مقال بعنوان: التحكيم في المنازعات الادارية
مقدمة :
إذا كان التحكيم نظاماً قانونياً , عرفته معظم التشريعات القديمة والحديثة على حدٍ سواء فإنَّ هذا النظام قد تطور، ولم يعد قاصراً على المنازعات المدنية والتجارية والدولية, بل اتسع نطاقه, ليشمل مجالات كانت بالأمس القريب بعيدة عنه, كما هو الحال في المنازعات الإدارية, التي تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفاً فيها, بوصفها سلطة عامة والتي لم يكن متصوَّراً -حتى عهد قريب- أن تقبل الدولة أن يتمَّ حسم منازعاتها بواسطة التحكيم بدلاً من إخضاعها لجهة القضاء, نظراً للامتيازات التي تتمتعَّ بها الإدارة في مواجهة غيرها ، وقبول الإدارة للتحكيم, يعني تنازلها عن هذه الامتيازات ومثولها على قدم المساواة مع غيرها أمام هيئة التحكيم، بل وتطبيق قانون أجنبي عليها قد لا يعرف التفرقة بين المنازعات الإدارية والمدنية.
و من خلال العديد من الكتابات الفقهية التي تعرضت لموضوع التحكيم الإداري يمكن تعريفه" بأنه هو الوسيلة القانونية التي تلجأ إليها الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة الأخرى لتسوية كل أو بعض المنازعات الحالية أو المستقبلية الناشئة عن علاقات قانونية ذات طابع إداري عقدية أو غير عقدية فيما بينها أو بين إحداها أو أحد أشخاص القانون الخاص الوطنية أو الأجنبية سواء كان اللجوء إلى التحكيم إجباريا أو اختياريا وفقا لقواعد القانون الآمرة.
كما يمكن تعريفه بأنه "نظام استثنائي للتقاضي بموجبه يجوز للدولة وسائر أشخاص القانون العام الأخرى إخراج بعض المنازعات الإدارية الناشئة عن علاقة عقدية أو غير عقدية وطنية وأجنبية من ولاية القضاء الإداري، لكي تحل بطريق التحكيم بناءا على نص قانوني يجيز ذلك وخروجا عن مبدأ الحظر العام الوارد على أهلية الدولة وسائر أشخاص القانون العام الأخرى في اللجوء إليه
ويطلق على التحكيم تسميات فرعية حسب طبيعة المنازعة التي يراد فضها,فاذا كانت المادة تجارية سمي التحكيم تجاريا,واذا كانت مدنية سمي تحكيما مدنيا,أما اذاكانت ادارية سمي التحكيم اداريا.الا أنه من أهم تقسيمات التحكيم هي تلك التي تميز بين التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري.ومعيار التمييز بين هذين النوعين من التحكيم هو مدى حرية أطراف النزاع في اللجوء الى التحكيم لتسوية خلافاتهم أومدى الزامية اللجوء اليه.
ويعد التحكيم أسلوبا بديلا عن القضاء ,بحيث أن اشتراطه يحول درن اللجوء الى القضاء في موضوع النزاع.ويختلف التحكيم عن القضاء في نقط مختلفة ,وذالك من حيث أساس ونطاق كل منهما,والى الصلاحيات التي تملكها هيئة التحكيم والمحكمة ,بالاضافة الى الآثار المترتبة عن كل منهما.
والوساطة شأنها شأن التحكيم ,تعد من الوسائل البديلة عن القضاء في حل المنازعات ,الا أن اللجوء اليها لا يمنع الاطراف من اللجوء الى القضاء في نفس موضوع النزاع.وتختلف عن التحكيم في كونها تعد نوعا من أنواع الصلح الاتفاقي,ففي التحكيم يتمتع المحكم بسلطات كبيرة في مواجهة أطراف النزاع .أما في الوساطة فهو لا يملك سوى مساعدتهم واستخدام الوسائل التي تؤدي الى توقيع الأطراف لاتفاق معين.
أن التغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية جعل اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي حتمية لفض مثل هذه المنازعة، لأجل ما تستلزمه خطط الدول التنموية كسياسة من شأنها العمل على تحفيز وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، بإتاحة وتهيئة المناخ المناسب الذي تتحقق فيه أوجه الضمان المختلفة ضد المخاطر السياسية والاقتصادية، وشرط التحكيم الذي يرمي إلى تسوية المنازعات التي تثور بمناسبة تنفيذ أو تفسير هذه العقود، يحتل مركزا بارزا في مجال الضمانات، لذا يشترط المستثمر إدراجه ضمن بنود العقد.
