجب على المشرع المغربي أن يسند سلطة تحريك و تكيف المتابعات إلى سلطة جماعية متمثلة في المجلس الأعلى في شقه المعين بقوة القانون أو سلطة قضائية صرفة متمثلة في الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى بناء على طلب من وزير العدل مع منح سلطة تكيف الوقائع للوكيل العام كما هو الحال في مصر[26] و المملكة السعودية التي تستند الاختصاص لرئيس إدارة التفتيش و تنظيم إجراءات النيابة العامة المواد 59 إلى 66 من المرسوم 57-128.
و قد استقر القضاء الفرنسي على أن تأديب أعضاء النيابة العامة يخضع لرقابة مجلس الدولة ، سواء كانت رقابة من حيث الشكل و الاجراءات أو من حيث تسبب الجزاء التأديبي.
غير أن الفقه الفرنسي قد ذهب منذ صور حكم مجلس الدولة في 27 يونيو إلى القول بأن هذه الرقابة قد غذت منعدمة.

المطلب الثاني : الضمانات القانونية لتأديب القضاة

أولا: تأديب القضاة وعدم قابليتهم للعزل
أثير في الفقه المقارن الجدل حول مدى تعارض تأديب القضاة مع مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل.
إلا أنه تقرر أن ضمانة عدم القابلية للعزل لا تعني بقاء القاضي في وظيفته طوال سنين حياته، لا تعني ايضا أنه قد أصبح مالكا لها فهما أخطأ أو اساء فسوف يكتب له الاستمرار فيها. [27]
كذلك لا ريب أن تقرير هذه الضمانة للقاضي لا يمنع من إحالته إلى التقاعد إذا بلغ السن المنصوص عليهما في القانون، كما لا يمنع من إحالته على التقاعد قبل بلوغ السن إذا ما تبين عجزه لأسباب صحية عن القيام بأعباء وظيفته على الوجه اللائق.
فضلا عن ذلك فإن هذه الضمانة لا تحول دون مساءلة القاضي تأديبيا و توقيع الجزاء عليه و الذي قد يصل على حد العزل أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية، إذا ما أخل بواجبات وظيفته و مقتضياتها أو خرج في مسلكه عن الحود التي أوجب عليه القانون التزامها.
وقد تضمنت المواثيق الدولية الإشارة إلى ضرورة وضع معايير دولية محددة لضمان عدم إساءة استعمال تأديب القضاة في المساس بالمبدأ عدم قابلية القضاء للعزل.
فقد ذهب المؤتمر الدولي لرجال القانون الذي عقد في مدينة نيودلهي بالهند في سنة 1959 بصدد التوفيق بين مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل و بين إمكانية عزلهم قانونا إذا ارتكبوا ما يستوجب ذلك إلى وجوب أن يكون للعزل أسباب محددة، و أن يتم تأديبه أمام هيئة قضائية تكفل للقاضي كل الضمانات التي تتوافر للمتهم في الدعوى الجنائية.
كما ذهبت اللجنة أيضا إلى وجوب ألا تكون هناك أسباب بأخرى للعزل سوى الاسباب المحددة و هي :
  • العجز الجسماني و العقلي .
  • صدور حكم بالإدانة لارتكاب جريمة جنائية جسيمة
  • عدم الاستقامة.
و جدير بالذكر أيضا أن الإعلان العالمي لاستقلال السلطة القضائية الصادر عن المؤتمر السابع لمنع الجريمة، و الذي عقد في مدينة ميلانو بإيطاليا خلال الفترة من 26 غشت حتى 6 شتنبر 1985، قد عرض المبادئ الأساسية بشأن مسألة تأديب القضاة وعزلهم إذ قرر لها عدد من التوصيات جاءت على النحو التالي:
المادة 18 " لا يكون للقضاة عرضة للإيقاف أو العزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم".
المادة 19 " تحدد جميع الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل وفقا للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي"
ثم أكدت المادة 31 من الإعلان مدة أخرى على أنه " لا يجوز تعرض القاضي للعزل إلا بالاستناد إلى ما يثبت عدم كفاءته أو سوء سلوكه مما يجعله غير لائق للبقاء في منصبه.
و بالرجوع إلى دستور الجمهورية الصادر في 04/10/1958 ، و المعمول به حاليا ينص على أن مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل حيث نصت المادة 24 منه " يضمن رئيس الجمهورية استقلال الهيئة القضائية ، و يعاونه في ذلك المجلس الأعلى للقضاء و يحدد القضاة بقانون أساسي و القضاء الجالس غير قابلين للعزل".
بالنسبة للأعضاء النيابة العامة : فإن هذا المبدأ " عدم قابليتهم للعزل " لا يمتد إلى أعضاء النيابة العامة، حيث نص المشرع الدستوري في المادة 24 من الدستور حيث نصت على قضاة الحكم فقط.
وقد كان نتائج عدم تمتع أعضاء النيابة العامة في فرنسا لضمانة عدم القابلية للعزل أنهم لا يخضعون للسلطة التأديبية لمجلس الأعلى للقضاء إذ يجوز توقيع عقوبات تأديبية تصل إلى حد العزل بناء على اقتراح وزير العدل، غير أن هذا الوزير حين يمارس سلطة التأديب يخضع لرأي الاستشاري للجنة تأديب أعضاء النيابة العامة، وقد اختلفت الآراء الفقهية في هذا الشأن.
الرأي الفقهي:
نجد الأستاذ الفرنسي " ددوتي سو " DETISSOT يقول بأن عدم قابلية القضاة للعزل لا تعارض مع التأديب، لأنه من المفهوم عقلا و منطقيا أن مبدأ عدم قابلية القضاة الجالسين للعزل لا يعني أنه لا يجوز عقابهم على طول الخط".
و يرى الأستاذ الفرنسي نزار ، أن تأديب القضاة الجالسين لا يمكن إلا أن يقوي و يثبت دعائم قابليتهم للعزل و استقلالهم و من الممكن إعداد تأديبي لهم يوفر كل الرضا و الطمأنينة لهم، و يمكن الوصول إلى تشريع تأديبي يوصلنا إلى هذه الدرجة.

