مقال بعنوان: قراءة في أحكام قانون الصحافة والنشر
مقدمة :
" صحيح أن الصحافة تعتبر من المهن المفتوحة التي يمكن الدخول إليها عبر مداخل مختلفة ، فهي لا تشترط لممارستها شهادة أكاديمية بعينها ، فالصحفيون يأتون من مشارب أكاديمية و معرفية مختلفة ، بل و من مستويات تعليمية متباينة . لكن هذا الإنفتاح ، بقدر ما يمثل غنى للصحافة و إثراء لحقلها ، بقدر ما يفرض على الصحفي مسؤولية ذاتية في العمل المستمر على تطوير معارفه و مهارته و أدوات اشتغاله لوصول إلى المعلومة " .
تعيش الصحافة المغربية في أزمة ليس فقط بسبب ما تتخبط فيه المنابر الإعلامية من مشاكل وما يعانيه رجال و نساء الإعلام من نقص في المعلومات ومن تردي وضعهم المادي و الإجتماعي، ولكن أيضا بسبب المحاكمات التي سلطت على رقابهم طيلة السنين الأخيرة، فالكثير من المنابر أصبحت بسببها مهددة بالإغلاق والإفلاس.. ولذلك فإن المهنيين والحقوقيين المهتمين بالموضوع ينتظرون إخراج قانون صحافة ونشر جديد يعيد لصاحبة الجلالة هيبتها بين السلط خاصة أن بلادنا التي ينخرها الفساد ومختلف الأدواء بحاجة لسلطة رابعة رائدة وفاعلة.
فرجال الاعلام المغاربة والحقوقيون المعنيين بحرية الرأي والتعبير ينتظرون اصدار قانون الصحافة والنشر الجديد بفارغ الصبر، لكن آمالهم أيضا منصبة على ضرورة الحذف النهائي للعقوبات السالبة للحرية في جرائم الصحافة، وينتظر من نواب الأمة أن يدخلوا تعديلات عليه تتماشى والإنتظارات لتصحيح الوضع الحالي المتميز باعدام القضاء لعدد من المنابر الإعلامية والحكم عليها سواء بالحبس أو بغرامات مالية ثقيلة تفوق الحدود المعقولة بسبب اتهامها بارتكاب جرائم وجنح السب والقذف.
فالمشروع الذي أعدته الحكومة سبق أن انتقدته العديد المنظمات الوطنية والدولية، لا يمكنه «أن يؤمن الضمانات الضرورية لحماية الصحافيين »، و بواعث القلق تكمن في «الحفاظ على مواد تنص على عقوبات بالسجن بحق كل من يرتكب جنح صحافة بالإضافة إلى معظم الأحكام القانونية التي ساهمت في إدانة الصحافيين في السنوات الأخيرة والتي تم حذفها في المشروع الذي يناقش الآن بالبرلمان لكنه تم الحاقه بمشروع القانون الجنائي أي أن العقوبات السالبة للحرية لا تزال تلاحق الصحافيين وخاصة المرتبطة بالاتهامات الأكثر رواجاً في هذا الصدد، «إهانة شخص الملك» و«إهانة قدسية المؤسسات»، وذلك استنادا الى مواد تعتبر تقييدية ، فضلاً عن السجن ، تمنح القضاة إمكانية تعليق أي منشورأو إقفاله نهائيا .
ورغم الإدعاء بأن شروط المحاكمة العادلة يتم توفيرها في قضايا الصحافة، فإنه في كثير من الأحيان يتم التركيز على الجوانب الشكلية فقط منها، لأن أغلب القضاة الذين ينظرون في تلك النوعية من الملفات ليسوا متخصصين في قضايا الصحافة وغير مطلعين على أدبيات المهنة، ولذلك تكون الأحكام في الغالب غير متناسبة مع التهمة وموضوع المتابعة، فيكون اللجوء للغرامات والتعويضات الخيالية المراد منها توقيف تلك المنابر وليس شيئا آخر، وهو ما تكرر خلال السنوات الأخيرة في عديد من الملفات التي أعدمت منابر عديدة .
أولا : قانون الصحافة و النشر رقم 88.13
لا يستطيع المرء الإدعاء بأن المغرب قد تخلف كثيرا عن إدراك حقيقة أن البناء الديمقراطي لا يمكن أن يقوم و يتقوى، إلا بتوفر مناخ من حرية التعبير، ومن تمة من حرية الإعلام و الصحافة. على العكس من ذلك فقد تم استحضار هذا البعد في مختلف النصوص التأسيسية الكبرى، منذ دستور المغرب المستقل عام 1962 إلى حدود دستور عام 2011، بيد أن الممارسة على الأرض لم تكن دائما في مستوى ما بشرت به الدساتير أو سنته اللوائح و القوانين و التشريعات.ومعنى هذا أنه بجل قوانين الصحافة التي سنها المغرب، ابتداءا من قانون 1958 إلى حين دخول قانون الصحافة و النشر الحالي حيز التنفيذ. مرورا بقانون 2002 لم تتم الإشارة إلى مسألة حرية الإعالم و الصحافة إلا في ديباجة هذا القانون أو ذاك، و في مواد محتشمة، وفيما سوى ذلك لم يخرج المشرع و بجل هذه القوانين، عن فلسفة سن وتشديد العقوبات السالبة للحريات الصحافية من سجن للصحفيين، ومصادرة للمنشورات، ومتابعات بالغرامات، و ما سوى ذلك.
بعد إقرار الوثيقة الدستورية بالمغرب لسنة 2011 و ما تضمنه من توسيع لمجال الحريات و تشجيع على التنظيم الذاتي و الديموقراطي و المستقل لمهنة الصحافة و ضمان للحق في الوصول للمعلومة، تم في أكتوبر 2012 تعيين اللجنة العلمية للحوار و التشاور حول مشروع مدونة الصحافة و النشر برئاسة محمد العربي المساري حيث استقرت اللجنة على استخراج ثلاث مشاريع قوانين اصطلح عليها بمدونة الصحافة و النشر.
و في 29 يوليوز 2015 تمت المصادقة في مجلس حكومي على مشروع قانون رقم 90.13 يقضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة و في 12 أكتوبر 2015 تمت المصادقة في مجلس حكومي آخر على مشروع قانون رقم 89.13 يتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين.
أما بخصوص مشروع قانون قانون 88.13 المتعلق بالصحافة و النشر فقد صادق عليه مجلس الحكومة المنعقد يوم 23 دجنبر 2015 و تمت إحالته على البرلمان بغرفتيه ، كما تمت إحالته على لجنة التعليم و الثقافة و الإتصال، ثم رجع النص إلى مجلس النواب من أجل قراءة ثانية قبل عرضه على الجلسة العامة لتتم المصادقة عليه بالإجماع يوم 26 يوليوز 2016، ليصدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 غشت 2016.
و تضمن هذا القانون مستجدات ترتبط بتعزيز ضمانات الحرية في الممارسة الصحفية و تعزيز دور القضاء في حماية حرية الصحافة و إعتماد الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب كمرجع لقانون الصحافة و النشر و حماية حقوق و حريات المجتمع و الأفراد و تعزيز الصحافة الإلكترونية و تشجيع الاستثمار و تطوير مقتضيات الشفافية و تعزيز استقلالية الصحفي و المؤسسة الصحفية.
ثانيا : القانون الأساسي للصحفيين المهنيين رقم 13.89
عرف قطاع الصحافة هذه السنة نهضة تشريعية تجلت في إصدار لأول مرة قانون ينظم " المجلس الوطني للصحافة " و تعديل قانون الصحافة و النشر و قانون الصحفيين المهنيين كتتويج لمسار الإصلاحات السياسية التي أطلقها المغرب بموجب الوثيقة الدستورية 2011 وتدعيها لحرية الرأي و التعبير و الحق في الحصول على المعلومة.هذا و قد تضمن هذا القانون العديد من المستجدات، تتعلق أساسا بتحويل صلاحية منح بطاقة الصحافة للمجلس الوطني للصحافة بالإضافة إلى التنصيص على شرط المؤهل الجامعي او الاستفادة من نظام التكوين المستمر من أجل الولوج إلى ممارسة الصحافة المهنية ، كما تضمن بعض المقتضيات لتحصين مهنة الصحافة من المتورطين في جرائم الاتجار في المخدرات او النصب او الابتزاز او الاحتيال او الارتشاء او استغلال النفوذ كما منح صلاحية سحب البطاقة المهنية للقضاء و ليس الإدارة. و هدف هذا القانون إلى تكريس مبدأ استقلالية الصحفي عبر جعل منح البطاقة و الولوج إلى المهنة من اختصاص المهنيين. كما نص هذا القانون على أن فترة الاختبار لا يجوز أن تتجاوز ثلاث اشهر التي تشغل فيها المؤسسة الصحفية صحفيا مهنيا.