وعلى الرغم من أن اللجوء إلى التحكيم, أصبح وسيلة ملحة لحل هذه المنازعات ، إلا إنَّ الوضع، لم يكن بهذه السهولة ، حيث لم تكن هناك استجابة للتحكيم في المجال الإداري, فقد لاقى اللجوء إلى التحكيم الإداري هجوماً كبيراً ومعارضة من جانب الفقه والقضاء ، حيث انقسمت الآراء الفقهية وتضاربت الأحكام القضائية بين مؤِّيدٍ ومعارض, واختلفت التشريعات المقارنة حول مشروعية اللجوء إليه لحسم المنازعات الإدارية .
و حتى يواكب المغرب التطورات الحاصلة و مواجهة تحديات العولمة الاقتصادية إذ غالبا مايعزى رفض المستثمرين الأجانب للاستثمار اموالهم في المغرب خوفهم من عدم وجود قضاء عادل يكون محل ثقة،وبالتالي حكمت الوضعية الجديدة على المشرع المغربي أن يتماشى ويتجاوب مع التطورات الاقتصادية, وذلك بسنه قوانين تتجاوب مع متطلبات العصر ويستجيب لطموحات الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب،ولهذا فقد أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس اهتماما كبيرا من اجل حث المشرع على تطوير النظم القانونية المغربية حتى تكون مواكبة للعصر،حيث أكد في خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح السنة القضائية باكادير بتاريخ 29 يناير2003 "... وهكذا وتجسيدا لنهجنا الراسخ للنهوض بالاستثمار وتفعيلا لما ورد في رسالتنا الموجهة لوزيرنا الأول في هذا الشأن،فإننا ندعوا حكومتنا إلى مواصلة الجهود لعصرنة القضاء بعقلنة العمل وتبسيط المساطر وتعميم المعلوميات،كما يجب تنويع مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ من منازعات بين التجار.و كذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري الوطني والدولي,كي يستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسية ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي.
مراعاة للأهمية الكبرى للتحكيم في العقود الإدارية ، يكون من الملائم التوقف عند الاشكالية التالية:
هل استطاع المشرع المغربي بعد اصدار القانون 08.05 أن يضاهي التشريعات المقارنة في مجال التحكيم ,لفتح الباب واسعا أمام الاستثمار الاجنبي؟ وتتفرع عن هذه الاشكالية الرئيسية تسائلات فرعية أهمها:
- كيف تعاملت القوانين المقارنة مع التحكيم في مجال المنازعات الادارية؟
- وهل استطاع المشرع المغربي تجاوز الصعوبات و العراقيل بإصداره قانون التحكيم 05-08 ؟
- و ما هي الاعتبارات التي جعلت المشرع المغربي لم يصدر مدونة التحكيم مستقلة عن قانون المسطرة المدنية ؟
- و ما هي أهم المستجدات التي جاء بها القانون الجديد 05-08 ؟
وللاجابة عن الاشكالية الرئيسية في هذا العرض, وعن الأسئلة الفرعية سنعتمد على المنهج المقارن,مستعينين بالموازاة مع ذالك بالمقاربة الاستقرائية.عبر محورين أساسيين :
المبحث الأول موقف الأنظمة المقارنة من التحكيم في المنازعات الادارية
المبحث الثاني:أهمية التحكيم في فض المنازعات الادارية في التشريع المغربي
المبحث الأول: موقف الأنظمة المقارنة من التحكيم في المنازعات الادارية
إن التحكيم في المواد الادارية قد طرح اشكالات كبيرة خاصة بالنسبة للانظمة التي تنهج نظام القضاء المزدوج,اذ ظلت في بداية الأمر ترفض التحكيم في المنازعات الادارية ,بل تمنعها فقها وقضاءا وتشريعا.لكن مع تطور الأوضاع والظروف الاقتصادية ,أباحته بعض الانظمة صراحة مثل مصر(المطلب الأول),واجازته أخرى في حالات معينة مثل فرنسا(المطلب الثاني).المطلب الأول: التحكيم في القانون المصري
فأما الفقه المصري فقد عَرَّفَ التحكيم في المنازعات الإدارية بأنه:وسيلة قانونية تلجأ إليها الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة،وبمقتضاها يُستغنى بها عن القضاء الإداري لتسوية كل أو بعض المنازعات الحالية أو المستقبلة الناشئة عن علاقات ذات طابع إداري عقدية أو غير عقدية فيما بينها أو بين أحداها أو أحد أشخاص القانون الخاص الوطنية أو الأجنبية، سواء كـان اللجـوء اختيـاريًّاأو إجباريًّا، وَفْقًا لقواعد القانون الآمرة.