ثانيا : كفالة حق الدفاع.
يعتبر حق الدفاع ضمانة عامة التأديب يتفرع عنها باقي الضمانات ، بل إن الهدف المبتغى من وراء تقرير أي من الضمانات التأديبية هو كفالة حق المتهم في الدفاع عن نفسه.
و نظرا لأن الدفاع كضمانة يمثل قدرا كبيرا من الأهمية فقد ورد النص عليها في التشريعات العادية و الدستورية ، و هكذا فقد نصت المادة 2 من اللائحة الإدارية العامة للإجراءات التأديبية في فرنسا الصادرة بالمرسوم رقم 311/59 الصادر بتاريخ 14/02/1959 على أن للموظف المتهم الحق في الحضور و المناقشة الشفوية أمام مجالس التأديب، و يسرى لهذا التنصيص على القضاء أيضا و عموما كي يمارس القاضي المتهم حقه في الدفاع لا بد من أن يعلن قانونا بإحالته للمحكمة التأديبية وفقا لمقتضيات ينبغي احترامها وهذا سوف نوضحه فيما يلي :

1- إعلان المتهم بالوقائع المنسوبة إليه :
يعتبر إعلان المتهم بالوقائع المنسوبة غليه بمثابة وسيلة لتنبيهه لخطورة موقفه و دعوته للرد على الاتهام في جلسة محددة الزمان و المكان و لهذه الأهمية فقد تم التنصيص على هذه الضمانة الجوهرية في فرنسا خلال المرسوم الصادر بتاريخ 14/02/1959 . ولقد زكى المجلس الأعلى للقضاء بدوره هذه الضمانة في الطعن رقم 3925 بتاريخ 13/03/1988 في قضية القاضي توماس حيث جاء فيها : " حيث أن المبادئ و الأصول المقررة في المحاكمات التأديبية تقضي بأنه يجب إعلان المتهم المحال إلى المحاكمة التأديبية بقرار الإحالة و الاتهام، و يشترط أن يكون القرار متضمنا بيانا بالمخالفة أو المخالفات المنسوبة للمتهم . و ذلك لتوفير الضمانات الاساسية للدفاع عن نفسه. وهو ما لا يتأتى إلا بإحاطته علما بالمخالفة المنسوبة إليه ، حتى يتمكن من تقديم ما لديه من أوجه دفاع".

2- الاستعانة بمحام :
الاستعانة بمحام في التحقيق و المحاكمة من أهم الضمانات التي يواجه بها المتهم سلطة التأديب المزودة بعدة وسائل تتخذه ضده للوصول إلى الحقيقة أثناء التحقيق و المحاكمة.
و الملاحظ أن القانون الفرنسي لم يكفل حق الاستعانة بمحام إلا أمام مجلس التأديب الذي يجب استشارته قيل توقيع الجزاءات التي هي أشد من اللوم و الإنذار. أما التحقيق الذي يسبق توقيع الجزائين المذكورين ، فلا يحتاج عمليا لجهد المحامي.
و لقد أكد المجلس الأعلى للقضاء ضرورة تمكن القاضي المتهم في الدفاع عن نفسه سواء بنفسه أو زميل له بواسطة محام ، معتبرا ذلك من مقتضيات حق الدفاع.