كما يحق للصحفي المهني أن يرفض نقل خبر او بثه للجمهور بتوقيعه عندما تدخل عليه تغيرات جوهرية دون رضاه، و أما بخصوص المقتضيات الخاصة بالصحفي المهني المعتمد فتمنح له البطاقة من طرف الإدارة لمدة سنة و تجدد وفق الكيفيات المحددة بنص تنظيمي. و يتعين على الصحفيين المعتمدين و من في حكمهم أن يزاولوا مهنتهم في احترام تام للنصوص التشريعية الجاري بها العمل و ميثاق أخلاقيات المهنة.
ثالثا : قانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة
قانون المجلس الوطني للصحافة الذي يحمل رقم 90.13 بالجريدة الرسمية بتاريخ 7 أبريل 2016، ويهدف إلى تطوير حرية الصحافة والنشر والعمل على الارتقاء بالقطاع، وتطوير الحكامة الذاتية لقطاع الصحافة والنشر بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية كما تنص على ذلك المادة الأولى منه.إذ يندرج هذا القانون في إطار تنزيل أحكام الفصل 28 من الدستور الذي ينص على تشجيع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة و على أسس ديمقراطية و على وضع القواعد القانونية و الأخلاقية المتعلقة به. و يهدف هذا القانون إلى التنظيم الذاتي للجسم الصحفي، كما يظطلع بمهام الوساطة و التحكيم و يعمل على تعزيز احترام أخلاقيات المهنة و الارتقاء بالممارسة الصحفية و كذا تتبع حرية الصحافة.
يذكر أن المجلس الوطني للصحافة يتألف حسب نص القانون من 21 عضوا موزعين على 7 أعضاء ينتخبهم الصحافيون المهنيون من بينهم مع مراعاة تمثيلية مختلف أصناف الصحافة والإعلام، و 7 أعضاء ينتخبهم ناشرو الصحف من بينهم، إضافة إلى سبعة أعضاء آخرين وهم ممثل عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وممثل عن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وممثل عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وممثل عن اتحاد كتاب المغرب، وناشر سابق تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية، وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية.
و يعهد بمقتضى هذا إلى أن المجلس الوطني للصحافة يتولى وضع ميثاق أخلاقيات المهنة و منح بطاقة الصحافة المهنية و ممارسة دور الوساطة في النزاعات القائمة بين المهنيين و كذا النظر في القضايا التأديبية التي تهم المؤسسات الصحفية و الصحفيين الذين أخلوا بواجباتهم المهنية و ميثاق أخلاقيات المهنة.
و في الأخير وعلى الرغم من كل الإيجابيات التي قد تتضمنها لا بد من الوقوف على عدد من المؤاخذات من قبيل :
- عدم التمييز بين النشر و هو حرية و حق و بين الصحافة كمهنة حيث تم اشتراط مواصفات في مدير النشر أهمها أن يكون صحافيا مهنيا.
- إلغاء العقوبات السالبة للحرية من مدونة الصحافة و النشر و ترحيلها للقانون الجنائي.
- استثناء الصحافة الأجنبية من مسطرة الإيداع لدى القضاء.
- إشتراط أقدمية مبالغ فيها للترشح لعضوية المجلس الوطني للصحافة أدت إلى إقصاء تمثيلية الصحافة الإلكترونية.
خلاصة :
لكل ذلك فإن تصنيف المغرب غير ما مرة ضمن الدول التي لا تحترم حرية التعبير والصحافة يسيئ للعهد الجديد ويمس أسس دولة الحق والقانون ، لأن حرية الصحافة أحد أعمدتها، والإصرار على العقوبات السالبة للحرية للصحافيين باسم مجموعة القانون الجنائي لا ينسجم مع التطلعات والإنتظارات الصحافيين بتاتا ، كما أن تطبيق غرامات ودفع تعويضات مبالغ فيها سيزيد مساحة الحرية ضيقا في بلد في أمس الحاجة لمتنفس لأبنائه و لوطنه.