أما النصوص القانونية فإنها لم تتعرض لتعريف محدد للتحكيم في المنازعات الإدارية.
فالقانون المصري مثلا لم يورد أي تعريف للتحكيم في المنازعات الإدارية كما فعل في التحكيم التجاري والتحكيم الدولي .
الفرع الأول:موقف المشرع المصري
حسم المشرع المصري مسألة التحكيم في العقود الادارية الوطنية والعقود الادارية ذات الطابع الدولي وذالك بقانون التحكيم رقم (27) لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1997, حيث نصت المادة الاولى منه على أنه ,"مع عدم الاخلال باحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية ,تسري احكام هذا القانون على كل تحكيم بين الاطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع اذا كان هذا التحكيم يجري في مصر ,أو كان تحكيما دوليا واتفق اطرافه على اخضاعه لهذا القانون".
وبالنسبة لمنازعات العقود الادارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص المعنوية العامة,ولا يجوز التفويض في ذالك".
يتضح من نص المادة المشار اليها بان نطاق تطبيق قانون التحكيم المصري يشمل كافة العقود الادارية سواء العقود الادارية الوطنية ,او ذات الطابع الدولي ,وذالك لعمومية النص,كما يشمل جميع منازعات العقود الادارية سواء حدثت في مرحلة ابرام العقد أو تنفيذه او ما يترتب عليه من آثار.
ويشترط المشرع المصري لتطبيق قانون التحكيم في العقود الادارية ,موافقة الوزير المختص أو من يقوم مقامه, ولا يجوز التفويض في اعمال هذه الموافقة لاعتبارات الصالح العام.
كما اكد المشرع المصري التحكيم في منازعات العقود الادارية بصدور قانون المناقصات والمزايدات رقم (89) لسنة 1998 حيث نص أنه "يجوز لطرفي العقد عند حدوث خلاف أثناء تنفيد الاتفاق على تسويته عن طريق التحكيم بموافقة الوزير المختص ,مع التزام كل طرف بالاستمرار في تنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد 1
الفرع الثاني: موقف الفقه من التحكيم الاداري:الاتجاه المعارض-الاتجاه المؤيد
انقسم الفقه بشأن امكانية اللجوء الى التحكيم لاداري بعد صدور القانون رقم 27 لسنة 1994 الى اتجاهين:رأي معارض(الفقرة الأولى), ورأي مؤيد(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أسانيد وحجج الاتجاه المعارض للجوء الى التحكيم في مجال العقود الادارية
تدورا لحجج التي يعتمد عليها هذا الاتجاه في معارضة ورفض استخدام هذه الوسيلة في تسوية النزاعات التي تنشأ عن العقود الادارية ,وتدور حول محور أساسي وحجة رئيسية مؤداها أن هذه الطريقة تصطدم بثوابت يقوم عليها القانون العام .
فالتحكيم يقوم به أفراد عاديون أوهيئات خاصة وقد يحتمل تطبيق قانون أجنبي ,وسيادة الدولة تأبى أن تمثل أمام قضاء خاص ,أو أن يحكم عليها وفق قانون أجنبي.فالدولة أو الادارة كسلطة عامة لا يمكن أن يحكم عليها الا بواسطة قضائها الرسمي الذي ينص عليها دستورها ,وتنظمه قوانينها.
ويأتي عل رأس هذا الاتجاه الأستاذ سليمان الطماوي –رحمه الله- حيث يرى ان الاتفاق على التحكيم في مجال العقود الادارية يؤدي الى تعديل في قواعد الاختصاص لمنظمة للولاية القضائية لمجلس الدولة.وهذه القواعد قد وردت في قانون ,ولا يجوز تعديلها الا بقانون مثله وليس بقرار أو بعقد,أي لا يجوزمثل هذا التعديل الا باداة قانونية مساوية في القوة والمرتبة للأداة التي نظمت ااختصاص محاكم مجلس الدولة.فالدولة وحدها لها حق فرض هذه العدالة,فلا يملك أحد أن يرفض تدخلها أو أن يتحرر من سلطانها لأن القضاء هو مظهر سيادتها.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن التحكيم الاختياري يقوم على أساسين يتعين توافرهما معا لمشروعيته هما: ارادة الخصوم من ناحية ,واقرار المشرع لهذه الارادة من ناحية اخرى ,بحيث اذا تخلف أحد هذين الاساسين أضحى الاتفاق غلى اللجوء الى التحكيم الاختياري مفتقدا لشرعيته.
الفقرة الثانية:موقف الاتجاه المؤيد
وقد استند هذا الفريق لجواز التحكيم في المنازعات الادارية على مدلول نص المادة الأولى من القانون رقم 27لسنة 1994,حيث يشمل مفهوم التحكيم جميع المنازعات ذات الطابع الاقتصادي اذ ينطبق على المنازعات المدنية والتجارية ,ويمتد شمل المنازعات الادارية ذات الطابع الاقتصادي .
ويدعم هذا الفريق موقفه بعمومية النص. هذه العمومية تفسر لصالح التحكيم الاداري تطبيقا للقاعدة الأصولية التي تقضي بان :"العام يؤخذ على اطلاقه ما لم يخصص"وأنه "لا اجتهاد مع وجود النص". وتبعا لذالك ,انتهى الفريق الى القول بامتداد نطاق التحكيم على العقود الادارية باعتبارها احدى صور العلاقات القانونية بين أشخاص القانون العام والخاص.3
وقد رد اصحاب هذا الاتجاه على من شكك في استقلالية مجلس الدولة –والتي أقرتها المادة 172 من الدستور- أمام اللجوء الى التحكيم لفض المنازعات ,كون أن الاستقلال المقصود للمجلس هو استقلال غيره من الهيئات الأخرى القضائية, أما التحكيم فهو اسلوب لفض المنازعات يقوم أساسا على ارادة الطرفين.ولا يمكن أن يفرض على الادارة جبرا عنها ,وانما تلجئ اليه هذه الأخيرة بمحض ارادتها .وهي ان فعلت ذالك فقد مارست حريتها التعاقدية ,ومن تم يمنع عليها أن تتذرع فيما بعد بحصانتها القضائية .
المطلب الثاني: مشروعية اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية في فرنسا
أجمع الفقه والقضاء الفرنسي في بادئ الأمر على عدم جواز الاتفاق على التحكيم بالنسبة لأشخاص القانون العام إلا بنص تشريعي صريح، واستندوا في ذلك إلى نص قانون الإجراءات المدنية الفرنسية في المادة 83 والمادة 1004، واللتان عدلا فيما بعد بالمادة 2060 من القانون المدني الحديث الصادر في 5 يوليوز 1972 على حظر التحكيم في المنازعات التي تتصل بالدولة أو الأشخاص العامة وقد أكد قضاء مجلس الدولة الفرنسي أيضا على حظر الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية وذلك وفقا للأحكام التي صدرت منه نذكر منها قوله:
“إن إدراج شرط التحكيم بالعقود الإدارية يعد باطلا بطلانا كما أن للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه”.
وأمام هذه المواقف المتشددة من الفقه والقضاء الفرنسيين ,الا أنها كانت تعف بعض الاستثناء لبعض الجهات الحكومية الفرنسية في فض منازعات عقودها الإدارية بطريقة التحكيم نذكر منها:
قانون 17 أبريل لسنة 1906 والذي نص في المادة 69 منه على جواز التحكيم وفقا لأحكام الباب الثالث من قانون الاجراءات المدنية الفرنسية لإنهاء المنازعات المتعلقة بتصفية نفقات عقود الاشتغال العامة والتوريد وحدد هذا القانون نطاق تطبيقه وشروط أعماله.
فقد أجاز هذا القانون للدولة والمديريات والمحليات، إبرام اتفاق التحكيم في عقود الأشغال والتوريدات المتعلقة بتصفية نفقاتها فقط وإشترط أن يتم اللجوء إلى التحكيم من خلال مشارطة التحكيم فقط، أي بعد نشوء النزاع فلا يصح وفقا لهذا القانون إدراج شرط التحكيم في العقد، وإنما يتم ذلك بعد حدوث النزاع وإقرار هذا القانون لمشارطة التحكيم يتفق مع ما ذهب إليه المشرع من تقييد نطاق هذا القانون بنوع معين من النزاعات والتي تتصل بتصفية نفقات الأشغال العامة والتوريدات.والذي تم التوسع في مجال تطبيقه بموجب مرسوم 25 يوليوز 1960.
كما أنه يشترط موافقة مجلس الوزراء بمرسوم يوقع عليه وزير المالية والوزير المختص حسب الأحوال، وذلك فيما يتعلق بعقد الأشغال العامة أو التوريد الخاص بالدولة، أما إذا تعلق العقد بالمديريات فيجب أن يناقش مجلس المديرية شرط التحكيم ويوافق عليه أيضا الوزير المختص وإذا تعلق بالبلديات فإنه يجب موافقة المجلس البلدي واعتماد مدير المقاطعة، وكل هذه الشروط تعتبر جوهرية ويجب اتخاذها، وإلا وقع البطلان لمشارطة التحكيم.
كما عرف الحظر المذكور في نطاق المادة 2060 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي نوعا من الليونة ,باضافة المشرع على المادة المذكورة فقرة ثانية بموجب القانون الصادر في 5 يوليوز 1975 والتي تجيزالتحكيم لبعض المؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري ,على أن يصدر بتحديدها مرسوم.
ولقد أجمعت هذه الاستثناءات ,وأدرجت في المادة 6311 من القانون 2000-387 الصادر في 4 ماي 2000 ,والتي أثارت انتقادات الفقهاء ,على أساس أنه كان من المنطقي أن تدرج هذه الاستثناءات في المادة 2060 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية .
وبالرغم من هذا التشدد الثلاثي – التشريع والفقه والقضاء – إلا أن بعض من الأحكام القضائية قد ظهرت منذ عام 1933 وخففت من هذا القيد بتقريرها أن هذا الحظر بالنسبة لأشخاص القانون العام يسري فقط في المعاملات الداخلية.
وقد ظلت القواعد العامة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي تبنى على عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك وقد تدخل المشرع الفرنسي لأول مرة في هذا الشأن بمقتضى قانون 19 أغسطس لسنة 1986 والذي أجاز للدولة وللمقاطعات وللمؤسسات العامة أن تقبل شروط التحكيم في عقود الدولة المبرمة مع شركات أجنبية وذلك استثناء من أحكام المادة 2060 من القانون المدني – كما سبق الذكر- وبصدور هذا القانون أجاز المشرع الفرنسي تضمين شرط التحكيم في كافة العقود الدولية التي تبرمها الدولة والمقاطعات والمؤسسات العامة بشرطين:
أولهما: أن يكون العقد مبرما مع شركة أجنبية وأن يكون دوليا فلا يجوز هذا الاستثناء مع عقد إداري مبرم مع شركة وطنية.
ثانيهما: أن يكون العقد بخصوص مشروع ذا نفع عام يبرر اللجوء إلى التحكيم وأسوة بما قررته معظم دول العالم بشأن جواز التحكيم في العقود الإدارية .
وبذالك نستطيع أن نستخلص من التطور التشريعي للقوانين المتعاقبة في فرنسا بخصوص هذا الموضوع، أن الدولة لم تستطع أن تقاوم حجم المعاملات الدولية التي تقوم بها أشخاص القانون العام والتي تأخذ عادة شكل العقود النموذجية الدولية التي يكون التحكيم فيها شرطا أساسيا، وهاما وبغيره لن يتم الاتفاق على العقد.
ويمكن التأكيد من خلال هذا التطوير التشريعي أن المشرع الفرنسي لن يصمد طويلا أمام هذا الخطر الذي أوجبه على أشخاص القانون العام في العقود الداخلية أسوة بالعقود الدولية، لأن عوامل التنمية في البلاد تلعب دورا أساسيا في تغيير التشريعات الداخلية بما يتلاءم موافقتها وانسجاما مع المتغيرات الدولية وخاصة بعد تطبيق اتفاقية الجات التي جعلت من العالم بأجمعه قرية تجارية صغيرة تتأثر بها كافة الدول ، بما في ذلك المعاملات الداخلية داخل القطر الواحد .
المبحث الثاني:أهمية التحكيم في فض المنازعات الادارية في التشريع المغربي
المطلب الأول:تطور قانون التحكيم في المغرب
ومن ثم فان سبب حظر التحكيم في العقود الادارية ومختلف المنازعات الادارية ,يرجع في نظر المشرع وقتئذ الى اعتبار مثل هذه المنازعات التي تحكمها قواعد القانون العام ,تندرج ضمن النظام العام التي لا يجوز التحكيم بشأنه.ولهذا السبب أيضا نكاد لا نعثر على أي دراسة في المغرب تناولت التحكيم في المنازعات الادارية قبل صدور القانون رقم 08.05 - كما قال الأستاذ محمد المحجوبي- فماذا بعد صدور هذا القانون؟
كما جاء قانون 05-08 فخرج عن الكثير من هذه الأحكام المتشددة، فرغم أن المشرع أوجب تحرير اتفاق التحكيم كتابة سواء بعقد رسمي أو عرفي أو محضر ينجز أمام هيئة التحكيم فقد خفف من شرط الكتابة بنصه في الفصل 313 من قانون 05-08 "يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتكلس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الأخر في ذلك.
كما أنه في ظل النصوص القديمة المنظمة للتحكيم اقتصرت فقط على تنظيم التحكيم الداخلي وأغلقت تنظيم التحكيم الدولي لكن التعديل الجديد حاول تخطي هذا النقص بحيث خصص القسم الأول للتحكيم الداخلي من الفصل 306 إلى الفصل 38-327 والقسم الثاني خصه للتحكيم الدولي وذلك من الفل 39-327 إلى الفصل 54-327. وبالرجوع إلى الفصل 39-327 من ق.م.م نلاحظ أن المغرب يأخذ للتمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي بمعيار التنفيذ في دولة غير الدولة التي صدر فيها الحكم، وهو المعيار الذي اتخذته معاهدة نيويورك لسنة 1958 وصادق عليها المغرب. كما أنه وبالرجوع إلى الفصل 40-327 نلاحظ أن المشرع المغربي قد حدد الحالات التي يعتبر فيها التحكيم دوليا، وبذلك يكون قد حسم أي خلاف في هذا الشأن.
المطلب الثاني:طبيعة قانون وواقع التحكيم في المغرب
كما قام بتقييد الشخص المعنوي في تولي مهمة المحكم حيث أجاز له سوى صلاحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره لكن الواقع العملي أن هناك شركات ذات خبرة أكثر من الشخص الذاتي. ومن الأمور التي تدعوا إلى الانتقاد كون المشرع لم يفرق بين التحكيم المدني والتحكيم التجاري وذلك عكس بعض التشريعات المقارنة، أما بالنسبة للتعديل فقد جاء أكثر غموض من القانون السابق حين وسع من نطاق التحكيم التجاري على حساب التحكيم المدني وذلك بشكل غير مباشر من خلال اقتصار أغلب فصوله على المعاملات التجارية وإقصائه للمعاملات المدنية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الإتجاه الخاطىء والغير البناء الذي سلكه تعديل قانون 05-08، فعوض تشجيع أفراد المجتمع المدني على فض نزاعاتهم عن طريق القانون التفاوضي الإرادي سلك القانون اتجاه تشجيع الأفراد الذين ليست لهم صفة التاجر ولوج المحاكم. رغم كون المترقبين لتعديل المسطرة كانوا ينتظرون توسيع من فئة المجتمع المدني للاستفادة من هذه الوسيلة لفض منازعاتهم وخاصة فيما يخص نزاعات الشغل والشخصية.
---------------------------
لائحة المراجع :
- أشرف محمد خليل حماد:التحكيم في المنازعات الادارية وآثاره القانونية.دار الفكر الجامعي الاسكندرية 2010
- جورجي شفيق ساري :التحكيم ومدى جواز اللجوء اليه لفض المنازعات في مجال العقود الادارية.دار النهضة العربية القاهرة
- شعيبي المذكوري :القرارات التحكيمية في قانون المسطرة المدنية
محمد محجوبي:دور التحكيم في سوية منازعات العقود الادارية الداخلية في ضوء القانون المغربي والمقارن
- مليكة الصروخ:الصفقات العمومية في المغرب .دار القلم 2012