خـــاتــمـــة :
و أخيرا يمكن القول على أن التأديب هو ضمانة من أجل احترام القاضي لواجباته المهنية لأنه من واجبات القاضي هو أن يحافظ على قدسية رسالة القضاء بكل أمانة عن طريق التحلي بالاستقامة و النزاهة و التجرد و الحياد و الاستقلال و التفرغ الكامل و الالتزام بالقواعد و السلوكيات التي تهدف إلى تحقيق العدل و سيادة القانون.
و إذا لم يحترم القاضي تلك الواجبات يبقى التأديب هو المآل و الضمانة الفعالة لردعه شريطة إحاطة تلك المسطرة بجميع الضمانات الممنوحة له حتى لا يحس القاضي بانعدام العدالة.
__________________________________________
الهوامش :
[1] أنظر بهذا الخصوص ذ. عبد الوهاب المريني " دروس في القانون القضائي الخاص المغربي" الطبعة الأولى ، 2001 ، مكتبة دار السلام بالرباط ص 37.
[2] سورة النساء الآية 105.
[3] سنن ابن ماجة
[4] د. عبد الواحد الجراري ، الضمانات الأساسية لاستقلال القضاء بالمغرب ، مجلة الملحق القضائي ، عدد 37 مارس 2002 ص5.
[5] للمزيد من المعلومات بشأن التطور التاريخي لمهنة القضاء أنظر بحث الطالبة مارية أقبلي " تحضير مباراة القضاء " لنيل الاجازة في الحقوق السنة الجامعية 2004-2005 جامعة محمد الخامس الرباط السويسي الصفحة 3 غير منشور.
[6] مرجع سابق د عبد الوهاب المريني ص 37
[7] ذ عبد اللطيف البخيل الشامل في القانون القضائي الخاص المغربي " الجزء الأول 2005، ص 151.
[8] مدونة القيم القضائية منشورات الحسنية للقضاة
[9] عبد الرحيم بن سلامة " المرشد في مهنة القضاء و المحامات دار النشر المعرفة ص 39 و 41 سنة 1995 .
[10] ممدوح طنطوي" الدعوى التأديبية " المطبعة الثانية ص 291 و 292 سنة 2003.
[11] السيد كريستيان سوجور وضع القاضي في التنظيم القضائي الفرنسي الطبعة 2005 جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
[12] سعد بن جبلي " رقية .....امرأة في مواجهة الدولة ناصرتها 10 جمعيات حقوقه و يؤازرها 10 صحافيينو خصومهما قضاة ورجال السلطة مقالة مأخوذة من موقع مدونة مكتوب على الرابطة الإلكتروني www. Maktoobblog. Bnojobal.com .
[13] المجلس الأعلى للقضاء يوقف قاضي وجدة لمدة سنتين مقالة مأخودة من جريدة هسبريس الالكترونية بتاريخ 1 ماي 2010 على الساعة 08h 26min .39s www.hespres.com
[14] الفصل 59 من النظام الأساسي لرجال القضاء.
[15] المادة 226 من مدونة المحاكم المالية
[16] تقرير وزارة العدل حول واقع القضاء في المغرب
[17] سهل الورديغي ، رسالة لنيل دبلوم ماستر المتخصص في المهن القضائية ، كلية الرباط السنة الجامعية 2010-2011 .
[18] www.nepanorama.com
[19] X hammabd ( gejres . bouyer) les magistrats
[20] www.courdussation.fr / publication .coeur 26
[21] www.conseil-supérieur.magistrature.fr
[22] أنس سعدون النظام الاساسي لرجال القضاء بالمغرب تأسيسا لاستقلالية السلطة القضائية أم تكريس لتبعيتها مقال منشور بجريدة هسبرس بتاريخ 30 .05.2012 .
[23] محمد فوكت الباسيني ، مقال منشور بموقع www.maghress.com
[24] هشام العلوي المجلس الأعلى للقضاء في ضوء التشريع المغربي و المقارن طبعة 1988 ، ص 135
[25] عبد العزيز كمرة " مسطرة تأديب القضاء أي ضمانة ، مجلة المحامي العدد 19.
[26] هشام العلوي المجلس الأعلى للقضاء في ضوء التشريع المقارن و المغربي" ص 135.
[27] www.conseil-superieur- magidtrature.fr

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -