مقال بعنوان: طبيعة التنصيب في الدستور المغربي
مقدمة :
بعد تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ، و على أساس نتائجها ، وبعد تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها طبقا للفصل 47 من الدستور ، يتقدم رئيس الحكومة المعين أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ليعرض الخطوط العريضة للبرنامج الذي يعتزم تنفيذه ، و يكون هذا البرنامج موضوعة مناقشة من كلا المجلسين، يتبعه تصويت من طرف مجلس النواب فقط، حيث يتم الإفصاح عن تنصيب الحكومة بالأغلبية المطلقة للأعضاء التي يتألف منها مجلس النواب ، طبقا للفصل 88 من الدستور لصالح البرنامج الحكومي. هذا ما ينص عليه الدستور الحالي ، فأخذا بعين الاعتبار الفصل 47 و 88 منه، هل المغرب يقوم على أساس تنصيب برلماني أحادي أم مزدوج لصالح الحكومة ، و ما أهم التعديلات التي جاء بها الدستور الجديد في هذا الباب (التنصيب البرلماني)؟ وماهي الآثار القانونية المترتبة عن التصويت القانوني على البرنامج الحكومي ؟
المطلب الأول: جديد التنصيب البرلماني في ظل دستور2011
لقد شكل التنصيب البرلماني كتجسيد لمسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، إحدى المطالب التاريخية للأحزاب السياسية في بلادنا، حيث دعت المذكرة المشتركة لحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المرفوعة بتاريخ 9 أكتوبر 1991، للملك الراحل الحسن الثاني، إلى “ربط تقديم الوزير الأول المعين من جلالة الملك للبرنامج الحكومي أمام مجلس النواب بالتصويت عليه وحصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وفي حالة إذا لم يحصل البرنامج على الأغلبية المطلقة يمنح الوزير الأول فترة تأمل لمدة أسبوع يعود بعدها أمام المجلس حيث يكفي أن يحصل البرنامج الذي يتقدم به على الأغلبية النسبية لأعضاء المجلس وحينئذ يشكل الوزير الأول الحكومة ويتقدم بلائحة أعضائها إلى جلالة الملك الذي يقوم بتعيينهم“. مما يمكننا من تحقيب المراحل التي مرت منها وضعية الحكومة في علاقة مع البرلمان ومن زاوية مسؤوليتها السياسيةداخل التجربة الدستورية المغربية ، من خلال ثلاثة لحظات أساسية:
الفقرة الأولى:لحظة المسؤولية الأحادية للحكومة أمام الملك؛لحظة المسؤولية المزدوجة للحكومة أمام الملك ومجلس النواب؛
الفقرة الثانية :لحظة التنصيب البرلماني.
الفقرة الأولى:المسؤولية الأحادية للحكومة أمام الملك؛ المسؤولية المزدوجة للحكومة أمام الملك ومجلس النواب؛
في ظل هذه الدساتير الثلاث 1962-1970-1972 ظلت الحكومة تخضع في وجودها للملك، إذ يعد التعيين الملكي الشرط الوحيد لتأليف الحكومة ولمباشرة مهامها دون حاجة إلى موافقة البرلمان(1).
إنها حكومة تابعة للملك تشكيلا وتأليفاً، مسؤولية وسلطة، ولأنها تعين من طرف الملك، فهي خاضعة للمسؤولية أمامه، أما مسؤوليتها أمام البرلمان فتعقدها الإجرائي وجمودها الواقعي والسياسي جعل الحكومة عمليا مسؤولة بشكل أحادي أمام الملك وحده.
في هذا السياق قدمت الوثيقة الدستورية لعام 1962 هندسة للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، أصبحت بموجبها الحكومة منبثقة بشكل واضح من الإرادة الملكية المنفردة، حيث أصبح الوزير الأول بموجب الفصل 24 يعين ويعفى من طرف الملك، مثله في ذلك مثل باقي الوزراء، هؤلاء الوزراء الذين لا يختارهم ولا يمثل رئيسا لهم ، تعبيراً عن الصلاحيات الأساسية التي تم تخويلها للملك كرئيس فعلي للسلطة التنفيذية، مقابل حكومة تابعة له بشكل كبير.
إذ أن البرلمان لا يمنح لهذه الحكومة الثقة، ولا يصوت على برنامجها، إذ لا مجال للحديث عن المسؤولية السياسية لها أمام ممثلي الشعب، لذلك فقد تم الاعتراض على الطلب الذي تقدم به الفريق الاستقلالي(1) خلال برلمان 1963 (2) ، والقاضي بالتصويت على البرنامج الحكومي.
وإن كان مجلس النواب المنتخب في ماي 1963 قد حاول كذلك الالتفاف على غياب المسؤولية السياسية للحكومة أمامه، بأن أضاف إلى نفسه وهو يصيغ قانونه الداخلي صلاحية التصويت على البرنامج الحكومي، فإن الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى ،قد قضت في دجنبر 1963 بأن مسألة التصويت غير مطابقة للدستورولأن دستور 1970 لم يكن كما كانت أحزاب المعارضة تصفه سوى دسترة لحالة الاستثناء، فقد عرف تعزيزا أكبر لسلطات الملك الذي خولت له كامل السلطة التنظيمية، مما جعل الحكومة تفقد بصيص السلطة التي منحها إياها دستور 1962.
الأجواء السياسية التي عرفها المغرب في بداية عقد السبعينات جعلت دستور 1972 يبث قليلا من الحياة في دور وظيفة الحكومة، حيث استرجع الوزير الأول السلطة التنظيمية، وعوضت هيمنة الديوان الملكي التي امتدت من لحظة إعلان حالة الاستثناء إلى حدود عام 1972، بالإقرار باختصاصات المجلس الوزاري، وتم التنصيص على أن يتضمن البرنامج الذي يعرضه الوزير الأول على مجلس النواب الخطوط العريضة للسياسة الحكومية(1).ورغم أن الدعاية الرسمية لمشروع دستور 1972 قد تركزت على كون هندسة القانونية تتأسس على فكرة تكليف مجلس النواب بتنصيب الحكومة، فإنه من الواضح أن هذا الدستور رغم الانبعاث المحدود لدور الحكومة لم يجعل بالتأكيد من هذه الأخيرة مسؤولة أمام البرلمان قدر مسؤوليتها أمام الملك، حيث تعد قائمة بمجرد أداء الوزراء للقسم لحظة تعيينهم.
وقد أثار هذا الفصل نقاشا فقهيا بين الباحثين الدستوريين الذين انقسموا إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: دافع عن كون الدستور المعدل، يقر بآلية التنصيب المزدوج للحكومة، فبالنسبة للأستاذ الراحل عبد الرحمن القادري(2) ،على أن الحكومة في المغرب مطالبة بأن تحظى بثقة الملك وبثقة أغلبية مجلس النواب لكي يصبح تشكيلها تشكيلا قانونيا، ذلك أن الوزير الأول المعين من طرف الملك الذي يتمتع بثقته، قبل إجراء النقاش حول برنامج الحكومة الذي يعهد إليه بتشكيلها مطالب بعد المشاورات التي سيقوم بها مع مكونات الأغلبية التي يعتزم الاستناد إليها بأن يختار وزراء من بين الشخصيات التي تحظى بموافقة الملك فيكون على الوزير الأول والحالة هذه أن يحرص على أن تكون الهيئة الوزارية المقترحة من طرفه تحظى بثقة الملك وثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب.
الاتجاه الثاني: اعتبر أن الإصلاح الدستوري لعام 1992 رغم ما تضمنه من تغييرات ملحوظة وإيجابية فإنه أبقى السلطة التنفيذية على ما كانت عليه، إذ لم يقع أي تحول أساسي في مراكزها ولم يذهب التعديل إلى حد ميلاد سلطة جديدة، فالحكومة خلافا لما قد يتبادر إلى الذهن لم تمر في ظل التعديلات من التنصيب الأوحادي من طرف الملك إلى التنصيب المزدوج، الذي يقتضي الحصول على ثقة البرلمان بعد التعيين الملكي، حيث أن القراءة المتأنية للفصل 59 من دستور 1992، خاصة فيما يتعلق بإحالته على الفصل 74، يوضحبشكل جلي وجود تمييز واضح بين المسؤولية والتنصيب، فالملك يمارس وحده سلطة تنصيب الحكومة، وهذه الأخيرة تكون أمام البرلمان مسؤولة فقط، معتبرين أن تعديل الفصل 59 يبقى محدودا من حيث أنه لا يقر التنصيب المزدوج، لأن قرأة حقيقته تظهر الفرق بين التنصيب والمسؤولية،ويحيل شروط التصويت على الفصل 74 الخاص بالمساءلة التي تشترط الأغلبية المطلقة وليست النسبية، وهذا يؤدي إلى إستقالة الحكومة باعتبارها موجودة مسبقا(3). وهذا ما ذهب إليه مثلا الأساتذة:رقية المصدق و عبد اللطيف المانوني.
يقول الأستاذ عبد اللطيف المانوني في هذا الصدد :" فإن الحكومة خلافا لما يتبادر إلى الذهن لم تمر في ظل التعديلات المقترحة (أي التعديل الدستوري لسنة 1992) من وضعية التنصيب الأحادي من طرف الملك، وحده إلى وضعية التنصيب المزدوج، من طرف الملك والبرلمان، إذ يعتبر أن القراءة المتأنية
لكن هذا لا يمنع من اعتبار مسألة التصويت على البرنامج الحكومي التي جاء بها الفصل 59 من دستور 1992 كمكسب مهم للمؤسسة التشريعية بالمغرب، فهو ساهم بشكل كبير في تفعيل المراقبة البرلمانية للحكومة، فرغم أن ازدواجية المسؤولية السياسية للحكومة أمام الملك والبرلمان، المنصوص عليها في كل الدساتير المغربية السابقة، لم تأخذ مضمونها الحقيقي إلا في ظل الدستور الخامس (دستور 1996)، فهو يعتبر خطوة مهمة لتدعيم الطابع البرلماني للنظام السياسي للمملكة(2)، حيث أقر ولأول مرة مسألة مناقشة البرنامج الحكومي من طرف مجلس المستشارين ليشرك الغرفة الأولى في فحص ومناقشة جوابه حتى وإن وكان لا يخضع للتصويت، فهو يشكل فرصة للمستشارين للاطلاع على مختلف المعطيات التي جاءت بها الحكومة، وعدم التصويت يعتبر أمرا طبيعيا مادام مجلس المستشارين يمثل فقط فئة المهنيين، كما أنه منتخب بالاقتراع الغير مباشر، عكس مجلس النواب الذي يعتبر ممثل مباشر للأمة ومنتخب بالاقتراع المباشر، هذا ما يجعله يتفوق على الغرفة الثانية في تصويته على البرنامج الحكومي.
الفقرة الثانية:التنصيب البرلماني في ظل دستور 2011
لم يترك دستور 2011 أي شك في كون النظام الدستوري المغربي قد مر إلى لحظة التنصيب البرلماني للحكومة فالفصل 88 منه، ينص في فقرته الأخيرة على أنه: “تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي“.مما يعني أن الحكومة لا تكتسب شرعيتها القانونية ولا يمكنها مباشرة مهامها المتمثلة في تفعيل برنامجها الحكومي، إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان، على إعتبار أنها منبثقة عنه، وعلى أساس نتائج الإنتخابات التشريعية.
هذا الأمر هو الذي وضحه أكثر، القانون التنظيمي رقم 065.13(1)المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، حيث جاء في المادة 38 منه ما يلي : " تتكلف الحكومة الجديدة، التي عينها الملك باقتراح من رئيس الحكومة، طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، والتي لم تنصب بعد من طرف مجلس النواب، بممارسة المهام التالية: إعداد البرنامج الحكومي الذي يعتزم رئيس الحكومة تقديمه أمام البرلمان، إصدار قرارات تفويض الاختصاص أو الإمضاء اللازمة لضمان استمرارية المرافق العمومية، ممارسة الصلاحية المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 37 أعلاه إلى حين تنصيبها من قبل مجلس النواب". وتجدر الإشارة إلى أن المادة 37 في فقرتها الأولى، حددت الاختصاصات المسندة إلى الحكومة الموجودة في وضعية تصريف الأعمال الجارية، أي أن المشرع اعتبر الحكومة التي لم تنصب بعد، بمثابة حكومة لتصريف الأعمال الجارية، مع إضافة مهمتين أساسيتين تتمثلان في إعداد البرنامج الحكومي، وتفويض الإمضاء أو الاختصاص حسب ما يتطلبه السير العادي للمرافق العمومية.
وبذلك يكون القانون التنظيمي وضعا حدا للنقاش الدائر حول صلاحيات الحكومة المعينة من طرف الملك، وأجاب بشكل كافي عن إشكالية التنصيب البرلماني، إن كان تنصيبا أو أحاديا من طرف الملك أو ثنائيا من طرف الملك ومجلس النواب، أكدا أن التنصيب الحكومة بالمغرب عقب الإصلاح الدستوري الأخير صار تنصيبا ثنائيا، وأن الحكومة لا تكسب شرعيتها الكاملة، ولا يمكنها ممارسة مهامها إلا بعد الحصول على ثقة البرلمان، طبقا لمقتضيات الفصل 88 من الدستوري.
إن وضوح القانون التنظيمي، خاصة المادة 38 منه، حول إشكالية التنصيب، لا يعني بأنه أجاب عن الإشكالية من مختلف جوانبها، إذا لا زال سؤال أساسي مطروحا حول الموضوع، والمتجلي في المدة القانونية الفاصلة بين تعيين الرئيس الحكومة وباقي أعضاءها، وكذا المدة الفاصلة بين تعيين الحكومة وتقديمها للبرنامج الحكومي أمام البرلمان والحصول على ثقته، فالملاحظ أنه لا يزال هناك فراغ قانوني في هذا الصدد، حيث صمت الدستور وبعده القانون التنظيمي عن هذا الأمر.
وعلى الرغم من كون القانون التنظيمي قد حسم الأمر، في ما يخص إمكانية ممارسة الحكومة المعينة لصلاحياتها، قبل عرض برنامجها الحكومة، حيث وضح ـــ كما سبقت الإشارة ـــ إلا أن الحكومة لا يمكنها التصرف وكأنها منصبة، بل حدد لها صلاحيات يمكنها ممارستها على سبيل الحصر، في انتظار حصولها على ثقة البرلمان، وذلك ضمانا للسير العادي للمرافق العمومية، غير أن إشكالية المدة الزمنية الفاصلة بين تعيين الحكومة وتنصيبها، لازال مطروحا.
المطلب الثاني:أوجه التنصيب البرلماني للحكومة
الفقرة الأولى : التصويت الإيجابي و السلبي على البرنامج الحكومي.
يقصد بالتصويت الإيجابي على البرنامج الحكومي من طرف القانون (1)، هو قبوله بكل ما فيه من سلبيات و إيجابيات، و الإفصاح عن ذلك بالتصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهم مجلس النواب ، و يلاحظ أن الدستور استعمل مقاربة عددية في الأصوات ،أي وجوب التصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب ، وليس الأعضاء الحاضرة أثناء التصويت (هي إشارة ضمنية لوجود الحضور من قبل نواب و مستشارين الأمة للبرلمان) ، أي التصويت بالإيجاب بما يعادل أو يفوق 198من أعضاء المجلس من مجموع 395 عضو التي يتألف منها المجلس كما هو محدد من خلال المادة الأولى من الباب الأول من الظهير الشريف 1.11.165 الصادر بتاريخ 16من ذي القعدة 1432ه (14اكتوبر2011(بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب)(2).
فإذا حاز البرنامج الحكومي على موافقة الأغلبية المطلقة للمجلس النواب سيشرع في تنفيذه، والموافقة تعني منح الأدوات القانونية (التشريع) لتنفيذ المخطط من طرف الحكومة، ويتولى رئيس الحكومة تنفيذ وتنسيق برنامج العمل الذي صادق عليه مجلس النواب. وتعتبر الموافقة الصريحة للمجلس النواب على البرنامج الحكومي شرط إجباري حتى تباشر الحكومة اختصاصاتها التنفيذية، بمعنى فإن الغرفة الأولى تفصح من خلال موافقتها الصريحة على الثقة التي تمنحها للحكومة.
اما بالنسبة للتصويت السلبي، فيقصد به رفض البرنامج الحكومي و عدم التصويت عنه، او التصويت عنه بنسبة اقل من النسبة المقررة بمقتضى الدستور و القانون التنظيمي المشار إليه سابقا، و المحددة في نسبة تساوي أو تتجاوز198 عضو من مجموع الأعضاء الذي يتألف منها مجلس النواب ، وفي هذه الحالة تكون الحكومة طبقا للفصل 88 من الدستور(1) معينة من قبل الملك وغير منصبة من طرف البرلمان .
وهذا الأمر يدفعنا إلى إثارة إشكالية الآثار و الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة في هذه الوضعية الصعبة(2).
يمكن للحكومة أن تتبنى مجموعة من الطرق المقررة بمقتضى الدستور من اجل الخروج من أزمة عدم قبول البرنامج الحكومي من طرف السلطة التشريعية، و الذي تم الإفصاح عنه بعدم التصويت لفائدة البرنامج الحكومي ، أو التصويت عنه بأقل عدد مطلوب للثقة القانونية للحكومة .
1. الحل الأول: تعديل البرنامج الحكومي.
و يمكن أن تتبنى الحكومة كحل من المقترحات المعروضة أمامها بنص الدستور، أن تعيد إعداد برنامج حكومي من جديد ، يتماشى مع متطلبات ممثلي الأمة لأجل التصويت بالإيجاب ، و عرضه على دراسة مجلسي البرلمان ، و التصويت عليه من طرف مجلس النواب بالأغلبية المطلقة من الاعضاء التي يتألف منهم ،مثل المسطرة المتبعة في الحالة العادية.
2. الحل الثاني: تقديم رئيس الحكومة استقالته.
يمكن للحكومة أن تلجا إلى الحل الثاني، و هو أن يقدم رئيس الحكومة استقالته إلى الملك طبقا للفصل 47 من الدستور، و يتولى هذا الأخير بعد قبول استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بأكملها، و بالتالي في هذه الحالة يتم الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها من اجل إعادة التشكيل الحكومي، و تعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، و على أساس نتائجها يتم تعين الحكومة باقتراح من رئيسها و تنصيبها من طرف البرلمان بالتصويت بالإيجاب على برنامجها من جديد.
الفقرة الثانية: مدى خضوع الحكومة للتنصيب البرلماني في الحالات غير العادية
في الحالات غير العادية ، ولاسيما في حالة التعديل الوزاري او تعديل البرنامج الحكومي او هما معا . وقد اختلف أساتذة القانون الدستوري والعلوم السياسية ، والمهتمين بالشأن الدستوري ، والباحثين والسياسيين ، في تأويل النص الدستوري، في مسألة خضوع الحكومة للتنصيب في الحالات غير العادية من عدمه ، حيث أن مجموعة من التحليلات التي قدمت إنما كانت تؤسس على موقف داعم للأغلبية و بالتالي الدفع بعدم خضوع الحكومة في للحالات غير العادية للتنصيب البرلماني ، و اتجاه آخر يؤسس لموقف داعم للمعارضة و بالتالي الدفع بضرورة تنصيب الحكومة .
ففي حالة تعديل حكومي مع تعديل البرنامج الحكومييلاحظ أن الملك طبقا للفصل 79 من الدستور الجديد بأنه يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها ويعين أعضاء الحكومة بناء على اقتراح من رئيسها وان تعيين الملك لرئيس الحكومة و أعضائها لا يرد و لا يلغي في حالة عدم التنصيب البرلماني مادام البرلمان سلطة له في تحديد طبيعة وعدد الأشخاص الطبيعيين)الوزراء) كيفية توزيع الأشخاص المعنوية(الوزارات)قدر أن اختصاص محدد في التصويت بالثقة فقط على البرنامج الحكومي.
فانه يمكن الاستنتاج أن في حالة التعديل الحكومي يؤدي بعد التعيين الملكي لأعضائها إلى تعديل في البرنامج السياسي، مما يلح إلى ضرورة عرض هذا الأخير على البرلمان من اجل إعادة مناقشته من طرف كال المجلسين والتصويت عليه بالقبول على الأغلبيةالمطلقة للاعضاء التي يتألف منها مجلس النواب او التصويت بالرفض على البرنامج الحكومي.
أما في حالة تعديل حكومي دون البرنامج الحكومي، وذلك من خلال استقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بناء على طلبهم أو بمبادرة من الملك أو بطلب من رئيس الحكومة يوجه إلى الملك ولم يؤدي ذلك إلى تعديل البرنامج الحكومي فان في هذه الحالة تكون الحكومة غير ملزمة بعرض برنامجها للتصويت للحصول على ثقة مجلس النواب بشان برنامجها الحكومي لأنها منصبة سابقا وان التعديل الوزاري لا دخل للبرلمان في تحديده. لكن اذا سلمنا بهذه الفرضية و أسقطناها على حكومة بنكران سنة 2013يالاحظ وجود تعديل وزاري، تمثل في استقالة الوزراء، وذلك أدى الى استقالة الوزراء الذين قدموا استقالتهم وتم قبولها بل أدى ذلك الى تغيير حزب كان مشكل للأغلبية ومصوتا بالإيجاب على البرنامج الحكومي ، وتعويضه بحزب كان مشكل للمعارضة وصوت بالسلب على البرنامج الحكومي، وبالتالي فإذا أدى التعديل الحكومي إلى تعديل البرنامج الحكومي تكون الحكومة كما سبق الإشارة إليه ذلك ملزمة بعرض برنامجها الحكومي على البرلمان اما في حالة العكس فان الحكومة تكون غير ملزمة بذلك ، هذا من اجل إضفاء طابع أخلاقي على جودة العمل الحكومي.
أما في حالة تعديل البرنامج الحكومي دون تعديل وزاري هنا تكون الحكومة ملزمة بالتنصيب البرنامج الحكومي الجديد ، لان في هذه الحالة قامت بالمس باختصاص يدخل في إطار الاختصاصات التي أسندها الدستور للسلطة التشريعية.
خاتمة
تختلف طريقة تنصيب الحكومة باختلاف النظام السياسي التي تتبناه كل دولة. فالتنصيب البرلماني في المغرب ، يعتبر أهم آلية لتعزيز التوازن الدستوري بين المؤسسات، إذ تكمن أهميته في مجال مراقبة العمل الحكومي، في كون مجلس النواب يقف على محتويات البرنامج الذي تعتزم الحكومة تنفيذه، حيث يطلعون على ما يحمله من جديد وما يتوخى تحقيقه، إضافة إلى ذلك فهو يشكل أرضية يقوم البرلمانيون على أساسها بمراقبة الحكومة ومحاسبتها، إذا لم تفي بما وعدت به في برنامجها، باعتبار التنصيب البرلماني للحكومة يعني أن التشكيلة الحكومية كما لو أنها منتخبة من لدن البرلمان، بحيث يشكل هذا الأخير هيئتها الانتخابية، وفي هذه الحالة يكون البرلمان هو من اختار الحكومة كما أنه يتوفر على آليات تمكنه من وضعها تحت مراقبته الصارمة.وعلى الرغم من كون القانون التنظيمي قد حسم الأمر، في ما يخص إمكانية ممارسة الحكومة المعينة لصلاحياتها، قبل عرض برنامجها الحكومة، حيث أن الحكومة لا يمكنها التصرف وكأنها منصبة، بل حدد لها صلاحيات يمكنها ممارستها على سبيل الحصر، في انتظار حصولها على ثقة البرلمان، وذلك ضمانا للسير العادي للمرافق العمومية، غير أن إشكالية المدة الزمنية الفاصلة بين تعيين الحكومة وتنصيبها، لازال مطروحا. وبما أن التنصيب البرلماني للحكومة يعتبر مظهرا من مظاهر البعد البرلماني التي أصبح يتسم بها النظام الدستوري في اغلب الدول‚تجدر الإشارة أن النظام السياسي الفرنسي قد تناولت بدوره مسالة التنصيب
------------------------------
الهوامش:
(1)يعتبر الفريق النيابي الاستقلالي للوحدة والتعادلية واجهة نضالية للحزب يمارس المهام الدستورية الموكولة إليه انطلاقا من مبادئ الحزب وتوجهاته واختياراته ومواقفه الراسخة والمتغيرة وقد تميز الفريق الاستقلالي للوحدة والمشروعية، المنبثق عن الانتخابات التشريعية التي عرفتها البلاد في سنة 1963 بقوة نخبته البرلمانية وحضوره القوي والوازن في الساحة السياسية، وفي مقدمتها رئيس الحزب الأستاذ علال الفاسي رحمة الله عليه، والأستاذ عبد الخالق الطريس رئيس الحزب الوطني قبل اندماجه في حزب الاستقلال، ورئيس الفريق وغيرهما من زعماء الحركة الوطنية.https://www.chambredesrepresentants.ma/ar
(2) الانتخابات التشريعية لعام 1963 هي أول اقتراع تشريعي منذ استقلال المغرب عام 1956جرت بتاريخ 17 مايو1963في أعقاب الاستفتاء الدستوري للبلاد لعام 1962بشأن إنشاء أول دستور للمغرب المستقل.
(1)الفصل59 من دستور 1992
(2)مقال نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي في شتنبر 1992للأستاذ الراحل عبد الرحمن القادري
(3) Rkia El Moussadeq, Consensus Ou Jeu De Consensus? Pour Le Réajustement De La Pratique Au Maroc, ImprunerieNajah El Jadida, Casablanca 1995, P 21.
للفصل 59 من دستور 1992، خاصة فيما يتعلق بإحالته على الفصل 74، يفيد وجود تمييز واضح بين المسؤولية والتنصيب، ... أن الفصل 75 لا يلغي إمكانية المصادقة على البرنامج الحكومي، الذي حظي فقط بأقلية أعضاء البرلمان شريطة ألا تتكتل أغلبية مطلقة... "(1)
(1)عبد اللطيف المانوني، قراءات في مشروع الدستور المراجع 1992، مؤلف جماعي، سلسلة تشييد دولة حديثة، المطبعة الملكية، الرباط 1992، ص 106.
(2) أمينة المسعودي، قراءة في التوازن بين المؤسستين التشريعية والحكومية في المغرب، من خلال دراسة المرحوم الأستاذ عبد الرحمان القادري في التمثيلية الوساطة والمشاركة في النظام السياسي المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، 1997، ص 13.
(3) الفقرة الأخير من الفصل 88 من دستور 2011
(1) ظهير شريف رقم 1.15.33 صادر من جمادى الأولى 1436 الموافق 19 مارس 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم و تسيير أشغال الحكومة و الوضع القانوني لأعضائها ج.ر عدد 6348 الصادر في 2 ابريل 2015 ص :3515
(2) المادة 38 –القانون التنظيمي 065.13”تتكلف الحكومة الجديدة، التي عينها الملك باقتراح من رئيس الحكومة، طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور....”
(1)عبد القادرباينة ،قراءة دستورية و سياسية غي مسألة التنصيب الحكومة ، مقال منشور بجريدة الاتحاد الاشتراكي ، 2دجنبر 1993 ص 89
عبد اللطيف المانوني ، قراءات في مشروع الدستور ص111(2.
(1) الفصل 88 من الدستور في فقرته الأخيرة على ما يلي:" تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي"، لكن هذا النص يفتح الباب للتفسير المرن عندما تغيب فيه تبعات وآثار عدم الحصول على هذه الأغلبية المطلقة أو في حالة التصويت بالأغلبية المطلقة ضد البرنامج الحكومي
(2)المصطفى الكحلي ، الوظيفة الرقابية للبرلمان المغربي ص331
(1)الفصل 79من دستور 2011
(2)التي أسنده الدستور للسلطة التشريعية - -سالك المصطفى ، عالقة الحكومة بالبرلمان في ضوء الدستور الجديد )التنصيب البرلماني للحكومة نموذجا(، الأربعاء12أكتوبر2013https://www.marocdroit.com. _
1)سالك المصطفى ، عالقة الحكومة بالبرلمان في ضوء الدستور الجديد (التنصيب البرلماني للحكومة نموذجا)، الأربعاء12أكتوبر2013https://www.marocdroit.com. _ ا
(2) الفصل79من الدستور الجديد
(3)المؤسسة الملكية في ضوء دستور 2011 ص:363